شرح معنى : ( بِالسَّمَاوَاتِ الْقَائِمَاتِ فَهُنَّ بِالْقُدْرَةِ وَاقِفَاتٌ سبتمبر 06, 2017 الصفحة الرئيسية شرح الأوراد = برهانيات كوم * ( بِالسَّمَاوَاتِ الْقَائِمَاتِ فَهُنَّ بِالْقُدْرَةِ وَاقِفَاتٌ ، بِالسَّبْعِ الْمُتَطَابِقَاتِ بِالْحُجُبِ الْمُتَرَادِفَاتِ ، بِمَوَاقِفِ الأَمْلاَكِ فِي مَجَارِي الأَفْلاَكِ ، بِالْكُرْسِيِّ الْبَسِيطِ بِالْعَرْشِ الْمُحِيطِ ، بِغَايَةِ الْغَايَاتِ بِمَوَاضِعِ الإِشَارَاتِ ، بِمَنْ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) : وسنُجمِلُ ونُفَصِّلُ شَرْحَ سَيِّدِي فَخْرِ الدِّينِ - رضي الله عنه - في النقاطِ الآتيةِ : - اعتادَ المشايخُ التوسلَ بالأولياءِ ، ولكنَّ سَيِّدِي إبراهيمَ الدّسوقيَّ - رضي الله عنه - لِعُلُوِّ درجتِهِ ومقامِهِ ووجاهتِهِ عِنْدَ ربِّهِ - تَوَسَّلَ بمَرَاتبِ الأولياءِ التي ذَكَرَهَا في الحِزْبِ الكبيرِ ، وهِيَ مَوْضعُ شَرْحِ مَا بَيْنَ القوسَيْنِ سابقاً . - توسُّلُهُ - رضي الله عنه - في قولِه ( بِالسَّمَاوَاتِ الْقَائِمَاتِ ... بِالْعَرْشِ الْمُحِيط ) هوَ توسلٌّ بمَرَاتبِ الأولياءِ الذينَ همْ تحتَ العرشِ ، وهِيَ سَبْعُ مَرَاتبَ اصطلاحاتُهُمْ هكذا : هُمُ الأولياءُ المتصرِّفونَ في الدنيَا .. وإنْ شئْتَ فَقُلْ : هُمْ أمراءُ الدِّيوانِ ، وإنْ شئْتَ فَقُلْ : هُمْ أصحابُ الحضراتِ السبعِ الظّاهريّةِ ، ورئيسُ هؤلاءِ جميعاً هُوَ الغَوْثُ : وهُوَ وارثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .. وقَبْلَ أنْ نَذْكُرَ أنَّ هناكَ سبعَ حضراتٍ غيبيَّةً أوْ باطنيَّةً نَشْرَعُ - بِعَوْنِ اللهِ - في تفصيلِ معنى ( أهْلِ الدِّيوانِ ) كَمَا جاءَ في بَعْضِ دروسِ سَيِّدِي فَخْرِ الدِّينِ - رضي الله عنه - : ________________________________________ - أهْلُ الدِّيوانِ أصلاً مِنَ الأحياءِ ، ولكنْ يُلْحَقُ بهمُ المنتقِلُونَ مِنْ بابِ الشرفِ ، ولكنَّ الأمواتَ لَيْسَ لَهُمْ تصريفٌ إلاَّ الأربعةَ الأقطابَ ؛ فَهُمْ متصرِّفُونَ أحياءً ومنتقِلِينَ بَلْ ومَوْتُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ حياتِهِمْ . تحقيق : لأنَّ الوليَّ في حالِ حياتِهِ مقيَّدٌ بقيودِ الشريعةِ ؛ وذلكَ لِلزومِ مخاطَبةِ الناسِ على قَدْرِ عقولِهِمْ ، أمَّا بَعْدَ انتقالِهِ فلاَ حُجَّةَ عَلَيْهِ إنْ تَصَرَّفَ بالباطنِ الصِّرْفِ دُونَ الظاهرِ ، فإنْ خَرَقَ عوائدَ المعقولاتِ كانَتِ الكرامةُ ، وهِيَ مِنْ جِنْس المعجِزةِ لِلنَّبِيِّ ، وإنْ خَرَقَ العادةَ معَ موافَقةِ الشرعِ والتأييدِ بنصوصِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ فذلكَ الزبدُ والعسل . - الطّريقُ إلى اللهِ والسّفرُ إلَيْهِ واحدٌ ؛ ولكنَّ أصنافَ السّالكينَ بِعَدَدِ أنفاسِ خلْقِ اللهِ ، ولكنَّ السِّكَّةَ واحدةٌ ، وهِيَ مَظْهَرُ إسراءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ لاَ خَيْرَ إلاَّ في اتِّباعِ سبيلِهِ ، وسعادتُنَا مشروطةٌ باتِّباعِه . - لَمَّا كانَ الخطُّ والسَّيْرُ واحداً كانَ هناكَ موطنٌ لِلوصولِ يُدْعَى ( مَحَطَّ الرِّحَالِ ) الذي يَظْهَرُ في قولِهِ جَلَّ وعَلاَ {وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَهَا} (1) ، وفيهِ يَقُولُ سَيِّدِي فخرُ الدين - رضي الله عنه - : أَرُوحُ وَأَغْدُو فِي الْغُيُوبِ مُسَافِراً ... مَحَطُّ رِحَالِ السَّالِكِينَ بِرَاحَتِي __________ (1) 1- سورة السَّجْدَة : 12 ________________________________________ - يَنْقَسِمُ السّائرُونَ عِنْدَ هذَا المَوْطِنِ إلى قِسْمَيْنِ : مجاذيبٌ وسالكُونَ ، فكُلُّ مَنْ كانَ إرشادُهُ ناقصاً ولَمْ يَعرفِ المراقَبَةَ - كَوِرْدِ سَيْرٍ - ووجدَ العتقَ بِنِداءِ سَيِّدِنَا جبريل :" أَلاَ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنَةٍ عَتِيقُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ فَلْيَأْخُذْهَا مِنَ اللَّه " كُلُّ هؤلاءِ يُدْعَوْنَ " المجاذيبَ " ، وهُمْ غائبُو العقلِ .. والفَرْقُ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ المجانِينِ : هُوَ التّأييدُ بالحالِ كَمَا أَوْضَحَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - بمعنى أنَّ المجذوبَ الذي يُعْتَبَرُ مِنْ أهلِ اللهِ يؤيِّدُهُ اللهُ في الحالِ والتَّوِّ ويدافِعُ عَنْهُ ، بِعكسِ المجنونِ فلاَ يُشْتَرَطُ هذَا في حَقِّه . فالمجاذيبُ إذَا أتَاهُمُ الواردُ القدسيُّ كالسَّيْلِ يحطِّمُ فيَدخلُ المَدَدُ في رُوحِهِ لِيصبِحَ مِنْ طائفةِ المجاذيبِ أوْ أربابِ الأحوالِ ؛ وذلكَ لِغِيَابِ نعمةِ المراقَبةِ عِنْدَهُ .. أمَّا السّالكونَ أصحابُ المشايخِ والمراقَبةِ : فالشَّيْخُ لِلواحدِ مِنْهُمْ كالخزّانِ ، مِثْلَ السَّدِّ العالي يَحبسُ ماءَ البحرِ ولا يعطِي دونَهُ إلاَّ بقَدْرِ مَا تتحَمَّلُ رُوحُهُ ، فإنْ قيلَ له :" أَنْتَ عَتِيقُ اللَّهِ فِي أَرْضِه " يَقُولُ : لاَ .. عَبْدُ رِقٍّ مَا رَقَّ يَوْماً لِعِتْقٍ ... لَوْ تَخَلَّيْتَ عَنْهُ مَا خَلاَّكَ الأرضُ أرْضُهُ ، والسّماءُ سماؤُهُ ، والرُّوحُ رُوحُهُ .. فأيْنَ أذهبُ ؟! وإلى مَنْ ؟! أمَّا المجاذيبُ فعِنْدَمَا لوّحَ لَهُمْ بالعتقِ قَبِلُوهُ ، فسلَكَ الطريقَ هابطاً أوْ نازلاً لاَ صاعداً .. تحقيق : انْقَسَمَ السّائرُونَ إلى اثْنَيْنِ : مجاذيبَ أَلْزَمُوهُمُ الدّركاتِ - أيْ مناطقَ ________________________________________ خدمتِهِمْ - لِيخدمُوا أُمَّةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أوْ يخدمُوا كُلَّ الخَلْقِ ، يجتمعُ أصحابُ الدَركِ - الدّركاتِ - مِنْ كُلِّ مكانٍ في الأرضِ في الثّلثِ الأخيرِ مِنَ اللَّيْلِ معَ رئيسِهِمْ أوْ قطبِهِمُ الذي يُدْعَى " قُطْبَ الحضرةِ " حَيْثُ يناقِشُونَ أمورَ الكَوْنِ في كُلِّ مكانٍ لِقضاءِ حاجيّاتِ الخَلْقِ كُلِّهِ ، والأرضُ التي ليسَ فِيهَا مجاذيبُ هالكةٌ لا محالةَ .. وجديرٌ بالذِّكْرِ أنَّ محلَّ اجتماعِهِمْ هوَ غارُ حراءَ ، وهوَ المكانُ الوحيدُ الذي يَسَعُ أولياءَ الأرضِ أجمعِينَ ، ولا تَسَعُهُمُ الأرضُ كُلُّهَا ، وذلكَ سِرٌّ في غارِ حراءَ ؛ لأنَّ رئيسَهُ هوَ النَّبِيُّ الأعظمُ - صلى الله عليه وسلم - ، وبالنيابةِ يَكونُ الغوثُ هوَ الرئيسُ ، وهوَ الذي يَكونُ محلاًّ لِلحضرةِ النَّبَوِيَّةِ [ أيْ غارُ حراءَ ] ، وفِي ليلةِ الجمعةِ يذهبُونَ جميعاً إلى الحضرةِ الإلهيَّةِ ، وهِيَ في باطنِ العرشِ ، ورئيسُهَا بالنِّيابةِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - . - توسُّلُهُ - رضي الله عنه - في قولِهِ ( بِغَايَةِ الْغَايَاتِ بِمَوَاضِعِ الإِشَارَاتِ ، بِمَنْ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) هوَ توسُّلٌ بمَرَاتبِ الأولياءِ الذينَ هُمْ فَوْقَ العرشِ ، وهيَ سبعةُ مراتبَ أيضاً ، وهِيَ : الذخائرُ والعرائسُ والدّنّانونَ والختميّةُ والفرديّةُ والفرديّةُ الجامعةُ والفرديّةُ الجامعةُ الكبرى ، حَيْثُ الأربعةُ الأُوَلُ في السبعةِ عَدَدُ أفرادِ كُلِّ حضرةٍ فِيهَا أربعةُ آلافٍ ، على كُلِّ مرتبةٍ فِيهَا رئيسٌ ، وهُمْ أحياءٌ في كُلِّ زََمنٍ ، وهُمْ ضِمْنَ المائةِ وأربعةٍ وعشرِينَ ألْفَ وليٍّ الذينَ هُمْ أهلُ الديوانِ ، وهؤلاءِ الذينَ يَصْلُحُونَ لِلغوثيَّةِ فيُنْزَلُونَ في مكانٍ يليقُ بمراتبِهِمْ : وهوَ مَوْطِنُ تَجَلِّي الاسمِ ( الله ) بالرَّفْرَفِ الأعلى .. ________________________________________ وفِي هذَا يُصَرِّحُ سَيِّدِي فخرُ الدين - رضي الله عنه - ِ فيقولُ : فِي الرَّفْرَفِ الأَعْلَى اتَّكَأْتُ مُؤَيَّداً ... وَكِسَائِيَ الْخَضْرَاءُ بِالإِحْسَانِ كُلُّ الشَّوَاهِدِ فِي الْمَشَاهِدِ أَخْبَرَتْ ... أَنِّي بحَقٍّ صَاحِبُ الدِّيوانِ وعلى الرَّغْمِ مِنْ أنَّ هذهِ المَرَاتِبَ فَوْقَ الغوثيَّةِ إلاَّ أنَّهُمْ لَيْسُوا أَكْبَرَ مِنَ الغَوْثِ ؛ حَيْثُ هوَ كالإمامِ الراتبِ في الشريعةِ ؛ لأنَّهُمْ - أيضاً - لاَ تصريفَ عِنْدَهُمْ ، وهذَا ملائِمٌ لَهُمْ ، فَهُمْ لا يَخدمُونَ الدينَ ؛ لِعدمِ استطاعتِهمْ ، ويُعْرَفُونَ - أيضاً - باسمِ " الغارقِينَ في بحارِ التوحيدِ " . وغايةُ الغاياتِ هيَ مَوْطِنُ الختامِ أيِ الختميَّةُ ، وأصحابُ هذهِ المرتبةِ - كَمَا أسْلَفْنَا - لَيْسَ عِنْدَهُمْ عقولٌ ، ولكنْ إذَا حدَثَتْ فتنةٌ كبيرةٌ بَيْنَ النصارى والمسلمِينَ وعَجَزَتِ الحكومَاتُ عَنْ حَلِّهَا يؤتَى بواحدٍ مِنْ هؤلاءِ ويُرَكَّبُ لهُ العقلُ فيَمْلأُ الأرضَ كُلَّهَا بعلومِ التصوفِ ، كَمَا حَدَثَ معَ سَيِّدِي محيي الدِّينِ بنِ عربيٍّ - رضي الله عنه - الذي كانَ ختماً أيْ في مرتبةِ الختميَّةِ ، وكذلكَ سَيِّدِي عليٌّ الخوّاصُ - رضي الله عنه - وسَيِّدِي مُحَمَّدُ عثمانُ الميرغنيُّ - رضي الله عنه - وسَيِّدِي أحمدُ التّيجانيُّ - رضي الله عنه - وسَيِّدِي السّلطانُ أبو العلا - رضي الله عنه - .
= برهانيات كوم * ( بِالسَّمَاوَاتِ الْقَائِمَاتِ فَهُنَّ بِالْقُدْرَةِ وَاقِفَاتٌ ، بِالسَّبْعِ الْمُتَطَابِقَاتِ بِالْحُجُبِ الْمُتَرَادِفَاتِ ، بِمَوَاقِفِ الأَمْلاَكِ فِي مَجَارِي الأَفْلاَكِ ، بِالْكُرْسِيِّ الْبَسِيطِ بِالْعَرْشِ الْمُحِيطِ ، بِغَايَةِ الْغَايَاتِ بِمَوَاضِعِ الإِشَارَاتِ ، بِمَنْ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) : وسنُجمِلُ ونُفَصِّلُ شَرْحَ سَيِّدِي فَخْرِ الدِّينِ - رضي الله عنه - في النقاطِ الآتيةِ : - اعتادَ المشايخُ التوسلَ بالأولياءِ ، ولكنَّ سَيِّدِي إبراهيمَ الدّسوقيَّ - رضي الله عنه - لِعُلُوِّ درجتِهِ ومقامِهِ ووجاهتِهِ عِنْدَ ربِّهِ - تَوَسَّلَ بمَرَاتبِ الأولياءِ التي ذَكَرَهَا في الحِزْبِ الكبيرِ ، وهِيَ مَوْضعُ شَرْحِ مَا بَيْنَ القوسَيْنِ سابقاً . - توسُّلُهُ - رضي الله عنه - في قولِه ( بِالسَّمَاوَاتِ الْقَائِمَاتِ ... بِالْعَرْشِ الْمُحِيط ) هوَ توسلٌّ بمَرَاتبِ الأولياءِ الذينَ همْ تحتَ العرشِ ، وهِيَ سَبْعُ مَرَاتبَ اصطلاحاتُهُمْ هكذا : هُمُ الأولياءُ المتصرِّفونَ في الدنيَا .. وإنْ شئْتَ فَقُلْ : هُمْ أمراءُ الدِّيوانِ ، وإنْ شئْتَ فَقُلْ : هُمْ أصحابُ الحضراتِ السبعِ الظّاهريّةِ ، ورئيسُ هؤلاءِ جميعاً هُوَ الغَوْثُ : وهُوَ وارثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .. وقَبْلَ أنْ نَذْكُرَ أنَّ هناكَ سبعَ حضراتٍ غيبيَّةً أوْ باطنيَّةً نَشْرَعُ - بِعَوْنِ اللهِ - في تفصيلِ معنى ( أهْلِ الدِّيوانِ ) كَمَا جاءَ في بَعْضِ دروسِ سَيِّدِي فَخْرِ الدِّينِ - رضي الله عنه - : ________________________________________ - أهْلُ الدِّيوانِ أصلاً مِنَ الأحياءِ ، ولكنْ يُلْحَقُ بهمُ المنتقِلُونَ مِنْ بابِ الشرفِ ، ولكنَّ الأمواتَ لَيْسَ لَهُمْ تصريفٌ إلاَّ الأربعةَ الأقطابَ ؛ فَهُمْ متصرِّفُونَ أحياءً ومنتقِلِينَ بَلْ ومَوْتُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ حياتِهِمْ . تحقيق : لأنَّ الوليَّ في حالِ حياتِهِ مقيَّدٌ بقيودِ الشريعةِ ؛ وذلكَ لِلزومِ مخاطَبةِ الناسِ على قَدْرِ عقولِهِمْ ، أمَّا بَعْدَ انتقالِهِ فلاَ حُجَّةَ عَلَيْهِ إنْ تَصَرَّفَ بالباطنِ الصِّرْفِ دُونَ الظاهرِ ، فإنْ خَرَقَ عوائدَ المعقولاتِ كانَتِ الكرامةُ ، وهِيَ مِنْ جِنْس المعجِزةِ لِلنَّبِيِّ ، وإنْ خَرَقَ العادةَ معَ موافَقةِ الشرعِ والتأييدِ بنصوصِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ فذلكَ الزبدُ والعسل . - الطّريقُ إلى اللهِ والسّفرُ إلَيْهِ واحدٌ ؛ ولكنَّ أصنافَ السّالكينَ بِعَدَدِ أنفاسِ خلْقِ اللهِ ، ولكنَّ السِّكَّةَ واحدةٌ ، وهِيَ مَظْهَرُ إسراءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ لاَ خَيْرَ إلاَّ في اتِّباعِ سبيلِهِ ، وسعادتُنَا مشروطةٌ باتِّباعِه . - لَمَّا كانَ الخطُّ والسَّيْرُ واحداً كانَ هناكَ موطنٌ لِلوصولِ يُدْعَى ( مَحَطَّ الرِّحَالِ ) الذي يَظْهَرُ في قولِهِ جَلَّ وعَلاَ {وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَهَا} (1) ، وفيهِ يَقُولُ سَيِّدِي فخرُ الدين - رضي الله عنه - : أَرُوحُ وَأَغْدُو فِي الْغُيُوبِ مُسَافِراً ... مَحَطُّ رِحَالِ السَّالِكِينَ بِرَاحَتِي __________ (1) 1- سورة السَّجْدَة : 12 ________________________________________ - يَنْقَسِمُ السّائرُونَ عِنْدَ هذَا المَوْطِنِ إلى قِسْمَيْنِ : مجاذيبٌ وسالكُونَ ، فكُلُّ مَنْ كانَ إرشادُهُ ناقصاً ولَمْ يَعرفِ المراقَبَةَ - كَوِرْدِ سَيْرٍ - ووجدَ العتقَ بِنِداءِ سَيِّدِنَا جبريل :" أَلاَ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنَةٍ عَتِيقُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ فَلْيَأْخُذْهَا مِنَ اللَّه " كُلُّ هؤلاءِ يُدْعَوْنَ " المجاذيبَ " ، وهُمْ غائبُو العقلِ .. والفَرْقُ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ المجانِينِ : هُوَ التّأييدُ بالحالِ كَمَا أَوْضَحَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - بمعنى أنَّ المجذوبَ الذي يُعْتَبَرُ مِنْ أهلِ اللهِ يؤيِّدُهُ اللهُ في الحالِ والتَّوِّ ويدافِعُ عَنْهُ ، بِعكسِ المجنونِ فلاَ يُشْتَرَطُ هذَا في حَقِّه . فالمجاذيبُ إذَا أتَاهُمُ الواردُ القدسيُّ كالسَّيْلِ يحطِّمُ فيَدخلُ المَدَدُ في رُوحِهِ لِيصبِحَ مِنْ طائفةِ المجاذيبِ أوْ أربابِ الأحوالِ ؛ وذلكَ لِغِيَابِ نعمةِ المراقَبةِ عِنْدَهُ .. أمَّا السّالكونَ أصحابُ المشايخِ والمراقَبةِ : فالشَّيْخُ لِلواحدِ مِنْهُمْ كالخزّانِ ، مِثْلَ السَّدِّ العالي يَحبسُ ماءَ البحرِ ولا يعطِي دونَهُ إلاَّ بقَدْرِ مَا تتحَمَّلُ رُوحُهُ ، فإنْ قيلَ له :" أَنْتَ عَتِيقُ اللَّهِ فِي أَرْضِه " يَقُولُ : لاَ .. عَبْدُ رِقٍّ مَا رَقَّ يَوْماً لِعِتْقٍ ... لَوْ تَخَلَّيْتَ عَنْهُ مَا خَلاَّكَ الأرضُ أرْضُهُ ، والسّماءُ سماؤُهُ ، والرُّوحُ رُوحُهُ .. فأيْنَ أذهبُ ؟! وإلى مَنْ ؟! أمَّا المجاذيبُ فعِنْدَمَا لوّحَ لَهُمْ بالعتقِ قَبِلُوهُ ، فسلَكَ الطريقَ هابطاً أوْ نازلاً لاَ صاعداً .. تحقيق : انْقَسَمَ السّائرُونَ إلى اثْنَيْنِ : مجاذيبَ أَلْزَمُوهُمُ الدّركاتِ - أيْ مناطقَ ________________________________________ خدمتِهِمْ - لِيخدمُوا أُمَّةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أوْ يخدمُوا كُلَّ الخَلْقِ ، يجتمعُ أصحابُ الدَركِ - الدّركاتِ - مِنْ كُلِّ مكانٍ في الأرضِ في الثّلثِ الأخيرِ مِنَ اللَّيْلِ معَ رئيسِهِمْ أوْ قطبِهِمُ الذي يُدْعَى " قُطْبَ الحضرةِ " حَيْثُ يناقِشُونَ أمورَ الكَوْنِ في كُلِّ مكانٍ لِقضاءِ حاجيّاتِ الخَلْقِ كُلِّهِ ، والأرضُ التي ليسَ فِيهَا مجاذيبُ هالكةٌ لا محالةَ .. وجديرٌ بالذِّكْرِ أنَّ محلَّ اجتماعِهِمْ هوَ غارُ حراءَ ، وهوَ المكانُ الوحيدُ الذي يَسَعُ أولياءَ الأرضِ أجمعِينَ ، ولا تَسَعُهُمُ الأرضُ كُلُّهَا ، وذلكَ سِرٌّ في غارِ حراءَ ؛ لأنَّ رئيسَهُ هوَ النَّبِيُّ الأعظمُ - صلى الله عليه وسلم - ، وبالنيابةِ يَكونُ الغوثُ هوَ الرئيسُ ، وهوَ الذي يَكونُ محلاًّ لِلحضرةِ النَّبَوِيَّةِ [ أيْ غارُ حراءَ ] ، وفِي ليلةِ الجمعةِ يذهبُونَ جميعاً إلى الحضرةِ الإلهيَّةِ ، وهِيَ في باطنِ العرشِ ، ورئيسُهَا بالنِّيابةِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - . - توسُّلُهُ - رضي الله عنه - في قولِهِ ( بِغَايَةِ الْغَايَاتِ بِمَوَاضِعِ الإِشَارَاتِ ، بِمَنْ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) هوَ توسُّلٌ بمَرَاتبِ الأولياءِ الذينَ هُمْ فَوْقَ العرشِ ، وهيَ سبعةُ مراتبَ أيضاً ، وهِيَ : الذخائرُ والعرائسُ والدّنّانونَ والختميّةُ والفرديّةُ والفرديّةُ الجامعةُ والفرديّةُ الجامعةُ الكبرى ، حَيْثُ الأربعةُ الأُوَلُ في السبعةِ عَدَدُ أفرادِ كُلِّ حضرةٍ فِيهَا أربعةُ آلافٍ ، على كُلِّ مرتبةٍ فِيهَا رئيسٌ ، وهُمْ أحياءٌ في كُلِّ زََمنٍ ، وهُمْ ضِمْنَ المائةِ وأربعةٍ وعشرِينَ ألْفَ وليٍّ الذينَ هُمْ أهلُ الديوانِ ، وهؤلاءِ الذينَ يَصْلُحُونَ لِلغوثيَّةِ فيُنْزَلُونَ في مكانٍ يليقُ بمراتبِهِمْ : وهوَ مَوْطِنُ تَجَلِّي الاسمِ ( الله ) بالرَّفْرَفِ الأعلى .. ________________________________________ وفِي هذَا يُصَرِّحُ سَيِّدِي فخرُ الدين - رضي الله عنه - ِ فيقولُ : فِي الرَّفْرَفِ الأَعْلَى اتَّكَأْتُ مُؤَيَّداً ... وَكِسَائِيَ الْخَضْرَاءُ بِالإِحْسَانِ كُلُّ الشَّوَاهِدِ فِي الْمَشَاهِدِ أَخْبَرَتْ ... أَنِّي بحَقٍّ صَاحِبُ الدِّيوانِ وعلى الرَّغْمِ مِنْ أنَّ هذهِ المَرَاتِبَ فَوْقَ الغوثيَّةِ إلاَّ أنَّهُمْ لَيْسُوا أَكْبَرَ مِنَ الغَوْثِ ؛ حَيْثُ هوَ كالإمامِ الراتبِ في الشريعةِ ؛ لأنَّهُمْ - أيضاً - لاَ تصريفَ عِنْدَهُمْ ، وهذَا ملائِمٌ لَهُمْ ، فَهُمْ لا يَخدمُونَ الدينَ ؛ لِعدمِ استطاعتِهمْ ، ويُعْرَفُونَ - أيضاً - باسمِ " الغارقِينَ في بحارِ التوحيدِ " . وغايةُ الغاياتِ هيَ مَوْطِنُ الختامِ أيِ الختميَّةُ ، وأصحابُ هذهِ المرتبةِ - كَمَا أسْلَفْنَا - لَيْسَ عِنْدَهُمْ عقولٌ ، ولكنْ إذَا حدَثَتْ فتنةٌ كبيرةٌ بَيْنَ النصارى والمسلمِينَ وعَجَزَتِ الحكومَاتُ عَنْ حَلِّهَا يؤتَى بواحدٍ مِنْ هؤلاءِ ويُرَكَّبُ لهُ العقلُ فيَمْلأُ الأرضَ كُلَّهَا بعلومِ التصوفِ ، كَمَا حَدَثَ معَ سَيِّدِي محيي الدِّينِ بنِ عربيٍّ - رضي الله عنه - الذي كانَ ختماً أيْ في مرتبةِ الختميَّةِ ، وكذلكَ سَيِّدِي عليٌّ الخوّاصُ - رضي الله عنه - وسَيِّدِي مُحَمَّدُ عثمانُ الميرغنيُّ - رضي الله عنه - وسَيِّدِي أحمدُ التّيجانيُّ - رضي الله عنه - وسَيِّدِي السّلطانُ أبو العلا - رضي الله عنه - .
تعليقات: 0
إرسال تعليق