برهانيات كوم
من كتاب شرح الاوراد للدكتور ابراهيم الدسوقي
-----------------------
يجدرُ بِنَا أنْ نَعرضَ بعضَ ما أفاضَ اللهُ على شيخِنَا سَيِّدِي فَخْرِ الدِّينِ - رضي الله عنه - في تأويلِ بعضِ النصوصِ القرآنيةِ الواردةِ في معنى الصلاةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وكذلكَ معرفةُ ما تَيَسَّرَ حولَ معاني الصلاةِ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - ..يَقُولُ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - ما معناهُ :- الوجودُ كلُّهُ بِعوالِمِهِ مُسَخَّرٌ لِخدمةِ دينِ الإسلامِ ولِخدمةِ الرسولِ الخاتمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، فالجنُّ والإنسُ والمَلَكُ والطيرُ والوحوشُ والهوامُ كُلُّهَا خادمةٌ لِنبيِّنَا وسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أَدَلَّ على ذلكَ مِنْ أنَّ الأسماءَ الإلهيةَ تصلِّي على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فتَخدمُهُ ملائكتُهَا بإذنِ ربِّهِ الأعلى ..ويَتَّضِحُ هذَا بالآياتِ الثّلاثةِ الآتي ذِكْرُهَا :أوّلاً : صلاةُ الهُو [ أيْ صلاةُ الاسمِ ( هُو ) ] :{هُوَ الَّذِى يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلَائكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مّنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّور} ؛ فهذهِ صلاةُالاسمِ ( هُو ) وملائكةِ الاسمِ ( هُو ) يُصلِّيَانِ على الأُمَّةِ كُلِّهَا لِتخرجَ مِنْ ظلماتِ الجهلِ إلى نورِ علمِ حضرةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْرَفِنَا باللهِ سبحانَهُ .ثانياً : صلاةُ الاسمِ ( اللَّه ) :يَقُولُ مَوْلاَنَا الشَّيْخُ - رضي الله عنه - :صَلاَةُ اللَّهِ فِي خَتْمٍ وَبَدْءٍ ... عَلَى عَبْدٍ عَلَيْهِ الْحَقُّ أَثْنَىويقول :لِلَّهِ قَوْمٌ خُوطِبُوا فِي قَوْلِهِ ... صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَا
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما} (1) ولقدْ سألَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا :" عَرِّفْنَا كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه " فقال { قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلّ ... } ، فوضَّحَ لهمُ الكيفيةَ بقول { اللَّهُمّ } وهيَ قسمانِ : ( اللَّهُ ) وحرفُ الميمِ ؛ حَيْثُ قالَ أهلُ اللغةِ أنَّهُ عِوَضٌ عَنِ النداءِ في تقديرِ الدعاءِ ( يا الله ) ..تحقيق :
يَقُولُ النُّحَاةُ : إنَّ الميمَ عِوَضٌ عَنْ " يَا " النداءِ في كلمةِ " اللَّهُمَّ " ، وهذَا اجتهادٌ لاَ يَقومُ على دليلٍ واضحٍ لَدَيْنَا ولاَ يَقومُ عَلَيْهِ دليلٌ ، ولكنَّ اللفظَ الواضحَ إذَا قسمْتَهُ يتكوَّنُ مِنْ قِسْمَيْنِ : أوَّلُهُمَا لفْظُ الجلالةِ " اللَّهُ " ، وثانيهِمَا حَرْفُ الميمِ المضافِ إلَيْهَا ، والذي لاَ نَجِدُ صعوبةً في الاجتهادِ بالحُكْمِ بأنَّهُ الحَرْفُ الأولُ مِنْ كلمةِ " مُحَمَّدٍ " ، وهوَ اجتهادٌ لهُ ما يُعَضِّدُهُ ؛ فأيُّ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ أَوْلَى بالإضافةِ إلى اللهِ مِنْ حبيبِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - الذي رَفَعَ لهُ ذِكْرَهُ فلاَ يُذْكَرُ إلاَّ ويُذْكَرُ معهُ ، وفِي هذَا إشارةٌ إلى أنَّهُ لا صلاةَ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإنْ شئْتَ فقلْ : لا طَلَبَ مِنَ اللهِ - إلاَّ بواسطةِ ميمِ المُحَمَّديَّةِ ، وإنَّمَا كانَ ذلكَ شريعةً مِنَ اللهِ ورسولِهِ لِسابقِ العلمِ بعجزِنَا عَنِ الصلاةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - على وجهِ التحقيقِ ، فلَمَّا اعترفَ المؤمنُ بعجزِهِ عَنْ ذلكَ بطلبِ الصلاةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللهِ قُبِلَتْ منهُ يقيناً كَمَا هوَ موضَّحٌ في صحيحِ الأخبارِ والآثارِ ؛ فلقدْ تضافرَتِ الأدلةُ على أنَّ قبولَ أيِّ عبادةٍ مشروطٌ بالتقوى إلاَّ الصلاةُ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإنَّهَا مقبولةٌ على كُلِّ حالٍ إكراماً لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وانْظُرْ إنْ شِئْتَ قولَ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - :" الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الإِدْرَاكِ إِدْرَاك " ، واللّهُ أَعْلَم .والمَعْنَى إجمالاً في الآيةِ : أنَّ الاسمَ ( اللَّه ) وملائكةَ الاسمِ ( اللَّه ) دائماً في خدمةِ شريعةِ العبدِ - صلى الله عليه وسلم - ، فكُونُوا يَا أهلَ الإيمانِ دائماً في خدمةِ وطاعةِ العبدِ - صلى الله عليه وسلم - ..والدّليلُ على ذَلِكَ : قولُهُ تعالى {وَإِن تَظَهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَلِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَئكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِير} ؛ فالمولى في اللغةِ هوَ السيدُ أوْ هوَ الخادمُ ، وهوَ - كَمَا يَقُولُ اللغويُّونَ - مِنَ المتضادّاتِ ، فإذَا اعتبرْتَ مَعْنَاهَا " السيدَ " فيجوزُ سيادةُ اللَّهِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنَّهَا لا تَجوزُ في حقِّ الباقِينَ المذكورِينَ في الآيةِ ، وإذَا اعتبرْتَ المعنى الثاني فيجوزُ تأويلاً أنْ يخدمَ الاسمُ ( الله ) بمعنى يُعِينُ ويُعَضِّدُ ويُقَوِّي وينصرُ صاحبَ دينِهِ وكذلكَ جبريلُ وصالحُ المؤمنينَ ، ويؤيِّدُ هذَا المعنى كلَّهُ بَعْدَ ذلكَ قولُهُ تعالى {وَالْمَلَئكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِير} ؛ فالمقصودُ والمرادُ مِنَ الآيةِ هوَ كلمة {ظَهِير} بمعنى المُعينِ والناصرِ والمؤيِّدِ والمُدافِعِ ، وهذَا لا مبالَغةَ فيهِ ؛ إذْ يبدو ذلكَ مِنَ اللهِ لآحادِ المؤمنينَ في قولِهِ تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُدَفِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا} ، أفلاَ يكونُ ذلكَ مِنْ بابِ أَوْلَى لِحبيبِهِ ومصطفاهُ ورسولِهِ الأمينِ - صلى الله عليه وسلم - ؟!!ثالثاً : صلاةُ الاسمِ ( الرَّبِّ ) :يَقُولُ تعالى {وَلَنَبْلُوَّنَّكُم بِشَىْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَلِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَتِ وَبَشِّرِ الصَّبِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَجِعُونَ * أُولَئكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُون} ؛ فهيَ إذَنْ صلاةُ الرَّبِّ على مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ عبادِهِ الصابرينَ ..تحقيق :فإنْ سألَ سائلٌ : وما وجْهُ علاقةِ النَّبيِِّ - صلى الله عليه وسلم - بِصَلاةِ الاسمِ ( الرَّبِّ ) ؟نقولُ لهُ وباللهِ التوفيقُ : إنَّهُ لَمَّا كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هوَ الواسطةُ العظمى بَيْنَ الحقِّ والخلْقِ حَيْثُ قالَ لهُ تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَلَمِين} فأَتْبَعَ سبحانَهُ وتعالى صلواتِ الاسمِ ( الرَّبِّ ) في الآيةِ بقولِه {وَرَحْمَة} إشارةً إلى أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - هوَ الرحمةُ المهداةُ والمرسَلُ رحمةً لِلعالَمينَ ، وهذَا هوَ وجْهُ هدايتِهمْ حَيْثُ وصفَهمْ بقولِه {وَأُولَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُون} ..فإنْ قُلْتَ : وكيفَ آلَتْ إلَيْهِمُ الهدايةُ حَيْثُ وصفَهمْ بالمهتدينَ ؟نقولُ وباللهِ التوفيقُ : إنَّهُ لاَ سبيلَ إلى ذلكَ - كَمَا أَوْضَحَتِ الآيةُ في صدرِها وعجزِها وسابقتِها - إلاَّ بالاسمِ ( الله ) ، فهمُ المضافُونَ إلى الاسمِ ( اللَّه ) حَيْثُ قالوا {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَجِعُون} ..ولِذلكَ أشارَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - في هذَا المَوْضِعِ بالذّاتِ إلى ( الذّاكرِينَ اللهَ كثيراً ) في شرحِهِ لِصلاةِ الاسمِ ( الرَّبِّ ) حَيْثُ عَدَّدَ آياتِ الأمرِ بالذِّكْرِ وآياتِ الأمرِ بِلُزُومِ المعيّةِ :- {وَالذَّكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّكِرَتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيما} - {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} - {فَسْئلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُون} .- {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّدِقِين} .- {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} .- وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم - : { كُنْ مَعَ اللَّهِ ، فَإِنْ لَمْ تستطع فَكُنْ مَعَ مَنْ كَانَ مَعَ اللَّهِ يُوَصِّلْكَ إِلَي اللَّه }.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما} (1) ولقدْ سألَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا :" عَرِّفْنَا كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه " فقال { قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلّ ... } ، فوضَّحَ لهمُ الكيفيةَ بقول { اللَّهُمّ } وهيَ قسمانِ : ( اللَّهُ ) وحرفُ الميمِ ؛ حَيْثُ قالَ أهلُ اللغةِ أنَّهُ عِوَضٌ عَنِ النداءِ في تقديرِ الدعاءِ ( يا الله ) ..تحقيق :
يَقُولُ النُّحَاةُ : إنَّ الميمَ عِوَضٌ عَنْ " يَا " النداءِ في كلمةِ " اللَّهُمَّ " ، وهذَا اجتهادٌ لاَ يَقومُ على دليلٍ واضحٍ لَدَيْنَا ولاَ يَقومُ عَلَيْهِ دليلٌ ، ولكنَّ اللفظَ الواضحَ إذَا قسمْتَهُ يتكوَّنُ مِنْ قِسْمَيْنِ : أوَّلُهُمَا لفْظُ الجلالةِ " اللَّهُ " ، وثانيهِمَا حَرْفُ الميمِ المضافِ إلَيْهَا ، والذي لاَ نَجِدُ صعوبةً في الاجتهادِ بالحُكْمِ بأنَّهُ الحَرْفُ الأولُ مِنْ كلمةِ " مُحَمَّدٍ " ، وهوَ اجتهادٌ لهُ ما يُعَضِّدُهُ ؛ فأيُّ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ أَوْلَى بالإضافةِ إلى اللهِ مِنْ حبيبِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - الذي رَفَعَ لهُ ذِكْرَهُ فلاَ يُذْكَرُ إلاَّ ويُذْكَرُ معهُ ، وفِي هذَا إشارةٌ إلى أنَّهُ لا صلاةَ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإنْ شئْتَ فقلْ : لا طَلَبَ مِنَ اللهِ - إلاَّ بواسطةِ ميمِ المُحَمَّديَّةِ ، وإنَّمَا كانَ ذلكَ شريعةً مِنَ اللهِ ورسولِهِ لِسابقِ العلمِ بعجزِنَا عَنِ الصلاةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - على وجهِ التحقيقِ ، فلَمَّا اعترفَ المؤمنُ بعجزِهِ عَنْ ذلكَ بطلبِ الصلاةِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللهِ قُبِلَتْ منهُ يقيناً كَمَا هوَ موضَّحٌ في صحيحِ الأخبارِ والآثارِ ؛ فلقدْ تضافرَتِ الأدلةُ على أنَّ قبولَ أيِّ عبادةٍ مشروطٌ بالتقوى إلاَّ الصلاةُ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإنَّهَا مقبولةٌ على كُلِّ حالٍ إكراماً لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وانْظُرْ إنْ شِئْتَ قولَ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - :" الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الإِدْرَاكِ إِدْرَاك " ، واللّهُ أَعْلَم .والمَعْنَى إجمالاً في الآيةِ : أنَّ الاسمَ ( اللَّه ) وملائكةَ الاسمِ ( اللَّه ) دائماً في خدمةِ شريعةِ العبدِ - صلى الله عليه وسلم - ، فكُونُوا يَا أهلَ الإيمانِ دائماً في خدمةِ وطاعةِ العبدِ - صلى الله عليه وسلم - ..والدّليلُ على ذَلِكَ : قولُهُ تعالى {وَإِن تَظَهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَلِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَئكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِير} ؛ فالمولى في اللغةِ هوَ السيدُ أوْ هوَ الخادمُ ، وهوَ - كَمَا يَقُولُ اللغويُّونَ - مِنَ المتضادّاتِ ، فإذَا اعتبرْتَ مَعْنَاهَا " السيدَ " فيجوزُ سيادةُ اللَّهِ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنَّهَا لا تَجوزُ في حقِّ الباقِينَ المذكورِينَ في الآيةِ ، وإذَا اعتبرْتَ المعنى الثاني فيجوزُ تأويلاً أنْ يخدمَ الاسمُ ( الله ) بمعنى يُعِينُ ويُعَضِّدُ ويُقَوِّي وينصرُ صاحبَ دينِهِ وكذلكَ جبريلُ وصالحُ المؤمنينَ ، ويؤيِّدُ هذَا المعنى كلَّهُ بَعْدَ ذلكَ قولُهُ تعالى {وَالْمَلَئكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِير} ؛ فالمقصودُ والمرادُ مِنَ الآيةِ هوَ كلمة {ظَهِير} بمعنى المُعينِ والناصرِ والمؤيِّدِ والمُدافِعِ ، وهذَا لا مبالَغةَ فيهِ ؛ إذْ يبدو ذلكَ مِنَ اللهِ لآحادِ المؤمنينَ في قولِهِ تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُدَفِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا} ، أفلاَ يكونُ ذلكَ مِنْ بابِ أَوْلَى لِحبيبِهِ ومصطفاهُ ورسولِهِ الأمينِ - صلى الله عليه وسلم - ؟!!ثالثاً : صلاةُ الاسمِ ( الرَّبِّ ) :يَقُولُ تعالى {وَلَنَبْلُوَّنَّكُم بِشَىْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَلِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَتِ وَبَشِّرِ الصَّبِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَجِعُونَ * أُولَئكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُون} ؛ فهيَ إذَنْ صلاةُ الرَّبِّ على مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ عبادِهِ الصابرينَ ..تحقيق :فإنْ سألَ سائلٌ : وما وجْهُ علاقةِ النَّبيِِّ - صلى الله عليه وسلم - بِصَلاةِ الاسمِ ( الرَّبِّ ) ؟نقولُ لهُ وباللهِ التوفيقُ : إنَّهُ لَمَّا كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هوَ الواسطةُ العظمى بَيْنَ الحقِّ والخلْقِ حَيْثُ قالَ لهُ تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَلَمِين} فأَتْبَعَ سبحانَهُ وتعالى صلواتِ الاسمِ ( الرَّبِّ ) في الآيةِ بقولِه {وَرَحْمَة} إشارةً إلى أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - هوَ الرحمةُ المهداةُ والمرسَلُ رحمةً لِلعالَمينَ ، وهذَا هوَ وجْهُ هدايتِهمْ حَيْثُ وصفَهمْ بقولِه {وَأُولَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُون} ..فإنْ قُلْتَ : وكيفَ آلَتْ إلَيْهِمُ الهدايةُ حَيْثُ وصفَهمْ بالمهتدينَ ؟نقولُ وباللهِ التوفيقُ : إنَّهُ لاَ سبيلَ إلى ذلكَ - كَمَا أَوْضَحَتِ الآيةُ في صدرِها وعجزِها وسابقتِها - إلاَّ بالاسمِ ( الله ) ، فهمُ المضافُونَ إلى الاسمِ ( اللَّه ) حَيْثُ قالوا {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَجِعُون} ..ولِذلكَ أشارَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - في هذَا المَوْضِعِ بالذّاتِ إلى ( الذّاكرِينَ اللهَ كثيراً ) في شرحِهِ لِصلاةِ الاسمِ ( الرَّبِّ ) حَيْثُ عَدَّدَ آياتِ الأمرِ بالذِّكْرِ وآياتِ الأمرِ بِلُزُومِ المعيّةِ :- {وَالذَّكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّكِرَتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيما} - {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} - {فَسْئلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُون} .- {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّدِقِين} .- {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} .- وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم - : { كُنْ مَعَ اللَّهِ ، فَإِنْ لَمْ تستطع فَكُنْ مَعَ مَنْ كَانَ مَعَ اللَّهِ يُوَصِّلْكَ إِلَي اللَّه }.
تعليقات: 0
إرسال تعليق