-->
إغلاق القائمة
إغلاق القائمة
404
نعتذر فقد تم نقل الموضوع ; الرجاء زيارة الارشيف! الأرشيف

الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

شرح الأوراد : شرح الاساس : شرح التهليل : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه )

شرح الأوراد : شرح الاساس : شرح التهليل : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه )
=

برهانيات كوم 

جـ- التهليل : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه ) :

- لا إلهَ إلاَّ اللهُ : معروفةٌ بالأصلِ - وسيأتي الكلامُ في بعضِ معانيها - أمّا عَدَدُهَا فهوَ مائةُ مَرّةٍ ، والأعدادُ - كَمَا سبقَ في المقدمةِ - توقيفيةٌ أيْ لا بُدَّ مأخوذةٌ عَنِ الشرعِ الحنيفِ ومِنَ الشارعِ - صلى الله عليه وسلم - ، فالمطلوبُ هوَ الالتزامُ بالعَدَدِ المكتوبِ ؛ لأنَّهُ سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .

- سُئِلَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - في هذَا الموضعِ عَنِ السِّرِّ في العَدَدِ ( لا إلهَ إلاَّ اللهُ ) مائةَ مرّةٍ فأرادَ - رضي الله عنه - أنْ يعطيَ نفحةً في علاقةِ العَدَدِ والحَرْفِ - أوْ ما يُعرَفُ في المصطلَحِ بـ" حسابِ الْجُمَّلِ " أوْ " حسابِ الأرواحِ " - فقالَ - رضي الله عنه - ما يفيدُ ما يلي :

* يَقُولُ المشايخُ عادةً :" هذَا عَدَدُهُ كَذَا ، وهذَا عَدَدُهُ كَذَا ... " ، فَعَلَى المريدِ الالتزامُ بالعَدَدِ المكتوبِ ؛ لأنَّهُ سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ..

تحقيق :

__________

(1) 1- انْظُرْ ترغيب الطّالب .

(1/66)

________________________________________

قولُهُ - رضي الله عنه - " إنَّ العَدَدَ المكتوبَ سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " يعني - واللهُ أعلمُ - سواءٌ وَرَدَ في السُّنَّةِ المنقولةِ المدوَّنةِ أوْ غَيْرِ المدوَّنةِ ؛ لأنَّهُ سبقَ في المقدِّمةِ قولُ العلاّمةِ الصّاويِّ - رضي الله عنه - أنَّ أورادَ العارفينَ لا تخلو مِنْ كونِهَا مِنَ الكتابِ أوِ السُّنَّةِ أوِ الفتحِ الإلهيِّ ، فكونُهَا مِنَ الفتحِ الإلهيِّ لا يَنفي أنَّهَا سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنَّهُ لا فَتْحَ مِنَ اللهِ إلاَّ بواسطةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فالكُلُّ متعبِّدٌ بشريعةِ العبدِ - صلى الله عليه وسلم - ، والفتحُ الإلهيُّ غايتُهُ الاجتماعُ بالنَّبِيِّ والأخذُ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - ، ولاَ مطمعَ لِطامعٍ في أَغْلَى ولا أَعْلَى مِنْ ذلك .

* نبذةٌ مختصرةٌ في علمِ الروحِ وحسابِ الروح :

يبتدئُ الكلامُ في علمِ الأرقامِ أوِ الحسابِ مِنَ ( النُّقْطَةِ ) التي أشرْنَا إليْهَا في مجالسَ سابقةٍ بالنُّقْطَةِ السَّوْدَاءِِ أوِِ النُّقْطَةِ البيضاءِ ، فالنُّقْطَةُ أصلاً إذَا وَضَعْتَ أمامَهَا الرّقمَ ( 1 ) تصبحُ ( 10 ) وهذَا يعني حَرْفَ الياءِ ، وإذَا وَضَعْتَ أمامَهُ نُقْطَتَيْنِ يُصْبِحُ ( 100 ) وهوَ يعني القافَ ، وإذَا وَضَعْتَ أمامَهُ ثلاثَ نقاطٍ يُصْبِحُ ( 1000 ) وهوَ يَعْنِي الغينَ ..

تحقيق :

(1/67)

________________________________________

ويُستفادُ مِنْ دروسٍ أخرى لِسَيِّدِي فَخْرِ الدِّينِ - رضي الله عنه - أنَّ الأصلَ في هذَا الموضوعِ أنَّ جوامعَ الكلِمِ - وهيَ الحروفُ الهجائيةُ - نزلَتْ على الأنبياءِ - عَلَيْهِمُ السلامُ - بأنماطٍ مختلفةٍ طبقاً لِمقتضَياتِ معجِزاتِهمْ ، بمعنى أنَّهَا نزلَتْ - مَثَلاً - على سَيِّدِنَا موسى - عليه السلام - رباعياتٍ على نظامِ العناصرِ الأربعةِ : النارِ والترابِ والهواءِ والماءِ ؛ وذلكَ لِمواجهةِ السحرِ الخارِقِ لِلعادةِ في ذلكَ الزمانِ هكذا :


ا ... ب ... ج ... د

هـ ... و ... ز ... ح

ط ... ي ... ك ... ل

م ... ن ... س ... ع

ف ... ص ... ق ... ر

ش ... ت ... ث ... خ

ذ ... ض ... ظ ... غ


ثُمَّ نزلَتْ على سَيِّدِنَا عيسى - عليه السلام - بالنظامِ الأبجديِّ هكذا :


ا ... ب ... ج ... د ... هـ ... و ... ز ... ح ... ط

ي ... ك ... ل ... م ... ن ... س ... ع ... ف ... ص

ق ... ر ... ش ... ت ... ث ... خ ... ذ ... ض ... ظ

غ


ا ... ب ... ج ... د ... هـ ... و ... ز ... ح ... ط

1 ... 2 ... 3 ... 4 ... 5 ... 6 ... 7 ... 8 ... 9

ي ... ك ... ل ... م ... ن ... س ... ع ... ف ... ص

10 ... 20 ... 30 ... 40 ... 50 ... 60 ... 70 ... 80 ... 90

ق ... ر ... ش ... ت ... ث ... خ ... ذ ... ض ... ض

100 ... 200 ... 300 ... 400 ... 500 ... 600 ... 700 ... 800 ... 900

غ

1000


فإذَا تأمَّلْتَ هذَا النظامَ وجدْتَ العمودَ الأولَ هوَ الذي أشارَ إليْهِ الشَّيْخُ - رضي الله عنه - [ ا - ي - ق - غ ]

[ 1 - 10 - 100 - 1000 ] .

وإليْهَا أشارَ - أيضاً - فقالَ أنَّ :

- الألِفَ وعَدَدُهَا ( 1 ) تشيرُ إلى ألِفِ الأحدية ..

- الياءَ وعَدَدُهَا ( 10 ) تشيرُ إلى ياسينَ - صلى الله عليه وسلم - ..

- القافَ وعَدَدُهَا ( 100 ) تشيرُ إلى قلبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ..

- الغينَ وعَدَدُهَا ( 1000 ) تشيرُ إلى غايةِ الحسابات .

ولَمَّا كانَتْ هذهِ الحروفُ الأربعةُ على رءوسِ الصفوفِ كُلِّهَا تشيرُ إلى


خصائصَ في النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صاحبِ الأخلاقِ القرآنيةِ ..

فعِنْدَمَا سُئِلَ الإمامُ عليٌّ - كرَّمَ اللهُ وجْهَهُ - عَنْ عددِ آياتِ القرآنِ الكريمِ قال :" ( ا ي ق غ ) × 6 " أيْ 1111 × 6 = 6666

(1/68)

________________________________________

وبالجملةِ .. فهذَا العِلْمُ مِنْ أمّهاتِ العلومِ ، ولِذلكَ فهوَ ملحَقٌ بعلومِ الأولياءِ ، ولا بُدَّ أنْ نَذْكُرَ في هذَا المقامِ ذلكَ الحديثَ أوْ تِلْكَ الأحاديثَ والرواياتِ المختلفةِ التي تؤكِّدُ كُلُّهَا أنَّهُ عِلْمٌ سماويٌّ منزلٌ في الكتبِ السماويةِ ، فلْينظرْ مَنْ أرادَ ذلكَ تفسيرَ قولِهِ تعالى {المـ} (1) في تفسيرِ ابنِ كثيرٍ وغَيْرِه ..

وإلَيْكَ ما أَوْرَدَه ابن كثير نقلاً عَنِ ابن إسحاق :

__________

(1) 1- سورة البقرة : 1

(1/69)

________________________________________

عَنِ سَيِّدِنَا ابنِ عبّاسٍ - رضيَ الله عَنْهُمَا - عَنْ سَيِّدِنَا جابرِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابن رئابٍ - رضي الله عنه - أنَّ أبَا ياسرٍ بنَ أَخْطَبَ مَرَّ في رجالٍ مِنْ يهودَ برسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهوَ يتلو فاتحةَ سورةِ البقرة {المـ * ذَلِكَ الْكِتَبُ لا رَيْبَ فِيه} فأتَى أخَاهُ حييَّ بنَ أخطبَ في رجالٍ مِنَ اليهودِ فقالَ :" تَعلمُونَ واللهِ لقدْ سَمِعْتُ مُحَمَّداً يتلو فِيمَا أَنْزَلَ اللهُ تعالى عَلَيْه {المـ * ذَلِكَ الْكِتَبُ لا رَيْبَ فِيه} " فقالَ :" أنْتَ سَمِعْتَهُ ؟! " قالَ :" نَعَمْ " ، فمَشَى حييُّ بنُ أخطبَ في أولئكَ النفرِ مِنَ اليهودِ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالُوا :" يا مُحَمَّدُ .. ألَمْ يُذْكَرْ أنَّكَ تتلو فِيمَا أَنْزَلَ اللُه عَلَيْك {المـ * ذَلِكَ الْكِتَب} ؟ " فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - { بَلَى } ، فقالُوا : " جاءَكَ بهذَا جبريلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ ؟ " فقال { نَعَمْ } ، قالُوا :" لقدْ بَعَثَ اللهُ قَبْلَكَ أنبياءَ ما نَعْلَمُهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مِنْهُمْ ما مُدَّةُ مُلْكِهِ وما أجَلُ أُمَّتِهِ غَيْرَكَ " ، فقامَ حييُّ بنُ أخطبَ وأَقْبَلَ على مَنْ كانَ مَعَهُ فقالَ لَهُمْ :" الألِفُ واحدةٌ ، واللامُ ثلاثُونَ ، والميمُ أربعُونَ : فهذهِ إحدَى وسبعُون سَنَةً ، أفتدخلُونَ في دينِ نبيٍّ إنَّمَا مُدَّةُ مُلْكِهِ وأجَلُ أُمَّتِهِ إحدى وسبعُون سَنَةً ؟! " ..

(1/70)

________________________________________

ثُمَّ أَقْبَلَ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ :" يا مُحَمَّدُ .. هلْ معَ هذَا غَيْرُهُ ؟ " فقال { نَعَم } قالَ :" ما ذاكَ ؟ " قال { {المص} } قالَ :" هذَا أَثْقَلُ وأَطْوَلُ ؛ الألِفُ واحدٌ ، واللامُ ثلاثُونَ ، والميمُ أربعُونَ ، والصادُ سبعُونَ : فهذهِ إحدَى وثلاثُونَ ومائةُ سَنَة .. هلْ معَ هذَا يا مُحَمَّدُ غَيْرُهُ ؟ " قال { نَعَم } قالَ :" ما ذاكَ ؟ " قال { {الر} } قالَ :" هذَا أَثْقَلُ وأَطْوَلُ ؛ الألِفُ واحدةٌ واللامُ ثلاثُونَ ، والراءُ مائتانِ : فهذهِ إحدَى وثلاثُونَ ومائتانِ سَنَة .. فهلْ معَ هذَا يا مُحَمَّدُ غَيْرُهُ ؟ " قال { نَعَم } قالَ :" ما ذاكَ ؟ " قال { {المر} قالَ : هذَا أَثْقَلُ وأَطْوَلُ ؛ الألِفُ واحدةٌ واللامُ ثلاثُونَ ، والميمُ أربعُونَ ، والراءُ مائتانِ : فهذهِ إحدى وسبعُونَ ومائتان ..

ثُمَّ قالَ :" لقدْ لَبَسَ عَلَيْنَا أمرُكَ يا مُحَمَّدُ حتَّى ما نَدرِي أقليلاً أُعْطِيتَ أمْ كثيراً ؟! " ، ثُمَّ قالَ :" قُومُوا عَنْه " ، ثُمَّ قالَ أبُو ياسرٍ لأخِيهِ حييِّ ابنِ أخطبَ ولِمَنْ مَعَهُ مِنَ الأحبارِ :" ما يُدْرِيكُمْ لعلَّهُ قَدْ جُمِعَ هذَا لِمُحَمَّدٍ كُلُّهُ إحدَى وسبعُونَ ، وإحدَى وثلاثُونَ ومائةٌ ، وإحدَى وثلاثُونَ ومائتانِ ، وإحدَى وسبعُونَ ومائتانِ : فذَلِكِ سبعُمائةٌ وأربعُ سِنِينَ ؟! " ، فقالُوا : لقدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أمْرُه (1) .

فذلكَ ولا شكَّ إقرارٌ وتقريرٌ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأصوليَّةِ هذَا العلمِ ..

__________

(1) 1- انْظُرْ تفسير ابن كثير 1/39

(1/71)

________________________________________

ثُمَّ واصَلَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - ما يفيدُ أنَّ الأصلَ في هذَا البابِ إنَّمَا هوَ نقطةُ الباءِ ، وهيَ كنايةٌ عَنِ الذّاتِ العليّةِ ، فإذَا أردْتَ أنْ تكتبَ أَلِفاً فلاَ بُدَّ أنْ تَضَعَ القلمَ لِتَضَعَ نقطةً ثُمَّ نقطةً أخرى حتَّى يتمَّ الألِفُ ، فكانَ الأصلُ في الوجودِ هوَ النقطةُ ، ومِنْهَا ظهرَ الألِفُ المعبِّرُ عَنْ أَلِفِ الأحديّةِ ، فكانَ الواحدُ سرَّ مرتبةِ الواحديّةِ أوِ الأحديّةِ أوِ الوتريّةِ ، وكانَ الاثْنَيْنُ ( ب ) سِرَّ مَرْتَبَةِ الزَّوْجِيّةِ ، فإذَا أضفْتَ النُّقْطَةَ صارَتْ 20 بمعنى ( ك ) ، وإذَا أضفْتَ نقطتَيْنِ صارَتْ 200 بمعنى ( ر ) ، وكانَ الثلاثةُ ( ج ) سرَّ مرتبةِ تعريفِ الوجودِ .

ثُمَّ واصَلَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - كلامَهُ عَنِ العلاقةِ بَيْنَ الحَرْفِ والعَدَدِ فأبانَ فضيلتُهُ أنَّ ذلكَ ظاهرٌ حتَّى في أيامِ الأسبوعِ حَيْثُ أنَّ الأحدَ يعني 1 في الأرقامِ ، الاثنينُ في الأيامِ يعني 2 في الأرقامِ ، الثلاثاءُ في الأيامِ يعني 3 في الأرقامِ ، الأربعاءُ في الأيامِ يعني 4 في الأرقامِ ، الخميسُ في الأيامِ يعني 5 في الأرقامِ ، نريدُ أنْ نجمعَهمْ ( الجمعةُ ) ، ثُمَّ نَضعُهمْ في سبتٍ ( أيْ سبت ) ..

تحقيق :

ذكرَ صاحبُ " لسانِ العربِ " ما نَصُّهُ : والسبتُ مِنْ أيامِ الأسبوعِ ، وإنَّمَا سُمِّيَ السابعُ مِنْ أيامِ الأسبوعِ " سبتاً " لأنَّ اللهَ تعالى ابتدأَ الخلْقَ فيهِ وقطعَ فيهِ بَعْضَ خَلْقِ الأرضِ ..

ثمَّ قالَ ابن منظور : وفي المحكمِ : وإنَّمَا سُمِّيَ " سبتاً " لأنَّ ابتداءَ الخلْقِ كانَ مِنْ يومِ الأحدِ إلى يومِ الجمعةِ ، ولمْ يَكُنْ في السبتِ شيءٌ مِنَ الخَلْقِ .. ا.هـ .

والسبتُ - أيضاً - في " لسانِ العربِ " هوَ الراحةُ والسكون .

(1/72)

________________________________________

ثُمَّ تابَعَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - كلامَهُ فقالَ ما معناهُ أنَّ حروفَ ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه ) كُلَّهَا ثلاثةٌ بِغَيْرِ تكرارٍ : هيَ الألِفُ واللامُ والهاءُ ( إِلَه ) بمعنى المعبودِ الثابتِ ؛ فالإلهُ الثابتُ ينفي الإلهَ الْمُخْتَرَعَ حَيْثُ توجَدُ إلهاتٌ


مخترعةٌ كثيرة (1) .

__________

(1) 1- هو جَمْع عربيّ صحيح كَمَا ورد علي لسان سيدِي فخر الدين - رضي الله عنه - ..

وجاء في " لسان العرب " : وقدْ سَمَّت العربُ الشمسَ لمَّا عبدوها " إلاهَةً " .. =

= والأُلَهةُ : الشمسُ الحارَّةُ .. حُكِي عن ثعلب .

والأَلِيهَةُ والأَلاهَةُ والإلاهَةُ وأُلاهَةُ : كلُّه الشمسُ اسم لها الضم في أَوَّلها .. عن ابن الأَعرابي .

وقال ابن سيده : والإلاهَةُ والأُلُوهة والأُلُوهِيَّةُ : العبادة ، وكانت العرب في الجاهلية يَدْعُونَ معبوداتهم مِن الأَوثان والأَصنام " آلهةً " ، وهي جَمْع " إلاهة " ؛ قال الله عزّ وجلّ {وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَك} وهي أَصنام عَبَدَها قوم فرعون معه .. ا.هـ .

قُلْتُ : فتكون الإلاهات المخترعة بمعني العبادات المخترعة ، وهي النِّحَل كَمَا ورد عن سيدِي فخرالدين - رضي الله عنه - في غَيْر موضع ، وهذَا المعني أَبْلَغ مِنْ كونِهَا معبوداتٍ ، فتعالى الله أنْ يَكون معه معبود على التحقيق وغيره ؛ بل هي عبادات باطلة أرادوا أن يُلْبِسُوهَا ثوب الحقّ لِغلبة الهوى على أحوالهم .

(1/73)

________________________________________

فالمَعْنَى في ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ) استعاذةٌ بالمعبودِ الثابتِ ، ليسَ معنى ( لاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ ) لا معبودَ إلاَّ اللهُ ؛ وإنَّمَا المعنى : لا معبودَ بِحَقٍّ في الوجودِ إلاَّ اللهُ ، لا مقصودَ بحقٍّ في الوجودِ إلاَّ اللهُ ، لا موجودَ بحقٍّ إلاَّ اللهُ ، ولكنَّ الرؤساءَ - أيْ أكابرَ الأولياءِ - يُحِبُّونَ الذِّكْرَ بالاسمِ ( الله ) ؛ وذلكَ لأنَّهمْ في حضرةِ المشاهدة {إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة} (1) لا يعترفونَ بمقتضى هذهِ الحَضْرَةِ بوجودِ غَيْرِ الله {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون} (2) .

أمّا الشقُّ الثاني أوِ الشطرُ الثاني مِنْ كلمةِ التوحيدِ : فهوَ ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه ) ، وهُنَا تجدُ ربَّ العزةِ سبحانَهُ وتعالى يخاطِبُ جميعَ الأنبياءِ بأسمائِهمْ في النداءِ إلاَّ رسولَ اللهِ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - يخاطبُهُ بالتشبيهِ أوْ بالإضافةِ لِيفيدَ ذلكَ التشريفَ والتعليةَ مِنَ اللهِ لِرسولِهِ - صلى الله عليه وسلم - {يَأَيُّهَا النَّبِىّ} {يَأَيُّهَا الرَّسُول} {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار} (3) .

ومِنَ الغراباتِ الشديدةِ كونُهُ - صلى الله عليه وسلم - رسولاً في كُلِّ المَواطنِ وإلى كُلِّ

__________

(1) 1- سورة القيامة : 23

(2) 2- سورة الأنعام : 91

(3) 3- سورة الفتح : 29

(1/74)

________________________________________

المَواطنِ ؛ لأنَّ ربَّهُ خاطَبَهُ قائلا {وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَلَمِين} (1) والعالَمونَ هُمْ كُلُّ ما سِوَى اللهِ ، فمِمّا لا شكَّ فيهِ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رسولُ اللهِ إلى ملائكةِ العرشِ وملائكةِ الفلكِ والروحانيِّ ولِلأنبياءِ والرسلِ ولِلبشرِ على الإطلاقِ وإلى الجنِّ ، فالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رسولٌ على الإطلاقِ ، ولفظةُ ( رسول ) تعني مطلَقَ الرسالةِ وذلكَ في حقِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاس} (2) .

أمّا تسميتُهُ بِـ" العبدِ " : فهيَ آخِرُ الاحتراماتِ ( علشانْ ) هوَ العبدُ الوحيدُ لِلَّهِ ، وكُلُّ المخلوقاتِ بَعْدَ ذلكَ متعبِّدُونَ بشريعةِ العبدِ ؛ فلِذلكَ كانَ هوَ الأمَّ بمعنى الأصلِ الأولِ لِلصنفِ البشريِّ على الإطلاق .

__________

(1) 1- سورة الأنبياء : 107

(2) 2- سورة سبأ : 28

(1/75)

________________________________________

- ومِنْ عظمةِ التشريفِ الإلهيِّ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنْ رفعَ لهُ ذكرَهُ بأنَّهُ لا يُذْكَرُ اسمُ اللهِ إلاَّ يُذْكَرُ معهُ اسمُ حبيبِهِ - صلى الله عليه وسلم - ، حتَّى إنَّ اللهَ تعالى أَدَّبَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صحابتَهُ الكرامَ حَيْثُ علَّمَهمْ أنَّهُ مَنْ أرادَ أنْ يحبَّهُ اللهُ فلْيَتَّبِعْ رسولَهُ - صلى الله عليه وسلم - ، ولقدْ حَدَثَ أنَّ صحابيّاً تَأَخَّرَ عَنْ مجلسِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فسألَهُ عَنْ ذلكَ فقال : " وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً مَا فَعَلْتُ شَيْئاً يُغْضِبُ اللَّهَ ، وَلَكِنَّ كَثْرَةَ مَحَبَّةِ اللَّهِ شَغَلَتْنِي عَنْك " فقالَ لهُ - صلى الله عليه وسلم - { ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ .. أَلَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّ مَحَبَّتِي هِيَ مَحَبَّةُ اللَّهِ ، وَمَحَبَّةَ اللَّهِ هِيَ مَحَبَّتِي } ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ إِن كَنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّه} (1) .

وهُنَا خَيْطٌ دقيقٌ وسِرٌّ يَكمنُ في أنَّهُ يمكنُ أنْ تحبَّ زيْداً مِنَ الناسِ وهوَ مُعرِضٌ عنكَ ، ويمكنُ أنْ يحبَّ رجلٌ ربَّنَا جلَّ وعلاَ ولكنَّهُ لا يحبُّهُ ، أمَّا إذَا أحببْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فلاَ بُدَّ حتماً أنْ يحبكَ اللهُ ؛ وهيَ نكتةٌ في غايةِ الرقةِ واللطافةِ ، فتأَمَّلْهَا .

__________

(1) 3- سورة آل عمران : 31

(1/76)

________________________________________

ونَخْلُصُ إلى أنَّهُ مَنْ يطعِ الرسولَ فقدْ أطاعَ اللهَ ، فالوصلُ في الشهادتَيْنِ أوْ في كلمةِ التوحيدِ وصلٌ حتميٌّ ضروريٌّ ، والفصلُ غَيْرُ مقبولٍ ، فَكُنْ يَا أخِي مِمَّنْ يَصِلُونَ مَا أمرَ اللهُ بهِ أنْ يُوصَلَ ، واحْذَرْ أنْ تَكونَ مِمَّنْ يَقطعُونَ مَا أمَرَ اللهُ بهِ أنْ يوصَلَ ؛ فإنَّمَا يريدُ اللهُ - جَلَّ مرادُهُ وعَلاَ - أنْ تَصِلَ بَيْنَ شَطْرَيْ كلمةِ التوحيدِ بقولِ ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه ) .

تدقيق :

وقدْ وردَ الحديثُ المذكورُ آنفاً عَنْ سَيِّدِنَا الحسنِ وابنِ جريجٍ أنَّ آية {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّه} نزلَتْ في قومٍ مِنْ أهلِ الكتابِ قالوا :" نحنُ الذينَ نحبُّ ربَّنا " (1) ، بلْ ورُوِيَ أنَّ المسلمينَ قالوا :" يَا رَسُولَ اللَّهِ .. وَاللَّهِ إِنَّا لَنُحِبُّ رَبَّنَا " فأَنزلَهَا اللّهُ عَزَّ وجَلّ (2) .




مشاركة المقال
mohamed fares
@كاتب المقاله
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع برهانيات كوم .

مقالات متعلقة

إرسال تعليق



Seoplus جميع الحقوق محفوظة ل برهانيات كوم