برهانيات كوم
المشورة
قال الإمام الحسن: الناس ثلاثة: فرجل رجل - ورجل نصف رجل - ورجل لا رجل .. فأما الرجل الرجل فذو الرأى والمشورة، وأما الرجل الذى هو نصف رجل، فالذى له رأى ولا يشاور، وأما الرجل الذى ليس برجل، فالذى ليس له رأى ولا يشاور.
كان اليونان والفرس لا يجمعون وزراءهم على أمر يستشيرونهم فيه وإنما يستشيرون الواحد منهم من غير أن يعلم الآخر به لمعان شتى منها لئلا يقع بين المستشارين منافسة، فتذهب إصابة الرأى، لأن من طباع المشتركين فى الأمر التنافس والطعن من بعضهم فى بعض، وربما سبق أحدهم بالرأى الصواب فحسموه وعارضوه، وفى اجتماعهم أيضا للمشورة تعريض السر للإذاعة، فإذا كان كذلك وأذيع السر لم يقدر الملك على مقابلة من أذاعه للإبهام، فإن عاقب الكل عاقبهم بذنب واحد، وإن عفا عنهم ألحق الجانى بمن لا ذنب له.
قال الأحنف: لا تشاور الجائع حتى يشبع ولا العطشان حتى يروى ولا الأسير حتى يطلق ولا المقل حتى يجد.
لما أراد نوح بن مريم قاضى مروان أن يزوج ابنته استشار جارا له مجوسيا، فقال: سبحان الله الناس يستفتونك وأنت تستفتينى!! فقال: لابد أن تشير على، قال: إن رئيس الفرس كسرى كان يختار المال، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، ورئيس العرب كان يختار الحسب، ورئيسكم محمد كان يختار الدين، فانظر لنفسك بمن تقتدى.
حكى أن رجلا من أهل يثرب يعرف بالأسلمى قال: ركبنى دين أثقل كاهلى وطالبنى به مستحقوه، واشتدت حاجتى إلى ما لابد منه، وضاقت علىّ الأرض، ولم أهتد إلى ما أصنع، فشاورت من أثق به من ذوى المودة والرأى، فأشار على بقصد المهلب بن أبى صفرة بالعراق، فقلت له: تمنعنى المشقة وبعد الشقة وتيه المهلب، ثم إنى عدلت عن ذلك المشير إلى استشارة غيره، فلا والله ما زادنى على ما ذكره الصديق الأول، فرأيت أن قبول المشورة خير من مخالفتها، فركبت ناقتى وصحبت رفقة فى الطريق، وقصدت العراق، فلما وصلت، دخلت على المهلب، فسلمت عليه وقلت له: أصلح الله الأمير إنى قطعت إليك الدهنا وضربت أكباد الإبل من يثرب، فإنه أشار على بعض ذوى الرأى بقصدك لقضاء حاجتى، فقال: هل أتيتنا بوسيلة أو بقرابة وعشيرة، فقلت: لا، ولكنى رأيتك أهلا لقضاء حاجتى، فإن قمت بها فأهل لذلك أنت، وأن يحل دونها حائل لم أذم يومك، ولم أيأس من غمك، فقال المهلب لحاجبه: اذهب به وادفع إليه ما فى خزانة مالنا الساعة، فأخذنى معه، فوجدت فى خزانته ثمانين ألف درهم، فدفعها إلى، فلما رأيت ذلك لم أملك نفسى فرحا وسرورا، ثم عاد الحاجب به إليه مسرعا، فقال: هل ما وصلك يقوم بقضاء حاجتك؟ فقلت: نعم أيها الأمير وزيادة، فقال: الحمد لله على نجاح سعيك واجتنائك جنى مشورتك، وتحقق ظن من أشار عليك بقصدنا.
قال الأحنف: لا تشاور الجائع حتى يشبع ولا العطشان حتى يروى ولا الأسير حتى يطلق ولا المقل حتى يجد.
لما أراد نوح بن مريم قاضى مروان أن يزوج ابنته استشار جارا له مجوسيا، فقال: سبحان الله الناس يستفتونك وأنت تستفتينى!! فقال: لابد أن تشير على، قال: إن رئيس الفرس كسرى كان يختار المال، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، ورئيس العرب كان يختار الحسب، ورئيسكم محمد كان يختار الدين، فانظر لنفسك بمن تقتدى.
حكى أن رجلا من أهل يثرب يعرف بالأسلمى قال: ركبنى دين أثقل كاهلى وطالبنى به مستحقوه، واشتدت حاجتى إلى ما لابد منه، وضاقت علىّ الأرض، ولم أهتد إلى ما أصنع، فشاورت من أثق به من ذوى المودة والرأى، فأشار على بقصد المهلب بن أبى صفرة بالعراق، فقلت له: تمنعنى المشقة وبعد الشقة وتيه المهلب، ثم إنى عدلت عن ذلك المشير إلى استشارة غيره، فلا والله ما زادنى على ما ذكره الصديق الأول، فرأيت أن قبول المشورة خير من مخالفتها، فركبت ناقتى وصحبت رفقة فى الطريق، وقصدت العراق، فلما وصلت، دخلت على المهلب، فسلمت عليه وقلت له: أصلح الله الأمير إنى قطعت إليك الدهنا وضربت أكباد الإبل من يثرب، فإنه أشار على بعض ذوى الرأى بقصدك لقضاء حاجتى، فقال: هل أتيتنا بوسيلة أو بقرابة وعشيرة، فقلت: لا، ولكنى رأيتك أهلا لقضاء حاجتى، فإن قمت بها فأهل لذلك أنت، وأن يحل دونها حائل لم أذم يومك، ولم أيأس من غمك، فقال المهلب لحاجبه: اذهب به وادفع إليه ما فى خزانة مالنا الساعة، فأخذنى معه، فوجدت فى خزانته ثمانين ألف درهم، فدفعها إلى، فلما رأيت ذلك لم أملك نفسى فرحا وسرورا، ثم عاد الحاجب به إليه مسرعا، فقال: هل ما وصلك يقوم بقضاء حاجتك؟ فقلت: نعم أيها الأمير وزيادة، فقال: الحمد لله على نجاح سعيك واجتنائك جنى مشورتك، وتحقق ظن من أشار عليك بقصدنا.