الخلق محجوبون بثلاث : حب الدرهم ، وطلب الرياسة ، وطاعة النساء
- تعدد المذاهب والمشارب
- محمد صفوت : دوائر الحق والواجب والباطل
- الشيخ محمد صفوت : من هو بن معين ؟
- محاضرات الشيخ محمد صفوت : الصراط المستقيم الجزء الثاني
قال بعض العلماء: الخلق محجوبون بثلاث؛ حب الدرهم، وطلب الرياسة وطاعة النساء.
وقال بعض العارفين: الذى قطع العباد عن الله ثلاثة أشياء؛ قلة الصدق فى الإرادة، والجهل بالطريق، ونطق علماء السوء بالهوى. وقال بعض علمائنا: إذا كان المطلوب محجوباً، والدليل مفقوداً، والاختلاف موجوداً لم ينكشف الحق، وإذا لم ينكشف الحق تحير المريد.
والمريد لابدّ له من خصال سبع:
1. الصدق فى الإرادة، وعلامته إعداد العدة.
2. ولابدّ له من التسبب إلى الطاعة، وعلامة ذلك هجر قرناء السوء.
3. ولابدّ له من المعرفة بحال نفسه، وعلامة ذلك استكشاف آفات النفس.
4. ولابدّ له من مجالسة عالم بالله، وعلامة ذلك إيثاره على ماسواه.
5. ولابدّ له من توبة نصوح، فبذلك يجد حلاوة الطاعة ويثبت على المداومة، وعلامة التوبة قطع أسباب الهوى، والزهد فيما كانت النفس راغبة فيه.
6. ولابدّ له من طعمة حلال لا يذمّها العلم، وعلامة ذلك الحلال، المطالبة عنه، وحلول العلم فيه يكون بسبب مباح وافق فيه حكم الشرع.
7. ولابدّ له من قرين صالح يؤازره على ذلك، وعلامة القرين الصالح،معاونته على البر والتقوى، ونهيه إياه عن الإثم والعدوان.
فهذه الخصال السبع قُوتُ الإرادة لا قوام لها إلا بها.
ويستعين على هذه السبع بعدة عادات هى أساس بنيانه، وبها قوة أركانه ومنها: الجوع، والسهر، والصمت.
فهذه العادات سجن النفس وضيقها، وضرب النفس وتقييدها بهن يضعف صفاتها، وعليهن تحسن معاملاتها.
ولكل واحدة منها صنْعةٌ حَسنةٌ فى القلب.
1- فأما الجوع فإنه يُنقِصُ من دم القلب فيبْيَضُّ، وفى بياضه نورُه فيُذيب شحم الفؤاد وفى ذوْبه رِقَّته، ورقَّته مفتاح كل خير، لأن فى القسوة مفتاح كل شر، وإذا نقص دم القلب ضاق مسلك العدوّ منه، لأن دم القلب مكانه فإذا رق القلب ضعف سلطان العدوّ منه، لأن فى غلظ القلب سلطانه.
والفلاسفة يقولون إن النفس كلية الدم، وحُجّتهم فى ذلك أن الإنسان إذا مات لم يفقد من جسمه إلا دمه مع روحه.
والعلماء منهم قالوا: الدم هو مكان النفس، وهذا هو الصحيح، لأنه مُواطئ لما فى التوراة، سمعت أن فى التوراة مكتوباً: ياموسى لا تأكل العروق فإنها مأوى كل نفس، وهذا مصدّق للحديث الذى رَوَى أنّ الشيطانَ يجرى من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش.
قد عبر علماء الكوفة عن الدم بالنفس فقالوا: إذا مات فى الماء من الهوام ماليس له نفس سائلة لم ينجس، يَعْنُون الخنافس والصراصر والعناكب، ففى الجوع نقصان الدم ونقصانه ضيق مسلك العدوّ وضعف مسكن النفس لسقوط مكانها.
وفى خبر عن عيسى: يامعشر الحواريين جوِّعوا بطونَكم، وعطِّشوا أكبادَكُم، وأعْروا أجسادَكُم، لعل قلوبَكم ترى اللّه عزّ وجلّ، يعنى بحقيقة الزهد وصفاء القلب.
فالجوع مفتاح الزُّهد، وباب الآخرة، وفيه ذلّ النفس واستكانتها وضعفها وانكسارها، وفى ذلك حياةُ القلب وصلاحهُ.
وأقلُّ ما فى الجوع: إيثار الصمت، وفى الصمت السلامة، وهى غاية للعقلاء.
وقال سهل رحمه الله: اجتمع الخير كله فى هذه الأربع خصال، وبها صار الأبدالُ أبدالاً،وهى إخماص البطون، والصمت، والسهر، والاعتزال عن الناس.
وقال: من لم يصبر على الجوع والضر، لم يتحقق بهذا الأمر.
2- أما عن السهر: فيُروَى أن عبد الواحد بن زيد كان يحلفُ باللّه ويقول: ما تحوَّل الصديقون صديقين إلا بالجوع والسهر، فإنه ينير القلب ويجلوه، وفى استنارته معاينة الغيب، وفى جلائه صفاء اليقين، فتدخل الاستنارة والجلاء على البياض والرقة فيصير القلب كأنه كوكب درى،
فى مرآة مجلوَّة، ويشهدُ الغيب بالغيب، فيزهد فى الفانى لِمَا عايَن من الباقى، وتقلُ رغْبتُه فى عاجل حظوظ هواه، لِمَا أبْصر من وبال العقاب، ويرغبُ فى الطاعات لمشاهدة الآخرة ورفيع الدرجات، فيصير الآجلُ عاجلاً، ويكون العاجلُ غائباً، ويصير الغائبُ حاضراً، والحاضرُ آفلاً يطلبه ويرغب فيه، فلا يحب الآفل ولا يبتغيه، ويطلب الآجل ويرغب فيه، وينكشف له عوار الدار، ويظهر له بواطن الأسرار، ويزول عنه كامن الاغترار، فهناك صار العبدُ مؤمناً حقاً بوصف حارثة الأنصارى إذ يقول: عزَفتْ نفسى عن الدنيا وكأنى أنظرُ إلى عرش ربى تعالى بارزاً، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يتعادون.
وكذلك وصف رسولُ الله قلبَ المؤمن فى قوله: القلوبُ أربعة؛ قلبٌ أجرد فيه سراجٌ يُزهِر، فذلك قلبُ المؤمن، وانجرادُ القلبِ بالزهدِ فى الدنيا، وتجردُّه من الهوى، وسراجُه الذى يُزهِر فيه هو نور اليقين، به يُبصِر الغيب.
وقال بعض علمائنا: من سهر أربعين ليلة خالصاً كوشف بملكوت السماء، وكان يقول اجتمع الخير كله فى أربع، ذكر منها سهر الليل.
واعلم أن نوم العلماء عن غلبة المنام بعد طول السهر بالقيام مكاشفة لهم وشهود وتقريب لهم منه وورود، ومن صفة الأبدال أن يكون أكلُهم فاقَة، ونومُهم غَلَبة، وكلامُهم ضرورة، ومن سهر بالليل لأجل الحبيب، لم يخالفْه بالنهار، فإنه أسهره بالليل فى خدمته.
ودخل الحسن ذات يوم إلى السوق فسمع لغَطَهُم، وكثْرَة كلامهم، فقال أظن ليل هؤلاء ليل سوء، ما يقيلون.
وفى الخبر: قيلوا فإن الشياطين لا تقيل، واستعينوا على قيام الليل بقائلة النهار، وقد قيل فى قوله عزّ وجلّ: ﴿وَاسْتعِينُوا بِالصَبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ البقرة 54، قيل بالصبر على قيام الليل، وقيل: استعينوا بالجوع وصلاة الليل على مجاهدة النفس، وقيل: استعينوا بالصبر والصلاة على اجتناب النهى.
3- وأما الصمت: فإنه يلُقِّح العقل، ويعلِّم الورع، ويجْلبُ التقوى، ويجعل اللّه عزّ وجلّ به للعبد بالتأويل الصحيح والعلم الرجيح مخرجاً، ويوفقه بإيثار الصمت للقول السديد والعمل الرشيد.
وقد قال بعض السلف: تعلمت الصمت بحصاة جعلتها فى فمى ثلاثين سنة، كنت إذا هممت بالكلمة تلجلج بها لسانى فيسكت.
وقال بعضهم: جعلتُ على نفسى بكل كلمة أتكلم بها فيما لا يعنينى صلاة ركعتين، فسهُل ذلكّ على، فجعلت على نفسى بكل كلمة صوم يوم فسهُل على، فلم أنتهِ حتى جعلت على نفسى بكل كلمة أن أتصدق بدرهم فصعب ذلك فانتهيت.
وقال عقبة بن عامر: يارسول الله فيم النجاة؟ قال: أَملِك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك.
وقال فى الخبر الجامع المختصر (من سره أن يسلم فليلزم الصمت).
وأوصى رسول الله معاذاً بالصلاة والصيام وغير ذلك ثم قال فى آخر وصيته (ألا أدلك على ماهو أملك لك من ذلك كله، هذا وأومأ بيده إلى لسانه)، فقلت: يارسول الله وإنا لمؤاخذون بما تتكلم به ألسنتنا؟ فقال (ثكلتك أمك يامعاذ وهل يكب الناس على مناخرهم فى جهنم إلا حصائد ألسنتهم، إنك ماسكت فإنك سالم فإذا تكلمت فإنما هو لك أو عليك).
وقال عبد اللّه بن سفيان عن أبيه،قال: قلت يارسول اللّه أوصنى بشىء فى الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك فقال (قل ربى اللهُ ثم استقم)، قال: قلت فما أتقى بعد ذلك وفى لفط آخر فأخبرنى بأضر شيىء على، فقال (هذا وأومأ إلى لسانه).
وفى الخبر لا يتقى العبد ربه تعالى حق تقاته حتى يخزن من لسانه.
وفى الحديث لا يصلُح العبدُ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيم لسانُه.
وقال ابن مسعود: ليس شىء أحق بطول سجن من لسان.
وقال بعض العلماء: ما استقام لسانُ عبدٍ إلا عرفتُ الصلاحَ فى سائر عمله، وما اختلف لسانه، إلا عرفتُ الفساد فى سائر عمله.
عبدالستار الفقي
- معنى التوسل والوسيلة
- في إنكارهم التوسل وأن عمل الغير لا ينفع الغير
- الموت والحياة فى مذهب التصوف مذهب اهل السنة والجماعة
- زيارة النبي والولي والناذر لهم
تعليقات: 0
إرسال تعليق