لما بلغ سنه صلي الله عليه وسلم خمسا وثلاثين عاما جاء سيل جارف فصدع جدران الكعبة بعد توهينها من حريق كان قد أصابها قبلا، فأرادت قريش هدمها ليرفعوها ويسقفوها فإنها كانت فوق القامة، فاجتمعت قبائلهم لذلك ولكنهم هابوا هدمها لمكانتها فى قلوبهم، فقال لهم الوليد بن المغيرة: أتريدون بهدمها الإصلاح أم الإساءة؟ قالوا: بل الإصلاح. قال: إن الله لا يهلك المصلحين. وشرع يهدم فتبعوه وهدموا حتى وصلوا إلى أساس سيدنا إسماعيل وهنالك وجدوا صحافا نقش فيها كثير من الحِكم على عادة من يضعون أساس بناء شهير ليكون تذكرة للمتأخرين بعمل المتقدمين، ثم ابتدأوا فى البناء وأعدوا لذلك نفقة ليس فيها مهر بغى ولا بيع ربا وجعل الأشراف من قريش يحملون الحجارة على أعناقهم وكان سيدنا العباس ورسول الله فيمن يحمل، ولما تم البناء (ثمانى عشرة) ذراعا بحيث زيد فيه عن أصله (تسعة أذرع) ورفع الباب عن الأرض بحيث لا يصعد إليه إلا بدرج، ثم أرادوا وضع الحجر الأسود موضعه، فاختلف أشرافهم فيمن يضعه؟ وتناقشوا فى ذلك حتى كادت تنشب بينهم نار الحرب، ودام بينهم هذا الخصام أربع ليال، وكان أسن رجل فى قريش إذ ذاك أبو أمية بن المغيرة المخزومى (عم خالد بن الوليد) فقال لهم: يا قوم لا تختلفوا وحكموا بينكم من ترضون بحكمه، فقالوا: نحكم أول داخل، فكان هذا الداخل هو الأمين المأمون صلوات ربى وسلامه عليه، فاطمأن الجميع له لما يعهدونه فيه من الأمانة وصدق الحديث وقالوا: هذا الأمين رضيناه، هذا محمد، لأنهم كانوا يتحاكمون إليه إذ كان لا يدارى ولا يمارى، فلما أخبروه الخبر، بسط رداءه وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم وضع فيه الحجر وأمرهم برفعه حتى انتهوا إلى موضعه فأخذه ووضعه فيه، وأطفأ بذلك نار الحرب وشرح صدورهم، فحقا إن قدوتنا رحيما . . . صلى الله عليك وسلم يا سيدى يا رسول الله