برهانيات كوم
في نقل كلام الإمام العلامة ناصر السنة في هذا الزمان سيدي السيد أحمد دحلان مفتي الشافعية في مكة المشرفة في كتابه (خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام)، وله كتاب مستقل في الرد على الوهابية. ولكن كلامه في الكتاب المذكور كاف واف شاف، وها أنا أنقله برمته وهو جامع مع كل ما يلزم ذكره في هذا الشأن في إثبات الحق ودحض الأباطيل ورد شبههم بأوضح بيان وأقوى دليل.قال رحمه الله تعالى -ذكر الشبه التي تتمسك بها الوهابية-، ينبغي أولاً أن نذكر الشبهات التي تمسك بها ابن عبدالوهاب في إضلال العباد، ثم نذكر الرد عليه ببيان أن كل ما تمسك به زور وافتراء وتلبيس على عوام الموحدين، فمن شبهاته التي تمسك بها زعمه أن الناس مشركون في توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين، وفي زيارتهم قبره صلى الله عليه وسلم وندائهم له بقولهم يا رسول الله نسألك الشفاعة، وزعم أن ذلك كله إشراك وحمل الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الخواص والعوام من المؤمنين، كقوله تعالى {فلا تدعوا مع الله أحد} وقوله تعالى {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون? وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} وقوله تعالى {ولا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين} وقوله تعالى {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين} وقوله تعالى {له دعوة الحق? والذي يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} وقوله تعالى {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} وقوله تعالى }قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذور} وأمثال هذه الآيات كثير في القرآن، كلها حملها على الموحدين، قال محمد بن عبدالوهاب: إن من استغاث أو توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء، والأولياء، والصالحين، أو ناداه، أو سأله الشفاعة، فإنه يكون مثل هؤلاء المشركين، ويكون داخلاً في عموم هذه الآيات، وجعل زيارةقبر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً مثل ذلك، وقال في قوله تعالى حكاية عن المشركين في اعتذارهم عن عبادة الأصنام {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}، إن المتوسلين مثل هؤلاء المشركين الذين يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فإن المشركين ما اعتقدوا في الأصنام أنها تخلق شيئاً، بل يعتقدون أن الخالق هو الله تعالى، بدليل قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} وقوله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} فما حكم الله عليهم بالكفر والإشراك إلا لقولهم {ليقربونا إلى الله زلفى}. فهؤلاء مثلهم، هكذا احتج محمد بن عبدالوهاب ومن تبعه على المؤمنين، وهي حجة باطلة، فإن المؤمنين ما اتخذوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا الأولياء آلهة، وجعلوهم شركاء الله بل هم يعتقدون أنهم عبيد الله مخلوقون له، ولا يعتقدون استحقاقهم العبادة، ولا أنهم يخلقون شيئاً، ولا أنهم يملكون نفعاً أو ضر. وإنما قصدوا التبرك بهم لكونهم أحباء الله المقربين، الذين اصطفاهم واجتباهم، وببركتهم يرحم الله عباده، ولذلك شواهد كثيرة من الكتاب والسنة سنذكر لك كثيراً منه. فاعتقاد المسلمين أن الخالق النافع الضار هو الله وحده. ولا يعتقدون استحقاق العبادة إلا الله وحده، ولا يعتقدون التأثير لأحد سواه.وأما المشركون الذين نزلت فيهم الآيات السابق ذكرها فكانوا يتخذون الأصنام آلهة، والإله معناه المستحق للعبادة فهم يعتقدون استحقاق الأصنام للعبادة فاعتقادهم استحقاقها العبادة هو الذي أوقعهم في الشرك، فلما أقيمت عليهم الحجة فأنها لا تملك نفعاً ولا ضراً، قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فكيف يجوز لمحمد بن عبدالوهاب وأتباعه أن يجعلوا المؤمنين الموحدين مثل أولئك المشركين الذين يعتقدون أولهية الأصنام إذا علمت هذا تعلم أن جميع الآيات المتقدم ذكرها وما ماثلها من الآيات خاص بالكفار والمشركين ولا يدخل فيها أحد من المؤمنين لأنهم لا يعتقدون ألوهية غير الله تعالى ولايعتقدون استحقاق العبادة لغيره.وقد تقدم حديث البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما في وصف الخوارج أنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فحملوها على المؤمنين. فهذا الوصف صادق على ابن عبدالوهاب وأتباعه فيما صنعوه، ولو كان شيء مما صنعه المؤمنون من التوسل إشراكاً ما كان يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وخلفها فإنهم جميعهم كانوا يتوسلون فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك) وهذا توسل صريح لا شك فيه وكان يُعلّم هذا الدعاء أصحابه رضي الله عنهم، ويأمرهم بالإيتان به. فقد روى ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا إليك فإني لم أخرج أشرا ولا رياء ولا سمعة خرجت ابتغاء مرضاتك واتقاء سخطك أسألك أن تعيذني من النار وأن تدخلني الجنة) ورواه الحافظ أبو نعيم في عمل اليوم والليلة من حديث أبي سعيد بلفظ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة قال (اللهم) إلى آخر ما تقدم من رواية ابن السني)، ورواه البيهقي في كتاب الدعوات من حديث أبي سعيد أيضاً ومحل الاستدلال، قوله (بحق السائلين عليك)، فهذا توسل صدر منه صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه أن يقولوه ولميزل السلف من التابعين وأتباعهم ومن بعدهم يستعملون هذا الدعاء عند خروجهم إلى الصلاة ولم ينكر عليهم أحد في الدعاء به
تعليقات: 0
إرسال تعليق