- إذَا جعلْتَ الاسمَ ( الله ) فاعلاً و( الرَّحْمَن الرَّحِيم ) مفعولاً بهِ تَجِدُ أنَّ ( بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) جمعَتْ كُلَّ ما سِوَى الله .
تدقيق :
التقديرُ في البسملةِ مِنْ بابِ اللغةِ : أبدأُ باسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ، والتقديرُ كَمَا تَأَوَّلَهُ الشَّيْخُ - رضي الله عنه - : بدأَ اللهُ الرحمنَ الرحيمَ ؛ بمعنى أنَّ اللهَ جلَّ وعلاَ عِنْدَمَا أرادَ أنْ يبدأَ الْخَلْقَ أَوْدَعَ أسرارَهُ - أيْ الاسمِ اللهِ - أولَ ما أَوْدَعَ في ( الرحمنِ الرحيمِ ) ، ويؤيِّدُهُ قولُهُ تعالى {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيد} (2) ، فاللهُ فاعلٌ نحويّاً وفعّالٌ - معنىً - لِمَا يريدُ ، فأرادَ - أيْ أَحَبَّ - الظهورَ فظهرَ في ( الرحمنِ ) المستوِي على العرشِ الذي احتوى حِيَاضاً بفيضِ أنوارِهِ - صلى الله عليه وسلم - متدفقةً و( الرحيمِ ) المرسَلِ رحمةً لِلعالَمينَ و{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيم} (3) ، واللهُ أعلى وأعلم .
__________
(1) 2- سورة الأعراف : 205
(2) 1- سورة البروج : 16
(3) 2- سورة التَّوْبَة : 128
(1/57)
________________________________________
- وقيلَ : إنَّ أربعةَ أنهارٍ تنبعُ مِنَ الجنةِ هيَ : سيحونُ وجيحونُ والنيلُ والفراتُ ، فإذَا تأمَّلْتَ في حروفِ البسملةِ وجدْتَ الميمَ في ( بسمِ ) والهاءَ في ( اللهِ ) والميمَ في ( الرحمنِ ) والميمَ في ( الرحيمِ ) ويقالُ لها النُّقَطُ البيضاءُ ، فهيَ أربعُ حلقاتٍ وردَ أنَّ مِنْ كُلِّ واحدةٍ منها نَبَعَ بحرٌ مِنَ الأربعةِ وهيَ في الجَنَّة .
تحقيق :
وهذَا معنى حديثٍ مرويٍّ بطولِهِ في تفسيرِ " روحِ البيانِ " وفي " دقائقِ الأخبارِ " ، وذكرَهُ صاحبُ " خزينةِ الأسرارِ " في صفحة 86 ، وقدْ سبقَ الكلامُ عليْهِ في البسملةِ في خاتمِ الصلواتِ ، فارْجِعْ إلَيْه .
تدقيق :
- عَنْ سَيِّدِنَا أبِي هريرةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - { سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّة } (1) .
- وعَنْ سَيِّدِنَا أبِي هريرةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - { فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ : الْفُرَاتُ وَالنِّيلُ وَسَيْحَانُ وَجَيْحَان } (2) .
__________
(1) 1- رواه مسلم 4/2183
(2) 2- رواه الإمام أحمد في مسنده 2/260 ، وإسناده حَسَن .
(1/58)
________________________________________
- ذكرَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - في هذَا المقامِ حديثَ سَيِّدِنَا جابرٍ - رضي الله عنه - الذي يَقُولُ فيه :" كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسِيرٍ فَأَتَى عَلَى قَبْرَيْنِ يُعَذَّبُ صَاحِبُهُمَا فَقَال { إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ؛ أَمَّا أَحَدُهَمَا فَكَانَ يَغْتَابُ النَّاسَ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لاَ يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِه } فَدَعَا بِجَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ جَرِيدَتَيْنِ فَكَسَرَهُمَا ثُمَّ أَمَرَ بِكُلِّ كِسْرَةٍ فَغُرِسَتْ عَلَى قَبْرٍ وَقَال { أَمَا إِنَّهُ سَيُهَوَّنُ مِنْ عَذَابِهِمَا مَا كَانَتَا رَطْبَتَيْن [ أو : مَا لَمْ تَيْبَسَا ] } (1) ..
وأَكْمَلَ سَيِّدِي فَخْرُ الدِّينِ معنى الحديثِ بلفظِهِ - رضي الله عنه - فقالَ ما معناهُ : وعِنْدَمَا رجعَ مارّاً عليهما ضَحِكَ ، فسُئِلَ عَنْ ذلكَ فأخبرَ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا فعلَهُ معهُمَا سابقاً ثُمَّ أَخْبَرَ أنَّهُ لَمَّا رجعَ مِنَ الجهادَ وجدَ اللهَ قدْ رفعَ عَنْهُمَا العذابَ فسألَ جبريلَ - عليه السلام - عَنْ ذلكَ فأَخبرَهُ أنَّ اللهَ قالَ إنَّ لَهُمَا ابْنَيْنِ صغيرَيْنِ ذهبَا لِيتعلَّمَا فلَقَّنَهما المعلِّمُ ( بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ) فاستحيا اللهُ مِنَ الولدَيْنِ أنْ يُعَذِّبَ أبوَيْهِمَا فرَفَعَ عَنْهُمَا العذاب .
تدقيق :
قُلْتُ : وجدْتُ ما ذَكَرَهُ شَيْخِي الإمامُ فَخْرُ الدِّينِ - رضي الله عنه - مدوَّناً مرويّاً في " خزينةِ الأسرارِ " في صفحة 89 في المسائلِ المتعلقةِ بأحوالِ البسملةِ الشريفة .
__________
(1) 3- رواه ابن أبي الدُّنْيَا في الصَّمْت وأبو العبّاس الدّغوليّ في كتاب الآداب بإسناد جَيِّد ، وهو في الصّحيحَيْن مِنْ حديث سَيِّدِنَا ابن عبّاس رضيَ اللهُ عَنْهُمَا ، وفِي مسند الإمام أحمد والطّبرانيّ .
تعليقات: 0
إرسال تعليق