- لا إلهَ إلاَّ اللهُ : معروفةٌ بالأصلِ - وسيأتي الكلامُ في بعضِ معانيها - أمّا عَدَدُهَا فهوَ مائةُ مَرّةٍ ، والأعدادُ - كَمَا سبقَ في المقدمةِ - توقيفيةٌ أيْ لا بُدَّ مأخوذةٌ عَنِ الشرعِ الحنيفِ ومِنَ الشارعِ - صلى الله عليه وسلم - ، فالمطلوبُ هوَ الالتزامُ بالعَدَدِ المكتوبِ ؛ لأنَّهُ سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
- سُئِلَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - في هذَا الموضعِ عَنِ السِّرِّ في العَدَدِ ( لا إلهَ إلاَّ اللهُ ) مائةَ مرّةٍ فأرادَ - رضي الله عنه - أنْ يعطيَ نفحةً في علاقةِ العَدَدِ والحَرْفِ - أوْ ما يُعرَفُ في المصطلَحِ بـ" حسابِ الْجُمَّلِ " أوْ " حسابِ الأرواحِ " - فقالَ - رضي الله عنه - ما يفيدُ ما يلي :
* يَقُولُ المشايخُ عادةً :" هذَا عَدَدُهُ كَذَا ، وهذَا عَدَدُهُ كَذَا ... " ، فَعَلَى المريدِ الالتزامُ بالعَدَدِ المكتوبِ ؛ لأنَّهُ سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ..
تحقيق :
__________
(1) 1- انْظُرْ ترغيب الطّالب .
(1/66)
________________________________________
قولُهُ - رضي الله عنه - " إنَّ العَدَدَ المكتوبَ سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " يعني - واللهُ أعلمُ - سواءٌ وَرَدَ في السُّنَّةِ المنقولةِ المدوَّنةِ أوْ غَيْرِ المدوَّنةِ ؛ لأنَّهُ سبقَ في المقدِّمةِ قولُ العلاّمةِ الصّاويِّ - رضي الله عنه - أنَّ أورادَ العارفينَ لا تخلو مِنْ كونِهَا مِنَ الكتابِ أوِ السُّنَّةِ أوِ الفتحِ الإلهيِّ ، فكونُهَا مِنَ الفتحِ الإلهيِّ لا يَنفي أنَّهَا سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنَّهُ لا فَتْحَ مِنَ اللهِ إلاَّ بواسطةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فالكُلُّ متعبِّدٌ بشريعةِ العبدِ - صلى الله عليه وسلم - ، والفتحُ الإلهيُّ غايتُهُ الاجتماعُ بالنَّبِيِّ والأخذُ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - ، ولاَ مطمعَ لِطامعٍ في أَغْلَى ولا أَعْلَى مِنْ ذلك .
ثُمَّ واصَلَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - كلامَهُ عَنِ العلاقةِ بَيْنَ الحَرْفِ والعَدَدِ فأبانَ فضيلتُهُ أنَّ ذلكَ ظاهرٌ حتَّى في أيامِ الأسبوعِ حَيْثُ أنَّ الأحدَ يعني 1 في الأرقامِ ، الاثنينُ في الأيامِ يعني 2 في الأرقامِ ، الثلاثاءُ في الأيامِ يعني 3 في الأرقامِ ، الأربعاءُ في الأيامِ يعني 4 في الأرقامِ ، الخميسُ في الأيامِ يعني 5 في الأرقامِ ، نريدُ أنْ نجمعَهمْ ( الجمعةُ ) ، ثُمَّ نَضعُهمْ في سبتٍ ( أيْ سبت ) ..
(1) 1- هو جَمْع عربيّ صحيح كَمَا ورد علي لسان سيدِي فخر الدين - رضي الله عنه - ..
وجاء في " لسان العرب " : وقدْ سَمَّت العربُ الشمسَ لمَّا عبدوها " إلاهَةً " .. =
= والأُلَهةُ : الشمسُ الحارَّةُ .. حُكِي عن ثعلب .
والأَلِيهَةُ والأَلاهَةُ والإلاهَةُ وأُلاهَةُ : كلُّه الشمسُ اسم لها الضم في أَوَّلها .. عن ابن الأَعرابي .
وقال ابن سيده : والإلاهَةُ والأُلُوهة والأُلُوهِيَّةُ : العبادة ، وكانت العرب في الجاهلية يَدْعُونَ معبوداتهم مِن الأَوثان والأَصنام " آلهةً " ، وهي جَمْع " إلاهة " ؛ قال الله عزّ وجلّ {وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَك} وهي أَصنام عَبَدَها قوم فرعون معه .. ا.هـ .
قُلْتُ : فتكون الإلاهات المخترعة بمعني العبادات المخترعة ، وهي النِّحَل كَمَا ورد عن سيدِي فخرالدين - رضي الله عنه - في غَيْر موضع ، وهذَا المعني أَبْلَغ مِنْ كونِهَا معبوداتٍ ، فتعالى الله أنْ يَكون معه معبود على التحقيق وغيره ؛ بل هي عبادات باطلة أرادوا أن يُلْبِسُوهَا ثوب الحقّ لِغلبة الهوى على أحوالهم .
(1/73)
________________________________________
فالمَعْنَى في ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ) استعاذةٌ بالمعبودِ الثابتِ ، ليسَ معنى ( لاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ ) لا معبودَ إلاَّ اللهُ ؛ وإنَّمَا المعنى : لا معبودَ بِحَقٍّ في الوجودِ إلاَّ اللهُ ، لا مقصودَ بحقٍّ في الوجودِ إلاَّ اللهُ ، لا موجودَ بحقٍّ إلاَّ اللهُ ، ولكنَّ الرؤساءَ - أيْ أكابرَ الأولياءِ - يُحِبُّونَ الذِّكْرَ بالاسمِ ( الله ) ؛ وذلكَ لأنَّهمْ في حضرةِ المشاهدة {إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة} (1) لا يعترفونَ بمقتضى هذهِ الحَضْرَةِ بوجودِ غَيْرِ الله {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون} (2) .
أمّا الشقُّ الثاني أوِ الشطرُ الثاني مِنْ كلمةِ التوحيدِ : فهوَ ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه ) ، وهُنَا تجدُ ربَّ العزةِ سبحانَهُ وتعالى يخاطِبُ جميعَ الأنبياءِ بأسمائِهمْ في النداءِ إلاَّ رسولَ اللهِ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - يخاطبُهُ بالتشبيهِ أوْ بالإضافةِ لِيفيدَ ذلكَ التشريفَ والتعليةَ مِنَ اللهِ لِرسولِهِ - صلى الله عليه وسلم - {يَأَيُّهَا النَّبِىّ} {يَأَيُّهَا الرَّسُول} {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار} (3) .
ومِنَ الغراباتِ الشديدةِ كونُهُ - صلى الله عليه وسلم - رسولاً في كُلِّ المَواطنِ وإلى كُلِّ
__________
(1) 1- سورة القيامة : 23
(2) 2- سورة الأنعام : 91
(3) 3- سورة الفتح : 29
(1/74)
________________________________________
المَواطنِ ؛ لأنَّ ربَّهُ خاطَبَهُ قائلا {وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَلَمِين} (1) والعالَمونَ هُمْ كُلُّ ما سِوَى اللهِ ، فمِمّا لا شكَّ فيهِ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رسولُ اللهِ إلى ملائكةِ العرشِ وملائكةِ الفلكِ والروحانيِّ ولِلأنبياءِ والرسلِ ولِلبشرِ على الإطلاقِ وإلى الجنِّ ، فالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رسولٌ على الإطلاقِ ، ولفظةُ ( رسول ) تعني مطلَقَ الرسالةِ وذلكَ في حقِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاس} (2) .
تعليقات: 0
إرسال تعليق