- ثانياً : عَرَفْنَا أنَّ جوامعَ الكلِمِ التي أُوتِيَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هيَ وحدةُ الكلامِ عِنْدَ المخلوقاتِ التي لَهَا صوتٌ ، وعَرَفْنَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - طالَمَا أنَّ المسلِمَ أوِ المؤمِنَ على عهدِهِ ووعدِهِ فإنَّ الأولياءَ - رضي الله عنهم - يتلقَّوْنَ العلومَ مباشرةً مِنْ حضرةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وهوَ - صلى الله عليه وسلم - الذي اخْتُصِرَ لهُ الكلامُ اختصاراً ، فمِنْ هذهِ المشكاةِ يَقتبِسُ المشايخُ - رضي الله عنهم - أسرارَ الحروفِ المعجمةِ وعلومَهَا واشتقاقاتِهَا ثُمَّ يُعَلِّمُونَهَا لأُمَّةِ الحبيبِ - صلى الله عليه وسلم - لِكَيْ يواجِهُوا بِهَا ويحارِبُوا بِهَا إبليسَ وحِزْبَهُ ، فكُلُّ واحدٍ مِنَ السادةِ الأكابرِ أَطْلَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - على سِرٍّ مِنْ أسرارِ القرآنِ يَجعلُهُ مركَّباً مِنْ جوامِعِ الكلِمِ فيصيرُ صياغةً صالحةً لِنَفْعِ الجنسِ البشريِّ ..
ولِلَّهِ درُّ سَيِّدِي فَخْرِ الدِّينِ - رضي الله عنه - إذْ يقول :
فإنْ قالَ قائلٌ : وهلْ يمكنُ أنْ يَرى الوليُّ الحيُّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقظةً بَعْدَ أنِ انتقلَ - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيقِ الأعلى في هذهِ الدارِ الدنيا بلْ ويعطيَهُ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ
علومِهِ وأنوارِهِ أيضاً ؟!!
فالجوابُ وباللهِ التوفيقُ : أنَّ آياتِ الكتابِ وأحاديثَ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - ناطقةٌ بمثلِ ذلكَ لِمَنْ فتحَ اللهُ لهُ غَلْقَ قلبِهِ ؛ انظرْ إنْ شئْتَ قولَهُ تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيما} (1) وقولَهُ - صلى الله عليه وسلم - { حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ : تُحْدِثُونَ وَنُحْدِثُ لَكُمْ ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ : تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ : فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُم } (2) .
وقدْ نَصَّ جماعةٌ مِنْ أئمَّةِ الإسلامِ على أنَّ مِنْ كرامةِ الوليِّ أنْ يَرَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في اليقظةِ ويأخذَ عَنْهُ مَا شاءَ اللهُ لهُ مِنْ مَعارِفَ ومَواهبَ ، مِنُهُمُ : الغزاليُّ والبارزيُّ والتاجُ السُّبكيُّ والعفيفُ اليافعيُّ والجلالُ السّيوطيُّ والقرطبي المالكيُّ وابنُ أبي جمرةَ وابنُ الحاجِّ والفقيهُ ابنُ العربيِّ المالكيُّ والعزُّ بنُ عبدِ السّلامِ وغَيْرُهمُ الكثيرُونَ - رضي الله عنهم - ، ولِلجلالِ السّيوطيِّ - رضي الله عنه - مؤلَّفٌ اسمُهُ " تنويرُ الحلكِ في جوازِ رؤيةِ النَّبِيِّ والْمَلَكِ " ضَمَّنَهُ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - مجموعَهُ المسمَّى " تبرئةَ الذِّمَّةِ في نصحِ الأُمَّة " .
__________
(1) 1- سورة النِّسَاء : 64
(2) 2- رواه البزّار 5/308
________________________________________
وعَلَيْهِ فيُنْظَرُ لِمَا جاءَ بهِ الوليُّ الصالحُ مِنْ أورادٍ على أنَّهُ مِنْ عطاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا أفاضَ عَلَيْهِ بهِ ربُّهُ جَلَّ وعَلاَ ، ولَيْسَ على المريدِ أوِ الباحثِ إلاَّ أنْ يَتيقَّنَ مِنْ صحَّةِ ورودِ ذلكَ عَنِ الثقاتِ - رضي الله عنهم - حتَّى يَصِلَ السندُ إلى منتهاهُ عِنْدَ صاحبِ الوِرْدِ ثُمَّ ينظرَ فيهِ عِنْدَ العُدُولِ مِنْ أهلِ عصرِهِ : فإنْ كانَ مِمَّنْ يؤخَذُ عَنْهُ ويُعتمَدُ عَلَيْهِ فذلكَ المرادُ ، واللهُ أَعْلَم .
تعليقات: 0
إرسال تعليق