جزء من الخطاب الذى وجهه مولانا الإمام الشيخ محمد إبراهيم محمد عثمان شيخ الطريقة البرهانية الى الأمة الإسلامية مساء الأربعاء الثامن من شهر أبريل عام 2010
ونحن نعبر إلى الألفية الثالثة .. إلى عصر العولمة الثقافية حيث زوال الحدود أمام الفكر الإنسانى، وزوال سيطرة الدولة وسيادتها على الثقافة والعلوم, فإننا نجد أن مواجهة الغزو الفكرى، وإدارة عمليات الحوار الثقافى والحضارى، تتطلب نهجاً دقيقاً ومتقناً، يُمكِّننا ليس فى مواجهة ذلك الغزو الفكرى فحسب، وإنما يعمل على تنظيم بعثاً حضارياً، يعكس الهدى النبوى الشريف ليزيل أستار الظلام فى تلك الأصقاع من العالم، ويؤسس لبناء عالم تَسوده المحبة والألفة والعدل ... أهـ
ونحن إذ نضرب الأمثلة من الهدى النبوى للوصول إلى البعث الحضارى، لتوحيد الحقوق لتصير حقا واحدا، هو (الحق فى الله) للوصول بالأخلاق إلى مرتقى الحضارة الحقيقية وإزالة غُمة الجهالة المستترة بالمدنية الزائفة.
وعن سيدنا أبى هريرة أن رسول الله قال (بينما رجل يمشى بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذى بلغ بى، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى، فسقى الكلب فشكر الله له فغُفر له، قالوا: يا رسول الله إن لنا فى البهائم لأجراً؟ فقال فى كل ذات كبد رطبة أجر)[20].
أليست هذه الحقوق مجتمعة للإنسان والحيوان بل وفى كل ذى كبد رطب فى صعيد واحد، وانظر إلى التابعين كيف كانوا يطبقون تلك الحقوق.
فها هو سيدى أحمد الرفاعى قد ترك الطريق السهل الممهد لكلب وسار فى الوحل، ولما سأله مريدوه لما فعلت ذلك؟ قال لهم (من ظن أنه أفضل من الكلب فالكلب أفضل منه).
كما أن الحبيب كان يسأل أسرى الحرب أن يفتدوا أنفسهم من الأسر بأن يعلموا أحد المسلمين القراءة والكتابة، التى هى بداية الرقى والحضارة والتعامل السمح بين الناس، الذى جعل الأسير والمحارب السابق يعلم من أسره، فتنشأ بينهما علاقة على أساس من المودة وعرفان الجميل، ويمحى ما كان بينهم من عداوة وبغضاء.
ولقد أظلنا زمان اختلط المعقول بالمنقول فحار أرباب الألباب، فذا شح مطاع وهوى متبع وإعجاب كل ذى رأى برأيه، كما قال سيدى فخر الدين :
ولكن النصيحة لله ورسوله والعظة والعبرة لمن اتعظ واعتبر، ما الحب سهلٌ والتمحيص سُنة الله فى خلقه، حتى الأنبياء والرسل، فسيدنا يوسف عليه السلام قد مرت عليه إمتحانات عديدة، فمن الجب، إلى فتنة زوجة العزيز، إلى السجن، حتى جاء خروجه من السجن، للإستعداد لتمحيص السبع العجاف، التى سوف تعصف بأقوات الناس، ولذا استعد من أيام الرخاء لأيام الشدة، وأعد لها العدة بصبر وجلد وتوكل على الله، فمرت عليه السبع الأولى فى الإعداد للسبع العجاف التى استطاع أن يعبر بالناس فيها دون أن يقنط من رحمة الله، فالقنوط من الرحمة يؤدى بمن لا عقيدة له إلى الإنتحار هربا من سئ إلى أسوأ، أما المؤمنون فيشمرون عن سواعد الجد بالذكر والصلاة على الحبيب وحسن الإعتقاد فى الله ورسوله، ومشايخهم الذين انتشلوهم من غياهب جب الغفلة ومن دياجير الجهل إلى منابع العلم والذكر، بدلا من أن ينسب إليهم عيوبه وأخطاءه وفيه يتحقق قول الإمام الشافعى :
وليعلم الجميع أن قول الحبيب حق، وهو مظلتنا إلى الله الحق، وأن المريد الحق هو المؤمن الحق، كما أخبر الحبيب (الإيمان نصفان نصف فى الصبر ونصف فى الشكر) أى أن الضجر ليس من صفات المؤمن بل إنه من سوء الظن والعياذ بالله، وسوء الظن يؤدى بصاحبه إلى نكران الجميل كما قال الحبيب (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) ويقول الإمام فخر الدين :
ولذا نرفع بأكفٍ ضارعةٍ وقلوبٍ خاشعةٍ خاضعةٍ (حسن الظن بالله) شعاراً لنا مِلؤ أفئدتنا، فتنضح ألسنتنا به بين اخواننا وأهلينا، فالوهاب يعطى بلا حساب ولا أسباب ولتكن البشرى فرجا لهمومنا ورفعا لهممنا.
تعليقات: 0
إرسال تعليق