-->
إغلاق القائمة
إغلاق القائمة
404
نعتذر فقد تم نقل الموضوع ; الرجاء زيارة الارشيف! الأرشيف

الخميس، 14 ديسمبر 2017

السيدة فاطمة الزهراء رضوان الله عليها

السيدة فاطمة الزهراء رضوان الله عليها



برهانيات كوم  

السيدة فاطمة الزهراء رضوان الله عليها


من ناسكات الأصفياء، وصفيَّات الأتقياء، السيدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول ، أشدُّ أولاده بقلبه لصوقا، وأوَّلهم بعد وفاته به لحوقا، كانت عن الدنيا ومتعتها عازفة، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة، يشرق النور على مهدها من مطالع ثلاث:
النورُ يشرقُ من ثلاثِ مطالعٍ من مهدِ فاطمةٍ فيا بشراهاهي بنتُ من! هي زوجُ من! هي أمُّ من! من ذا يضاهي في الفخارِ أباها
أما المشرق الأكبر فرسول الله وأما المشرق الثاني فحامي حوزة الدين فارس المشرقين الإمام علي كرَّم الله وجهه:
عبدَ الَله غلاماً ناشئاً وقريشٌ يَعبدونَ الوثنينوأما المشرق الثالث فسيِّدا شباب أهل الجنَّة،في روضِ فاطمةٍ نما غُصنان لم يُنْبتْهما في النيِّرات سواهاحسن الذي جَمَعَ الجماعةَ بعدما أضحى تفرُّقها يشلُّ عُراهاوحسينُ في الأحرارِ والأبرارِ ما أزكى شمائلَه وما أنداها
وهي سيدة نساء العالمين الكاملة بنت الكاملة التي شدَّ بها الله ركنَ الإسلام السيِّدة خديجة رضي الله تعالى عنها التي قيل فيها:كلُّ أخلاقها البديعة جلَّت عن شبيهٍ وكلُّها حسناءُ
قيل سُمِّيتْ فاطمة سمَّاها ربها عزَّ وجل، وقيل في تفسير اسمها لأنَّ الخلق فُطموا عن معرفتها، وجاء في صواعق ابن حجر: إنما سُمِّيت فاطمة لأنَّ الله فطمها وذريَّتها من النار يوم القيامة. وقيل سميت بالبتول لانقطاعها لعبادة ربها.وقيل سُمِّيت الزهراء لحسنها وزُهرةُ لونها والزُّهرة هي البياض الحسَن المُشرب بحمرة وهو لونُ أبيها
مولدها رضي الله تعالى عنها
أكثر الروايات تذهب إلى أنها ولدت قبل المبعث بخمس سنين قالت بنت الشاطيء في حديثها عن بنات النبي : لقد شاء الله أن يقترن مولدها بالحادث الجليل الذي ارتضت فيه قريش محمداً حكماً فيما شجر بينها من خلاف على وضع الحجر الأسود عند تجديد بناء الكعبة المكرَّمة فاستبشر أبواها بمولدها، وفرح بها رسول الله وقد كانت بنتاً أتت بعد ثلاث بنات وما هذا إلا لما وقع في ولادتها من البشريات، فهي التي منها تفرَّع أصل رسول الله وامتدَّ فرعه الشريف. وقد شهدت الدعوة النبوية وعمرها خمس سنوات وشهدت كلَّ ما أصاب رسول الله من أذى المشركين ولها قصص كثيرة في الدفاع عن أبيها رسول الله وهي طفلة سنتحدَّث عنها إن شاء الله، دخلت شعب أبي طالبٍ مع أبيها أيام الحصار، وفقدت أمَّها السيدة خديجة رضي الله عنها وهي طفلة وشهدت موت أخواتها سيِّدات النساء زينب ورقية وأم كلثوم رضوان الله عليهنَّ وشهدت مقتل جدِّها حمزة رضي الله عنه في أحد وعمها جعفر الطيار رضي الله عنه في مؤته، وكانت وفيَّة لسيدنا حمزة رضي الله عنه تزورقبره كلَّ جمعة وتدعو له، ثمَّ كان المصاب الأكبر بوفاة رسول الله ولم تعمّر بعده كثيراً، فما أكثر ما ابتليت به رضي الله عنها وأشدُّ الناس بلاءً الأنبياء فالأولياء فالأمثل فالأمثل.
زواجها رضي الله عنها
تزوَّجت السيِّدة فاطمة من الإمام علي وعمرها ثمانية عشر عاما وتقدَّم لها الخطَّاب قبله ولكن رسول الله رأى أن ينتظر فيها الأمر من المولى عزَّ وجل قال رسول الله : ما تزوَّجت شيئاً من نسائي ولا زوَّجت شيئاً من بناتي إلا بوحيٍ جاءني به جبريل من ربي عزَّ وجلَّ. روى ابن سعد في الطبقات أن الصاحبين أبا بكر وعمر رضي الله عنها خطباها من رسول الله لم يزد على قوله: إني انتظر فيها أمر الله. وكان عليٌّ كرَّم الله وجهه راغبا فيها يمنعه الفقر والحياء، فخاطبه الصاحبان والمسلمون وألحوا عليه فدخل على النبي على استحياء فسأله فقال في إطراق: ذكرتُ فاطمة يا رسول الله. فدخل عليها رسول الله فقال لها: لقد سألت ربي أن يزوِّجك خير خلقه وأحبَّهم إليه، وقد عرفتِ علياً وفضله وقد جاءني اليوم خاطباً فما ترين. فسكتت فخرج وهو يقول: سكوتها رضاها وإقرارها. وقيل إن إنَّ رسول الله قال لها: أي بنية إن ابن عمِّك علياً قد خطبك فما تقولين ؟ فبكت وقالت:كأنك يا أبتِ إنما ادَّخرتني لفقير قريش فقال : والذي بعثني بالحق ما تكلَّمتُ في هذا حتى أُذن لي فيه من السماء، فقالت فاطمة رضي الله عنها: رضيت بما رضي الله ورسوله.ثمَّ جمع المسلمين وخطب فيهم: إن الله أمرني أن أزوِّج ابنتي فاطمة من عليٍّ وقد زوَّجتها إياه على أربعمائة مثقال فضة، فزوَّجها رسول الله من عليٍّ كرَّم الله وجهه ودعا لهما: بارك الله عليكما وأسعد جدَّكما، وجمع بينكما وأخرج منكما الكثير الطيِّب. وخاطب رسول الله فاطمة بقوله: لقد زوَّجتك سيِّداً في الدنيا والآخرة، وإنه لأوَّل أصحابي إسلاما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما. وجاء الإمام عليٌّ بالمهر بعد أن باع درعه لسيِّدنا عثمان رضي الله عنه بأربعمائة وسبعين درهما،ثمَّ إن عثمان رضي الله عنهردَّ الدرع إلى علي كرَّم الله وجهه. فحمل علي الدراهم ووضعها بين يدي رسول الله فقبض منها النبي قبضةً ودفعها إلى بلال رضي الله عنه، وقال له: ابتع لفاطمة طيبا. ثمَّ قبض بكلتا يديه ودفعها لأبي بكر رضي الله عنه وقال له: اشتر لها ما يصلحها من ثياب وأثاث، وأرسل معه عمار بن ياسر رضي الله عنهوجماعةٌ من أصحابه فخرجوا إلى السوق فكانوا يأتون بالشيء ويعرضونه على أبي بكر رضي الله عنه فإن استصلحه اشتراه، ودفع بعض المال لأم أيمن رضي الله عنها لتشتري متاعاً فكان مجموع الجهاز قميصٌ بسبعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية وسرير ملفوف بشريط وفراشان من خيش مصر حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من صوف الغنم، وأربعة مرافق من أدَمِ الطائف حشوها من الإذخر نبات طيب الرائحة وستر رقيق من صوف وحصير ورحىً للطحين.وسقاء لجلب الماء وطست وقعب للبن وجرَّةٌ خضراء وكيزان من الفخار وقربة. وكلها من الأشياء التي توجد في بيوت الفقراء.وأحبُّ أن اسأل بنات اليوم الائي جعلن من أنفسهنَّ سلعاً تشترى وتباع: هل منكنَّ واحدةٌ ترضى بمثل هذا الجهاز أو الأثاث ومن منكنَّ ترقى إلى ذلك المقام الرفيع مقام السيدة الزهراء وقد رضيت به، وأنتنَّ تعلمن أنه ليس وراء هدي النبوّةِ هدي يستضاء به وقد قال الذي لا معقِّب على قوله :أعظم النكاح بركةً أيسره مؤونةً وكان زوجها كرَّم الله وجهه من فقراء قريش:
إيوانُه كوخٌ وكنزُ ثرائِه سيفٌ بدا بيمينه تيَّاها
وليلة دخل علي كرَّم الله وجهه على فاطمة رضي الله عنها قال رسول الله لعلي كرَّم الله وجهه: لا تحدث شيئاً حتى تلقاني. فجاءت بها أم أيمن رضي الله عنها حتى قعدت في جانب البيت وعليٌّ في جانب آخر، فجاء رسول الله فقال لابنته: ائتيني بماء، فقامت تعثر في ثوبها من الحياء، فأتت بإناء فيه ماء فأخذه رسول الله فمجَّ فيه، ثم قال لها: تقدَّمي، فتقدّمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها، وقال: اللهمَّ إني أعيذها بك وذريَّتها من الشيطان الرجيم،ثمَّ قال: إئتوني بماء فقال علي كرَّم الله وجهه: فعلمت الذي يريد، فقمت فملأت الإناء وأتيته به فأخذه فمجَّ فيه ثمَّ صنع بي الذي صنع بفاطمة، ودعا لي بما دعا لها به، ثمَّ قال: اللهمَّ بارك فيهما وبارك عليهما، وبارك لهما في شملهما، ثم تلا الإخلاص والمعوِّذتين، ثمَّ قال: ادخل بأهلك باسم الله والبركة. ثم مكث رسول الله ثلاثة أيام لا يدخل على فاطمة وفي اليوم الرابع دخل عليهما في غداةٍ باردة وهما تحت الغطاء ثمَّ قال::كما أنتما، وجلس عند رأسيهما ثمَّ أدخل ساقيه وقدميه بينهما، فأخذ علي كرَّم الله وجهه إحدى رجليه فوضعها على صدره وبطنه ليدفئها، وأخذت فاطمة رضي الله عنها الأخرى فوضعتها كذلك.
إن هذا البيت البسيط الذي تقوم فيه صاحبته بالخدمة وحدها وليس معها من يعينها، ويخرج زوجها الفقير كلَّ يوم يلتمس المعاش هو البيت الذي أذهب الله عنه الرجس وطهَّره تطهيرا وهو البيت الذي شاء المولى عزَّ وجلَّ أن تخرج منه الذريَّة الطيبة الطاهرة. وقد قال صلى الله عليه وسلم :.إن الله جعل ذرية كلِّ نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب.المعجم الكبير.
قال سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وإنْ مريمٌ أحصنتْ فرجَها وجاءتْ بعيسى كبدرِ الدُّجىفقد أُحصِنت فاطمٌ بعدها وجاءت بسبطي نبيِّ الهُدى
وقيل على لسان سيِّدنا الحسين رضي الله عنه
من له جدٌّ كجدي المصطفى أحمدُ المختارُ نورُ الظلمتينوالدي شمسٌ وأمي قمر وأنا الكوكبُ ابن النيِّرين
وقال سيِّدي فخر الدين رضي الله عنه:
أمُّنا الزَّهراءُ ذاتُ الـ اجتبا نوراً ثنيَّابنتُ من خُصَّت بخيرِ الـ خلقِ بَدءاً أوَّليَّا
يا رسولَ اللهِ يامن خصَّ بالزهرا عليَّاأعطتِ الزهر عظيمين وما انتبذت قصيا
شفقتها على رسول الله
اجتمع مشركو قريش في البيت، فقالوا: إذا مرَّ محمد فليضربه كلّ واحدٍ من ضربة، فسمعتْ السيّدة فاطمة رضوان الله عليها فدخلتْ على أبيها فذكرتْ له ذلك فقالت وهي تبكي: تركت الملأ من قريشٍ قد تعاقدوا في البيت، فحلفوا باللات والعزَّى وإساف ومناة ونائلة، إذا رأوك يقومون إليك فيضربونك بأسيافهم فيقتلونك، فقال : يا بنية لا تبكي، ثمَّ خرج رسول الله بعد أن توضَّأ، فدخل المسجد، فرفعوا رؤوسهم ثمَّ نكسوا، فأخذ قبضةً من تراب فرمى بها نحوهم، ثمَّ قال: شاهت الوجوه. فما أصاب رجلا منهم إلا قتل ببدر.
كانت رضوان الله عليها تؤثر أباها بما عندها من طعام كالأم المشفقة على ولدها فعن أنس رضي الله عنه قال: جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى رسول الله بكسرة خبز فقال: ما هذه الكسرة ؟ قالت: قرص خبزته ولم تَطِب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة.
أخرج أبو يعلى عن جابر رضي الله عنه قال: إن رسول الله أقام أياماً لم يذق طعاماً حتى شقَّ ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه، فلم يجد عند واحدة منهنَّ شيئاً فأتى فاطمة رضوان الله عليها فقال: يا بنيَّة هل عندك شيء آكله. فقالت: لا والله. فلما خرج بعثت إليها جارية لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت: والله لأوثرنَّ بهذا رسول الله على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً جياعاً فبعثت إليه حسناً أو حسيناً فرجع إليها فقالت له: قد أتى الله بشيء قد خبأته لك، فقال: هلمي يا بُنيَّة بالجفنة، فكشفتْ عن الجفنة فإذا هي مملوءةٌ خبزاً ولحما. (الدر المنثور والبداية والنهاية)
ولما رجع رسول الله من أحد وقد جُرح لقيته السيِّدة فاطمة رضي الله عنها فعانقته وجعلت تغسل جراحاته، وعلي كرَّم الله وجهه يسكب الماء، فتزايد الدم، فلما رأت ذلك أخذت شيئاً من حصير، فأحرقته بالنار حتى صار رمادا، فأخذت ذلك الرماد ووضعته على الجرح فاستمسك الدم. وكان رسول الله إذا خرج إلى الغزو كان خر من يودعه ابنته فاطمة رضوان الله عليها·فضلها رضي الله تعالى عنها
أجمع المفسِّرون والمحدِّثون وكُتَّاب السير أن السيِّدة فاطمة وزوجها وبنيها كانوا هم المعنيين في قوله تعالى {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم}. وقد نزلت هذه الآية عند مناظرة الرسول لنصارى وفد نجران، إذ دعا رسول الله السيدة فاطمة والإمام علي والحسن والحسين رضوان الله عليهم للمباهلة بهم وقال (اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي)
وجاء في حديث حذيفة قال رسول الله لأصحابه:إن هذا ملكٌ نزل لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربَّه أن يُسلِّم عليَّ ويبشِّرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنَّة.وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أفضل نساء أهل الجنة مريم ابنة عمران، وفاطمة بنت محمد، وخديجة بنت خويلد وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون.
جاء في صحيح البخاري أن النبيَّ كان يقول: (فاطمةُ بَضعةٌ مني فمن أغضبها أغضبني). وروى مسلم في صحيحه: (فاطمةُ بَضعةٌ مني يريبني ما رابها). وهذه العبارة قالها رسول الله في أكثر من موطن فقد روي أن رسول الله سأل أصحابه: ما خيرٌ للنساء؟ فلم يعرفوا ما ذا يقولون فذهب الإمام علي إلى السيدة فاطمة وسألها، فقالت: فهلا قلت له: خيرٌ لهنَّ ألا يرين الرجال ولا يرونهن، فرجع فأخبره، فقال النبي : من علَّمك هذا؟ قال: فاطمة. قال إنها بضعةٌ منِّي وفي حديث الثلاثة الذين خلِّفوا انَّ أبا لبابة ربط نفسه إلى السارية وقال: حتى يطلقني رسول الله ، ولما نزلت توبته جاءت السيدة فاطمة لتطلقه،فقال: لا حتى يطلقني رسول الله ، فبلغ ذلك رسول الله فعتب عليه وقال: فاطمةُ بضعةٌ مني ولو أطلقته كان فيها كفَّارة يمينه فكأنَّما أطلقه رسول الله .وكان عمر بن عبد العزيز يكرم عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ولمَّا سئل عن هذا أجاب:لقد حدَّثني الثقة كأني اسمع ذلك من فم رسول الله :فاطمة بضعةٌ مني يسرُّني ما يسرُّها ويغضبني ما يُغضبها، وعبد الله هذا بَضعةٌ من فاطمة وهي بَضعة رسول الله . وعن عمران بن الحصين قال: إنَّ النبيَّ قال:ألا تنطلق بنا نعود فاطمة فإنها تشتكي؟ قلت: بلى قال: فانطلقنا حتى انتهينا إلى بابها فسلَّم واستأذن فقال: أدخل أنا ومن معي؟ قالت نعم ومن معك يا أبتاه؟ فوالله ما عليَّ إلا عباءة، فقال: اصنعي بها كذا واصنعي بها كذا فعلَّمها كيف تستتر، فقالت والله ما على رأسي من خمار، قال فأخذ مُلاءة كانت عليه فقال اختمري بها ثمَّ أذنت لهما فدخلا فقال: كيف تجدينك يا بُنيَّة؟ قالت إني لوجعة وأنه ليزيدَّ أنه مالي طعامٌ آكله. قال: يا بنية أما ترضين أنك سيِّدة نساء العالمين قالت: فأين مريم ابنة عمران؟ قال: تلك سيِّدة نساء عالمها، وأنت سيِّدة نساء عالمك، أما والله زوَّجتك سيِّداً في الدنيا والآخرة. روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنه قالت: ما رأيتُ أحداً قط أصدق من فاطمة غير أبيها.وكان بينها وبين السيدة عائشة خلاف فقالت السيدة عائشة للنبي : سلها فإنها لا تكذب. تعني السيدة فاطمة رضوان الله عليها.
مكانتها عند الإمام علي كرَّم الله وجهه
كان الإمام علي إذا غاضب السيِّدة فاطمة، لا يُكلّمها بشيءٍ تكرهه ويخرج من بيته وقد وضع التراب على رأسه، فسماه رسول الله أبا تراب، وكان كلَّما رأى التراب على رأسه علم أنه عاتب على فاطمة رضي الله عنها، فأصلح بينهما.
وكانت السيِّدة فاطمة رضي الله تعالى عنها ترقِّص ولدها الحسن وهو صغير والإمام علي يسمع فتقول له:
يا بأبي شبهَ أبي غيرَ شبيهٍ بعلي
أي أنك تشبه جدَّك رسول الله ولا تشبه أباك علياَّ وكان سيِّدنا الحسن أشبه الناس برسول الله في وجهه وصدره، ولو كان جدُّه رجلا غير رسول الله لغضب الإمام علي كرَّم الله وجهه.
قال علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه لواحد من أصحابه:ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله وكانت أحبَّ أهله إليه؟ قلت: بلى قال: إن فاطمة جرَّت بالرحى حتى أثرَّت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثَّرت في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرَّت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكِنتْ ثيابها، وأصابها من ذلك ضر، فأتى النبيَّ خدمٌ من الأرقاء، فقلت لها: لو أتيتِ أباك فسألته خادما، فأتته فوجدت عنده بعض أصحابه فاستحيت فرجعت،فأتاها من الغد فقال لها: ما كانت حاجتك؟ فسكتت، فقلت: أحدِّثك يا رسول الله ؛ جرَّت عندي بالرحى حتى أثَّرت في يدها، وحملت بالقربة حتى أثَّرت في نحرها، وكسحت البيت حتى اغبرَّت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، فلما جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمها خادماً يقيها حرَّ ما هي فيه. قال رسول الله: اتقي الله يا فاطمة وأدي فريضة ربِّك، واعملي عمل أهلك، إن أخذتِ مضجعك فسبِّحي الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدي الله ثلاثاً وثلاثين، وكبِّري أربعاً وثلاثين فتلك مائة، فهي خيرٌ لك من خادم قالت:
رضيت عن الله وعن رسوله ولم يعطها خادما يخدمهاهذه سيِّدة نساء العالمين تقوم بخدمة بيتها بنفسهافمها يرتِّل آي ربِّك بينما يدُها تديرُ على الشعيرِ رحاها
ولا ينبغي لامرأةٍ مهما بلغت عزَّتها أن تكون خيرا من سيِّدة نساء العالمين، وقد منعها رسول الله الخادم. لما في خدمة المرأة لبيتها وأهل بيتها من الفضل العظيم، وأحبُّ أن اسألَ كلَّ امرأة تستعين بمن يخدمها في البيت لغير ضرورة مُلحَّة: هل يمكن الحصول على خادم يتَّصف بالأمانة فلا يخون ولا يسرق، ويتقن عمله فيقوم به على أكمل وجه، ويكتم أسرار بيتك فلا يذيعها بين الناس؟ إنَّ الحصول على مثل هذا الخادم هو أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.
وهذا مقام الرضا قال أبو طالب المكي: طوبى لمن هُدي إلى الإسلام وكان رزقه كفافاً فرضي به، وفي مثله أيضا من رضي من الله عزَّ وجلَّ بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل، وقد روينا حديثاً من طريق أهل البيت عن النبيِّ إذا أحبَّ الله تعالى عبداً ابتلاه، فإنْ صبر اجتباه،، وإن رضي اصطفاه.
جودها وكرمها رضي الله تعالى عنها
من الفضل المشهور الذي نسبه الله تعالى لبيت فاطمة وعلي رضي الله تعالى عنهما قوله تعالى:{ويطعمون الطعام على حبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءٍ ولا شكورا} وقد أشار المفسِّرون إلى أن هذه الآية نزلت في آل البيت عليٌّ وفاطمة رضوان الله عليهما ويروون أن الحسنين رضي الله عنهما مرضا مرضاً شديدا فنذر سيِّدنا علي والسيدة فاطمة أن يصوما ثلاثة أيام إذا برء الحسنان ولما آتاهما الله العافية وفوا بالنذر وصاموا ولما حان وقت الإفطار وضعوا الطعام أمامهم فوقف سائلٌ بالباب وقال: أنا مسكين من مساكين أمة محمد ، وأنا والله جائع، اطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فأطعموه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلا الماء، وتكرر هذا في اليومين الثاني والثالث وكلَّ يومٍ يأتيهم سائل حتى مرّت ثلاثة أيام لم يذوقوا فيها إلا الماء، فنزلت فيهم هذه الآية، واعترض بعض المفسرين على هذه القصة وذكروا أن هذه الآية لم تنزل فيهم ونزلت في بعض الصحابة، ولعلَّ السبب في إنكار القصة هو الزيادات الكثيرة التي زيدت فيها وذُكر فيها أن السائل كان يقول أبياتاً من الشعر فيطلب الإمام علي كرَّم الله وجهه من السيدة فاطمة أن تكرمه بأبيات من الشعر و وترد عليه أيضا بالشعر. وقد ذكر الآلوسي هذه القصة وسرد الأقوال كلَّها ثم قال: احتمال النزول في عليٍّ كرَّم الله وجهه وفاطمة رضي الله عنها قائم ولا جزم بنفي ولا إثبات، وحتى على القول بعدم نزولها فيهما فإن هذا لا ينقص من قدرهما، إذ دخولهما في الأبرار أمر جلي وهو دخولٌ أولى، وما عسى أن يقول امرؤٌ فيهما سوى أنّ عليَّاً مولى المؤمنين، وفاطمة البضعة الأحمدية، وأما الحسنان فالروح والريحان وسيِّدا أهل الجنان، ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم، أنه سبحانه وتعالى لم يذكر الحور العين، وإنما صرَّح عزَّ وجلّ بولدان مخلدين، رعايةً لحرمة البتول، وقرَّة عين الرسول ، لكيلا تثور غيرتها الطبيعية ولو في الجنة. وقد تحدَّث مولانا الشيخ في دروسه عن هذه الآية وذكر سبب نزولها مُبيِّنا أنها نزلت في آل بيت النبي عليٍّ وفاطمة والحسنين رضوان الله عليهم. وقد مدح رجلٌ من المحبين الإمام علي كرَّم الله وجهه بزواجه من السيدة فاطمة ونزول هذه الآية فيه وفي أهل بيته فقال:
إلام أُلامُ وحتَّى متى أعاتبُ في حبِّ هذا الفتىوهل زُوِّجت غيرَه فاطمُ وفي غيرِه هل أتى هل أتى؟
وقال الشاعر محمد إقبال في المسكين الذي رهنت السيدة فاطمة خمارها لتعطيه ما يغنيه ومكثت رضي الله عنها بلا خمار.:
لما شكا المسكينُ خلفَ رحابِها رقَّت لتلك النفس في شكواهاجادت لتُنقذَه برهنِ خمارِها يا سحبُ أينَ نداكِ من جَدواها
قيل لما نزل قوله تعالى {ولسوفَ يُعطيك ربُّك فترضى} وهي آية الشفاعة فرح المسلمون بها فرحاً شديدا وأنشد سيِّدنا حسَّان بن ثابت:
سمعنا في الضحى ولسوف يُعطي فسرَّ سماعَنا ذاك العطاءُوحاشا يا رسولَ اللهِ ترضى وفينا من يعذَّبُ أو يساءُ
وفي اليوم التالي لنزول آية الشفاعة العظمى وكان يوم عيد كان رسول الله يسير في شوارع المدينة في صحبة أبي بكرٍ الصديق فمرَّ على غلامٍ يبكي ممزَّق الثياب أشعث أغبر، فتغيَّر وجه رسول الله ومدَّ يده الشريفة ليمسح القذر عن وجهه بثوبه، فابتدره أبو بكر وأراد أن يقوم بهذا العمل بدلاً منه فقال له رسول الله : يابن أبي قحافة لا تحقرنَّ صغار المسلمين فإنَّ صغيرهم عند الله كبير. فمسح رسول الله وجهه ثمَّ سأله عن أهله، فأخبره أن أباه مات وتزوَّجت أمُّه رجلا آخر فلم يعد أحدٌ يعتني به،فقال له رسول الله : أما ترضى أن يكون الحسن والحسين أخويك، وفاطمة أمَّك وعليٌّ أباك ومحمدٌ رسول الله جدَّك؟ فقال الطفل: رضيت يا رسول الله. فأخذه رسول الله إلى بيت السيِّدة فاطمة رضي الله تعالى عنها وقال لها: أكرمي مثواه. فأخذته، وغسلته وكسته وأطعمته،وصار كأنه واحدٌ من أبنائها فصار إذا خرج إلى الشارع افتخر على أقرانه من أبناء الصحابة وقال لهم: من له أبٌ مثل أبي، ومن له أمٌّ مثل أمي؟ فخافت السيِّدة فاطمة رضي الله تعالى عنها أن يثير غيرة أبناء الصحابة فأخذته فضربته ضرباً خفيفا، فنزل جبريل عليه السلام تلك الليلة بقوله تعالى {ألم يجدك يتيماً فآوى} مذكِّراً رسول الله بفضله عليه إذ آواه في الصغر وهو يتيم، فلم يقهر اليتيم { فأما اليتيم فلا تقهر} وروي عن السيِّدة فاطمة رضوان الله عليها أنها قالت: قال لي أبي رسول الله إياكِ والبخلَ فإنه عاهةٌ لا تكون في كريم، إياكِ والبخلَ فإنه شجرةٌ في النار، وأغصانُها في الدنيا، فمن تعلَّق بغصنٍ من أغصانها أدخله النار، و السخاء شجرة في الجنة و أغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الجنةحزنها على أبيها صلى الله عليه وسلم
كانت أكبر المصائب التي وقعت على السيدة فاطمة رضوان الله عليها وعلى المسلمين عامة هي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت أقرب الناس إليه وأشدهم حباً له.
عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، ما تغادر منا واحدة إذ جاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلما رآها قال: مرحباً بابنتي، وأقعدها عن يمينه، ثم سارها بشيء فبكت، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيننا بالسرار وأنت تبكين، ثم سارها بشيء فضحكت، قالت فقلت لها: أقسمت عليك بحقي لما أخبرتيني، قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرّه، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم سألتها، قالت: أما الآن فنعم، أما بكائي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي (إن جبريل عليه السلام، كان يعرض علي القرآن كل عام مرة، فعرض العام مرتين، ولا أرى إلا أجلي قد اقترب) فبكيت، ثم قال: (يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو نساء هذه الأمة)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها (أنت أول أهلي لحوقاً بي) وقد حزنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً وبكت حتى كان أهل المدينة يبكون لبكائها.
قالت السيدة فاطمة رضي الله عنها في رثاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخلت الحجرة الشريفة وأخذت حفنة من تراب القبر فشمتها ثم قالت:
ماذا على من شم تربة أحمد ألا يشم مدى الزمان غوالياصبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنها صُبَّت على الأيام عدن ليالياوالغالية هي الطيب.وقالت رضي الله تعالى عنها:إنا فقدناك فقد الأرض وابلها وغاب مد غبت عنها الوحي والكتبفليت قبلك كان الموت صادفنا لما نعيت وحالت دونك الكتب
وقيل ما رؤيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكة قط بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفاتها رضي الله عنها
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء في طبقات ابن سعد أنها توفيت بعد أبيها بثلاثة أشهر، وفي مستدرك الحاكم أنها عاشت بعد أبيها ثمانية أشهر وقيل توفيت بعده بشهرين، وكان عمرها رضوان الله عليها ثمانية عشر عاماً وصلى عليها علي كرم الله وجهه ودفنها ليلاً، وقيل صلى عليها الصديق رضي الله عنه. وجاء في طبقات ابن سعد عن سلمى بنت أبي رافع قالت: مرضت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه خرج علي كرم الله وجهه لبعض شأنه، فقالت لي: يا أماه اسكبي لي غسلا، فسكبت لها فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت: ائتيني بثيابي الجدد، فأتيتها بها فلبستها، ثم قالت اجعلي فراشي وسط البيت فجعلته واضطجعت عليه واستقبلت القبلة، ثم قالت لي: يا أماه إني مقبوضة الساعة، وقد اغتسلت فلا يكشفن لي أحد كتفاً، قالت: فماتت، فجاء علي فأخبرته فقال: لا والله لايكشف لها أحد كتفاً. وقيل إنها أول من حُمل على نعش فعن عمارة بن المهاجر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأسماء بنت عميس:يا أسماء إني استقبحت ما يصنع بالنساء، أن يطرح على المرأة ثوب فيصفها، تعني أن المرأة المتوفاة كانت تحمل على سرير كما يحمل الرجال فيبين جسدها للناظرين، فانظر إلى هذا الطهر وهذا العفاف كيف أرادت الستر عن الرجال حتى وهي ميتة فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة، فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً فقالت فاطمة رضي الله عنها: ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل، ودفنت رضي الله عنها بالبقيع وهو مشهد سيدنا العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل السودان كما ذكر البروفسير عبدالطيب رحمه الله تعالي يدفنون موتاهم على طريقة أهل المدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام فيكون على سبيل الاقتداء بالسيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها.
قال الإمام علي كرم الله وجهه عند دفن السيدة فاطمة رضي الله عنها: (السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك! قلَّ يا رسول، عن صفيتك صبري ورقَّ عنها تجلدي ألا إن في التأسي لي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك، موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك (فإنا لله وإنا إليه راجعون) فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك ابنتك على تضافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن انصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين).
وكان سيدي أبوالعباس المرسي يقف عند قبرها ويقول: السلام عليك يا بنت سيد المرسلين، السلام عليك يا خير من ولدت البنات والبنين، السلام عليك يا أم سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين، السلام عليك يا حليلة حامي حوزة الدين، السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وقد زار الشاعر محمد إقبال مقامها الشريف وأنشد:لولا وقوفي عند أمر المصطفى وحدود شرعته ونحن فداهالمضيت في التطواف حول ضريحها وغمرت بالقبلات طيب ثراها
قصة فدك
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخليفة الصديق رضي الله عنه أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، وهي قرية فدك وهي قرية ذات نخيل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها في حياته لابنته فاطمة رضوان الله عليها فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن معاشر الأنبياء، لا نورث، ما تركناه صدقة، وقد تحدث المؤرخون كثيراً في هذا الأمر وأضيفت إليه أشياء كثيرة ودخل فيه أصحاب الأغراض، ونحن نقول إن السيدة فاطمة رضوان الله عليها لا يمكن أن تحزن على شيء من الدنيا، وقد عزفت عن الدنيا بأكملها، وقد عبَّر الإمام علي كرم الله وجهه عن هذا الرأي وقال: وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مكانها في غدٍ جدثُ، تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها. وقد اعتذر الصديق رضي الله عنه للسيدة فاطمة رضي الله عنهما قبل وفاتها وسألها أن ترضى عنه فرضيت عنه وما توفيت إلا وهي راضية عن الصديق رضي الله عنه. ولما تولى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ردَّ فدك على الإمام علي وأبناء السيدة فاطمة رضوان الله عليهم. ومن الأفضل ترك الحديث في مثل هذه الأشياء فيما حدث بين الصحابة أو الصحابة والقرابة وقال الواعظ الأندلسي على لسان السيدة عائشة رضوان الله عليها:
بين الصحابة والقرابة ألفة لا تستحيل بنزغة الشيطانشفاعة السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها
روي أن أكبر شفاعة بعد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي شفاعة ابنته السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء رضي الله عنها فعندما يؤمر بها إلى الجنة وهي أول داخل تحمل على ناقة صهباء تقودها امرأة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنها أول من يدخل الجنة وذلك لأنها تأخذ بزمام ناقة السيدة فاطمة الزهراء وعندما تأتي رضي الله عنها عند باب الجنة تبكي، فتسأل فتقول (يا رب إن أولادي وأهل بيتي وذريتي لاقوا أصناف العذاب في سبيل الدعوة لدينك والجهاد في سبيلك وأوذوا وشرّدوا وقتلوا تقتيلا وحرِّقوا ونُكل بهم تنكيلا، وصبروا على ما أوذوا واستشهدوا وأن من المسلمين من كانوا يتألمون لحالهم وتنقطع نياط قلوبهم حسرة لما يرون، وما يسمعونه من أخبارهم ويبكون بكاء مراً عزاءً ومواساةً لمصائبهم فكيف اتركهم خلفي!) فيأمر المولى عز وجل بكل من يحب أهل البيت أن يشع من رأسه نور بقدر محبته فيدخلون الجنة بشفاعة السيدة الزهراء رضي الله عنها. ولو تتبع الناس سيرة آل البيت خاصة في كتاب (مقاتل الطالبيين) لتفطر قلبه حزناً لما لقيه آل البيت رضوان الله عليهم من قل ونفي سجن وتشريد وتعذيب على أيدي الخلفاء من بني أمية والخلفاء العباسيين، وما كان هذا إلا خوفاً على سلطانهم وغيرة منهم لأن الناس آثروهم بحبهم واحترامهم.
جاء عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ: يا أهل الجمع غضوا أبصاركم حتى تمرَّ فاطمة بنت محمد، فتمر وعليها ريطتان (ثوبان) خضراوان أو حمراوان، وعن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بُطنان العرش: يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد رضي الله عنها على الصراط، قال: فتمر ومعها سبعون ألف جارية كالبرق اللامع. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (تبعث الأنبياء يوم القيامة على الدواب ليوافوا بالمؤمنين من قومهم المحشر، ويبعث صالح على ناقته، وأبعث على البراق وفاطمة أمامي)، المستدرك للحاكم.
إن سرد سيرة آل البيت ليس الغرض منه التبرك بذكرهم فحسب، بل الغرض منها هو الاتباع والاقتداء بهم، فلا يكفي أن نقرأ سيرة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لنرى عظمتها الكائنة في كل جانب من جوانب حياتها، وتجري دموعنا تأثراً، بل يجب أن تكون نبراساً تهتدي به كل امرأة تريد أن تنال رضا ربها.
وقد تحدث مشائخنا رضوان الله عليهم عن اجتماع كبار الأولياء في مقامها الذي هو مقام بسط وجمال:
في مقام البتول طير يغني وغناء الطيور يشجي الثمالي
فالطير كناية عن أرواح الأولياء وأما غناؤهم فلأن المقام مقام بسط وجمال، والنشيد إنما يكون على المسرة، والثمالي هم السكارى.
وقال سيدي فخر الدين:
إذا الطير في روض الكريمة أمِّنا عظيمة آل البيت أرواح إخوتي
وهذه أيضاً إشارة إلى أرواح الأولياء في روضها أي حضرتها وقال (إخوتي) لأنهم جميعاً في مقام الفرد الجامع الكبير فهم أصحاب مقام واحد.
والسيدة فاطمة رضوان الله عليها رغم مكانتها الكبيرة فقد كانت من أهل الخفاء الذين لم يطلع على أحوالهم وعباداتهم أحد سوى ربهم وهي التي فطمت عن الغير والسوى. ونختم بأبيات الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني:
يا عز منفطم بفاطمة التي في حجرها مهدي وطابَ رضاعُإنا فُطِمنا عن سواكَ بفضلها يا نعمَ أمٌّ نحتذى ونُطاعُإنا شهدناها وطابَ شهودُها نوراً تجلَّى ما عليه قِناعوأخذت من فيها جواهرَ حكمتي وكذا خفائي والخفاء متاعُ





للمزيد من هذه العلوم الرجاء الضغط هنا





مشاركة المقال
mohamed fares
@كاتب المقاله
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع برهانيات كوم .

مقالات متعلقة



Seoplus جميع الحقوق محفوظة ل برهانيات كوم