وسيأتي الحديثُ فِيهَا بالتّطويلِ والتّدقيقِ عِنْدَ شرحِ الصّلاةِ الذّاتيّةِ لِسَيِّدِي إبراهيمَ الدّسوقيِّ - رضي الله عنه - وشرحِ صلاةِ سَيِّدِي عبدِ السّلامِ بنِ بشيشٍ - رضي الله عنه - وكذلكَ عِنْدَ شَرْحِ الصّلاةِ المُطَلْسَمَةِ لِسَيِّدِي إبراهيمَ الدّسوقيِّ - رضي الله عنه - ..
ولكنَّنَا سنَأخذُ طرفاً مِمَّا وَرَدَ في السُّنَّةِ المطهَّرةِ مِنْ أحاديثَ في
فضائلِ الصَّلاَةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إنْ شاءَ الله ..
* قالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ :
__________
(1) 1- انْظُرْ أسباب النزول لِلسّيوطيّ .
(2) 2- انْظُرْ تفسير القرطبيّ .
(1/77)
________________________________________
- رويْنا في كتابِ التّرمذيِّ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال { أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَة } ..
قالَ الترمذيُّ : حديثٌ حَسَن .
- ورويْنا في سُنَنِ أبي داودَ والنسائيِّ وابنِ ماجةَ بالأسانيدِ الصحيحةِ عَنْ أوسِ بنِ أوسٍ - رضي الله عنه - قال :" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيّ } فَقَالُوا :" يَا رَسُولَ اللَّهِ .. وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ ؟ " قَال { إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاء } .
- ورويْنا بإسنادٍ صحيحٍ عَنْ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال { مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَم } ..
- ورويْنا في كتابِ التّرمذيِّ عَنْ عُمَرَ بنِ الخطّابِ - رضي الله عنه - قال :" إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ - صلى الله عليه وسلم - " (1) .
* وتُسَمَّى صيغةُ الأساسِ أيضاً بـ" الصلاةِ الأَنَسِيَّةِ " ..
وترجعُ هذهِ التسميةُ إلى سَيِّدِنَا أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه - ؛ حَيْثُ رُوِيَ أنَّهُ سألَ سَيِّدَنَا رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال :" عَرِّفْنَا كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك " فقالَ - صلى الله عليه وسلم - { قُلِ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّم } .
__________
(1) 1- انْظُر الأذكار لِلإمام النّوويّ .
(1/78)
________________________________________
أمّا الذي أضافَ لفظةَ ( سَيِّدِنَا ) فهوَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بنُ الخطّابِ - رضي الله عنه - [ هكذا نَوَّهَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - وبَلَّغَ ، فجزاهُ اللهُ عَنَّا خيراً ] .
تحقيق :
والشّاهدُ أنَّ سَيِّدَنَا عَبْدَ اللهِ بنَ مسعودٍ - رضي الله عنه - قال : أَحْسِنُوا الصَّلاَةَ عَلَى
أمَّا أنواعُ الصّلاةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : فسيأتي - كَمَا قلْنا - الكلامُ عَلَيْهَا في موضعِهِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى مِنْ حَيْثُ شروحِ نصوصِهَا .
ولكنْ يجدرُ بِنَا أنْ نَعرضَ بعضَ ما أفاضَ اللهُ على شيخِنَا سَيِّدِي فَخْرِ الدِّينِ - رضي الله عنه - في تأويلِ بعضِ النصوصِ القرآنيةِ الواردةِ في معنى الصلاةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وكذلكَ معرفةُ ما تَيَسَّرَ حولَ معاني الصلاةِ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - ..
يَقُولُ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - ما معناهُ :
- الوجودُ كلُّهُ بِعوالِمِهِ مُسَخَّرٌ لِخدمةِ دينِ الإسلامِ ولِخدمةِ الرسولِ الخاتمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، فالجنُّ والإنسُ والمَلَكُ والطيرُ والوحوشُ والهوامُ كُلُّهَا خادمةٌ لِنبيِّنَا وسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أَدَلَّ على ذلكَ مِنْ أنَّ الأسماءَ الإلهيةَ تصلِّي على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فتَخدمُهُ ملائكتُهَا بإذنِ ربِّهِ الأعلى ..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما} (1) ولقدْ سألَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا :" عَرِّفْنَا كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه " فقال { قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلّ ... } ، فوضَّحَ لهمُ الكيفيةَ بقول { اللَّهُمّ } وهيَ قسمانِ : ( اللَّهُ ) وحرفُ الميمِ ؛ حَيْثُ قالَ أهلُ اللغةِ أنَّهُ عِوَضٌ عَنِ النداءِ في تقديرِ الدعاءِ ( يا الله ) ..
تحقيق :
__________
(1) 1- سورة الأحزاب : 56
(1/80)
________________________________________
يَقُولُ النُّحَاةُ : إنَّ الميمَ عِوَضٌ عَنْ " يَا " النداءِ في كلمةِ " اللَّهُمَّ " ، وهذَا اجتهادٌ لاَ يَقومُ على دليلٍ واضحٍ لَدَيْنَا ولاَ يَقومُ عَلَيْهِ دليلٌ ، ولكنَّ اللفظَ الواضحَ إذَا قسمْتَهُ يتكوَّنُ مِنْ قِسْمَيْنِ : أوَّلُهُمَا لفْظُ الجلالةِ " اللَّهُ " ، وثانيهِمَا حَرْفُ الميمِ المضافِ إلَيْهَا ، والذي لاَ نَجِدُ صعوبةً في الاجتهادِ بالحُكْمِ بأنَّهُ الحَرْفُ الأولُ مِنْ كلمةِ " مُحَمَّدٍ " ، وهوَ اجتهادٌ لهُ ما يُعَضِّدُهُ ؛ فأيُّ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ أَوْلَى بالإضافةِ إلى اللهِ مِنْ حبيبِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - الذي رَفَعَ لهُ ذِكْرَهُ فلاَ يُذْكَرُ إلاَّ ويُذْكَرُ معهُ ، وفِي هذَا إشارةٌ إلى أنَّهُ لا صلاةَ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإنْ شئْتَ فقلْ : لا طَلَبَ مِنَ اللهِ - إلاَّ بواسطةِ ميمِ المُحَمَّديَّةِ ، وإنَّمَا كانَ ذلكَ شريعةً مِنَ اللهِ ورسولِهِ لِسابقِ العلمِ بعجزِنَا عَنِ الصلاةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - على وجهِ التحقيقِ ، فلَمَّا اعترفَ المؤمنُ بعجزِهِ عَنْ ذلكَ بطلبِ الصلاةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللهِ قُبِلَتْ منهُ يقيناً كَمَا هوَ موضَّحٌ في صحيحِ الأخبارِ والآثارِ ؛ فلقدْ تضافرَتِ الأدلةُ على أنَّ قبولَ أيِّ عبادةٍ مشروطٌ بالتقوى إلاَّ الصلاةُ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإنَّهَا مقبولةٌ على كُلِّ حالٍ إكراماً لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وانْظُرْ إنْ شِئْتَ قولَ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - :" الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الإِدْرَاكِ إِدْرَاك " ، واللّهُ أَعْلَم .
(1/81)
________________________________________
والمَعْنَى إجمالاً في الآيةِ : أنَّ الاسمَ ( اللَّه ) وملائكةَ الاسمِ ( اللَّه ) دائماً في خدمةِ شريعةِ العبدِ - صلى الله عليه وسلم - ، فكُونُوا يَا أهلَ الإيمانِ دائماً في خدمةِ وطاعةِ العبدِ - صلى الله عليه وسلم - ..
والدّليلُ على ذَلِكَ : قولُهُ تعالى {وَإِن تَظَهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَلِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَئكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِير} (1) ؛ فالمولى في اللغةِ هوَ السيدُ أوْ هوَ الخادمُ ، وهوَ - كَمَا يَقُولُ اللغويُّونَ - مِنَ المتضادّاتِ ، فإذَا اعتبرْتَ مَعْنَاهَا " السيدَ " فيجوزُ سيادةُ اللَّهِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنَّهَا لا تَجوزُ في حقِّ الباقِينَ المذكورِينَ في الآيةِ ، وإذَا اعتبرْتَ المعنى الثاني فيجوزُ تأويلاً أنْ يخدمَ الاسمُ ( الله ) بمعنى يُعِينُ ويُعَضِّدُ ويُقَوِّي وينصرُ صاحبَ دينِهِ وكذلكَ جبريلُ وصالحُ المؤمنينَ ، ويؤيِّدُ هذَا المعنى كلَّهُ بَعْدَ ذلكَ قولُهُ تعالى {وَالْمَلَئكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِير} ؛ فالمقصودُ والمرادُ مِنَ الآيةِ هوَ كلمة {ظَهِير} بمعنى المُعينِ والناصرِ والمؤيِّدِ والمُدافِعِ ، وهذَا لا مبالَغةَ فيهِ ؛ إذْ يبدو ذلكَ مِنَ اللهِ لآحادِ المؤمنينَ في قولِهِ تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُدَفِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا} (2) ، أفلاَ يكونُ ذلكَ مِنْ بابِ أَوْلَى لِحبيبِهِ ومصطفاهُ ورسولِهِ الأمينِ - صلى الله عليه وسلم - ؟!!
تعليقات: 0
إرسال تعليق