شرح السادة الصوفية لحديث الفرقة الناجية
- اثبات مشروعية القباب على بيوت الأولياء ونفى البدعة عنها
- اصل الأوراد الصوفية وتعيين العدد فيها والالفاظ المعجمة بها وتشريعها
- معنى الشرك فى أمَّة النبىِّ صلى الله عليه وآله وسلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الأربعة (افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ إِلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَتَفْتَرِقُ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَة) ولَمّا سُئِلَ عنها قال في رواية الترمذي (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي).
ولا بد للقارئ الجيد المستزيد مِن نور الإيمان الطَّموحِ إلى نيل العلوم الباسقات أن يضع أمام عينيه كل الروايات أو ما يجمع ألوانها وأنماطها في الموضوع الواحد ؛ حتى يتسنى له فهْم كل رواية على حدة ، فإن وجد اختلافاً فعليه أن يستخدم آلات اللغة ويستفتح الله ما أغلق دونه ، ثم ينظر هل جمَع العلماء بين الأطراف المتنافرة في الروايات ؟ فإن كان هناك جمْعٌ فبها ونعمت ، وإن كان غير ذلك فليجتهد قدْر استطاعته التماس الجمع بين النصوص ـ وهو شأن العلماء وطلاب العلم ـ فإن استطاع وإلا أَمسَك حتى يفتح الله عليه بنعمة الفهم عنه فيدخل في زمرة المتقين {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلّـِمُكُمُ اللَّه} البقرة مِن الآية 282
تنشأ مشكلة أو مسألة في هذه الروايات وعلى مدى تاريخ الإسلام منذ نطق النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات هي موضع الداء أو موضع الدواء ، فالمراد دائماً عند السائل أن يجيبه المسئول عن سؤاله ، فإذا أجاب المسؤول بكلام غير مباشر فقد يبدو الأمر صعباً بعض الشيء ، خصوصاً إذا كان هذا المسؤول هو المبعوث للناس كافةً وهو الشارع لأمته أو واضع شريعتهم.
ولتتأمل إجابته على مَن سأله بقوله : مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّه ؟' ـ أي الملة التي تدخل الجنة أو الفِرقة التي تنجو من النار ـ تأَمَّلْ قوله (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) تجده مما اصطلح عليه البلاغيون بلفظ الكناية، وهي لفظ أريدَ به لازم معناه مع جواز إرادة ذلك المعنى..
والكناية فيها لزوم مَن يفهم المراد ، وليس كل الناس يفهمونه ، فلماذا اتبع هذا اللون مِن ألوان البلاغة في موضع كل المراد فيه الإيضاح لينجو مَن عرف ويهلك مَن انحرف ؟! وهنا تتجلى عظمة الرسالة بل ورحمةُ المبعوث رحمةً ، وإن رحمته كمشرِّع تقتضي أن يخاطب الناس على قدْر عقولهم ، ولكن الأمر ـ موضوع الحديث ـ أمر فتنة ، وفي الفتنة يصبح الحليم حيراناً، والفتنة نائمة في الأرض فلم يتكلم بالتصريح حتى يَلْحَقَ العاجز عن الفهم بمَنْ فَهِم ولو بعد حين إذا تَوَّجهَ وسعى إلى رضا مولاه بعد أنْ حار زمناً ثم استجار أو استخار أو استشار.
والأمر الذي اقتضت حكمة الله تعليق النجاة عليه أمر يتطلب قدرةً خاصّةً قد يتعذر على أمة كلها في آن واحد أن تُحصِّله ، فاقتضت رحمته التلميح به والتعريض ؛ لِيرى كل واحد في الأمة مرآه على قدر فهمه ومرماه ، فإن اجتهد وأصاب فله أجران ، وإن أخطأ لم يُحرَم الأجر الواحد ، فيا له مِن رسول بالمؤمنين رءوف رحيم ، وهذا الأمر ذاته يمكن أن يتعدد على حسب الفهوم والقوابل في الأمة ؛ فما تراه أنت مِن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة شيء معين ، ويرى غيرك من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة شيئاً آخَر ، ويرى ثالث آخَر ، وهكذ.. كلٌّ على حسب اجتهاده في الفهم ؛ لأن الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة مِن خير لا يمكن أن يعدّه عادٌّ أو يحدّه حادٌّ
قُلْتُ الْمَعَانِي فِي عَظِيم بِنَائِهَا كـُلٌّ يَرَى قَوْلِي عَلَى مِرْآتِـهِ
ولِهذا كانت القيمة الكبرى لِعالِمنا وأستاذنا الإمام فخر الدين في زماننا هذا أنه جاء مِن الله بفهم وعلم لم يسبقه إليه أحد ، مع أنه سهل المنال ومؤيَّد بنصوص الكتاب والسّنّة ، ثم عبَّر عنه بيسير المقال ، ففك رمزاً وحلَّ لغزاً في زمن نحن فيه أحوج ما نكون لِفهم آيات كتاب الله وسنّة سيدنا رسول الله..
فقال في معرض تأويله لفاتحة الكتاب شارحاً صفة اليهود والنصارى ثم المسلمين في سياقٍ يأخذ بك ليضع يديك على كيفية الجمع في الفهم بين القرآن الكريم والسّنّة المطهرة : يقول الإمام فخر الدين في قصيدته واصفاً حالَ الأُمّة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم حالها في زمنه هو:
إِذَا كَانَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ تَفَرَّقـُوا كَذَلِكَ مَنْ ضَلُّوا فَمَا بَالُ أُمَّتِــي
قَضَتْ سُنَّةُ الْمَوْلَى الْعَظِيمِ عَلَيْهِمُ فَرَاحـوا ثَلاَثَاً فَوْقَ سَبْعِينَ شُعْبـَةِ
فَلـَمْ تَنجُ إِلاَّ فِرْقَةٌ لِوُقُوفِهـــَا بِأَعْتَابِ آلِ الْبَيْتِ أَهْلِ الْحِمَايَــةِ
فَأَيُّ نَجَاةٍ فِي الْحَيَاةِ بِدُونِهـــِمْ إِلَيْهِمْ يَسِيرُ الرَّكْبُ حــَجّاً وَعُمْرَة
إذا تأملتَ ما قرّره علماء الأصول في أنواع الطوائف التي لها الإجماع الموجِب لِلعلم كما وضَّحْنا وهي: الصحابة، وأهل المدينة، والعترة النبوية لوجدتَ أنك إذا نظرتَ إلى كل واحدة منها لوجدتَ فيها ما تبقّى مِن الثلاثة بمعنى: أنك لو نظرتَ إلى الصحابة لوجدتَ فيهم أهل المدينة والعترة.ولو نظرتَ إلى أهل المدينة لوجدتَ فيهم الصحابة والعترة.ولو نظرتَ إلى العترة لوجدتَ الصحابة وأهل المدينة.ولو تأملتَ طائفةً واحدةً مِن الثلاثة تنهض وحدها دونما حاجة إلى الاثنتين جدلاً لوجدتَها طائفة أهل البيت، فلا غِنى لِلصحابة عن أهل البيت، ولا غِنى لأهل المدينة عن أهل البيت، ولكن العترة النبوية مِن أهل البيت تقوم وحدها قوةً عظمى في التشريع الإسلامي، لأن الله أَذهَبَ عنهم الرجس ثم طهَّرَهم تطهيرا، فاستحَقوا ما أَتحَفَهم به جدُّهم مِن ميراث نور النبوة والعلم، فاللهم انفعنا به في الدين والدنيا والآخرة.
وصل: فيمَن تساءل: كيف أجد ضالتي وأرى أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأحظى بالنجاة على أيديهم؟ والجواب إنّ فضل الله عظيم، وكرمه عميم، سيما بأمة الرءوف الرحيم، وما كان لرب رحيم وعبد رحيم أن يضيع عندهما عبد ضعيف سقيم.. أوَ لم تسمع قوله(وَاللَّهِ لاَ أَرْضَى وَوَاحِدٌ مِنْ أُمَّتِي فِي النَّار) فكيف يترك أمته بلا دليل؟! فإذا أَكرمَك الله بصحبته والوقوع عليه والمثول بين يديه فقل: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني مِن المكرَمين.وإن ابتلاك ربك فغيَّبَه عنك كما يغيب البدر بين طيات الغمام فارجع إلى مولاك بِذُلٍّ وانكسار، واسأله النعمة ودوامها، فإنما المعلِّم أو الشيخ الصالح المربِّي مِن جملة نِعَم الله على عباده. ولقد أمَرك فقال ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَى﴾ لقمان مِن الآية،15 وهمْ أهل الإنابة، وعلَّمَك في صَلاتك خمساً أن تطلب منه الهداية إلى صراطِ قومٍ أَنعَم عليهم فلا يغضب عليهم ولا هم يضلون.. فارغب إليهم بعد العثور عليهم، واعلم أنهم عرائس الله في الأرض، ولا يرى العرائسَ المجرمون، فاحذر أن تكون بهذا الوصف المذموم..وإذا أردتَ المعونة على ذلك فالزم دعاء ربك كما قدَّمْنا وأَكثِرْ مِن الصلاة والتسليم على نبيه ألْفاً في كل يوم أو تزيد فببركتها تجد الولي المرشِد، فقد خاطَبه ربه قائلا ﴿وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِد﴾ الكهف مِن الآية 17. ولقد عم نورهم وذاع صيتهم في أرجاء المعمورة، ولكنهم أتقياء أخفياء أنقياء، فحُجبوا أو احتجبوا، لأنهم سلعة الله، وسلعة الله غالية.وإني بفضل الله وجوده ورحمته وعطفه وحنانه عرفتُ منهم الكثير درراً متناثرةً في سائر بقاع الأرض، إلا أني أخص منهم شيخَنا الهمام الشريف الحسيب النسيب صاحب المنهل العذب، مَن أحيا سُنّة جده المصطفى وقتل بسيفه ابتداع النفس والدنيا والشيطان والهوى، فدخل الناس بفضل الله على يديه دينَ الله أفواج..ذلكم هو الإمام فخر الدين البرهاني رضي الله عنه وأرضاه، الذي جعَله الله نوراً مِن نور جده يهتدي به العرب والعجم لِدين الإسلام، وأخباره ذائعة الصيت مشهورة في سائر أنحاء المعمورة..والحمد لله أولاً وآخِراً وظاهراً وباطنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما، والحمد لله رب العالمين.وبعد.. فاعلم أيها الأخ الكريم بعد هذه الرحلة الشرعية الحقية الروحانية في رحاب مَن هم أهل الخاصية النجاتية اعلم أن مشايخ الطرق الصوفية المنتثرة في ربوع مصر المحروسة وسائر بلاد المعمورة هم في الحقيقة ممن انتسَبوا إلى أهل بيت رسول الله..ولا تلتفت لِمَن أَنكَرَ عليهم بغير بيِّنة صحيحة وحكم واضح جَلِي مِن شخص أقامه الله على مِثل هذا الأمر، وامتثِلْ قول الإمام البوصيري:
قدْ تنكِر العينُ ضوءَ الشمسِ مِنْ رَمَدٍ أوْ ينكِرُ الفمُ طَعْمَ الماءِ مِن سقَمِ
فليس كلُّ ما تراه مِن أي أحد تَحكُمُ به عليه، وإنما الأمر فحص وتمحيص وتحقيق وتدقيق وأمانة وعفة وورع وصيانة وحُسْن قصْدٍ بالديانة. فأيما شخص قَصَدْتَهُ فأنت على خير وهدى ونور إن شاء الله تعالى حتى وإن أشكلَت عليك المظاهر، وامتثِلْ في ذلك قصة العبد الصالح مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف، وتأَمَّلْ قولَ سيدي فخر الدين:
وَكُلُّ شَيْخٍ عَلاَ لاَ بُدَّ مُتَّبـــِعٌ وَمَنْ تَوَلَّى فَلاَ يُعْطَى أَمَانَتَنــَا
وقوله:
وَلَيْسَ فِينَا إِمَامٌ غَيْرُ مُعـْتـَمـَد إِمَامُنَا الْمُصْطَفَى وَالصَّفْحُ شِيمَتُنَا
وإني والحمد لله قاصداً وجهَ الله بيَّنْتُ لك ذلك، حتى أُفسد بعون الله على الشيطان الرجيم خدعته وبغيته،فلا يصدنك عن الصراط المستقيم وصلى الله وسلَّم وبارَك على جدِّهم المبعوثِ رحمةً لِلعالَمين وأهلِ بيتِه الكرام الغُرِّ الميامين.
ولا بد للقارئ الجيد المستزيد مِن نور الإيمان الطَّموحِ إلى نيل العلوم الباسقات أن يضع أمام عينيه كل الروايات أو ما يجمع ألوانها وأنماطها في الموضوع الواحد ؛ حتى يتسنى له فهْم كل رواية على حدة ، فإن وجد اختلافاً فعليه أن يستخدم آلات اللغة ويستفتح الله ما أغلق دونه ، ثم ينظر هل جمَع العلماء بين الأطراف المتنافرة في الروايات ؟ فإن كان هناك جمْعٌ فبها ونعمت ، وإن كان غير ذلك فليجتهد قدْر استطاعته التماس الجمع بين النصوص ـ وهو شأن العلماء وطلاب العلم ـ فإن استطاع وإلا أَمسَك حتى يفتح الله عليه بنعمة الفهم عنه فيدخل في زمرة المتقين {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلّـِمُكُمُ اللَّه} البقرة مِن الآية 282
نظرة إلى أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه الأمة :
تنشأ مشكلة أو مسألة في هذه الروايات وعلى مدى تاريخ الإسلام منذ نطق النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات هي موضع الداء أو موضع الدواء ، فالمراد دائماً عند السائل أن يجيبه المسئول عن سؤاله ، فإذا أجاب المسؤول بكلام غير مباشر فقد يبدو الأمر صعباً بعض الشيء ، خصوصاً إذا كان هذا المسؤول هو المبعوث للناس كافةً وهو الشارع لأمته أو واضع شريعتهم.
ولتتأمل إجابته على مَن سأله بقوله : مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّه ؟' ـ أي الملة التي تدخل الجنة أو الفِرقة التي تنجو من النار ـ تأَمَّلْ قوله (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) تجده مما اصطلح عليه البلاغيون بلفظ الكناية، وهي لفظ أريدَ به لازم معناه مع جواز إرادة ذلك المعنى..
قال السكاكي: والكناية تتفاوت إلى تعريض وتلويح ورمز وإشارة وإيماء..
والكناية فيها لزوم مَن يفهم المراد ، وليس كل الناس يفهمونه ، فلماذا اتبع هذا اللون مِن ألوان البلاغة في موضع كل المراد فيه الإيضاح لينجو مَن عرف ويهلك مَن انحرف ؟! وهنا تتجلى عظمة الرسالة بل ورحمةُ المبعوث رحمةً ، وإن رحمته كمشرِّع تقتضي أن يخاطب الناس على قدْر عقولهم ، ولكن الأمر ـ موضوع الحديث ـ أمر فتنة ، وفي الفتنة يصبح الحليم حيراناً، والفتنة نائمة في الأرض فلم يتكلم بالتصريح حتى يَلْحَقَ العاجز عن الفهم بمَنْ فَهِم ولو بعد حين إذا تَوَّجهَ وسعى إلى رضا مولاه بعد أنْ حار زمناً ثم استجار أو استخار أو استشار.
والأمر الذي اقتضت حكمة الله تعليق النجاة عليه أمر يتطلب قدرةً خاصّةً قد يتعذر على أمة كلها في آن واحد أن تُحصِّله ، فاقتضت رحمته التلميح به والتعريض ؛ لِيرى كل واحد في الأمة مرآه على قدر فهمه ومرماه ، فإن اجتهد وأصاب فله أجران ، وإن أخطأ لم يُحرَم الأجر الواحد ، فيا له مِن رسول بالمؤمنين رءوف رحيم ، وهذا الأمر ذاته يمكن أن يتعدد على حسب الفهوم والقوابل في الأمة ؛ فما تراه أنت مِن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة شيء معين ، ويرى غيرك من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة شيئاً آخَر ، ويرى ثالث آخَر ، وهكذ.. كلٌّ على حسب اجتهاده في الفهم ؛ لأن الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة مِن خير لا يمكن أن يعدّه عادٌّ أو يحدّه حادٌّ
قُلْتُ الْمَعَانِي فِي عَظِيم بِنَائِهَا كـُلٌّ يَرَى قَوْلِي عَلَى مِرْآتِـهِ
ولِهذا كانت القيمة الكبرى لِعالِمنا وأستاذنا الإمام فخر الدين في زماننا هذا أنه جاء مِن الله بفهم وعلم لم يسبقه إليه أحد ، مع أنه سهل المنال ومؤيَّد بنصوص الكتاب والسّنّة ، ثم عبَّر عنه بيسير المقال ، ففك رمزاً وحلَّ لغزاً في زمن نحن فيه أحوج ما نكون لِفهم آيات كتاب الله وسنّة سيدنا رسول الله..
فقال في معرض تأويله لفاتحة الكتاب شارحاً صفة اليهود والنصارى ثم المسلمين في سياقٍ يأخذ بك ليضع يديك على كيفية الجمع في الفهم بين القرآن الكريم والسّنّة المطهرة : يقول الإمام فخر الدين في قصيدته واصفاً حالَ الأُمّة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم حالها في زمنه هو:
إِذَا كَانَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ تَفَرَّقـُوا كَذَلِكَ مَنْ ضَلُّوا فَمَا بَالُ أُمَّتِــي
قَضَتْ سُنَّةُ الْمَوْلَى الْعَظِيمِ عَلَيْهِمُ فَرَاحـوا ثَلاَثَاً فَوْقَ سَبْعِينَ شُعْبـَةِ
فَلـَمْ تَنجُ إِلاَّ فِرْقَةٌ لِوُقُوفِهـــَا بِأَعْتَابِ آلِ الْبَيْتِ أَهْلِ الْحِمَايَــةِ
فَأَيُّ نَجَاةٍ فِي الْحَيَاةِ بِدُونِهـــِمْ إِلَيْهِمْ يَسِيرُ الرَّكْبُ حــَجّاً وَعُمْرَة
إذا تأملتَ ما قرّره علماء الأصول في أنواع الطوائف التي لها الإجماع الموجِب لِلعلم كما وضَّحْنا وهي: الصحابة، وأهل المدينة، والعترة النبوية لوجدتَ أنك إذا نظرتَ إلى كل واحدة منها لوجدتَ فيها ما تبقّى مِن الثلاثة بمعنى: أنك لو نظرتَ إلى الصحابة لوجدتَ فيهم أهل المدينة والعترة.ولو نظرتَ إلى أهل المدينة لوجدتَ فيهم الصحابة والعترة.ولو نظرتَ إلى العترة لوجدتَ الصحابة وأهل المدينة.ولو تأملتَ طائفةً واحدةً مِن الثلاثة تنهض وحدها دونما حاجة إلى الاثنتين جدلاً لوجدتَها طائفة أهل البيت، فلا غِنى لِلصحابة عن أهل البيت، ولا غِنى لأهل المدينة عن أهل البيت، ولكن العترة النبوية مِن أهل البيت تقوم وحدها قوةً عظمى في التشريع الإسلامي، لأن الله أَذهَبَ عنهم الرجس ثم طهَّرَهم تطهيرا، فاستحَقوا ما أَتحَفَهم به جدُّهم مِن ميراث نور النبوة والعلم، فاللهم انفعنا به في الدين والدنيا والآخرة.
وصل: فيمَن تساءل: كيف أجد ضالتي وأرى أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأحظى بالنجاة على أيديهم؟ والجواب إنّ فضل الله عظيم، وكرمه عميم، سيما بأمة الرءوف الرحيم، وما كان لرب رحيم وعبد رحيم أن يضيع عندهما عبد ضعيف سقيم.. أوَ لم تسمع قوله(وَاللَّهِ لاَ أَرْضَى وَوَاحِدٌ مِنْ أُمَّتِي فِي النَّار) فكيف يترك أمته بلا دليل؟! فإذا أَكرمَك الله بصحبته والوقوع عليه والمثول بين يديه فقل: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني مِن المكرَمين.وإن ابتلاك ربك فغيَّبَه عنك كما يغيب البدر بين طيات الغمام فارجع إلى مولاك بِذُلٍّ وانكسار، واسأله النعمة ودوامها، فإنما المعلِّم أو الشيخ الصالح المربِّي مِن جملة نِعَم الله على عباده. ولقد أمَرك فقال ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَى﴾ لقمان مِن الآية،15 وهمْ أهل الإنابة، وعلَّمَك في صَلاتك خمساً أن تطلب منه الهداية إلى صراطِ قومٍ أَنعَم عليهم فلا يغضب عليهم ولا هم يضلون.. فارغب إليهم بعد العثور عليهم، واعلم أنهم عرائس الله في الأرض، ولا يرى العرائسَ المجرمون، فاحذر أن تكون بهذا الوصف المذموم..وإذا أردتَ المعونة على ذلك فالزم دعاء ربك كما قدَّمْنا وأَكثِرْ مِن الصلاة والتسليم على نبيه ألْفاً في كل يوم أو تزيد فببركتها تجد الولي المرشِد، فقد خاطَبه ربه قائلا ﴿وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِد﴾ الكهف مِن الآية 17. ولقد عم نورهم وذاع صيتهم في أرجاء المعمورة، ولكنهم أتقياء أخفياء أنقياء، فحُجبوا أو احتجبوا، لأنهم سلعة الله، وسلعة الله غالية.وإني بفضل الله وجوده ورحمته وعطفه وحنانه عرفتُ منهم الكثير درراً متناثرةً في سائر بقاع الأرض، إلا أني أخص منهم شيخَنا الهمام الشريف الحسيب النسيب صاحب المنهل العذب، مَن أحيا سُنّة جده المصطفى وقتل بسيفه ابتداع النفس والدنيا والشيطان والهوى، فدخل الناس بفضل الله على يديه دينَ الله أفواج..ذلكم هو الإمام فخر الدين البرهاني رضي الله عنه وأرضاه، الذي جعَله الله نوراً مِن نور جده يهتدي به العرب والعجم لِدين الإسلام، وأخباره ذائعة الصيت مشهورة في سائر أنحاء المعمورة..والحمد لله أولاً وآخِراً وظاهراً وباطنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما، والحمد لله رب العالمين.وبعد.. فاعلم أيها الأخ الكريم بعد هذه الرحلة الشرعية الحقية الروحانية في رحاب مَن هم أهل الخاصية النجاتية اعلم أن مشايخ الطرق الصوفية المنتثرة في ربوع مصر المحروسة وسائر بلاد المعمورة هم في الحقيقة ممن انتسَبوا إلى أهل بيت رسول الله..ولا تلتفت لِمَن أَنكَرَ عليهم بغير بيِّنة صحيحة وحكم واضح جَلِي مِن شخص أقامه الله على مِثل هذا الأمر، وامتثِلْ قول الإمام البوصيري:
قدْ تنكِر العينُ ضوءَ الشمسِ مِنْ رَمَدٍ أوْ ينكِرُ الفمُ طَعْمَ الماءِ مِن سقَمِ
فليس كلُّ ما تراه مِن أي أحد تَحكُمُ به عليه، وإنما الأمر فحص وتمحيص وتحقيق وتدقيق وأمانة وعفة وورع وصيانة وحُسْن قصْدٍ بالديانة. فأيما شخص قَصَدْتَهُ فأنت على خير وهدى ونور إن شاء الله تعالى حتى وإن أشكلَت عليك المظاهر، وامتثِلْ في ذلك قصة العبد الصالح مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف، وتأَمَّلْ قولَ سيدي فخر الدين:
وَكُلُّ شَيْخٍ عَلاَ لاَ بُدَّ مُتَّبـــِعٌ وَمَنْ تَوَلَّى فَلاَ يُعْطَى أَمَانَتَنــَا
وقوله:
وَلَيْسَ فِينَا إِمَامٌ غَيْرُ مُعـْتـَمـَد إِمَامُنَا الْمُصْطَفَى وَالصَّفْحُ شِيمَتُنَا
وإني والحمد لله قاصداً وجهَ الله بيَّنْتُ لك ذلك، حتى أُفسد بعون الله على الشيطان الرجيم خدعته وبغيته،فلا يصدنك عن الصراط المستقيم وصلى الله وسلَّم وبارَك على جدِّهم المبعوثِ رحمةً لِلعالَمين وأهلِ بيتِه الكرام الغُرِّ الميامين.
- كيف نستقبل نحن الصوفية شهر رمضان المعظم
- نفى صحة مقولة امتثال الأمر خير من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
- وجوب وفرض محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
تعليقات: 0
إرسال تعليق