-->
إغلاق القائمة
إغلاق القائمة
404
نعتذر فقد تم نقل الموضوع ; الرجاء زيارة الارشيف! الأرشيف

الخميس، 31 أغسطس 2017

من كتاب الفرقة الناجية للدكتور ابراهيم الدسوقى ( لم ينشر )

من كتاب الفرقة الناجية للدكتور ابراهيم الدسوقى ( لم ينشر  )
=

برهانيات كوم 

من كتاب الفرقة الناجية للدكتور ابراهيم الدسوقى ( لم ينشر بعد ) 

شاع وذاع على لسان كثير من السلف أن اختلاف الأمة في الفروع هو ضرب من ضروب الرحمة ، فروى عن القاسم بن محمد (1) قوله : (( كان اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحمة )) (2) وعن عمر بن عبد العزيز (3) : (( ما يسرني باختلاف أصحاب النبي ش حُمْرُ النَّعَم )) (4) واشتهر حديث عند الفقهاء وهو : (( اختلاف أمتي رحمة )) (5) . وهذا كله حق لا مرية فيه ، إلا أنه حق يعوزه شيء من التفصيل، وهذا التفصيل ذكره الإمام الشافعي - رحمه الله - في (( رسالته )) حيث جعل لهذا الاختلاف المرحوم قسيماً آخر ، وهو : الاختلاف المحرَّم ، فلما سئل - رحمه الله - ما الاختلاف المحرّم ؟ قال: (( كل ما أقام الله به الحجة في كتابه ، أو على لسان نبيِّه منصوصاً بيّناً لم يحلَّ الاختلاف فيه لمن علمه )) واستدل على ذلك من كتاب الله تعالى بقوله : - عز وجل - { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة { [ البينة : 40 ] وبقوله - عز وجل - : { ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات } [ آل عمران : 105 ] فهؤلاء المخالفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم ، وجاءتهم البينة ، فاختلفوا للبغي والظلم ، لا لأجل اشتباه الحق بالباطل (6) .

__________

(1) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أحد الفقهاء السبعة في المدينة وأحد سادات التابعين توفي سنة 107 هـ .

انظر ترجمته في : شذرات الذهب 2 / 44 ، الأعلام 5 / 181 .

(2) انظر : الطبقات الكبرى 5 / 89 .

(3) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي القرشي أبو حفص ، قيل له : خامس الخلفاء الراشدين لعدله وصلاحه ، توفي سنة 101 هـ .

انظر ترجمته في : شذرات الذهب 2 / 7 ، الأعلام 5 / 50 .

(4) انظر : الطبقات الكبرى 5 / 381 .

(5) والحديث ليس له أصل . انظر : الدرر المنتثرة ص 41 .

(6) انظر : الرسالة ص 352 .




ومن ههنا نشأ الوهم عند من أطلق جواز الترخّص بمسائل الخلاف ، مستدلاً بعموم أقوال الأئمة ، فأصابهم في ألفاظ العموم ، ما أصاب غيرهم في ألفاظ العموم في نصوص الشارع ، فسمعوا أن الاختلاف رحمة ، فاعتقدوا أن هذا شامل لكل خلاف ، ولم يتدبروا أن الخلاف له ضوابط وشروط ، وإلا كان محرّماً مذموماً .

أما كون اختلاف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة ، فلأنهم كانوا على الحنيفية السمحة ، ففتحوا باب الاجتهاد للناس ، فتنازعوا وهم مؤتلفون متحابون ، يُقرُّ كل واحد منهم الآخر على اجتهاده ومن لطيف توجيهات ابن تيمية في كون الخلاف رحمة قوله ما ملخصه : إن النزاع قد يكون رحمة لبعض الناس ، لما فيه من خفاء الحكم ، فقد يكون في ظهوره تشديداً عليه ، ويكون من باب قوله تعالى - عز وجل - : { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } [ المائدة : 101 ] لهذا صنّف رجل كتاباً سماه : (( كتاب الاختلاف )) فقال أحمد : سمه (( كتاب السعة )) وضرب لها مثلاً بما يوجد في الأسواق من الطعام والشراب والثياب ، فقد يكون في نفس الأمر مغصوباً ، فإذا لم يعلم الإنسان بذلك ، كان كله له حلاً لا إثم عليه بحال ، بخلاف ما إذا علم (1) .

وبيَّن رحمه الله أن من تبعات الخلاف المحرّم أن يخفى عنهم العلم بما يوجب الرخصة ، فكما أن الله تعالى حرّم على بني إسرائيل طيبات أحلت لهم لأجل ظلمهم وبغيهم ، وشريعة محمد ش لا تُنسخ ، لكنهم يعاقبون بتحريم ما هو طيب حلال لخفاء تحليل الله ورسوله عندهم ، كما فعل ذلك كثير من الأمة اعتقدوا تحريم أشياء فروج عليهم بما يقعون فيه من الأيْمان والطلاق ، واعتقدوا تحريم كثير من المعاملات التي يحتاجون إليها كضمان البساتين ، والمشاركات ، فصارت محرمة عليهم تحريماً كونياً ، وتحريماً شرعياً في ظاهر الأمر (2) .

__________

(1) انظر : مجموع الفتاوى 14 / 159 .

(2) انظر : مجموع الفتاوى 14 / 153 .




وشرور الخلاف لا تنقضي ، وشرُّها إذا استحال إلى تعصب للمذاهب والآراء بالباطل ، واتباعٍ للظن وما تهوى الأنفس . وما يتبع ذلك من تباغض وتدابر ، بل وتلاعن . وإذا أنعمت النظر وجدت أن أكثر هذه المسائل المتنازع فيها هي من الفروع الخفية التي يسوغ فيها الخلاف ، وأغلب هؤلاء المتعصبين إنما قامت عصبيتهم على الانتصار للنفس والهوى لا الانتصار للحق ، وهذا أمر خفي دقيق يتسلل إلى القلوب والنفوس ، لذلك نبّه عليه ابن رجب فقال : (( ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين ، وكثر تفرقهم ، كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم ، وكل منهم يظهر أنه يبغض لله ، وقد يكون في نفس الأمر معذوراً ، وقد لا يكون معذوراً ، بل يكون متبعاً لهواه مقصراً في البحث عن معرفة ما يبغض عليه ، فإن كثيراً من البغض إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق ، وهذا الظن خطأ قطعاً ، وإن أريد أنه لا يقول إلا الحق فيما خولف فيه . وهذا الظن قد يخطئ ويصيب . وقد يكون الحامل على الميل إليه مجرّد الهوى والألفة، أو العبادة، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله . فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه ، ويتحرز في هذا غاية التحرز . وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهى عنه من البغض المحرّم . وههنا أمر خفي ينبغي التفطن له، وهو أن كثيراً من أئمة الدين قد يقول قولاً مرجوحاً ، ويكون مجتهداً فيه مأجوراً على اجتهاده فيه . موضوعاً عنه خطؤه فيه، ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة ، لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله ، بحيث لو أنه قد قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ، ولا انتصر له، ولا والى من يوافقه ، ولا عادى من يخالفه ، ولا هو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه . وليس كذلك ، فإن متبوعه إنما كان قصده الانتصار للحق، وإن أخطأ في اجتهاده .




مشاركة المقال
mohamed fares
@كاتب المقاله
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع برهانيات كوم .

مقالات متعلقة

إرسال تعليق



Seoplus جميع الحقوق محفوظة ل برهانيات كوم