برهانيات كوم
وفي الأوراد أيضاً فضيلة، وهو أن العامل إذا شغل عنها بمرض أو سفر كتب له الملك مثل ثواب ما كان يعمل في الصحة، وقد يكون نوم العارف أفضل من صلاة الجاهل، لأن هذا النائم سالم، وهو ذلك الزاهد العالم إذا استيقظ وجد وهذا الصائم القائم لا يؤمن عليه الآفات وتطرقه الأعداء في العبادات. وهو ذلك الجاهل المغتر إذا وجد فقد، وقد روينا في خبر (نوم العالم عبادة ونفسه تسبيح) وفي الحديث (عالم واحد أشاد على الشيطان من ألف عابد) وروينا في خبر مقطوع (لو وقعت هذه على هذه يعنى السماء على الأرض ما ترك العالم علمه لشيء ولو فتحت الدنيا على عابد ترك عبادة ربه) ولأن العالم قد يكاشف في نومه بالآيات والعبر ويكشف له الملكوت الأعلى والأسفل، ويخاطب بالعلوم ويشاهد القدرة من معنى ما تشهده الأنبياء في يقظتهم فيكون نوم العارف يقظة لأن قلبه حياة ويكون يقظة الغافل نوماً لأن قلبه موات فيعدل نوم العالم يقظة الجاهل وتقرب يقظة الجاهل الغافل من نوم العالم - كيف وقد جاء في خبر أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أحد فقال (هذا جبل أحد ولا يعمل خلق ما وزنه وإن من أمتي من تكون التسبيحة منه والتهليلة أوزن عند اللّه عز وجل منه).وفي حديث ابن مسعود إذ قال لعمر: (ما أنكرت أن يكون عمل عبد في يوم واحد أثقل ممن في السماوات والأرض، ثم وصف ذلك بأنه هو العاقل عن اللّه عز وجل الموقن العالم به).وقد سئلت عائشة رضي اللّه عنها عن صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت: (ما كان يخص رمضان بشيء دون غيره ولا كان يزيد في رمضان على سائر السنة شيئا).وقال أنس بن مالك: (ما كنت تريد أن ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً من الليل إلا رأيته ولا تريد أن تراه قائماً إلا رأيته). وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينام ثم يقوم قدر ما نام ثم ينام قدر ما قام ثم يقوم قدر ما نام، ثم ينام ثم يخرج إلى الصلاة. وقالت عائشة رضي اللّه عنها: (ما صام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط إلا رمضان، ولا قام ليلة إلى الصبح حتى ينام منها، قالت وكان يصوم من الشهر ويفطر ويقوم من الليل وينام).وفي الخبر الآخر، كان يصوم حتى تقول لا يفطر، ويفطر، حتى تقول لا يفطر، ويفطر حتى تقول لا يصوم. وكان يصبح صائماً ثم يفطر، ويصبح مفطراً ثم يصوم. وفي الخبر الآخر، كان يدخل من الضحى فيقول: هل عندكم من شيء؟ فإن قدم إليه شيء أكل وإلا قال إني صائم.وخرج يوماً فقال (إني صائم) ثم دخل فقلنا يا رسول اللّه أهدي لنا عيش. فقال (أما إني كنت أردت الصوم ولكن قربيه) وكان ورده صلى الله عليه وسلم حكم ما ورد عليه فعن هذا المعدن يكون تصريف العارفين، ومن هذا المعنى تكون مشاهدة الموقنين. ليسوا مع اللّه بايراد توقيت ولا يقطع على تحديد كما قيل لبعضهم: بأي شيء عرفت اللّه عز وجل؟ فقال (بفسخ العزائم وحل العقد) ولكن الأوراد طريق العمال والوظائف أحوال العباد، منها دخلوا وفيها يرفعون إلى أن يشهدوا الواحد فتكون الأوراد كلها وارداً واحداً، ويكونون بشهاداتهم قائمين. قال بعض العلماء من السلف (الإيمان ثلاثمائة وثلاثة عشر، على أعداد الأنبياء المرسلين، كل مؤمن على خلق منها هو طريقه إلى اللّه عز وجل، ووجهته من اللّه عز وجل ونصيبه، وفي كل طريقة من المؤمنين طبقة، وبعضهم أعلى مقاماً من بعض) وقال عالم آخر (الطرق إلى اللّه عز وجل بعدد المؤمنين) وقال بعض العارفين الطرق إلى اللّه بعدد الخليقة، يعني أن للشهيد بكل خلق طريقاً، فقد صارت المكونات للمكون طرقات. وروينا في الخبر (الإيمان ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون طريقة، من لقي اللّه عز وجل بالشهادة على طريقة منها دخل الجنة) ومن هذا قوله عز وجل {قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} فدل أنهم كلهم مهتدون، وبعضهم أهدى من بعض بمعنى أنه أقرب إلى اللّه عز وجل وأفضل، وقد ندب إلى القرب في الأمر بطلبه، وأخبر عن المقربين بالمنافسة في طلب القرب فقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وابتغوا إليه الوسيلة} يعني القرب. وقال تعالى فيما آخبر {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب} فأقرب الخلق من اللّه عز وجل أعلاهم عنداللّه عز وجل وأعلاهم عنده أعرفهم به وأفضلهم لديه.وروينا في التفسير (قل كل يعمل على شاكلته) قال على وحدانيته يعني بذلك على توحيده الذي يوحد اللّه عز وجل به ويعرفه منه، والشاكلة، الطريقة، والخلق قد شاكله وقد شكل فيه، ومن ذلك قول علي رضي الله عنه: لكل مؤمن سيد من عمله، فهذا السيد من العمل هو الذي يرجو به المؤمن النجاة، ويفضل به عند مولاه.وقال بعض العلماء: كان عباد الكوفة أربعة: أحدهم صاحب ليل، ولم يكن صاحب نهار، والآخر صاحب نهار ولم يكن صاحب ليل، وبعضهم صاحب سر ولم يكن صاحب علانية، والآخر صاحب علانية ولم يكن صاحب سر، وقد كان بعضهم يفضل عبادة النهار على عبادة الليل، لما فيها من مجاهدة النفس وكف الجوارح، لأن النهار مكان حركة الغافلين وموضع ظهور الجاهلين، فإذا سكن العبد عند حركة الغافلين وموضع ظهور الجاهلين كان هو التقي المجاهد والفاضل العابد.وقد قيل أن العبادة ليست الصوم والصلاة فحسب، بل أفل العبادة أداء الفرائض واجتناب المحارم، وتقوى اللّه عز وجل عند اكتساب الدرهم، وهذا هو أعمال النهار. وقد قال اللّه عز وجل: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} أي ما كسبت جواركم فعلق الاجتراح بالنهار {ثم يبعثكم فيه} فإذا لم يعلم من عبد اجتراحا بالنهار ولم يبعثه فيه في مخالفة فمن أفضل منه؟.وكان الحسن يقول: (أشد الأعمال قيام الليل بالمداومة على ذلك، ومداومة الأوراد من أخلاق المؤمنين، وطرائق العابدين، وهي مزيد الايمان وعلامة الايقان).وسئلت عائشة رضي اللّه عنها عن عمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟: فقالت: كان عمله ديمه، وكان إذا عمل عملاً اتقنه، وهذا كان سبب ما نقل عنه صلى الله عليه وسلم من صلاته بعد العصر ركعتين أنه كان ترك مرة ركعتي النافلة بعد الظهر، شغله الوفد عن ذلك فصلاهما بعد العصر ثم لم يزل يصليهما بعد العصر كلما دخل منزله، روت ذلك عنه عائشة وأم سلمة، ولم يكن يصليهما في المسجد لئلا يستن الناس به. وفي الخبر المشهور: (أكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن اللّه عز وجل لا يمل حتى تملوا). وفي الحديث الآخر: (أحب الأعمال إلى اللّه عز وجل ما ديم عليه وإن قل).وقد روينا في خبر (من عودة الله عز وجل عبادة فتركها ملالة مقتة اللّه تعالى). وفي خبر عن عائشة رضي اللّه عنها وقد أسنده بعض الرواة من طريق (كل يوم لا أزدادا فيه علماً فلا بورك لي في صباح ذلك اليوم).
تعليقات: 0
إرسال تعليق