كانت ساحته روضة للنفوس وجنة للأرواح يغمرها النور وتحفُّ بها الرحمة فلا يحس طا لب أنه بعيد عن غايته ومطلبه أو غريب عن داره وموطنه بل هو بين أهله وعشيرته تتعارف الأرواح فتتألف فى إصغاء تام لكلمات الدرس وأنوار حروفه تهدى إلى الحق وتكشف الرموز فى إشارات الصوفية وتفك طلاسم القرآن وتنسب كل قوة من قوى الإنسان إلى الطبيعة الغالبة عليه فى أسلوب بديع يجمع بين الدعوة ، وحال الداعى يسبق خطابه إلى القلوب قبل الاسماع لا يأتى سائل عن مسألة إلا أثلجت صدره الإجابة وخرجت به من هواجس الفكر وعوارض الأوهام إلى برد اليقين ومعارف المؤمنين ·
وكان رضى الله عنه يتنزل للصغير لا يكلفه أعلى المكان ويرتقى بطالب العلم إلى درجات كمال المعرفة وسلامة الإدراك لا يمل مجالسه ولو أمضى الساعات الطوال :
وعمر النسر معكم بعض يوم وساعة غيركم عام فعام
وكان رضى الله عنه حجة دامغة على أهل الزيغ وإفساد عقائد المسلمين الذين يتبعون الأهواء فى تفسير الخطاب الإلهى فى كتاب الله وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيفا قاطعا لمن سولت لهم أنفسهم وأوحى إليهم شيطانهم ليهدموا أركان الإيمان ويقطعوا ما أمر الله به أن يوصل والأمثلة فى هذا المضمار كثيرة يضيق عنها المجال ولا يحصرها العد وفيما نذكره للاعتبار كفاية فى الاستدلال على وسع إمامنا وإحاطته بالعلوم والمعارف وأحوال القلوب :
قدم عليه رجل مفتون بآراء طائفة من الضالين بحفظ النصوص الذين يحسبون أنهم على شئ إلا أنهم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان {ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} قال هذا الرجل : أيها الشيخ إن الحديث قد أخبرنا أن بنى إسرائيل افترقوا على اثنين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاثةٍ وسبعين فرقة كلها فى النار إلا واحدة وهى من كانت على ما كان هو عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده ويؤخذ منه أن المتصوفة وأصحاب المذاهب هم الاثنان والسبعون والجماعة الذين ينتمى إليهم هم الفرقة الناجية · وفى لطف وأدب جم بادره شيخنا العارف وأستاذنا المربى : ما هكذا يا سعد تورد الإبل بل إنكم قد أخذتم اللفظ وتركتم المعنى المقصود تمرون الديار ولم تعوجوا · فيم اختلفت بنوا إسرائيل ؟ إنهم اختلفوا فى التوحيد وفرقوا دينهم وتشيعوا طوائفا وفرقا · أما علماء المذاهب وأهل التصوف وأهل الذكر والفكر الصحيح الثاقب فقد حرروا العقائد ودفعوا أهل البدع والضلالات بالأدلة والبراهين ، قفوا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار أصحابه رضى الله عنهم استنبطوا لهذه الأمة أحكام الشريعة من أدلتها فهم القدوة للعاملين وحجة الله على العارفين اختارهم الله لخدمة الدين والدعوة إلى سلوك سبيل اليقين : {قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى} فارجع يا أخى عن هذا الفهم الذى ينحرف بك عن سبيل المؤمنين ويقودك إلى موارد الضالين الهالكين · فاهتدى الرجل بهذا القول الحسن وفارق أهل الضلا لة من لحظته :
ويعرف عنى من هدى الله قلبه ويعزف عن حبى طريد الهداية
ألا فخذوا عني الأحاد معنعنا أصــح روايات الحديث روايتى
كان رضى الله عنه كثير العناية ببيان معانى الحديث النبوى الشريف (العلماء ورثة الأنبياء) فى تركيز على المقصود وبناء على قاعدة (أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم) فالعلماء هم الذين أخذوا أنفسهم بزمام تقوى الله فى المراتب الثلاثة الإسلام والإيمان والإحسان فاكتمل فيهم الدين وتفضل عليهم ربهم بجزاء الإحسان فأورثهم أنوار الهداية إليه والدلالة عليه · فما كان من أخلاق الأنبياء كان لهم حظا موروثا يمشون به بين الناس رحمة من الله ومنه :
فعالمنا منهم نبى ومن دعــا إلى الحق منا قائم بالوسيلــة
وعارفنا فى وقتنا الأحمدى من أولى العزم منهم آخذ بالعزيـمة
وما كان منهم معجزا كان بعـده كرامة صديق له أو خليـفــة
وعلماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل شاهد على رفعة منازلهم وعلى وجوب محبتهم دون تفرقة بينهم بقبول البعض وردِّ البعض الآخر {لا نفرِّق بين أحد من رسله} فكذلك لا نفرِّق بين أحد من أوليائه وقد أشرب أرواح أتباعه محبة أهل الله رضى الله عنه لأنه يعرف منازلهم :
وأعرف أقدار الرجال جميعهم ولكنهم ضلوا إبتداء مكانتى
أما النبوة والرسالة فهما موطن العزة والحمى المنيع الذى لايرام بعد ختام المرسلين وسيدالأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ·
تعليقات: 0
إرسال تعليق