برهانيات كوم
سيدي الحسن البصري رضي الله عنه
هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري رضي الله عنه ولد بالبصرة لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه وتوفي سنة مائة وعشر مستهلِّ رجب، شبَّ في البيت الهاشميِّ الرفيع بيت الإمام علي كرَّم الله وجهه، أبوه يسار من ميسان وأمُّه خيرة روت عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها وكانت مولاة لأم سلمة زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم،و كانت أم سلمة تخرجه للصحابة يباركون عليه، وأخرجته إلى عمر رضي الله عنه فدعا له بقوله: اللهمَّ فقهه في الدين وحبِّبه إلى الناس.وقيل إنَّ تلك الفصاحة التي كانت عند الحسن والحكمة كانت من قطرات شربها الحسن رضي الله عنه من ثدي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها لأن أمَّه ربما غابت فيبكي فتعطيه أم سلمة رضي الله عنها ثديها فتعلله به. وأضيف إليه بأنه نشأ في بيت الإمام علي موئل البلاغة والخطابة والفصاحة. قيل فيه: كان أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء، وأقربهم إلى هدي الصحابة، قال الحسن البصري: كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان فأتناول سقفها بيدي.
وصفه رضي الله عنه
كان قسيماً وسيماً فاره الجبين، وكان أجمل أهل البصرة، وكان يبدو إذا أقبل لشدة حزنه، كأنما رجع من دفن حبيب،وإذا جلس فكأنه أسير أُمر بضرب عنقه، وإذا ذُكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له.
علمه
روى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لأن عمره كان قبل أن يخرج علي من المدينة أربعة عشر عاماً فقيل له: يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لم تدركه، فقال: كلُّ شيء سمعتني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر فيه علياً أي خوفا من الحجاج.عاش حياته متفرِّغا لطلب العلم ومحادثة الرجال ولم يتزوَّج وكانت حلقته في المسجد تدرَّس فيها جميع العلوم فمنهم من كان يأتيه للقرآن ومنهم من كان يأتيه للحديث أو الفقه أو اللغة أو النحو وكان بارعاً في كلِّ ضروب المعارف.وقد اشتهر قول أنس رضي الله عنه عندما سئل عن مسألة فقال:اسألوا مولانا الحسن فإنَّه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا.وروي أنَّ أعرابياً سأل أهل البصرة: من سيِّدُكم ؟ فقالوا: الحسن البصري، فقال: بم سادكم ؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنانيرهم، فقال الأعرابي: ما أحسن هذا! وكان الحسن يقول للعلماء إذا رآهم على أبوب الأغنياء: ما وقوفكم بأبواب هؤلاء الخبثاء ؟
تواضعه وزهده
جاء في وصفه رضي الله عنه كان طاهر القلب أميناً على العلم والعلماء، وكان جامعاً عالماً عالياً رفيعاً فقيهاً ثقةً مأمونا، عابداً ناسكاً واسع العلم، وكان يخفض جناحه لتلاميذه ويزورهم في بيوتهم ويلاطفهم ولا يغلق بابه دونهم قال بعض تلاميذه: دخلنا على الإمام الحسن البصري نعوده فما كان في البيت فراش ولا وساد ولا حصير إلا سرير مرمولٌ هو عليه.ويروي قتادة حادثة عن كرمه يقول: دخلنا على الإمام الحسن البصري وهو نائم، وعند رأسه سلةٌ فجذبناها، فإذا فيها خبز وفاكهة، فجعلنا نأكل فانتبه فرآنا، فسرَّه فتبسَّم وقرأ قوله تعالى {أو بيت صديقكم ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}
قال أحد أصحابه:وكنت أدخل عليه في بيته وهو يبكي، وآتيه مع الناس وهو يبكي، وآتيه وهو يصلِّي فأسمع بكاءه ونحيبه، فقلت له يوماً: يا أبا عبد الرحمن إنك لتكثر البكاء، فبكى وقال: يا بنيَّ فما يصنع المؤمن إذا لم يبك، يا بنيَّ إن البكاء داعٍ إلى الرحمة، فإن استطعت سبيلا ألا ترى طول عمرك إلا باكيا، لعلَّه يراك على حالك ويرحمك بها فإذا أنت قد نجوت من النار.
وقيل ذهب الحسن إلى جنازة وهو راكب بغلة وإلى جانبه الفرزدق الشاعر، فقال له الفرزدق: إن الناس ينظرون إلينا ويقولون: خير الناس وشرُّ الناس. فقال الحسن: يا أبا فراس رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين خيرٌ مني،وما أعددت للموت ؟ قال الفرزدق: شهادة أن لا إله إلا الله، فقال الحسن: إنَّ معها شرطاً فإياك وقذف المحصنة.، قال: هل من توبة ؟ قال: نعم.وسأل رجل الحسن البصري عن شيء وقال له إن الفقهاء يقولون كذا وكذا. فقال الحسن: وهل رأيت فقيهاً بعينك إنما الفقيه الزاهد في الدنيا البصير بدينه. يعرِّض بالفقهاء الذين يطلبون الدنيا بالدين.
من كلامه
إن امرأً ذهب ساعة من عمره في غير ما خلق له لخليق أن تطول عليه حسرته.وقال: إذا جالستَ العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلَّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن القول، ولا تقطع على أحدٍ حديثه. وقال رضي الله عنه: نهارك ضيفُك فإن أحسنتَ إليه ارتحل بحمدك، وإن أنت أسأتَ إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلك.وسئل الحسن عن الفتنة الكبرى فقال: تلك دماء عصم الله منه يدي فلا أدخل فيها لساني.وقال: قدم علينا بشر بن مروان أميراً ومكث عندنا أربعين يوماً ثمَّ طُعن فمات، فحملناه إلى قبره فلما صرنا إلى الجبَّان إذا نحن بأربعة من الأحباش يحملون صاحبا لهم إلى قبره، فوضعنا السرير فصلينا على بشر، ووضعوا السرير فصلوا على صاحبهم، ثمَّ حملنا بشراً إلى قبره وحملوا صاحبهم إلى قبره، ثمَّ انصرفوا وانصرفنا، فالتفتُّ فلم أعرف قبر الأمير من قبر الحبشي، فلم أر شيئاً قط كان أعجب من هذا.
وفاته رضي الله تعالى عنه
قال حميد الطويل: توفي الحسن يوم الخميس وأصبحنا يوم الجمعة ففرغنا من أمره، وحملناه بعد صلاة الجمعة ودفناه، فتبع الناس كلُّهم جنازته، واشتغلوا به فلم تقم صلاة العصر، ولا أعلم أنه تركت منذ قام الإسلام، وأغشي عليه ساعة موته ثمَّ أفاق فقال: لقد نبَّهتموني من جناتٍ وعيون ومقامٍ كريم، ورأى أحد الأولياء عشية موته أبواب السماء مفتَّحة، وكأنَّ منادياً ينادي: ألا إن الحسن قدم على الله وهو عنه راض.
وعظُمت هيبته في القلوب وكان يدخل على الولاة يأمرُهم وينهاهم، وله مع الحجاج مواقف وقد سلم من أذاه ولما بلغ الحسن قتل الحجاج لسعيد بن جبير قال: اللهم يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج، فما بلغ إلا ثلاثاً حتى وقع في جوفه الأكلة والدود فمات.
وتكلَّم رجل عند الحسن بمواعظ جمة فلم ير في الحسن رقَّة ولا تأثر، فقال الحسن رضي الله عنه: إما أن يكون بنا شرٌّ أو بك، أي أن المستمع يرق على قدر رقَّة القائل.
رأى الحسن رضي الله عنه رجلا يعالج سكرات الموت فقال: إنَّ أمراً هذا آخره لجدير أن يزهد في أوَّله، وإنَّ أمراً هذا أوًّله لجدير أن يخاف آخره.
وقال: قتل الناقة رجلٌ واحدٌ ولكن الله عمهم بالعذاب لأنهم عموه بالرضا.
وقال في يوم فطر وقد رأى الناس وهيئاتهم: إن الله تبارك وتعالى جعل رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته،، فسبق أقوام ففازوا وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر المبطلون ! أما والله لو كُشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسيء بإساءته عن ترجيل شعر أو تجديد ثوب
وصفه رضي الله عنه
كان قسيماً وسيماً فاره الجبين، وكان أجمل أهل البصرة، وكان يبدو إذا أقبل لشدة حزنه، كأنما رجع من دفن حبيب،وإذا جلس فكأنه أسير أُمر بضرب عنقه، وإذا ذُكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له.
علمه
روى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لأن عمره كان قبل أن يخرج علي من المدينة أربعة عشر عاماً فقيل له: يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لم تدركه، فقال: كلُّ شيء سمعتني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر فيه علياً أي خوفا من الحجاج.عاش حياته متفرِّغا لطلب العلم ومحادثة الرجال ولم يتزوَّج وكانت حلقته في المسجد تدرَّس فيها جميع العلوم فمنهم من كان يأتيه للقرآن ومنهم من كان يأتيه للحديث أو الفقه أو اللغة أو النحو وكان بارعاً في كلِّ ضروب المعارف.وقد اشتهر قول أنس رضي الله عنه عندما سئل عن مسألة فقال:اسألوا مولانا الحسن فإنَّه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا.وروي أنَّ أعرابياً سأل أهل البصرة: من سيِّدُكم ؟ فقالوا: الحسن البصري، فقال: بم سادكم ؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنانيرهم، فقال الأعرابي: ما أحسن هذا! وكان الحسن يقول للعلماء إذا رآهم على أبوب الأغنياء: ما وقوفكم بأبواب هؤلاء الخبثاء ؟
تواضعه وزهده
جاء في وصفه رضي الله عنه كان طاهر القلب أميناً على العلم والعلماء، وكان جامعاً عالماً عالياً رفيعاً فقيهاً ثقةً مأمونا، عابداً ناسكاً واسع العلم، وكان يخفض جناحه لتلاميذه ويزورهم في بيوتهم ويلاطفهم ولا يغلق بابه دونهم قال بعض تلاميذه: دخلنا على الإمام الحسن البصري نعوده فما كان في البيت فراش ولا وساد ولا حصير إلا سرير مرمولٌ هو عليه.ويروي قتادة حادثة عن كرمه يقول: دخلنا على الإمام الحسن البصري وهو نائم، وعند رأسه سلةٌ فجذبناها، فإذا فيها خبز وفاكهة، فجعلنا نأكل فانتبه فرآنا، فسرَّه فتبسَّم وقرأ قوله تعالى {أو بيت صديقكم ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}
قال أحد أصحابه:وكنت أدخل عليه في بيته وهو يبكي، وآتيه مع الناس وهو يبكي، وآتيه وهو يصلِّي فأسمع بكاءه ونحيبه، فقلت له يوماً: يا أبا عبد الرحمن إنك لتكثر البكاء، فبكى وقال: يا بنيَّ فما يصنع المؤمن إذا لم يبك، يا بنيَّ إن البكاء داعٍ إلى الرحمة، فإن استطعت سبيلا ألا ترى طول عمرك إلا باكيا، لعلَّه يراك على حالك ويرحمك بها فإذا أنت قد نجوت من النار.
وقيل ذهب الحسن إلى جنازة وهو راكب بغلة وإلى جانبه الفرزدق الشاعر، فقال له الفرزدق: إن الناس ينظرون إلينا ويقولون: خير الناس وشرُّ الناس. فقال الحسن: يا أبا فراس رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين خيرٌ مني،وما أعددت للموت ؟ قال الفرزدق: شهادة أن لا إله إلا الله، فقال الحسن: إنَّ معها شرطاً فإياك وقذف المحصنة.، قال: هل من توبة ؟ قال: نعم.وسأل رجل الحسن البصري عن شيء وقال له إن الفقهاء يقولون كذا وكذا. فقال الحسن: وهل رأيت فقيهاً بعينك إنما الفقيه الزاهد في الدنيا البصير بدينه. يعرِّض بالفقهاء الذين يطلبون الدنيا بالدين.
من كلامه
إن امرأً ذهب ساعة من عمره في غير ما خلق له لخليق أن تطول عليه حسرته.وقال: إذا جالستَ العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلَّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن القول، ولا تقطع على أحدٍ حديثه. وقال رضي الله عنه: نهارك ضيفُك فإن أحسنتَ إليه ارتحل بحمدك، وإن أنت أسأتَ إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلك.وسئل الحسن عن الفتنة الكبرى فقال: تلك دماء عصم الله منه يدي فلا أدخل فيها لساني.وقال: قدم علينا بشر بن مروان أميراً ومكث عندنا أربعين يوماً ثمَّ طُعن فمات، فحملناه إلى قبره فلما صرنا إلى الجبَّان إذا نحن بأربعة من الأحباش يحملون صاحبا لهم إلى قبره، فوضعنا السرير فصلينا على بشر، ووضعوا السرير فصلوا على صاحبهم، ثمَّ حملنا بشراً إلى قبره وحملوا صاحبهم إلى قبره، ثمَّ انصرفوا وانصرفنا، فالتفتُّ فلم أعرف قبر الأمير من قبر الحبشي، فلم أر شيئاً قط كان أعجب من هذا.
وفاته رضي الله تعالى عنه
قال حميد الطويل: توفي الحسن يوم الخميس وأصبحنا يوم الجمعة ففرغنا من أمره، وحملناه بعد صلاة الجمعة ودفناه، فتبع الناس كلُّهم جنازته، واشتغلوا به فلم تقم صلاة العصر، ولا أعلم أنه تركت منذ قام الإسلام، وأغشي عليه ساعة موته ثمَّ أفاق فقال: لقد نبَّهتموني من جناتٍ وعيون ومقامٍ كريم، ورأى أحد الأولياء عشية موته أبواب السماء مفتَّحة، وكأنَّ منادياً ينادي: ألا إن الحسن قدم على الله وهو عنه راض.
وعظُمت هيبته في القلوب وكان يدخل على الولاة يأمرُهم وينهاهم، وله مع الحجاج مواقف وقد سلم من أذاه ولما بلغ الحسن قتل الحجاج لسعيد بن جبير قال: اللهم يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج، فما بلغ إلا ثلاثاً حتى وقع في جوفه الأكلة والدود فمات.
وتكلَّم رجل عند الحسن بمواعظ جمة فلم ير في الحسن رقَّة ولا تأثر، فقال الحسن رضي الله عنه: إما أن يكون بنا شرٌّ أو بك، أي أن المستمع يرق على قدر رقَّة القائل.
رأى الحسن رضي الله عنه رجلا يعالج سكرات الموت فقال: إنَّ أمراً هذا آخره لجدير أن يزهد في أوَّله، وإنَّ أمراً هذا أوًّله لجدير أن يخاف آخره.
وقال: قتل الناقة رجلٌ واحدٌ ولكن الله عمهم بالعذاب لأنهم عموه بالرضا.
وقال في يوم فطر وقد رأى الناس وهيئاتهم: إن الله تبارك وتعالى جعل رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته،، فسبق أقوام ففازوا وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر المبطلون ! أما والله لو كُشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسيء بإساءته عن ترجيل شعر أو تجديد ثوب