-->
إغلاق القائمة
إغلاق القائمة
404
نعتذر فقد تم نقل الموضوع ; الرجاء زيارة الارشيف! الأرشيف

الأحد، 29 أكتوبر 2017

اصناف المغرورين للغزالى : المغرورين أرباب العبادات والأعمال

اصناف المغرورين للغزالى : المغرورين أرباب العبادات والأعمال


التصوف بكل لغات العالم : 
الصنف الثانى
من المغرورين أرباب العبادات والأعمال
والمغرورون فرق كثيرة..
فمنهم من غروره فى الجهاد، ومنهم من غروره فى الزهد..
الفرقة الأولى
فمنهم فرقة أهملوا الفرائض.. واشتغلوا بالنوافل. وربما تعمقوا حتى خرجوا إلى السرف والعدوان كالذى تغلب عليه الوسوسة فى الوضوء فيبالغ فيه.. ولا يرضى الماء المحكوم بطهارته فى فتوى الشرع.. ويقدر الاحتمالات البعيدة قريبة من النجاسة.. وإذا آل الأمر إلى أكل الحلال قدر الاحتمالات القريبة، بعيدة وربما أكل الحرام المحض..
ولو انقلب بهذا الاحتياط من الماء إلى الطعام لكان أولى وتشبه بسيرة الصحابة رضى الله عنهم.. إذ توضأ عمر رضى الله عنه بماء فى جرة نصرانية مع ظهور احتمال النجاسة.. وكان مع هذا يدع أبوابا من الحلال وخوفا من الوقوع فى الحرام.
الفرقة الثانية
وفرقة أخرى غلب عليهم الوسوسة فى نية الصلاة فلا يدعه الشيطان يعتقد نية صحيحة.. بل يوسوس عليه حتى تفوته الجماعة.. وتخرج الصلاة عن الوقت.. وإن تم تكبيرة الاحرام فيكون فى قلبه تردد.. فى صحة نيته.. وقد يتوسوس فى التكبيرة فيكون قد تغير صفة التكبير لشدة الاحتياط.. ويفوته سماع الفاتحة.. ويفعلون ذلك فى أول الصلاة..ثم يفعلون فى جميع الصلاة.. ولا يهزون قلوبهم ويغترون بذلك.. ولم يعلموا أن حضور القلب فى الصلاة هو الواجب.. وإنما غرهم إبليس وزين لهم.. وقال لهم: هذا الاحتياط تتميزون به عن العوام وأنتم على خير عند ربكم.
الفرقة الثالثة
وفرقة أخرى غلب عليها الوسوسة فى إخراج حروف الفاتحة.. وسائر الأذكار من مخارجها.. فلا تزال تحتاط فى التشديدات.. والفرق بين الضاد والظاء.. لا يهمه غير ذلك ولا يتفكر فى أسرار الفاتحة ولا فى معانيها.. ولم يعلم أنه لم يكلف الخلق فى تلاوة القرآن من تحقيق مخارج الحروف إلا ما جرت به عادتهم فى الكلام..
وهذا غرور عظيم.. ومثالهم مثال من حمل رسالة إلى مجلس السلطان وأمر أن يؤديها على وجهها.. فأخذ يؤدى الرسالة ويتأنق فى مخارج الحروف ويكررها ويعيدها مرة بعد أخرى وهو مع ذلك غافل عن مقصود الرسالة.. ومراعاة حرمة المجلس.. وبهذا يرد إلى دار المجانين ويحكم عليه بفقد العقل.
الفرقة الرابعة
وفرقة أخرى اغتروا بقراءة القرآن.. فيهدرونه هدرا.. وربما يختمونه فى اليوم والليلة ختما.. وألسنتهم تجرى به.. وقلوبهم تتردى فى أودية الأماني والتفكر فى الدنيا.. ولا يتفكر فى معانى القرآن..لينزجر بزواجره.. ويتعظ بمواعظه.. ويقف عند أوامره ونواهيه.. ويعتبر بمواضع الاعتبار منه.. ويتلذذ به من حيث المعنى لا من حيث النظم.. ومن قرأ كتاب الله تعالى فى اليوم والليلة مائة مرة.. ثم ترك أوامره ونواهيه فهو مستحق العقوبة.. وربما قد يكون له صوت لين فهو يقرأ ويتلذذ به.. ويغتر باستلذاذه.. ويظن أن ذلك مناجاة الله سبحانه تعالى.. وسماع كلامه.. وهيهات ما أبعده.. إذا لذاته فى صوته.. ولو أدرك لذة كلام الله تعالى ما نظر إلى صوته وطيبه..ولا تعلق خاطره به.. ولذة كلام الله إنما هى من حيث المعنى..
الفرقة الخامسة
وفرقة أخرى اغتروا بالصوم.. وربما صاموا الدهر.. وصاموا الأيام الشريفة وهم فيها لا يحفظون ألسنتهم من الغيبة.. ولا خواطرهم من الربا.. ولا بطونهم من الحرام عند الافطار ولا من الهذيان من أنواع الفضول.. وذلك غرور عظيم.. وهؤلاء تركوا الواجب.. وأبقوا المندوب.. فظنوا أنهم يسلمون.. وهيهات.. إنما يسلم من أتى الله بقلب سليم..
الفرقة السادسة
وفرقة أخرى أخذت فى طريق الخشية والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ينكر على الناس.. ويأمرهم بالخير.. وينسى نفسه!.. وإذا أمرهم بالخير عنف وطلب الرياسة والعزة.. وإذا باشر منكرا أنكر عليه.. وغضب وقال: أنا المحتسب.. فكيف تنكر علىَّ.. وقد تجمع الناس فى مجلسه أو مسجده.. ومن تأخر عنه أغلظ عليه القول.. وإنما غرضه الرياء والسمعة وحب الرئاسة.. وعلامة أنه لو قام بالمسجد غيره تجرأ عليه..
بل منهم من يؤذن ويظن أنه يؤذن لله تعالى.. ولو جاء غيره وأذن فى وقت غيبته قامت عليه القيامة.. وقال: لم أخذ حقى؟!.. وزوحمت؟!..
ومنهم من يتقيد أمام مسجد ويظن أنه على خير.. وإنما غرضه أن يقال: إنه إمام المسجد.. وعلامته: أنه لو قدم غيره وإن كان أروع منه.. وأعلم.. ثقل عليه ذلك..
الفرقة السابعة
وفرقة أخرى جاوروا بمكة والمدينة واغتروا بهما.. ولم يراقبوا قلوبهم.. ولم يطهروا ظواهرهم وبواطنهم.. وربما كانت قلوبهم متعلقة ببلادهم.. وتراهم يتحدثون بذلك.. ويقولون: جاورنا بمكة كذا كذا سنة.. وهم مغرورون لأن الأقوم لهم أن يكونوا ببلدة وقلوبهم متعلقة بمكة.. وإن جاور أحدهم يجب عليه أن يحفظ حق الجوار.. فإن جاور بمكة حفظ حق الله تعالى.. وإن جاور بالمدينة حفظ حق النبى صلّى الله عليه وسلم.. ومن يقدر على ذلك؟.. وهؤلاء مغرورون بالظواهر.. وظنوا أن الحيطان تنجيهم.. وهيهات.. وربما لا تسمح نفسه بلقمة يتصدق بها على فقير.. وما أصعب المجاورة فى حق الخلق.. فكيف بمجاورة الخالق!.. وما أحسن مجاورته بحفظ جوارحه وقلبه..
الفرقة الثامنة
وفرقة أخرى زهدت فى المال وقنعت من الطعام واللباس بالدون.. ومن السكن بالمساجد. وظنت أنها أدركت رتبة الزهاد.. وهم مع ذلك راغبون فى الرياسة والجاه.. والزهادة إنما تحصل بأحد أشياء: إما بالتعلم أو بالوعظ.. أو بمجرد الزهد.. فلقد تركوا أهون الأمرين.. وباءوا بأعظم المهلكات.. فإن الجاه أعظم من المال.. ولو أخذ المال وترك الجاه.. كان إلى السلامة أقرب.. وهؤلاء مغرورون بظنهم أنهم من الزهاد فى الدنيا.. ولم يفهموا كيف مكر بهم.. وربما تقدم الأغنياء على الفقراء..
ومنهم من يعجب بعلمه.. ومنهم من يؤثر الخلوة وهو عن شروطها خال.. ومنهم من يعطى المال فلا يأخذه خيفة أن يقال بطل زهده.. وهو راغب فى الدنيا.. خائف من ذم الناس.. ومنهم من شدد على نفسه فى أعمال الجوامع.. حتى يصلى فى اليوم مثلا ألف ركعة ويختم القرآن وهو فى جميع ذلك لا يخطر له مراعاة القلب وتفقده وتطهيره من الرياء والكبر والعجب وسائر المهلكات.. وربما يظن أن العبادة الظاهرة ترجح بها كفة الحسنات.. وهيهات ذرة من ذى تقوى.. وخلق واحد من خلق الأكياس أفضل من أمثال الجبال عملا بالجوارح.. ثم قد يغتر بقول من يقول له: إنك من أوتاد الأرض.. وأولياء الله وأحبائه.. فيفرح لذلك.. ويطهر له تزكية نفسه.. ولو شوتم يوما واحدا ثلاث مرات أو مرتين لكفر وجاهد من فعل ذلك به.. وربما قال لمن سبه: لا يغفر الله لك أبدا..
الفرقة التاسعة
وفرقة أخرى حرصت على النوافل، ولم يعظم اعتدادها بالفرائض.. فتارة يفرح بصلاة الضحى، وصلاة الليل.. وأمثال هذه النوافل، فلا يجد لصلاة الفريضة لذة ولا خير من الله تعالى، لشدة حرصه على المبادرة فى أول الوقت.. وينسى قوله صلّى الله عليه وسلّم: (ما تقرب المتقربون بأفضل ما افترضه الله عليهم).
وترك الترتيب بين الخيرات من جملة الغرور.. بل قد يتعين على الإنسان فرضان: أحدهما يفوت والآخر لا يفوت.. أو نفلان أحدهما يضيق وقته والآخر متسع وقته.. فإن لم يحفظ الترتيب كان مغرورا.. ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى.. فإن المعصية ظاهرة.. وإنما الغامض تقديم بعض الطاعات على بعض.. كتقديم الفرائض كلها على النوافل.. وتقديم فروض الأعيان على فروض الكفايات التى لا قائم بها على ما قدم بها غيره.. وتقديم الأهم من فروض الأعيان على ما دونه.. وتقديم ما يفوت مثل تقديم حق الوالدة على الوالد.. وتقديم الدين على القروض غيره.. وما أعظم العبد أن ينفذ ذلك.. ويرتبه.. ولكن الغرور فى الترتيب دقيق خفى لا يقدر عليه إلا العلماء الراسخون فى العلم رضى الله عنهم وغفر لهم.




مشاركة المقال
mohamed fares
@كاتب المقاله
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع برهانيات كوم .

مقالات متعلقة



Seoplus جميع الحقوق محفوظة ل برهانيات كوم