برهانيات كوم
أيها الأحباب ..انظروا إلى قول الحق سبحانه لسيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام، عندما ذهبا إلى فرعون وهو يدعى الألوهية، ورغم ذلك أمرهما سبحانه بملاطفته فقال ""فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا"" .
وقد عَدّ الإمام السهروردى فى «الآداب» مِن رُخص الصوفية:
التكلُّف مع أبناء الدنيا والرؤساء والسلاطين والقيام لهم، وحسن الإقبال عليهم، والأدب فى ذلك ألاّ يكون طمعاً فى دنياهم، ولا اتخاذ جاه عندهم، فكان يَدخل عليه سادات قريش فَيُكرمهم، ويُجِلَّهم، ويُحسن مجالستهم، وبذلك وصَّى رسول الله حيث قال (إذا أتاكم كريمَ قومٍ فأكرِموه) .
وكذلك معاملة الملوك والوُلاة على هذا السبيل، فإذا عاملت الملوك والسلاطين بمعاملة الرعية، فقد استخففت بحق السلطان، وكيف يجوز أن تستخف بحقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم (السلطان ظل الله فى الأرض فمن أكرمه، أكرمه الله، ومن أهانه، أهانه الله) به تَسكُن النفوس، وتُجمع الأمور.
وكما قال سيدى إبراهيم الدسوقى، صاحب الطريق الذى نهتدى بأنواره فى دياجير الجهل الأخلاقى 'إذا جئتم بالأقوال وجاء العجم بالأفعال فهم أحق بمحمدٍ منكم'.
والأفعال هى التخلق بما جاء به الحبيب، والأقوال إنما هى التشدق والتعلق بما قال، ولذا وجدنا سيدى فخر الدين مولانا الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى قد رفع راية العلم مع الأخلاق جنبا إلى جنب، فما كان منه إلا قول عليم وفعل حليم، وسار على دربه إمام حكيم، هو مولانا الشيخ إبراهيم الذى قال فى خطابه السنوى عام :
(ومَن قال أن دَور رسول الله قد انتهى بانتقاله إلى الرفيق الأعلى فقد ضل ضلالاً بعيداً، والعياذ بالله، ونحن هنا نُذَكِّر الأمة ببعض وظائف الحبيب التى وردت فى آية واحدة من الذكر الحكيم، الذى نزل إجمالهُ وتفصيلهُ على الحبيب، ومن أجل الحبيب، إذ يقول عز من قائل ""يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا • وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا"" فالشاهد على الأمة كيف تَصِح شهادته على أمتهِ وقد انقطعت صلتهِ بموتهِ؟!! ومَن قال أن السراج المنير الذى يستمد نوره من النور الإلهى يُطفأ ""وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"" . أهـ
ولذا .. بدأت الحضارة الإسلامية فى الإزدهار فى ظاهر الأمر، بعد أن امتلأت القلوب والأرواح بالحضور الأخلاقى للأنوار المحمدية، ونَضحت على الأبدان تصرفاً وسلوكاً.
وخلاصة ما ذكره ابن خلدون قال:
بَعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب إقليدس، وبعض كتب الطبيعيات، فقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها، وازدادوا حرصا على الظَّفر بما بقى منها.
وجاء الخليفة هارون الرشيد من بعد ذلك، وكانت له فى العلم رغبة، فأوفد الرسل إلى مَلك الروم، فى استخراج علوم اليونانيين، وانتساخها بالخط العربى، وبعث المترجمين لذلك، فأخذ منها واستوعب، وعكف عليها النُظار من أهل الإسلام، وحَذقوا فى فنونها، وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها.
وكان من أكابرهم: أبو نصر الفارابى، وأبو على بن سينا فى المشرق، والقاضى أبو الوليد بن رشد، والوزير أبو بكر بن الصانع بالأندلس، وقد بلغوا الغاية فى هذه العلوم، وقد أجزل الرشيد العطاء لكل كاتب يُؤلف تأليفا يَفُوق فيه عما وصل إلى أيدى الناس من العلوم المترجمة، فقد رصد وزن الكتاب بالذهب العراقى الخالص. أهـ
وظهور الحضارة كما قلنا ليس وليد الصدفة أو الإجتهاد بل لها قواعد تأسست عليها، وَلْنذكر بَعض الأمثلة على ذلك:
لما قَدِمَ هارون الرشيد المدينة بَعث البَرمكى إلى الإمام مالك، وقال له: قُل له احمل لى الكتاب الذى صنفته حتى أسمعه منك، فوجد من ذلك الإمام مالك واغتم، وقال للبرمكى أَقرئه السلام وقل له: إن العلم يُزار ولا يَزور، وإن العلم يُؤتى ولا يَأتى.
وذُكر أن يهودياً كانت لهُ حاجةً عند هارون الرشيد، فلم يقضِ حاجته، فوقف يوماً على الباب، فلما خرج هارون وقف بين يديه وقال: اتقِ الله يا أمير المؤمنين! فنزل هارون عن دابته وخر ساجداً، فلما رَفَع رَأسه أمر بحاجتهِ فَقُضِيَت، فقيل له: يا أمير المؤمنين، نزلت عن دابتك لقول يهودى! قال: تذكرت قول الله تعالى ""وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"" .
ومن تلك الأمثلة نرى كيف كان خُلق الرشيد مع القرآن بالرغم أن الذى أمره بتقوى الله يهودى، وكيف احترم عالم المدينة ورأيه وهو أحد رعاياه، هذا هو الخُلُق الذى كانت به حضارة قلب الرشيد وروحه، فسمت الحضارة الإسلامية على يديه فى العلوم والصناعات والفنون، ولكن كيف السبيل إلى ذلك فى زماننا؟ فنجد السبيل فى كلمة لمولانا الشيخ إبراهيم حيث قال:
المشايخ هم الخبراء الذين يوصلون الناس إلى بر الأمان، وهم الذين يَسوقون الأرواح إلى الملأ الأعلى، مع كل التوفيق فى حياتنا العملية.
فالمشايخ هم الذين يعطون المريد نوراً فى القلب الذى يستطيع أن يسير به فى ظلمات الأرض، كما قال تعالى: ""أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ"" فيترحل المريد إلى التنوير ثم إلى الكشف، كما قال تعالى ""فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ"" ثم يترحل إلى الفتح ثم الفتح المبين، كما قال سبحانه ""إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا"" .
وهكذا عندما يتتلمذ المريد على يد شيخ مرشد، يفتح الله عليه بشتى أنواع العلوم الإلهية والمعارف الربانية، حتى يتعلم العلم اللدنى الوهبى .. وقد قال أحد الصالحين:
أخذتم العلم من ميت عن ميت .. أما نحن فأخذنا علمنا من الحى الذى لا يموت.
وكما قال سيدى فخر الدين واصفاً شيخه الدسوقى أبو العونين:
إِنَّهُ الْمَأْمُولُ عِنْدِى سِرُّهُكُلُّ رَاجٍ يَرْتَجِيهِ لا يُرَدْ
فإن كان هذا هو مفهوم الحضارة، فما الذى يَهْوِى بالإنسان من قمم الحضارة إلى قاع التخلف؟
وقد عَدّ الإمام السهروردى فى «الآداب» مِن رُخص الصوفية:
التكلُّف مع أبناء الدنيا والرؤساء والسلاطين والقيام لهم، وحسن الإقبال عليهم، والأدب فى ذلك ألاّ يكون طمعاً فى دنياهم، ولا اتخاذ جاه عندهم، فكان يَدخل عليه سادات قريش فَيُكرمهم، ويُجِلَّهم، ويُحسن مجالستهم، وبذلك وصَّى رسول الله حيث قال (إذا أتاكم كريمَ قومٍ فأكرِموه) .
وكذلك معاملة الملوك والوُلاة على هذا السبيل، فإذا عاملت الملوك والسلاطين بمعاملة الرعية، فقد استخففت بحق السلطان، وكيف يجوز أن تستخف بحقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم (السلطان ظل الله فى الأرض فمن أكرمه، أكرمه الله، ومن أهانه، أهانه الله) به تَسكُن النفوس، وتُجمع الأمور.
وكما قال سيدى إبراهيم الدسوقى، صاحب الطريق الذى نهتدى بأنواره فى دياجير الجهل الأخلاقى 'إذا جئتم بالأقوال وجاء العجم بالأفعال فهم أحق بمحمدٍ منكم'.
والأفعال هى التخلق بما جاء به الحبيب، والأقوال إنما هى التشدق والتعلق بما قال، ولذا وجدنا سيدى فخر الدين مولانا الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى قد رفع راية العلم مع الأخلاق جنبا إلى جنب، فما كان منه إلا قول عليم وفعل حليم، وسار على دربه إمام حكيم، هو مولانا الشيخ إبراهيم الذى قال فى خطابه السنوى عام :
(ومَن قال أن دَور رسول الله قد انتهى بانتقاله إلى الرفيق الأعلى فقد ضل ضلالاً بعيداً، والعياذ بالله، ونحن هنا نُذَكِّر الأمة ببعض وظائف الحبيب التى وردت فى آية واحدة من الذكر الحكيم، الذى نزل إجمالهُ وتفصيلهُ على الحبيب، ومن أجل الحبيب، إذ يقول عز من قائل ""يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا • وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا"" فالشاهد على الأمة كيف تَصِح شهادته على أمتهِ وقد انقطعت صلتهِ بموتهِ؟!! ومَن قال أن السراج المنير الذى يستمد نوره من النور الإلهى يُطفأ ""وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"" . أهـ
ولذا .. بدأت الحضارة الإسلامية فى الإزدهار فى ظاهر الأمر، بعد أن امتلأت القلوب والأرواح بالحضور الأخلاقى للأنوار المحمدية، ونَضحت على الأبدان تصرفاً وسلوكاً.
وخلاصة ما ذكره ابن خلدون قال:
بَعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب إقليدس، وبعض كتب الطبيعيات، فقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها، وازدادوا حرصا على الظَّفر بما بقى منها.
وجاء الخليفة هارون الرشيد من بعد ذلك، وكانت له فى العلم رغبة، فأوفد الرسل إلى مَلك الروم، فى استخراج علوم اليونانيين، وانتساخها بالخط العربى، وبعث المترجمين لذلك، فأخذ منها واستوعب، وعكف عليها النُظار من أهل الإسلام، وحَذقوا فى فنونها، وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها.
وكان من أكابرهم: أبو نصر الفارابى، وأبو على بن سينا فى المشرق، والقاضى أبو الوليد بن رشد، والوزير أبو بكر بن الصانع بالأندلس، وقد بلغوا الغاية فى هذه العلوم، وقد أجزل الرشيد العطاء لكل كاتب يُؤلف تأليفا يَفُوق فيه عما وصل إلى أيدى الناس من العلوم المترجمة، فقد رصد وزن الكتاب بالذهب العراقى الخالص. أهـ
وظهور الحضارة كما قلنا ليس وليد الصدفة أو الإجتهاد بل لها قواعد تأسست عليها، وَلْنذكر بَعض الأمثلة على ذلك:
لما قَدِمَ هارون الرشيد المدينة بَعث البَرمكى إلى الإمام مالك، وقال له: قُل له احمل لى الكتاب الذى صنفته حتى أسمعه منك، فوجد من ذلك الإمام مالك واغتم، وقال للبرمكى أَقرئه السلام وقل له: إن العلم يُزار ولا يَزور، وإن العلم يُؤتى ولا يَأتى.
وذُكر أن يهودياً كانت لهُ حاجةً عند هارون الرشيد، فلم يقضِ حاجته، فوقف يوماً على الباب، فلما خرج هارون وقف بين يديه وقال: اتقِ الله يا أمير المؤمنين! فنزل هارون عن دابته وخر ساجداً، فلما رَفَع رَأسه أمر بحاجتهِ فَقُضِيَت، فقيل له: يا أمير المؤمنين، نزلت عن دابتك لقول يهودى! قال: تذكرت قول الله تعالى ""وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"" .
ومن تلك الأمثلة نرى كيف كان خُلق الرشيد مع القرآن بالرغم أن الذى أمره بتقوى الله يهودى، وكيف احترم عالم المدينة ورأيه وهو أحد رعاياه، هذا هو الخُلُق الذى كانت به حضارة قلب الرشيد وروحه، فسمت الحضارة الإسلامية على يديه فى العلوم والصناعات والفنون، ولكن كيف السبيل إلى ذلك فى زماننا؟ فنجد السبيل فى كلمة لمولانا الشيخ إبراهيم حيث قال:
المشايخ هم الخبراء الذين يوصلون الناس إلى بر الأمان، وهم الذين يَسوقون الأرواح إلى الملأ الأعلى، مع كل التوفيق فى حياتنا العملية.
فالمشايخ هم الذين يعطون المريد نوراً فى القلب الذى يستطيع أن يسير به فى ظلمات الأرض، كما قال تعالى: ""أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ"" فيترحل المريد إلى التنوير ثم إلى الكشف، كما قال تعالى ""فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ"" ثم يترحل إلى الفتح ثم الفتح المبين، كما قال سبحانه ""إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا"" .
وهكذا عندما يتتلمذ المريد على يد شيخ مرشد، يفتح الله عليه بشتى أنواع العلوم الإلهية والمعارف الربانية، حتى يتعلم العلم اللدنى الوهبى .. وقد قال أحد الصالحين:
أخذتم العلم من ميت عن ميت .. أما نحن فأخذنا علمنا من الحى الذى لا يموت.
وكما قال سيدى فخر الدين واصفاً شيخه الدسوقى أبو العونين:
إِنَّهُ الْمَأْمُولُ عِنْدِى سِرُّهُكُلُّ رَاجٍ يَرْتَجِيهِ لا يُرَدْ
فإن كان هذا هو مفهوم الحضارة، فما الذى يَهْوِى بالإنسان من قمم الحضارة إلى قاع التخلف؟
تعليقات: 0
إرسال تعليق