-->
إغلاق القائمة
إغلاق القائمة
404
نعتذر فقد تم نقل الموضوع ; الرجاء زيارة الارشيف! الأرشيف

الخميس، 16 نوفمبر 2017

سيدي أبو الحسن الشاذلي

سيدي أبو الحسن الشاذلي

برهانيات كوم  

سيدي أبو الحسن الشاذلي


نسبه الشريف رضي الله عنه
على ما ذكره تاج الدين سيدي أحمد بن عطا الله السكندري رحمه الله تعالى في لطائف المنن فهو أبو الحسن على بن عبد الله بن عبد الجبار ابن تميم بن هرمز بن حاتم ابن قصي بن يوسف بن يوشع بن وزد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. عرف بالشاذلي منشأه بالمغرب الأقصى ومبدأ أمره بشاذلة بلدة على القرب من تونس وإليها ينسب).
وأما على ما ذكره إبن عياد في المفاخر العلية في المآثر الشاذلية قال: فهو الأستاذ الشريف السيد الحبيب النسيب إلى الحبيب المقصد، لمن له يقصد، الملئ بالعلوم الربانية والأسرار اللدنية الذي هو منها ممتلئ سيدي أبو الحسن الشاذلي الحسني بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن وزد بن أبي بطال على بن أحمد بن محمد بن عيسى بن إدريس بن عمر بن إدريس المبايع له ببلاد المغرب ابن عبد الله بن الحسن المثنى بن سيد شباب أهل الجنة سبط خير البرية أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن فاطمة الزهراء بنت رسول صلى الله عليه وسلم. وهذا هو النسب الصحيح لسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه صاحب الطريق ومظهر لواء التحقيق.
ولادته رضي الله عنه
ولد في نحو ثلاث وتسعين وخمسمائة من الهجرة بقرية من قرى غمارة من إفريقيا قريبة من سبة وهي من المغرب الأقصى ونشأ بها واشتغل بالعلوم الشرعية حتى أتقنها.
صفته رضي الله عنه
آدم اللون نحيف الجسم طويل القامة خفيف العارضين طويل أصابع اليدين كأنه حجازي وكأنه فصيح اللسان عذب الكلام.
مبدأ أمره رضي الله عنه
قال رضي الله عنه: كنت في ابتداء أمري أطلب الكيمياء وأسال الله فيها فقيل لي: الكيمياء في بولك. أجعل فيه ما شئت يعد كما شئت. فحميت فأسا ثم طفيته في بولي فعاد ذهبا فرجعت إلى شاهد عقلي فقلت: يا رب سألتك عن شئ ولم أصل إليه إلا بالقذارة ومحاولة النجاسة. فقيل لي: يا علي الدنيا قذرة فإن أردت القذارة فلن تصل إليها إلا بالقذارة. فقلت: يا ربي أقلني منها فقيل لي: أحم الفأس يعد حديداً.
وذكر تاج الدين سيدي أحمد بن عطا الله في لطائف المنن إنَّ الشيخ أبا الحسن رضي الله عنه قال: كنت في مبدأ أمري قد حصل لي تردد هل ألزم البراري والقفار للتفرُّغ للطاعة والأذكار أم أرجع للمدائن والديار، لصحبة العلماء والأخيار، فوصف لي وليٌّ برأس جبل، فصعدت إليه فما وصلت إليه إلا ليلا فقلت في نفسي: لا أدخل عليه في هذا الوقت فسمعته يقول من داخل المغارة: اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك، اللهم إني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك. فالتفت إلى نفسي فقلت: يا نفسي انظري من أين يغترف هذا الشيخ. فلما أصبحت دخلت عليه فقلت: يا سيدي كيف حالك؟ فقال: أشكو إلى الله شكواي من حرِّ الاختيار. فقلت يا سيدي: أما شكواي من حرِّ الاختيار والتدبير فقد ذقته وأنا الآن فيه وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا؟ قال: أخاف أن تشغلني حلاوتها عن الله تعالى. قلت: يا سيدي سمعتك البارحة تقول: اللهم سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك اللهم إني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك فتبسم ثم قال: يا بني عوض ما تقول سخر لي قل يا رب كن لي. أترى إذا كان لك يفوتك شيء؟. أ.هـ.
ثم أخذ في السياحة. قال رضي الله عنه: وفي بعض سياحاتي جعت ثلاثين يوما فخطر لي أن قد حصل لي من هذا الأمر شيء، وإذا بامرأة خارجة من مغارة كأن وجهها الشمس حسناً وهي تقول: منحوس. منحوس جاع مرة ثلاثين يوما فأخذ يُدلُّ على الله بعمله، ولي ستة أشهر لم أذق طعاما.
وقال رضي الله عنه: نمتُ ليلة على رابية من الأرض فجاءت السباع فطافت بي وأقامت إلى الصباح، فما وجدت أنسا كأنسي الذي وجدته تلك الليلة فلما أصبحت خطر لي أنه حصل لي من مقام الأنس بالله شيء، فهبطت واديا وكان هناك طيور حجل لم أرها، فلما أحست بي طارت فخفق قلبي رعبا فإذا النداء يقول: يا من كان البارحة يأنس بالسباع مالك اليوم توجل من خفقان الحجل ولكنك البارحة كنت بنا والآن أنت بنفسك.
وقال رضي الله عنه: كنت أويت إلى مغارة فمكثت ثلاثة أيام لم أذق طعاما ثم دخل علىَّ أناسٌ من الروم، كانت قد رستْ مراكبهم هناك فلما رأوني قالوا: قسيس من المسلمين ووضعوا عندي طعاما وشرابا فعجبت كيف رزقت على أيدي الكافرين ومنعت من ذلك المسلمين. فإذا بالنداء يقول: ليس الرجل من ينصر بأحبابه، إنما الرجل من ينصر بأعدائه.
وفي المفاخر ما ملخصه قال الشيخ رضي الله عنه: دخلت مدينة تونس وأنا شاب صغير فوجدت بها مجاعة شديدة ووجدت الناس في الأسواق فقلت في نفسي لو كان عندي ما أشتري به خبزاً لهؤلاء الجياع لفعلت. فألقي في سرى: خذ ما في جيبك فحركت جيبي فإذا فيه دراهم فأتيت إلى خباز بباب المنابرة فقلت له: أعدَّ خبزك. فأَعدَّه فتناولته للناس فتناهبوه ثم أخرجت الدراهم فناولتها الخباز فقال: هذه زائفة وأنتم معاشر المغاربة تستعملون الكيمياء. قال: فأعطيته برنسي وعمامتى من على رأسي رهنا في ثمن الخبز وتوجهت إلى جهة الباب، فإذا برجل واقف عند الباب فقال: يا علي أين الدراهم. فأعطيتها له فهزها في يده وردها إلي وقال: إدفعها إلى الخباز. وأعطيتها له فقال: نعم هذه طيبة ورد لي البرنس وعمامتى ثم طلبت الرجل فلم أجده فبقيت متحيَّرا في نفسي، إلى أن دخلت الجامع يوم الجمعة وجلست عند المقصورة في الركن الشرقي وأدَّيت تحيَّة المسجد وسلَّمت وإذا بالرجل عن يميني فسلَّمت عليه فتبسَّم وقال لي: يا علي أنت تقول لو كان عندي ما أطعم به هؤلاء الجياع لفعلت، تتكرم على الله ا لكريم في خلقه ولو شاء لأشبعهم وهو أعلم بمصالحهم. فقلت له: من أنت يا سيدي؟ قال: أنا أحمد الخضر. كنت بالصين وقيل لي: أدرك وليي عليَّاً بتونس. فأتيت مبادراً إليك فلما صلَّيت الجمعة نظرت إليه فلم أجده. إلى أن قال: ثم انتقل رضي الله عنه إلى بلاد المشرق وحج مراتٍ كثيرة ودخل العراق.
وقال رضي الله عنه: لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبي الفتح الواسطي فما رأيت بالعراق مثله وكنت أطلب القطب فقال: تطلب القطب بالعراق وهو في بلادك. ارجع إلى بلادك تجده. فرجعت إلى المغرب واجتمعت بأستاذي العارف الصديق القطب الغوث أبي محمد عبد السلام بن بشيش الشريف الحسني رضي الله عنه.
ذكر اجتماعه بشيخه سيدي عبد السلام بن بشيش
قال رضي الله عنه: لما قدمت عليه وهو ساكن مغارة برباطة في رأس الجبل اغتسلت في عين بأسفله وخرجت عن علمي وعملي وطلعت إليه فقيرا وإذا به هابط علي فلما رآني قال: مرحبا بعلي بن عبد الله بن عبد الجبار وذكر لي نسبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لي: يا علي طلعت إلينا فقيرا عن علمك وعملك أخذت منا غني الدنيا والآخرة. فأخذني منه الدهش فأقمت عنده أياما إلى أن فتح الله بصيرتي ورأيت خرق عادات من كرامات وغيرها.
وجاء في لطائف المنن قال الشيخ رضي الله عنه: كنت يوما بين يدي الأستاذ فقلت في نفسي: ليت شعري هل يعلم الشيخ إسم الله الأعظم؟. فقال ولد الشيخ ـ وهو في آخر المكان الذي أنا فيه ـ: يا أبا الحسن ليس الشأن من يعلم إسم الله الأعظم إنما الشأن من يكون هو عين الإسم الأعظم. فقال الشيخ: أصاب وتفرَّس فيك ولدي.
ذكر تسميته بالشاذلي
ذكر في المفاخر ما ملخصه قال رضي الله عنه: لما صحبت أستاذي سيدي عبد السلام بن بشيش قال لي: يا علي إرتحل إلى أفريقيا وأسكن بها بلدا تسمى شاذلة فإن الله يسميك بالشاذلي وبعد ذلك تنتقل إلى بلاد تونس ويؤتي عليك بها من قبل السلطنة وتنتقل إلى بلاد المشرق وترث فيها القطبانية فقلت له: يا سيدي أوصني. فقال الله. الله. والناس تنزه لسانك عن ذكرهم وقلبك عن التمايل من قبلهم وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفروض وقد تمت ولاية الله عليك ولا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك وقال: اللهم أرحني من ذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك وقل: اللهم أرحني من ذكرهم ومن العوارض من قبلهم ونجني من شرهم وأغنني بخيرك عن خيرهم وتولَّني بالخصوصية من بينهم إنك على كل شيء قدير. أقول وشاذلة بكسر الذال المهملة أو الذال كما ضبطه صاحب القاموس. ولفظه شاذل كصاحب على وزن فاعل. إلى أن قال: وهي قرية بالمغرب وهي بالذال فيها السيد أبو الحسن الشاذلي أستاذ الطريقة الشاذليَّة من صوفية الأسكندرية وفيهم يقول بن عطا الله:
تمسَّك بحب الشاذلية تلق ما تروم فحقِّقْ ذاك منهم وحَصِّلِ
ولا تعدُ عيناك عنهم فإنَّهم شموسُ هدىً في أَعيُنِ المُتَأمِّلِ
وقال رضي الله عنه: قلت: يا ربِّ لم سمَّيتني بالشاذلي ولست بشاذلي. فقيل: يا عليُّ ما سميتك بالشاذلي إنما أنت الشاذُّ لي بتشديد الذال المعجمة يعني المفرد لخدمتي ومحبتي.
ذكر مشايخه وسنده في الطريقة
ذكر سيدي عبد الوهاب الشعراني في طبقاته صحب نجم الدين الأصفهاني وابن بشيش وغيرهما وذكر سيدي أحمد بن عطا الله في لطائف المنن قال: وطريقه رضي الله عنه نسب إلى الشيخ عبد السلام بن بشيش والشيخ عبد السلام بن بشيش ينسب إلى الشيخ عبد الرحمن المدني ثم واحداً عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب.
قال سيدي الإمام الشعراني في كتابه الطبقات أنه رضي الله عنه سئل ذات مرة: من شيخك؟. فقال كنت أنتسب إلى الشيخ عبد السلام بن بشيش وأنا الآن لا أنتسب إلى أحد. بل أعوم في عشرة أبحر: محمد وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح الأكبر.
ذكر سياحته إلى شاذلة
قال الشيخ الصالح أبو الحسن علي الأبريقي المعروف بالحطاب: قلت يوماً لسيدي أبي محمد عبد الله الحبيبي، أخبرني عن بعض ما رأيت في سيدي أبي الحسن، قال: رأيت منه أشياء كثيرة وسأحدثكم ببعض ذلك أقمت معه في جبل الزعفران أربعين يوما أفطر على العشب وورق الدقلة حتى تقرَّحت أشداقي. فقال لي: يا عبد الله كأنك اشتهيت الطعام. فقلت له: يا سيدي نظري إليك يغنيني عنه. فقال: غدا إن شاء الله وتلقانا في الطريق كرامة. فهبطنا إلى شاذلة فلما صرنا في وطأ الأرض قال لي: يا عبد الله إذا خرجت عن الطريق فلا تتبعني. قال: فأصابه حال عظيم وخرج عن الطريق حتى بعد عني فرأيت طيوراً أربعة نزلت من السماء فصاروا على رأسه صفا ثم جاء إليه كل واحد منهم ورأيت معهم طيورا على قدر الفراريج وهم يحفون به من الأرض إلى عنان السماء ويطوفون حوله ثم غابوا عني ثم رجع إلي وقال: يا عبد الله هل رأيت شيئاً؟ قلت: نعم وأخبرته بما رأيت. فقال لي: أما الطيور الأربعة فهم ملائكة السماء الرابعة أتوا إلينا ليسألوا عن علم فأجبتهم وأما الطيور الصغار فهم أرواح الأولياء أتوا ليتبركوا بقدومنا. قال: ثم بعد ذلك رجعنا إلى الجبل بعد وصولنا إلى شاذلة وأقمنا به زمنا طويلا.
وأنبع الله عينا تجري بالماء العذب وله هناك مغارة كان يسكنها ثم قال الشيخ رضي الله عنه: قيل لي: يا علي أهبط إلى الناس ينتفعوا بك؟ فقلت: يا رب أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخالطتهم. فقيل له: أنزل فقد أصحبناك السلامة ورفعنا عنك الملامة. فقلت: يا رب تكلني إلى الناس آكل من دريهماتهم. فقيل لي: أنفق يا علي وأنا الملئ إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب. قال: فرحل إلى تونس وسكن بمسجد البلاط داراً تفتح على القبلة وصحبه جماعة من الفضلاء فيهم الشيخ أبو الحسن علي بن مخلوف الثقلي وأبو عبد الله الصابوني وأبو محمد عبد العزيز الزيتوني وخديمه أبو العزايم ماضي ابن سلطان أبو عبد الله البجائي الخياط وأبو عبد الله الخارجي الخيَّاط وكل هؤلاء ملحوظون بمدده رضي الله عنهم.
وأقام بها مدة إلى أن اجتمع إليه خلق كثير فسمع به الفقيه أبو القاسم بن البراء قاضي الجماعة بتونس فأصابه منه حسد فقال للسلطان وهو الأمير أبو زكريا: إن هاهنا رجلا من أهل شاذلة يدعي الشرف وقد اجتمع إليه خلق كثير ويدَّعى أنه الفاطمي ويشوش عليك في بلادك. فجلبه السلطان وأمر بحضور جماعة من الفقهاء وابن البراء وجلس السلطان خلف حجاب يسمع سؤالهم للشيخ وجواب الشيخ لهم فسألوه أولا عن نسبه فأجابهم ثم تباحثوا معه في العلوم فوجدوه بحراً لا ساحل له فقال لهم السلطان: هذا رجل من أكابر الأولياء فدعوه. فقال ابن البراء والله لئن تركته ليدخلنَّ عليك أهلَ تونس ويُخرجنَّك من بين أظهرهم فخاف السلطان ولم يأذن للشيخ في الخروج فلما انتظره أصحابه ولم يخرج عليهم دخل عليه أحدهم وقال: والله لولا أني أتأدَّب مع الشرع لخرجتُ من هاهنا ومن هاهنا وأشار بيده فمهما أشار إلى جهة انشق الحائط. ثم قال له: ائتني بإبريقي وسجادتي. وقال لهم: مانصلِّي المغرب إلا معكم إن شاء الله فأتاه بذلك فتوضأ وصلى.
قال رضي الله عنه: فهممت بالدعاء على السلطان فقيل لي: إن الله لا يرضى لك أن تدعو بالجزع من مخلوق فألهمت أن أقول: يا من وسع كرسيُّهُ السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم. أسألك الإيمان بحفظك إيمانا يسكن به قلبي من همِّ الرزق وخوف الخلق وأقرب من بقدرتك قربا تمحق به عني كل حجاب محقته عن إبراهيم خليلك فلم يحتج لجبريل رسولك ولا لسؤاله منك وحجبته بذلك عن نار عدوه وكيف لا يحجب عن مضرَّة الأعداء من غيَّبْتَه عن منفعة الأحياء كلا إني أسألك أن تعينني بقربك مني حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس بقرب شيء ولا يبعده عني إنك على كل شيء قدير.
ففي تلك الساعة امتحن اللهُ السلطانَ ببلاء عظيم وخرج الشيخ إلى أصحابه بغاية المسرة والتعظيم فأقام أياما بعد ذلك ثم توَّجه إلى المشرق، فندم السلطان على فعله وعاتب ابن البراء لأجله واستسمح الشيخ فسامحه ووعده بالرجوع إلى تونس بعد أن يحج.
وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في طبقاته: بلغنا أن الشيخ الكامل أبا الحسن الشاذلي لما فنى اختياره مع الله مكث نحو ستة أشهر لا يتجرأ أن يسأل الله في حصول شيء ثم نودي في سره اسألنا عبودية لا ترجيح فيها للعطاء عن المنع. قال فرجوت الله وسألته امتثالا لا تحجيرا عليه فإنه يخلق ما يشاء ويختار وليس معه اختيار.وصوله الاسكندرية وما وقع له مع سلطان مصر
وفي المفاخر ما نصه وذكر سيدي عبد الوهاب الشعراني في قواعد الصوفية الصغرى: (إن سيدي أبا الحسن الشاذلي لما أتى المغرب، وكتبوا إلى السلطان في شأنه مكاتيب شنيعة خرج من الإسكندرية وذهب إلى السلطان واعتقد فيه، فأرسلوا له ثانيا أنه كيماوي فزال اعتقاده منه واتفق أن خادم داره فعل أمرا يوجب القتل فخاف من السلطان وهرب إلى الشيخ في الاسكندرية فحماه منه وأرسل السلطان يغلظ عليه ويقول له: تفسد عليَّ مماليكي. فقال: نحن ممن نصلح لا ممن يفسد. ثم أخرج المملوك من الخلوة وقال له بُل على هذا الحجر فبال عليه وانقلب الحجر ذهباً وكان نحو خمسين قنطاراً، وقال له: خذ هذا لإمكان وضعه في بيت المال فلما وصل إليه رجع عما كان عليه من الاعتقاد الفاسد. ثم نزل إلى زيارته وطلب منه المملوك ليبول له على ما يشاء من الحجارة فقال الشيخ رضي الله عنه: الأصل في ذلك الإذن من الله تعالى ولم يزل السلطان على اعتقاده وعرض عليه الأموال والأزراق فأبى وقال: الذي يبول خُدَّامه على الحجر فيصير ذهبا بإذن الله لا يحتاج إلى أحد من الخلق.
وذكر المناوي في الكواكب الدُرِّيَّة أنه لما قدم الشيخ أبو الحسن الشاذلي إلى الاسكندرية وكان بها أبو الفتح الواسطي وقف بظاهرها وأستأذنه في الدخول. فقال: طاقية لا تسع رأسين. فمات سيدي أبو الفتح في تلك الليلة رضي الله عنهما.
قدومه إلى مصر وما وقع له من الفيض الإلهي بها
جاء في المفاخر ما ملخصه: قال الشيخ ابن معيزل: إن الشيخ رضي الله عنه لمَّا قدم من المغرب إلى مصر صار يدعو الخلق إلى الله تعالى، فتصاغر وخضع لدعوته أهل المشرق والمغرب قاطبة، وكان يجلس في مجلسه أكابر العلماء من أهل عصره، كالشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد والشيخ الزكي بن عبد العظيم المنذري وابن الصلاح وابن الحاجب والشيخ جمال الدين بن عصفور والشيخ نبيه الدين بن عوف والشيخ محي الدين بن سراقة والعالم يس بن العربي رضي الله عنهم، وكذا الشيخ الإمام قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة كان يفتخر بصحبته. وكان يقول: من أراد غنى الدارين فليدخل في مذهبنا يومين ، فقال له قائل: كيف لي بذلك؟ قال فرِّق الأصنام عن قلبك، وأرِحْ من الدنيا بدنك، ثمَّ كنْ كيف شئت، فإنَّ الله تعالى لا يعذِّب العبد على مدِّ رجليه مع استصحاب التواضع للاستراحة من التعب، وإنما يعذِّبه به على شيءٍ يصحبه التكبُّر
وجاء في لطائف المنن (وكان رضي الله عنه إذا استغرق في الكلام يقول: ألا رجل من الأخيار يعقل عنها هذه الأسرار؟ هلموا إلى رجل صيره الله تعالى بحرا من الأنوار). وكان يقول: أخذت ميراثي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكنت من خزائن الأسماء فلو أن الإنس والجن يكتبون عني إلى يوم القيامة لكلوا وملوا. وقد سئل رضي الله عنه: من شيخك؟. فقال: أما فيما مضى فكان سيدي عبد السلام بن بشيش.
وقد وصفه سيدي أبو محمود الحنفي فقال: وكان كلامه في العقل الأكبر والروح والأنوار والقلم الأعلى والقدس الأبهى والاسم الأعظم والكبريت الأحمر والياقوت الأزهر والأسماء والحروف والدوائر وهو المتكلم بنور البصيرة على السراير. كان عالما عارفا بالعلوم الظاهرة وجامعا لدقائق فنونها ومقتضيا لأبكار المعاني وعيونها من حديث وتفسير وفقه وأصول ونحو ولغز وأدب وأما علوم المعارف فقطب رحاها وشمس ضحاها ثم جاءه بعد ذلك العطاء الكبير والفيض الغزير وقصد بالزيارات من جميع الجهات وهو صاحب الإشارات العلية والعبارات السنية جمع بين العلم والحال والهمة والمقال.
وفي لطائف المنن ما ملخصه (وسمعت أن الشيخ أبا الحسن قال عنه أبو العباس: وهو بطرق السماء أعرف منه بطرق الأرض. كنت لا أسمعه يتحدث إلا في العقل الأكبر والاسم الأعظم وشعبه الأربعة والأسماء والحروف ودائرة الأولياء ومقامات المؤمنين والأملاك المقربين عند العرش وعلوم الأسرار وأمداد الأذكار ويوم المقادير وشأن التدبير وعلم البدء وعلم المشيئة وشأن القبضة ورجال القبضرة وعلوم الأفراد وما سيكون عليه يوم القيامة من أفعال الله تعالى مع عباده من حلم وأنعام وجود وانتقام حتى لقد سمعته يقول لولا ضعف العقول لأخبرت بما سيكون غدا من رحمة الله تعالى ولو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين).
ذكر مناقبه رضي الله عنه
وفي لطائف المنن أنه كان رضي الله عنه يقول: ليس الشيخ من دلك على تعبك وإنما الشيخ من دلك على راحتك. وكان يقول ليس الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير والنخالة وإنما هو الصبر على الأوامر واليقين في الهداية. قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
وقال سيدي أحمد بن عطا الله في لطائف المنن: (وأخبرني بعض أصحابنا أن الشيخ أبا الحسن قال يوما: والله أنه لينزل عليّ المدد كله فأرى سريانه في الحوت في الماء والطير في الهواء. فكان الشيخ أمين الدين جبريل حاضرا فقال للشيخ رضي الله عنه: فأنت إذا القطب فقال الشيخ: أنا عبد الله، أنا عبد الله).
وقال الشيخ ماضي بن سلطان في الكواكب الدرية: (تحدث الشيخ يوما في الزهد وكان في المسجد فقير عليه ثياب رثة والشيخ عليه ثياب حسنة وبردة يمانية فقال في نفسه: كيف يتكلم الشيخ في الزهد وعليه هذه الكسوة أنا هو الزاهد في الدنيا. فكاشفه الشيخ وقال له: يا هذا ثياب الرعنة في الدنيا لأنها تنادي بلسان السعي والفقر وثيابنا تنادي بلسان الغنى والتععفف فقام واستغفر ذنبه ورجع عن اعتقاده. فأمر له الشيخ بكسوة طيبة ودله على أستاذ جيد يقال له ابن الدهان ودعا له بخير).
وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه: كنت مع الشيخ رضي الله عنه بقيروان وكان شهر رمضان وكانت ليلة سبعة وعشرين منه فذهب الشيخ إلى الجامع وذهبت معه فلما دخل وأحرم رأيت الأولياء يتساقطون عليه كما يتساقط الذباب على العسل. فلما أصبحنا وخرجنا من الجامع قال الشيخ: ما كانت البارحة إلا ليلة عظيمة وكانت ليلة القدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظى بمدد لله في كل نفس. فقلت: يا رسول الله وما ثيابي؟. قال: أعلم أن الله تعالى قد خلع عليك خمس خلع- خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحد وخلعة الإيمان وخلعة الإسلام فمن أحب الله هان عليه كل شيء ومن عرف الله صغر لديه كل شيء ومن وجد الله تعالى لم يشرك به شيئا ومن آمن بالله آمن بكل شيء ومن أسلم لله قل أن يعصيه وإن عصاه اعتذر إليه وإن اعتذر إليه قبل عذره ففهمت قوله تعالى {وثيابك فطهر}.
وقال أبو عبد الله الطبي: كنت أتوسل بالشيخ أبي الحسن الشاذلي في كل ليلة كذا مرة وأسال الله في جميع حوائجي فأجد القبول في ذلك معجلا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله إني أتوسل بالشيخ أبي الحسن في كل ليلة بعد صلاتي عليك وأسأل الله به في حوائجي. أفترى عليَّ في ذلك شيئا؟ أراني تعديت؟ فقال لي: أبو الحسن ولدي حساً ومعنى والولد جزء من الوالد فمن تمسك بالجزء فقد تمسك بالكل وإذا سألت الله بأبى الحسن فقد سألته بي.
وقال سيدي أحمد بن عطا الله في لطائف المنن: وأخبرني الشيخ مكين الدين الأسمر قال حضرت في المنصورة في خيمة فيها سلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد والشيخ مجد الدين الأخميمي والشيخ أبو الحسن الشاذلي ورسالة القشيري تقرأ بينهم وهم يتكلمون في معانيها والشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم فقالوا: يا سيدي نريد أن نسمع منك. فقال: أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم. فقالوا: لابد أن نسمع منك. فمكث الشيخ ساعة ثم تكلم بالأسرار العجيبة والعلوم الجليلة فقام الشيخ عز الدين وخرج من صدر المجلس وقال: اسمعوا هذا الكلام القريب العهد من الله تعالى.
وفي المفاخر قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يحضر مجلس الأستاذ أبي الحسن فيسمع تقريره في الحقائق ويشاهد حسن إفصاحه عن العلم اللدني فعند ذلك يحصل له وأراد من جانب الحق فينهض قائما. ويقول: تأملوا هذا التقرير فإنه قريب من ربه.
من كراماته رضي الله عنه
ذكر ابن عياد في المفاخر نقلا عن ابن الصباغ في درة الأسرار ما ملخصه: (وحدثني من أثق به في العام الذي قدم فيه الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه بنية الحج تحرك العسكر إلى ملك القاهرة فاشتغل الملك بالحركة عليهم فلم يجهز الجيش من أجل المحمل وأخرج الشيخ خباءه إلى البركة وأتبعه الناس. قال: لا يجوز السفر للحج لعدم الجيش فلما سمع الشيخ ذلك اجتمع به في الجامع يوم الجمعة وقال له يا فقيه: أرأيت لو أن رجلا جعل له الدنيا خطوة واحدة أيباح له السفر في المخاوف، ولله الحمد ممن جعلت له الدنيا خطوة واحدة فإذا رأيت ما يخوف أتحول بهم حيث آمن! وسار رضي الله عنه فظهر له في الطريق من الكرامات ما هو خارق للعادات منها أن اللصوص كانوا يأتون إلى الركب بالليل فإذا دخلوا وسط الركب يجدون عليه سورا مبنيا لا يستطيعون الخروج منه ففي الصباح يأتون إلى الشيخ ويتوبون على يديه. فلما حج ورجع الركب إلى القاهرة خرج الناس والشيخ عز الدين بن عبد السلام للقائه فحدث أهل الركب الناس بما رأوه من مواهب الله تعالى وأخبروهم بما وقع فدخل عز الدين على الشيخ وسلم عليه فقال له الشيخ: يا عز الدين لولا تأدبي مع جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذت الركب يوم عرفة وتخطيت بهم عرفات. فقال: آمنت بالله ثم قال له: انظر بعينك وأشار بيده إلى القبلة فنظر فإذا به يرى الكعبة رأي العين فشاهدها هو وكل من حضر من الناس حتى ضجوا بالأصوات فحط القاضي عز الدين رأسه بين يديه وقال له: يا سيدي أنت شيخي وأخذ عنه الطريق وانتفع به.
قال سيدي ماضي بن سلطان تحدث الأستاذ يوما في حقيقة المشيخة والصحبة وقال: تكون يد الشيخ على أصحابه تحفظهم أينما كانوا غائبين أو حاضرين. قال: فأنكرت ذلك وقلت في نفسي: أن يكونوا في حضرته فلا مانع وأما في غيبته فلا يكون ذلك إلا لله عز وجل. فلما أصبحنا أخذني ضيق في نفسي فخرجت خارج الإسكندرية وجلست على ساحل البحر النهار كله فلما صليت العصر أدخلت رأسي في طوقي وأنا جالس فبينما أنا كذلك وإذا بيد حركتني فظننت أنه بعض الفقراء يمازحني فأخرجت رأسي فوجدت امرأة حسنة متجملة بالحلي واللباس الحسن فقلت لها ما تريدين؟ قالت: أنت. فقال أعوذ بالله منك فقالت: والله مالي عنك براح. فدافعتها عن نفسي فأخذتني ولعبت بي كما تلعب بالعصفور وما ملكت نفسي شيئا فرمتني بين فخذيها فحنت نفسي إليها وإذا بيد الشيخ أخذتني من أطواقي ورمتني عنها فظننت أني حذرت من السماء فأخذتني دهشة ثم خاطبني رضي الله عنه قال لي: يا ماضي ما هذا الذي تقع فيه؟ فقمت ورفعت عيني فما وجدت الشيخ ولا المرأة فعجبت من ذلك وعلمت ذنبي مع الشيخ وأني أصبحت بإعتراضي عليه فرجعت ودخلت بيتي مختفيا من الفقراء فلما صلى الشيخ دخل الخلوة وقال: أين ماضي؟ قالوا: يا سيدي ما رأيناه اليوم.
قال: أطلبوه في بيته. فطلبوني فاعتذرت بالمرض فلما أخبروه قال أحملوه بينكم فحملوني وأدخلوني عليه فلما خرجوا قال لي: يا ماضي ما قلت أنا بالأمس فكيف اعترضت عليَّ وأين كنت مني اليوم ما أردت لك أن تقع في المعصية؟ يا ماضي من لم يكن كذلك فليس بشيخ.




للمزيد من هذه العلوم الرجاء الضغط هنا





مشاركة المقال
mohamed fares
@كاتب المقاله
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع برهانيات كوم .

مقالات متعلقة



Seoplus جميع الحقوق محفوظة ل برهانيات كوم