شرح معنى : أكنَّى بفخرِ الدينِ بـين أحـبَّـتي ولي في سمواتِ الغيوبِ مناقبُ
- شرح معنى أول آخـر ولـكـن بـبــدء أنت للأولـيـات ظـل وعـود
- شرح معنى والقاطعات عن المهيمن أربع بئس البضاعة عيرهن نفيـر
- شرح معنى كلنا عاجز ومـا أنـت إلا غاية المنتهى وعبد يسود
أكنَّى بفخرِ الدينِ بـين أحـبَّـتي ولي في سمواتِ الغيوبِ مناقبُ
ذكر الشيخ رضي الله عنه الكنيةَ لأنها أشرف من اللقب والكنية دالَّةٌ على الإكرام وليس في اللقب دلالة على الإكرام وهو معروفٌ في أهل السماء معروفٌ في أهل الأرض. ويسوقنا هذا إلى الحديث عن الفخر بالنفس والمنزلة وما أُثير حوله من المنع والجواز وقد كتب الإمام السيوطي رضي الله عنه رسالةً أسماها (الصواعق على النواعق) وقد أورد حديث الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه في قوله لأصحابه: (سلوني قبل أن تفقدوني فإني لا أُسأل عن شيءٍ دون العرش إلا أخبرتُ به).
قال الإمام السيوطي (ليس هذا من باب الفخر ولا تزكية النفس) ولهم في هذا وجهان أحدهما في أنَّ هذا من تعريف العالم بحاله إذا جُهِل مقامُه قال النووي في الأذكار باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه اعلم أنَّ ذكرَ محاسنه مذموم ومحبوب فالمذموم أن يذكر للافتخار وإظهار الارتفاع وشبه ذلك والمحبوب أن يكون فيه مصلحةٌ دينية وذلك بأن يكونَ آمراً بالمعروف أو ناهياً عن منكر أو ناصحاً أو مشيراً بمصلحة أو معلِّماً أو مؤدِّبا أو واعظاً أو مذكِّرا أو مصلحاً بين اثنين أو يدفع عن نفسه شبهةً أو نحو هذا فيذكر محاسنه ناوياً أن يكون هذا أقربَ إلى قبول قوله واعتماد ما يذكره، أو أنَّ هذا الكلامَ الذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به.
فقد جاء في مثل هذا الشيءِ كثيرٌ من النصوص كقولِ النبيِّ : (أنا النبيُّ لا كذب، أنا سيِّد ولد آدم، أنا أوَّل من تنشق عنه الأرض، أنا أعلمكم بالله وأتقاكم، أنا أبيتُ عند ربي).
وقال يوسفُ عليه السلام {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم} وقال شعيب عليه السلام {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} وجاءَ في صحيح مسلم عن عليٍّ كرَّم الله وجهه: والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة إنه لعهد النبيِّ (ألا يُحبَّـني إلا مؤمنٌ ولا يُبغضني إلا منافق).
وجاء في صحيح مسلمٍ عن أبي وائلٍ قال: (خطبنا عبد الله بن مسعود فقال: والله لقد أخذتُ من في رسول الله بضعاً وسبعين سورة ولقد علم أصحابُ رسولِ الله أني أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم ولو أعلم أنَّ أحداً أعلمَ مني لرحلتُ إليه).
وقال صاحبُ الكشَّاف عند قوله تعالى في حكاية يوسف عليه الصلاة والسلام {قال لا يأتيكما طعامٌ ترزقانه إلا نبَّأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علَّمني ربي} قال: إنَّ العالم إذا جهلت منزلته في العلم فوصف نفسه بما هو بصدده لم يكن من باب التزكية.
وقال أيضاً في موضعٍ آخر: لا تذمُ التزكية إذا كانت لغرضٍ صحيحٍ في الدين وطابقتِ الواقعَ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال له اعدل في القسمة: (ومن يعدل إذا لم أعدل، وقوله: إني أمين في السماء أمينٌ في الأرض).
الوجهُ الثاني من باب التحدُّث بنعمة الله شكرا امتثالاً لقوله تعالى {وأما بنعمة ربِّك فحدِّث} وأخرج عبد الله ابن أحمد بن حنبل والبيهقي في شُعَب الإيمان عن النعمان بن بشير قال رسول الله : (التحدُّث بنعمة الله شكرٌ وتركها كفر).
وقال العلامة شمس الدين بن القيِّم: الشيءُ الواحد تكون صورته واحدة وهو ينقسم إلى محمود ومذموم فمن ذلك التحدُّث بالنعمة شكراً والفخر بها فالأوَّل القصد به إظهار فضلِ الله وإحسانه ونعمته وإشادته وفيه التحدُّث بالنعمة شكر وكتمها كفر، والثاني القصد بها الاستطالة على الناس والبغي عليهم والجور والتعدِّي وإهانتهم واستعبادهم وهذا هو المذموم).
وقال ياقوتُ في معجم الأدباء: كتب معاوية إلى عليِّ بن أبي طالبٍ كرَّم الله وجهه: إنَّ لي فضائل: كان أبي سيِّداً في الجاهلية، وصرتُ ملكاً في الإسلام، وأنا صهر رسولِ الله (ص) وخال المؤمنين وكاتب الوحي.
فقال عليٌّ:
أبالفضائل يفتخر عليَّ ابن آكلة الأكباد اكتب إليه يا غلام:
محمدٌ النـبيُّ أخي وصِهري وحمْـزَةُ سيِّدُ الشهداء عمي
وجعفرٌ الذي يُضحي ويُمسي يطيرُ مع الملائكة ابن أمـي
وبنتُ محمـدٍ سكني وعرسي مشوبٌ لحمها بدمي ولحـمي
وسبطا أحمــدٍ ولداي منها فأيُّكـمو له سَهمٌ كســهمي
سبقتكــمو إلى الإسلامِ طُرَّاً صغـيرا ما بلغتُ أوانَ حلمي
وقد قال السيد إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه:
أنا الدرَّة البيضا أنا سدرة الرضا تجلَّت لي الأنوار والربُّ أعطاني
فهذا من باب التحدُّث بنعمة الله.
وقال عن طريقته:
هي الأصل في طرقِ الوصول لأنَّها يؤول إليها أمرُ كـلِّ الـطـرائـقِ
وهذا من باب بيان المنزلة والدرجة.
ومن ذلك ما يؤثر عن الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه أنه قال: قدمي هذه على رقبة كلِ ولي.
وكان يقول:
أنا سيَّافٌ أنا فتَّاكٌ فمن أبى فليجرِّب
وقال :
أنا بلبلُ الأفراحِ أملأ دوحَها طرباً وفي العلياءِ بازٌ أشهبُ
وعلى هذا يُحملُ كلُّ ما جاء في ديوان شراب الوصل من أمثال:
أنا بيمينِ اللهِ أطوارُ خِـلقـتـي من الحَمأِ المسنونِ حتى النهايةِ
فهذا من باب تعريف العالم بحاله.
وقال:
كم لي على أهلِ الحقيقةِ من يدٍ غرِقوا إلى الأذقانِ في آلائـي
وهذا من باب التحدُّث بنعمة الله.
ولكنَّ الفخرالحقيقي الذي افتخر به الشيخ هو فخر العبودة لله تعالى:
وما أنا إلا واحدٌ مـن عـبـيدِه وذلك فخــرٌ لي وفيه أفاخرُ
وقال:
ونزَّهتنا عن الإشراكِ أجمعِه وكُنيةُ العبدِ تاجٌ فوق أرؤسنا
د. عبد الله محمد أحمد
تعليقات: 0
إرسال تعليق