برهانيات كوم / الطريقة البرهانية
زاوية بورتسودان
عروس البحر الأحمر التي لم تـتـزين بعد، سافرت إليها وأنا أحلم أن أرى مادرسته فـي كتاب الجغرافيا عن ميناء السودان الشقيق على أرض الواقع، وزاد رغبتي فـي السفر أني علمت كم قضى فيها مولانا فخر الدين رضي الله عنه من وقت وحدثني عن ذلك أحد الأمناء والمريدين الأوائل، فقد صحبت الشيخ صالح أمين رحمه الله وكنت ألازمه، فأنا أريد أن أستفيد من الرجل الذي ندر أن تجد مثله ألاحقه بتساؤلاتي وخواطري وهو يجيب فـي سعة صدر وحلم نادرين ووصفه سيدي فخر الدين رضي الله عنه بأنه إسم على مسمى فهو صالح وأمين، وقد حكى لي أن مولانا زار بور سودان أكثر من مرة وأقام فيها وكان يقرأ الأوراد حتى إذا غلبه النوم دخل فـي مياه البحر حتى منتصف جسده ليضرب المثال للذاكرين كيف تكون المحافظة على الأوراد هدفا للذاكرين، وذات مرة سألته عن قصة بناء الزاوية وآن ذاك لم تكن هناك غير الزاوية القديمة الواقعة فـي منطقة أبوحشيش، فأطرق مليا ثم قال: كان الأحباب فـي ذلك الوقت عدد بسيط يكاد أن يتجاوز أصابع اليدين من الموظفين البسطاء وكنا نلتقي فـي منزلي لإقامة الحضرة وفـي أحد المرات طرحنا موضوع إقامة زاوية على أن يدفع كل منا مبلغ خمسة قروش كل شهر من راتبه لشراء قطعة أرض ثم البناء عليها وبحسبة بسيطه اتضح لنا أن هذا الموضوع سوف يأخذ زمنا طويلا فقلت لهم إن منزلي هذا كبير نقتطع نصف الأرض لبناء الزاوية وأعيش انا وأولادي فـي النصف الآخر فقالوا إذا كان الأمر كذلك فلتكن أنت أمين الصندوق حتى إذا كانت الحصيلة كافية نشرع فـي البناء ووافقت بعد عناء بين الرفض وإقناع الآخرين، وبعد الحضرة آويت إلى فراشي ولم تكد رأسي تجد طريقها إلى الوسادة حتى جاء سيدي إبراهيم الدسوقي وسألني أنت أمين الصندوق المسؤل عن حفظ الأموال للزاوية؟ فأجبت على الفور نعم، فقال لي كن حذرا فـي صرف هذه الأموال وإياك أن تضيع مليم واحد فـي غير وجهته الصحيحة،فقمت من نومي مذعورا وماأن التقيت بالإخوة قلت لهم ابحثوا عن غيري لأمانة الصندوق وما عليَّ غير أن أعطيكم الأرض التي وعدتكم وأدفع نصيبي الشهري، وختم الحكاية قائلا (ولذا خذ حذرك واجتنب أموال الإخوة مااستطعت) وبهذه العبارة ختم اللقاء وعلمت بعدها بانتقاله إلى الرفيق الأعلى رحمه الله وجعلنا خير سلف لخير خلف.وبعد مرور الزمن وانتشار الطريقة أسس الأحباب صرحا ضخما لي معه قصة حفرت فـي خاطري درسا لا ينسى كالدرس الذي تعلمته فـي الزاوية القديمة وهذا الدرس يبدأ بعد إنتقال الشيخ صالح أمين إذ أسند مولانا الشيخ إبراهيم رضي الله عنه الإرشاد فـي بورسودان إلى الإبن الأكبر للشيخ صالح وقمت بزيارة المنطقة وبعد الحضرة دار نقاش بين الشيخ علي الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي الله عنهم واحتدم النقاش بينهم وتمسك كل منهما برأيه وهب الشيخ علي واقفا ليحسم النزاع بكلمة هي الفيصل والدرس إذ قال (ياإخواني لقد طرحت رأيي وقلته بصراحة لأن فيه مصلحة الطريقة وأنا ما زلت متمسكا بصحة رأيي ولكن المرشد الذي يمثل الشيخ إبراهيم هو الأولى أن تطيعوه وتنزلون عند رأيه وهو الأولى بالإتباع) وانصرف الرجل غير غاضب بل سلم على المرشد قبل انصرافه فـي ود وإخاء، ما أعظم الدرس الذي تنجلي فيه معاني جليلة لخصها سيدي فخر الدين فـي شطر بيت (ووحدة الصف عندي عمدة الدين) وعدنا إلى الزاوية القديمة وملامح الصرح الجديد لاتفارق مخيلتي فهو يحتوي على مسجد ضخم ومبنى للزاوية حيث تقام الحضرات والدروس بالإضافة إلى مبنى المعهد الديني وذلك فـي حي المطار وإذا عقدت مقارنة بسيطة بين المبنى القديم بمساحته التي تحتوي على مدخل بسيط ذو فراندة أمام غرفة الشيخ وغرفة الضيف ويقبع خلفهم صالون الذكر المتواضع ثم باحة خلفية مع غرفة متواضعة وبعض دورات المياة والحمامات مع بعض الأشجار السامقات التي تحتل جوار السور الذي يحوط المبنى،وذلك المبنى الرحب الفسيح فـي حي المطار الذي يسع الألاف فـي غير مبالغة لعلمت كيف تعم المشرقين طريقة أبوالعينين.محمد صفوت جعفر