القول فى تفسير القرآن بالرأى وتفسير قوله
﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الأنفال 33؟
عند الصوفية
﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الأنفال 33؟
عند الصوفية
- المرأة فى الفكر والمنظور الصوفى الصحيح
- اساس الدين هو العقيدة .. فماذا يفسد العقيدة ؟
- منازل ودرجات التوبة (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)
- السر وراء قطع سيدنا عمر شجرة بيعة الرضوان
يحاول بعض الناس إما عمداً أو جهلاً أن يخدعوا أنظار المسلمين عما كان عليه السلف الصالح، ويَدّعون معرفتهم، ويتسببون فى حيرة الناس، حتى أنهم ليتسائلون:
﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الأنفال 33؟
انتبه ايها القارىء الكريم هداك الله وهدانا الى ما يحب ويرضى فإن كتاب الله يحتاج الى تدبر ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ الانفال 24، نفس السورة التى نحن بصددها ويحتاج الى عالم قلبه ذاكر دائم الذكر ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ النحل 43، ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ الكهف 28.
فأنت الآن أمام آية من كتاب مقدس ولست أمام صحيفة من الصحف اليومية فاحذر ان يضلك متجرىء على القرآن فالدين لو كان بالرأى لكان أولى مسح باطن الخف من ظاهره, ومفسر القرآن يحتاج الى أكثر من مائة علم والأمر لايسلم فالمرء يعتقد دائما أن علمه محدود وأن الله اعلم، فأين أنت من هذا يامسكين وإياك أن تقول من اجتهد وأخطأ فله أجر لا ياسيدى ليس هذا فى القرآن، حيث يقول (من فسر القرآن برأيه وهو على وضوء فليعد وضوءه). ويقول أيضا (مَنْ قَالَ فِى كِتَابِ الله برأْيهِ فأصابَ، فقد أَخطأَ). أخرجه الترمذى وأبو داود، وزاد رزين (ومن قالَ بِرأْيِهِ فأَخطأ، فقَد كَفَرَ).
ولكن ابحث عن سكة غير هذه السكة واترك العلم لأصحابه ولا تكتفى بمفسر واحد وفاضل بين المعانى واحذر أن تذم عالم ولكن قل أنا أميل إلى هذا المعنى وأُفضله وذلك حتى لا يفوتك معنى يكون لك فيه الخير كله وعندما تقرأ تفسيرا لآية لا تأخذ بنصفها وتترك النصف الآخر كمن يقول لاتقربوا الصلاة بل أكملها وقل وأنتم سكارى. ويجب عليك ألا يفوتك الإشارة أو التأويل وذلك لإصحاب هذا العلم ﴿هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ﴾ آل عمران 7.
واذا كان بالقرآن آيات محكمات ومتشابهات وتأويل وتفسير وراسخين فى العلم وناسخ ومنسوخ وأسباب نزول فأين أنت من هذه العلوم وهذه الفنون فان كنت لاتعلم هذا ولاتدركه وان كان يصعب عليك فهمه والتمييز بين هذا وذاك فاحذ أيها القرىء الكريم كل الحذر أن تكفر أحذا أو تتعصب تعصب أعمى لمعنى ومن قال: لا أدرى فقد أفتى. وتعلم كيف تصلى وكيف تتوضأ واعلم أن الله احد فرد صمد ولا تعترض بالقول أو بالاشارة على كلام الصالحين والأولياء وأعمالهم فان قولهم وأعمالهم إنما هو توضيح لسبيل الله والاعتراض عليهم صد عن سبيل الله تعالى وذلك حتى لايحكم الله عليك بعدم الهداية والتوفيق، فان الله تعالى قد أحبهم وقربهم اليه، فمن هذا المجنون الذى يعاديهم؟ ألم يقرأ فى صحيح البخارى هذا الحديث القدسى: عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (إن الله تعالى قال: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدى بشئ أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه) رواه البخارى.
فاحذر أيها الأخ الحبيب فان فعل هذا يوجب الحرب من الله ومن صور هذه الحرب أن يختم على قلب المعادى فلا يهتدى أبدا.
بعد هذه المقدمة من النصائح التى تعلمناها من الأولياء لوجه الله تعالى نعرض لبعض النتفاسير للآية الكريمة ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الأنفال 33.
تفسير الامام ابن كثير: قال ابن عباس: كان فيهم أمانان: النبى ، والاستغفار، فذهب النبى وبقى الاستغفار. اهـ.
ويستدل البعض بهذا التفسير أنه بعد انتقال الحبيب قد انتهى الأمان الأول الذى هو عدم عذابهم لتعظيم وجود الحبيب فيهم ولكننا نقول لك اصبر ولاتستعجل واطلع واستزيد واستفيد وترقى بين المعانى واقرأ لعالم جليل ومفسر معتمد آخر واليك بعض التفاسير.
تفسير الامام القشيرى: قوله جلّ ذكره ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾.
ما كان الله معذبهم وأنت فيهم، وما كان الله ليعذِّبَ أسلافَهم وأنت فى أصلابهم، وليس يعذبهم اليوم وأنت فيما بينهم إجلالاً لقَدْرِك، وإكراماً لمحلِّك، وإذا خرجتَ من بينهم فلا يعذبهم وفيهم خدمك الذين يستغفرون، فالآية تدل على تشريف قَدْر الرسول .
ويقال للجوَارِ حُرْمةٌ، فَجَارُ الكرام فى ظل إنعامهم؛ فالكفار إن لم يَنْعَموا بقرب الرسول منهم فقد اندفع العذاب -بمجاورته- عنهم:
وأحبُها وأحبُّ منزلَها الذى نَزَلَتْ به وأُحِبُّ أهلَ المنزِل
ويقال إذا كان كون الرسول فى الكفار يمنع العذاب عنهم فكون المعرفة فى القلوب أوْلى بدفع العذاب عنها.
ويقال إن العذاب -وإنْ تأَخَّر عنهم مدة مقامهم فى الدنيا ما دام هو فيهم- فلا محالة يصيبهم العذابُ فى الآخرة، إذ الاعتبار بالعواقب لا بالأوقات والطوارق.
علم أنه لا يتَأَبَّد مُكْثُه فى أمته إذا قال له ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ﴾ الأنبياء 34، فقال إنى لا أضيع أمَّتَه وإن قضى فيهم مُدَّتَه، فما دامت ألسنتهم بالاستغفار مُتَطَلِّعةً فصنوف العذاب عنهم مرتفعة.
يقول الحق جل جلاله ﴿وما كان الله ليُعذبهم وأنت﴾ موجود ﴿فيهم﴾، ونازل بين أظهرهم، وقد جعلتلك رحمة للعالمين، خصوصاً عشيرتك الأقربين، ﴿وما كان الله مُعَذِّبَهُم وهم يستغفرون﴾ قيل: كانوا يقولون: غفرانك اللهم. فلما تركوه –أى الكفار- عُذبوا يوم بدر، وقيل: وفيهم من يستغفر، وهو من بقى فيهم من المؤمنين، فلما هاجرهم المؤمنون كلهم عُذبوا، وقيل: على الفرض والتقدير، أى: ما كان الله ليعذبهم لو آمنوا واستغفروا.
قال بعض السلف: كان لنا أمانان من العذاب: النبى والاستغفار، فلما مات النبى ذهب الأمان الواحد وبقى الآخر، والمقصود من الآية: بيان ما كان الموجب لإمهاله لهم والتوقف على إجابة دعائهم، وهو وجوده أو من يستغفر فيهم.
﴿وما كان الله ليعذبهم﴾ اللام لتأكيد النفى دلالة على أن تعذيبهم بعذاب الاستئصال والنبى بين أظهرهم غير مستقيم عادة تعظيماً لشأن النبى ﴿وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾ قال قتادة والسدى: المراد نفى الاستغفار عنهم أى لو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم. وقيل: اللفظ عام لأن المراد بعضهم وهم الذين تخلفوا عن رسول الله من المستضعفين المؤمنين فهو كقولك: قتل أهل المحلة فلاناً وإنما قتله واحد منهم أو اثنان. وقيل: وصفوا بصفة أولادهم والمعنى وما كان الله معذب هؤلاء الكفار وفى علم الله أنه يكون لهم أولاد يؤمنون بالله ويستغفرونه، وفى علم الله أن فيهم من يؤل أمره إلى الإيمان كحكيم بن حزام والحرث بن هشام وعدد كثير ممن آمن يوم الفتح وقبله وبعده.
وفى الآية دلالة على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب. قال ابن عباس: كان فيهم أمانان: نبى الله والاستغفار. أما النبى فقد مضى وأما الاستغفار فهو باقٍ إلى يوم القيامة.
الإشارة: قد جعل الله رسوله أماناً لأمته ما دام حياً، فلما توفى بقيت سنته أماناً لأمته، فإذا أُميتت سنته أتاهم ما يوعدون من البلاء والفتن، وكذلك خواص خلفائه، وهم العارفون الكبار، فوجودهم أمان للناس. فقد قالوا: إن الإقليم الذى يكون فيه القطب لا يصيبه قحط ولا بلاء، ولا هرج ولا فتن؛ لأنه أمان لذلك الإقليم، خلافة عن رسول الله . اهـ.
نعلم من ذلك أن نوره المذكور فى كتاب الله قبل القرآن ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ الانفال 15، والذى فسره الصالحون على هذا النحو وعلمه وسنته باقين فى خلفائه وورثته على مر الزمان لذلك أعلى من شأنهم صلوات ربى وسلامه عليه فقال (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ) نفعنا الله به وبهم وبسنته وسنتهم آمين، والحمد لله رب العالمين.
ماذا بعد انتقال الحبيب كيف تكون الآية:
﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الأنفال 33؟
انتبه ايها القارىء الكريم هداك الله وهدانا الى ما يحب ويرضى فإن كتاب الله يحتاج الى تدبر ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ الانفال 24، نفس السورة التى نحن بصددها ويحتاج الى عالم قلبه ذاكر دائم الذكر ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ النحل 43، ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ الكهف 28.
فأنت الآن أمام آية من كتاب مقدس ولست أمام صحيفة من الصحف اليومية فاحذر ان يضلك متجرىء على القرآن فالدين لو كان بالرأى لكان أولى مسح باطن الخف من ظاهره, ومفسر القرآن يحتاج الى أكثر من مائة علم والأمر لايسلم فالمرء يعتقد دائما أن علمه محدود وأن الله اعلم، فأين أنت من هذا يامسكين وإياك أن تقول من اجتهد وأخطأ فله أجر لا ياسيدى ليس هذا فى القرآن، حيث يقول (من فسر القرآن برأيه وهو على وضوء فليعد وضوءه). ويقول أيضا (مَنْ قَالَ فِى كِتَابِ الله برأْيهِ فأصابَ، فقد أَخطأَ). أخرجه الترمذى وأبو داود، وزاد رزين (ومن قالَ بِرأْيِهِ فأَخطأ، فقَد كَفَرَ).
ولكن ابحث عن سكة غير هذه السكة واترك العلم لأصحابه ولا تكتفى بمفسر واحد وفاضل بين المعانى واحذر أن تذم عالم ولكن قل أنا أميل إلى هذا المعنى وأُفضله وذلك حتى لا يفوتك معنى يكون لك فيه الخير كله وعندما تقرأ تفسيرا لآية لا تأخذ بنصفها وتترك النصف الآخر كمن يقول لاتقربوا الصلاة بل أكملها وقل وأنتم سكارى. ويجب عليك ألا يفوتك الإشارة أو التأويل وذلك لإصحاب هذا العلم ﴿هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ﴾ آل عمران 7.
واذا كان بالقرآن آيات محكمات ومتشابهات وتأويل وتفسير وراسخين فى العلم وناسخ ومنسوخ وأسباب نزول فأين أنت من هذه العلوم وهذه الفنون فان كنت لاتعلم هذا ولاتدركه وان كان يصعب عليك فهمه والتمييز بين هذا وذاك فاحذ أيها القرىء الكريم كل الحذر أن تكفر أحذا أو تتعصب تعصب أعمى لمعنى ومن قال: لا أدرى فقد أفتى. وتعلم كيف تصلى وكيف تتوضأ واعلم أن الله احد فرد صمد ولا تعترض بالقول أو بالاشارة على كلام الصالحين والأولياء وأعمالهم فان قولهم وأعمالهم إنما هو توضيح لسبيل الله والاعتراض عليهم صد عن سبيل الله تعالى وذلك حتى لايحكم الله عليك بعدم الهداية والتوفيق، فان الله تعالى قد أحبهم وقربهم اليه، فمن هذا المجنون الذى يعاديهم؟ ألم يقرأ فى صحيح البخارى هذا الحديث القدسى: عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (إن الله تعالى قال: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدى بشئ أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه) رواه البخارى.
فاحذر أيها الأخ الحبيب فان فعل هذا يوجب الحرب من الله ومن صور هذه الحرب أن يختم على قلب المعادى فلا يهتدى أبدا.
بعد هذه المقدمة من النصائح التى تعلمناها من الأولياء لوجه الله تعالى نعرض لبعض النتفاسير للآية الكريمة ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الأنفال 33.
تفسير الامام ابن كثير: قال ابن عباس: كان فيهم أمانان: النبى ، والاستغفار، فذهب النبى وبقى الاستغفار. اهـ.
ويستدل البعض بهذا التفسير أنه بعد انتقال الحبيب قد انتهى الأمان الأول الذى هو عدم عذابهم لتعظيم وجود الحبيب فيهم ولكننا نقول لك اصبر ولاتستعجل واطلع واستزيد واستفيد وترقى بين المعانى واقرأ لعالم جليل ومفسر معتمد آخر واليك بعض التفاسير.
تفسير الامام القشيرى: قوله جلّ ذكره ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾.
ما كان الله معذبهم وأنت فيهم، وما كان الله ليعذِّبَ أسلافَهم وأنت فى أصلابهم، وليس يعذبهم اليوم وأنت فيما بينهم إجلالاً لقَدْرِك، وإكراماً لمحلِّك، وإذا خرجتَ من بينهم فلا يعذبهم وفيهم خدمك الذين يستغفرون، فالآية تدل على تشريف قَدْر الرسول .
ويقال للجوَارِ حُرْمةٌ، فَجَارُ الكرام فى ظل إنعامهم؛ فالكفار إن لم يَنْعَموا بقرب الرسول منهم فقد اندفع العذاب -بمجاورته- عنهم:
وأحبُها وأحبُّ منزلَها الذى نَزَلَتْ به وأُحِبُّ أهلَ المنزِل
ويقال إذا كان كون الرسول فى الكفار يمنع العذاب عنهم فكون المعرفة فى القلوب أوْلى بدفع العذاب عنها.
ويقال إن العذاب -وإنْ تأَخَّر عنهم مدة مقامهم فى الدنيا ما دام هو فيهم- فلا محالة يصيبهم العذابُ فى الآخرة، إذ الاعتبار بالعواقب لا بالأوقات والطوارق.
قوله جلّ ذكره ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.
علم أنه لا يتَأَبَّد مُكْثُه فى أمته إذا قال له ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ﴾ الأنبياء 34، فقال إنى لا أضيع أمَّتَه وإن قضى فيهم مُدَّتَه، فما دامت ألسنتهم بالاستغفار مُتَطَلِّعةً فصنوف العذاب عنهم مرتفعة.
تفسير الامام ابن عجيبة:
يقول الحق جل جلاله ﴿وما كان الله ليُعذبهم وأنت﴾ موجود ﴿فيهم﴾، ونازل بين أظهرهم، وقد جعلتلك رحمة للعالمين، خصوصاً عشيرتك الأقربين، ﴿وما كان الله مُعَذِّبَهُم وهم يستغفرون﴾ قيل: كانوا يقولون: غفرانك اللهم. فلما تركوه –أى الكفار- عُذبوا يوم بدر، وقيل: وفيهم من يستغفر، وهو من بقى فيهم من المؤمنين، فلما هاجرهم المؤمنون كلهم عُذبوا، وقيل: على الفرض والتقدير، أى: ما كان الله ليعذبهم لو آمنوا واستغفروا.
قال بعض السلف: كان لنا أمانان من العذاب: النبى والاستغفار، فلما مات النبى ذهب الأمان الواحد وبقى الآخر، والمقصود من الآية: بيان ما كان الموجب لإمهاله لهم والتوقف على إجابة دعائهم، وهو وجوده أو من يستغفر فيهم.
تفسير الامام النيسابورى:
﴿وما كان الله ليعذبهم﴾ اللام لتأكيد النفى دلالة على أن تعذيبهم بعذاب الاستئصال والنبى بين أظهرهم غير مستقيم عادة تعظيماً لشأن النبى ﴿وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾ قال قتادة والسدى: المراد نفى الاستغفار عنهم أى لو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم. وقيل: اللفظ عام لأن المراد بعضهم وهم الذين تخلفوا عن رسول الله من المستضعفين المؤمنين فهو كقولك: قتل أهل المحلة فلاناً وإنما قتله واحد منهم أو اثنان. وقيل: وصفوا بصفة أولادهم والمعنى وما كان الله معذب هؤلاء الكفار وفى علم الله أنه يكون لهم أولاد يؤمنون بالله ويستغفرونه، وفى علم الله أن فيهم من يؤل أمره إلى الإيمان كحكيم بن حزام والحرث بن هشام وعدد كثير ممن آمن يوم الفتح وقبله وبعده.
وفى الآية دلالة على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب. قال ابن عباس: كان فيهم أمانان: نبى الله والاستغفار. أما النبى فقد مضى وأما الاستغفار فهو باقٍ إلى يوم القيامة.
ونختم بالاشارة للامام ابن عجيبة:
الإشارة: قد جعل الله رسوله أماناً لأمته ما دام حياً، فلما توفى بقيت سنته أماناً لأمته، فإذا أُميتت سنته أتاهم ما يوعدون من البلاء والفتن، وكذلك خواص خلفائه، وهم العارفون الكبار، فوجودهم أمان للناس. فقد قالوا: إن الإقليم الذى يكون فيه القطب لا يصيبه قحط ولا بلاء، ولا هرج ولا فتن؛ لأنه أمان لذلك الإقليم، خلافة عن رسول الله . اهـ.
نعلم من ذلك أن نوره المذكور فى كتاب الله قبل القرآن ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ الانفال 15، والذى فسره الصالحون على هذا النحو وعلمه وسنته باقين فى خلفائه وورثته على مر الزمان لذلك أعلى من شأنهم صلوات ربى وسلامه عليه فقال (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ) نفعنا الله به وبهم وبسنته وسنتهم آمين، والحمد لله رب العالمين.
محمد مقبول
- قصة المتوكل مع الامام الجنيد وكيف انتصر الامام على علماء الخليفة
- سيرة الشيخ محمد عثمان عبده رضي الله عنه
- أهل الذكر هم أفضل عباد الله على الإطلاق
- من مزايا أهل البيت التى اختصوا بها اكرامهم وتوقيرهم والتجاوز عن مساويهم
تعليقات: 0
إرسال تعليق