إن الحديث عن الرحمة لحديث متسع الجنبات متعدد الأركان ونحن هنا لا نريد الحديث عن الرحمة بمعنى هداية الناس وإنقاذهم من ضلال الغفلة وإلا لما اتسعت صفحات رايات العز بكل أعدادها للحديث في هذا الباب ولكنا نذكر موقفا إنسانيا واحدا لمولانا الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي الله عنهما جعل دموعي تنساب على وجناتي ليس حزنا ولكن خجلا ، فإن من أساليب التعليم اكتساب محاسن الأخلاق بالقدوة وليس بالدروس والشرح المستفيض.قد يعلمك الشيخ بل أقول يعلمك الشيخ بتصرف بسيط في مظهره عظيم في مخبره درسا لو جلست إلى كل مؤدبي الأرض ما وعيته ، وها نحن اليوم في عطبره برفقة الشيخ رضي الله عنه للقاء أحبابه وبعد اللقاء والحضرة والمديح خرجنا سكارى بغير مُحَرَّم نبحث عن فراش يأوينا لهجعة الليل لتعيننا على يقظة الفجر ،ولا شك أن هذا الفراش سوف يكون في ساحة الزاوية لأن حرارة الغرف لا تطاق لأنها امتصت حرارة شمس الصيف القائظ لتحتفظ لنا بها ظنا منها أنا قد افتقدناها وما علمت أننا قد فارقناها طواعية في النهار فكيف الحال بالليل، المهم أعد كل منا فراشه وانتظرنا حتى يبرد الفراش من حرارة الغرف وآوى كل منا إلى فراشه وبدأ بعض الأحباب في ممارسة عزف السيمفونيات المصاحبة للنوم من جراء وعثاء السفر ، وعالجت أذني بشيء يخفف من حدة تلك المعزوفات التي لا تعترف بالنوتة الموسيقية والتي أعلم جيدا أنني بعد قليل سوف أصبح أحد العازفين.
ولكن ما هذا الذي يجري حولي فقد خرج أحد الأحباب يحمل فراش الشيخ ليضعه في الفناء معنا ، صحيح أنه على بعد ولكن أي بعد وكيف تنام هكذا معه في فناء واحد؟ ولكن قلت لنفسي تشجع وخذ قسطا من الراحة لتقوى على القيام مع الشيخ وقت السحر وصلاة الصبح وهممت إلى اللحاف ولو أني أكره الغطاء في الصيف ألتف بها فلا تظهر معالمي وأنام ، فإذا أنا بمشكلة أخرى فلا يمكن أن تكون قدميك في جهة القبلة وهذا الاتجاه به فراش الشيخ رضي الله عنه وهذا الجانب يكره النوم عليه، فقلت لنفسي لا مفر من قيام الليل كاملا ، ومجبر أخاك لا بطل أخرجت سبحتي وبدأت أورادي وكانت ليلة من ليالي الاجتهاد والسهر مع لحظات من الإغفاء تمسح كل العناء.
وانتبهت من أحد الغفوات لأجد الشيخ رضي الله عنه جالسا في فراشه ثم قام إلى غرفته في مشية على أطراف أصابعه يتحسس طريقه في لطف لا يقتل نملة إذا وطأتها قدميه ، وأنا لا أدري كيف أتصرف! أأقوم إليه أساعده في فتح الغرفة وتجهيز الوضوء؟ أم ماذا أفعل لا أدري ؟ وبينما أنا في حيرة من أمري قام أحد الأخوة الموكلين بشرف الخدمة وقال بصوت مسموع لا تؤاخذني يا مولانا وأشعل نور البطارية وهم بالسير أمام الشيخ ولكن الشيخ نهره بصوت خفيض (اطفي البطارية ولا تتحدث بصوت عال ألا ترى الناس متعبين يرجون لحظات من الراحة) ثم سار الشيخ حتى وصل إلى باب غرفته فأخرج المفاتيح وفتح الباب ودخل إلى غرفته ببطئ حتى لا تصدر المفاتيح ولا الباب صوتا قد يقلق النائمين. أي رحمة هذه وأيما رأفة جل وصف غراسها.
تعليقات: 0
إرسال تعليق