التصوف بكل لغات العالم :
الصنف الرابع
من المغرورين المتصوفة
وما أغلب الغرور على هؤلاء المغرورين!!
الفرقة الأولى
منهم متصوفة أهل هذا الزمان إلا من عصمه الله.. اغتروا بالزى والمنطق والهيبة.. فشابهوا الصادقين من الصوفية فى زيهم وهيئتهم وألفاظهم.. وآدابهم.. ومراسمهم.. واصطلاحاتهم.. وأموالهم الظاهرة فى السماع.. والرقص.. والطهارة.. والصلاة.. والجلوس على السجادة مع إطراق الرأس.. وإدخاله فى الجيب كالمتفكر وفى أنفاس الصعداء.. وفى خفض الصوت فى الحديث.. وفى الصياح.. إلى غير ذلك.. فلما تعلموا ذلك ظنوا أن ذلك ينجيهم.. ولم يتعبوا أنفسهم قط بالمجاهدة.. والرياضة والمراقبة للقلب فى تطهير الباطن والظاهر من الآثار الخفية والجلية.. وكل ذلك من منازل الصوفية.. ثم إنهم يتكالبون على الحرام والشبهات.. وأموال السلاطين.. ويتنافسون فى الرغيف.. والفلس والحبة.. ويتحاسدون على النقير والقطمير..ويمزق بعضهم أعراض بعض مهما خالفه فى شئ من غرضه.. وهؤلاء مغرورن.. ومثالهم مثال عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال والمقاتلين ثبتت أسماؤهم فى الديوان فتزيت بزيهم.. ووصلت إلى الملك.. فعرضت على ميزان العرض. فوجدت عجوز سوء.. فقيل لها: أما تستحين فى استهتارك بالملك؟! اطرحوها حول الفيل.. فطرحوها حول الفيل فركضها.. حتى ماتت..
الفرقة الثانية
وفرقة أخرى ازدادت على هؤلاء فى الغرور.. إذا صعب عليها الاقتداء فى بذاذة الثياب.. والرضا بالدون فى المطعم والمنكح والمسكن.. وأرادت أن تتظاهر بالتصوف.. ولم تجد بدا من التزيى بزيهم.. فتركت الخز والإبريسم.. وطلبت المرقعات النفسية.. والفوط الرقيقة.. والسجادة المصبوغة.. وقيمتها أكثر من قيمة الخز والإبريسم.. ولا يجتنبون معصية ظاهرة.. فكيف باطنه.. وإنما غرضهم رغد العيش.. وأكل أموال السلاطين.. وهم مع ذلك يظنون بأنفسهم الخير.. وضرر هؤلاء أشد من ضرر اللصوص.. لأن هؤلاء يسرقون القلوب بالزى.. ويقتدى بهم الغير.. فيكون بسبب هلاكهم.. وإن اطلع على فضائحهم ربما ظن أهل التصوف كذلك.. فيصرح بذم الصوفية على الإطلاق..
الفرقة الثالثة
وفرقة أخرى ادعت علم المكاشفة.. ومشاهدة الحق.. ومجاوزة المقامات.. والوصول والملازمة فى عين الشهود.. والوصول إلى القرب.. ولا يعرف ذلك.. ولا وصل إليه باللفظ والإثم.. ويلفق من الألفاظ الطامة كلمات.. فهو يردها.. ويعلن أن ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين.. وهو ينظر إلى الفقراء والمقرئين.. والمفسرين والمحدثين.. وأصناف العلماء بعين الازدراء فضلا عن العوام.. حتى أن الفلاح ليترك فلاحته. والحايك حياكته.. ويلازمهم أياما معدودة.. ويتلقف تلك الكلمات الزائفة.. فتراه يرددها كأنه يتكلم عن الوحى.. ويخبر عن أسرار الأسرار ويستحقر بذلك جميع العباد والعلماء.. فيقول فى العباد: أجراء متعبدون.. ويقول فى العلماء: إنهم بالحديث محجوبون.. ويدعى لنفسه أنه الواصل إلى الحق.. وأنه من المقربين.. وهو عند الله من الفجار المنافقين.. وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين.. لم يحكم قط علماً.. ولا يهذب خلقاً.. ولا يراقب قلباً سوى اتباع الهوى.. وتلفيق الهذيانات.. ولو اشتغلوا بما ينفعهم كان أحسن لهم..
الفرقة الرابعة
وفرقة أخرى جاورت هؤلاء فأحسنت الأعمال.. وطلبت الحلال.. واشتغلت بتفقد القلب.. وصار أحدهم يدعى المقامات من الزهد.. والتوكل.. والرضا.. والحب من غير وقوف على حقيقة هذه المقامات وشروطها وعلاماتها وآفاتها.. فمنهم من يدعى الوجد وحب الله تعالى.. ويزعم أنه واله بالله تعالى.. ولعله قد يتخيل بالله تعالى خيالات فاسدة هى بدعة وكفر.. فيدعى حب الله تعالى وقيل معرفته.. وذلك لا يتصور قط.. ثم إنه لا يخلو من مفارقة ما يكره الله تعالى.. وإيثار هوى نفسه على أمر الله تعالى.. وعن ترك الأمور حياء من الخلق.. ولو خلا ما تركها حياء من الله تعالى.. وليس يدرى أن كل ذلك يناقض الحب.. وبعضهم ربما يميل إلى القناعة والتوكل فيخوض البوادى من غير زاد ليصحح التوكل.. وليس يدرى أن ذلك بدعة لم تنقل عن السلف والصحافة رضى الله عنهم أجمعين.. وقد كانوا أعرف بالتوكل منه.. وما فهموا من التوكل المخاطرة بالروح وترك الزاد.. بل كانوا يأخذون الزاد وهم متوكلون على الله تعالى على لا الزاد.. وهذا ربما يترك الزاد وهو متوكل على سبب من الأسباب واتقى به.. وما مقام من المقامات المنجية إلا وفيها غرور.. وقد اعتبرها قوم.. وقد ذكرنا مداخل الآفات فيها ربع المنجيات فى الإحياء.
الفرقة الخامسة
وفرقة أخرى ضيقت على أنفسها أمر القوت حتى طلبت منه الحلال الخالص.. وأهملت تفقد القلب والجوارح فى غير هذه الخصلة الواحدة.. ومنهم من أهمل الحلال فى مطعمه وملبسه ومكسبه فيتعمق فى ذلك.. ولم يدر المسكين أن الله تعالى لم يرض من العباد إلا بالكمال فى الطاعات، فمن اتبع البعض وأهل البعض فهو مغرور.
الفرقة السادسة
وفرقة أخرى ادعت حسن الخلق والتواضع والسماحة. وقصدوا الخدمة للصوفية.. فجمعوا قوما وتكلفوا خدمتهم.. واتخذوا ذلك شبكة لحطام الدنيا.. وجمعا للمال.. وإنما غرضهم التكثير، والتكبير.. وهم يظهرون أن غرضهم الخدمة والتبعية.. ثم إنهم يجمعون من الحرام والشبهات لينفقوا عليهم.. ليكثر أتباعهم.. وينشر بالخدمة اسمهم.. وبعضهم يأخذ من أموال السلطان وينفق عليهم.. وبعضهم يأخذها لينفق فى طريق الحج على الصوفية.. ويزعم أن غرضهم البر والإنفاق.. وباعث جميعهم الرياء والسمعة.. وذلك بإهمالهم لجميع أوامر الله تعالى ظاهرا.. ورضاهم بأخذ الحرام والإنفاق منه.. ومثال ذلك: كالذى ينفق ماله فى طريق الحاج.. وكمن يعمر مسجد الله تعالى ويطينه بالعذرة ويزعم أن قصده العمارة..
الفرقة السابعة
وفرقة أخرى اشتغلت بالمجاهدة وتهذيب الأخلاق.. وتطهير النفس من عيوبها.. وصاروا يتعمقون فيها.. فاتخذوا البحث عن عيوب النفس ومعرفة خداعها علما وحرفة لهم.. فهم فى جميع الأحوال يشتغلون بالفحص عن عيوب النفس.. واستنباط دقيق الكلام فى آفاتها.. فيقولون: هذا فى النفس عيب.. والغفلة فى كونه عيبا عيب.. ويشتغلون فيها بكلمات متلبسة.. وضيعوا فى ذلك أوقاتهم.. وكأنهم وقفوا مع أنفسهم.. ولم يشتغلوا بخالقهم.. فمثالهم مثال من اشتغل بأوقات الحج وعوائقه.. ولم يسلك طريق الحج.. وذلك لم يغنه عن الحج..
الفرقة الثامنة
وفرقة أخرى جاوزت هذه المرتبة.. وابتدأوا سلوك الطريق.. وانفتحت لهم أبواب المعرفة.. فكلما شموا من مبادئ المعرفة رائحة تعجبوا منها.. وفرحوا بها.. وأعجبهم غراسها.. فتعلقت قلوبهم بالالتفات إليها.. والتفكر فيها.. وفى كيفية انفتاح بابها عليهم.. واشتدادها على غيرهم.. وكل ذلك غرور.. لأن عجائب طريق الله تعالى ليس لها نهاية.. فمن وقف مع كل أعجوبة.. وتقيد بها قصرت خطاه.. وحرم الوصول إلى المقصد.. ومثاله مثال من قدم على ملك.. فرأى باب ميدانه روضة فيها أزهار وأنوار.. ولم يكن قد رآها قبل ذلك.. ولا رأى مثلها.. فوقف ينظر إليها حتى فاته الوقت الذى يمكنه اللقاء بالملك فانصرف خائبا.
الفرقة التاسعة
وفرقة أخرى جاوزت هؤلاء.. ولم تلتفت إلى ما يفيض عليهم من الأنوار فى الطريق.. ولا إلى ما تيسر لهم من العطايا الجزيلة.. ولم يلتفتوا إليها.. ولا عرجوا عليها.. جادين فى السير.. فلما قاربوا الوصول ظنوا أنهم وصلوا.. فوقفوا.. ولم يتعدوا ذلك.. وغلطوا.. فإن لله سبعين حجابا من نور وظلمة.. ولا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب إلا ويظن أنه قد وصل.. وإليه الإشارة بقوله تعالى إخبار عن إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام إذ قال: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) الآية.. وما أكثر الحجب فى هذا المقام.
فأول حجاب بين العبد وربه نفسه.. فإنه أمر ربانى عظيم.. وهو نور من أنوار الله تعالى.. أعنى سر القلب الذى سيجلى حقيقة الحق كما هو حتى أنه يسمع جملة العالم كله.. ويحيط به صور الورى.. فعند ذلك سيشرق نوره إشراقا عظيما.. إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه.. وهو فى أول الأمر محجوب بمشكاة هى الساترة له.. فإذا تجلى نوره وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله تعالى عليه.. ربما التفت صاحب القلب إلى القلب.. فرأى من جماله الفائق ما يدهشه.. فربما صرح وقال: أنا الحق.. فإن لم يتضح ما وراء ذلك.. ووقف عنك هلك.. وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح عليه الصلاة والسلام.. لما رأوا من إشراق نور الله تعالى عليه..فغلطوا.. كمن رأى كوكبا فى مرآة.. أو فى ماء.. فيظن أن الكواكب المرآة.. فيمد يده ليأخذه.. فهو مغرور..
هل هناك أنواع أخرى فى طريق السلوك؟
وأنواع الغرور فى طريق السلوك إلى الله..لا تستقصى إلا بعد شرح جميع العلوم الخفية.. وذلك لا رخصة فى ذكره.. وقد يجوز إظهاره حتى لا يقع المغرور فيها.. وبالله التوفيق.. وهو حسبى ونعم الوكيل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم..
تم ذلك بحمد الله وعونه على يد كاتبه لنفسه ولمن شاء الله من بعده راجى عفو ربه القريب المجيب الفقير عثمان ابن العلامة الشيخ سلمان الشافعى السويفى غفر الله ولوالديه وللمسلمين.. وصلّى الله على محمد وآله وصحبه.
الصنف الرابع
من المغرورين المتصوفة
وما أغلب الغرور على هؤلاء المغرورين!!
الفرقة الأولى
منهم متصوفة أهل هذا الزمان إلا من عصمه الله.. اغتروا بالزى والمنطق والهيبة.. فشابهوا الصادقين من الصوفية فى زيهم وهيئتهم وألفاظهم.. وآدابهم.. ومراسمهم.. واصطلاحاتهم.. وأموالهم الظاهرة فى السماع.. والرقص.. والطهارة.. والصلاة.. والجلوس على السجادة مع إطراق الرأس.. وإدخاله فى الجيب كالمتفكر وفى أنفاس الصعداء.. وفى خفض الصوت فى الحديث.. وفى الصياح.. إلى غير ذلك.. فلما تعلموا ذلك ظنوا أن ذلك ينجيهم.. ولم يتعبوا أنفسهم قط بالمجاهدة.. والرياضة والمراقبة للقلب فى تطهير الباطن والظاهر من الآثار الخفية والجلية.. وكل ذلك من منازل الصوفية.. ثم إنهم يتكالبون على الحرام والشبهات.. وأموال السلاطين.. ويتنافسون فى الرغيف.. والفلس والحبة.. ويتحاسدون على النقير والقطمير..ويمزق بعضهم أعراض بعض مهما خالفه فى شئ من غرضه.. وهؤلاء مغرورن.. ومثالهم مثال عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال والمقاتلين ثبتت أسماؤهم فى الديوان فتزيت بزيهم.. ووصلت إلى الملك.. فعرضت على ميزان العرض. فوجدت عجوز سوء.. فقيل لها: أما تستحين فى استهتارك بالملك؟! اطرحوها حول الفيل.. فطرحوها حول الفيل فركضها.. حتى ماتت..
الفرقة الثانية
وفرقة أخرى ازدادت على هؤلاء فى الغرور.. إذا صعب عليها الاقتداء فى بذاذة الثياب.. والرضا بالدون فى المطعم والمنكح والمسكن.. وأرادت أن تتظاهر بالتصوف.. ولم تجد بدا من التزيى بزيهم.. فتركت الخز والإبريسم.. وطلبت المرقعات النفسية.. والفوط الرقيقة.. والسجادة المصبوغة.. وقيمتها أكثر من قيمة الخز والإبريسم.. ولا يجتنبون معصية ظاهرة.. فكيف باطنه.. وإنما غرضهم رغد العيش.. وأكل أموال السلاطين.. وهم مع ذلك يظنون بأنفسهم الخير.. وضرر هؤلاء أشد من ضرر اللصوص.. لأن هؤلاء يسرقون القلوب بالزى.. ويقتدى بهم الغير.. فيكون بسبب هلاكهم.. وإن اطلع على فضائحهم ربما ظن أهل التصوف كذلك.. فيصرح بذم الصوفية على الإطلاق..
الفرقة الثالثة
وفرقة أخرى ادعت علم المكاشفة.. ومشاهدة الحق.. ومجاوزة المقامات.. والوصول والملازمة فى عين الشهود.. والوصول إلى القرب.. ولا يعرف ذلك.. ولا وصل إليه باللفظ والإثم.. ويلفق من الألفاظ الطامة كلمات.. فهو يردها.. ويعلن أن ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين.. وهو ينظر إلى الفقراء والمقرئين.. والمفسرين والمحدثين.. وأصناف العلماء بعين الازدراء فضلا عن العوام.. حتى أن الفلاح ليترك فلاحته. والحايك حياكته.. ويلازمهم أياما معدودة.. ويتلقف تلك الكلمات الزائفة.. فتراه يرددها كأنه يتكلم عن الوحى.. ويخبر عن أسرار الأسرار ويستحقر بذلك جميع العباد والعلماء.. فيقول فى العباد: أجراء متعبدون.. ويقول فى العلماء: إنهم بالحديث محجوبون.. ويدعى لنفسه أنه الواصل إلى الحق.. وأنه من المقربين.. وهو عند الله من الفجار المنافقين.. وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين.. لم يحكم قط علماً.. ولا يهذب خلقاً.. ولا يراقب قلباً سوى اتباع الهوى.. وتلفيق الهذيانات.. ولو اشتغلوا بما ينفعهم كان أحسن لهم..
الفرقة الرابعة
وفرقة أخرى جاورت هؤلاء فأحسنت الأعمال.. وطلبت الحلال.. واشتغلت بتفقد القلب.. وصار أحدهم يدعى المقامات من الزهد.. والتوكل.. والرضا.. والحب من غير وقوف على حقيقة هذه المقامات وشروطها وعلاماتها وآفاتها.. فمنهم من يدعى الوجد وحب الله تعالى.. ويزعم أنه واله بالله تعالى.. ولعله قد يتخيل بالله تعالى خيالات فاسدة هى بدعة وكفر.. فيدعى حب الله تعالى وقيل معرفته.. وذلك لا يتصور قط.. ثم إنه لا يخلو من مفارقة ما يكره الله تعالى.. وإيثار هوى نفسه على أمر الله تعالى.. وعن ترك الأمور حياء من الخلق.. ولو خلا ما تركها حياء من الله تعالى.. وليس يدرى أن كل ذلك يناقض الحب.. وبعضهم ربما يميل إلى القناعة والتوكل فيخوض البوادى من غير زاد ليصحح التوكل.. وليس يدرى أن ذلك بدعة لم تنقل عن السلف والصحافة رضى الله عنهم أجمعين.. وقد كانوا أعرف بالتوكل منه.. وما فهموا من التوكل المخاطرة بالروح وترك الزاد.. بل كانوا يأخذون الزاد وهم متوكلون على الله تعالى على لا الزاد.. وهذا ربما يترك الزاد وهو متوكل على سبب من الأسباب واتقى به.. وما مقام من المقامات المنجية إلا وفيها غرور.. وقد اعتبرها قوم.. وقد ذكرنا مداخل الآفات فيها ربع المنجيات فى الإحياء.
الفرقة الخامسة
وفرقة أخرى ضيقت على أنفسها أمر القوت حتى طلبت منه الحلال الخالص.. وأهملت تفقد القلب والجوارح فى غير هذه الخصلة الواحدة.. ومنهم من أهمل الحلال فى مطعمه وملبسه ومكسبه فيتعمق فى ذلك.. ولم يدر المسكين أن الله تعالى لم يرض من العباد إلا بالكمال فى الطاعات، فمن اتبع البعض وأهل البعض فهو مغرور.
الفرقة السادسة
وفرقة أخرى ادعت حسن الخلق والتواضع والسماحة. وقصدوا الخدمة للصوفية.. فجمعوا قوما وتكلفوا خدمتهم.. واتخذوا ذلك شبكة لحطام الدنيا.. وجمعا للمال.. وإنما غرضهم التكثير، والتكبير.. وهم يظهرون أن غرضهم الخدمة والتبعية.. ثم إنهم يجمعون من الحرام والشبهات لينفقوا عليهم.. ليكثر أتباعهم.. وينشر بالخدمة اسمهم.. وبعضهم يأخذ من أموال السلطان وينفق عليهم.. وبعضهم يأخذها لينفق فى طريق الحج على الصوفية.. ويزعم أن غرضهم البر والإنفاق.. وباعث جميعهم الرياء والسمعة.. وذلك بإهمالهم لجميع أوامر الله تعالى ظاهرا.. ورضاهم بأخذ الحرام والإنفاق منه.. ومثال ذلك: كالذى ينفق ماله فى طريق الحاج.. وكمن يعمر مسجد الله تعالى ويطينه بالعذرة ويزعم أن قصده العمارة..
الفرقة السابعة
وفرقة أخرى اشتغلت بالمجاهدة وتهذيب الأخلاق.. وتطهير النفس من عيوبها.. وصاروا يتعمقون فيها.. فاتخذوا البحث عن عيوب النفس ومعرفة خداعها علما وحرفة لهم.. فهم فى جميع الأحوال يشتغلون بالفحص عن عيوب النفس.. واستنباط دقيق الكلام فى آفاتها.. فيقولون: هذا فى النفس عيب.. والغفلة فى كونه عيبا عيب.. ويشتغلون فيها بكلمات متلبسة.. وضيعوا فى ذلك أوقاتهم.. وكأنهم وقفوا مع أنفسهم.. ولم يشتغلوا بخالقهم.. فمثالهم مثال من اشتغل بأوقات الحج وعوائقه.. ولم يسلك طريق الحج.. وذلك لم يغنه عن الحج..
الفرقة الثامنة
وفرقة أخرى جاوزت هذه المرتبة.. وابتدأوا سلوك الطريق.. وانفتحت لهم أبواب المعرفة.. فكلما شموا من مبادئ المعرفة رائحة تعجبوا منها.. وفرحوا بها.. وأعجبهم غراسها.. فتعلقت قلوبهم بالالتفات إليها.. والتفكر فيها.. وفى كيفية انفتاح بابها عليهم.. واشتدادها على غيرهم.. وكل ذلك غرور.. لأن عجائب طريق الله تعالى ليس لها نهاية.. فمن وقف مع كل أعجوبة.. وتقيد بها قصرت خطاه.. وحرم الوصول إلى المقصد.. ومثاله مثال من قدم على ملك.. فرأى باب ميدانه روضة فيها أزهار وأنوار.. ولم يكن قد رآها قبل ذلك.. ولا رأى مثلها.. فوقف ينظر إليها حتى فاته الوقت الذى يمكنه اللقاء بالملك فانصرف خائبا.
الفرقة التاسعة
وفرقة أخرى جاوزت هؤلاء.. ولم تلتفت إلى ما يفيض عليهم من الأنوار فى الطريق.. ولا إلى ما تيسر لهم من العطايا الجزيلة.. ولم يلتفتوا إليها.. ولا عرجوا عليها.. جادين فى السير.. فلما قاربوا الوصول ظنوا أنهم وصلوا.. فوقفوا.. ولم يتعدوا ذلك.. وغلطوا.. فإن لله سبعين حجابا من نور وظلمة.. ولا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب إلا ويظن أنه قد وصل.. وإليه الإشارة بقوله تعالى إخبار عن إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام إذ قال: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) الآية.. وما أكثر الحجب فى هذا المقام.
فأول حجاب بين العبد وربه نفسه.. فإنه أمر ربانى عظيم.. وهو نور من أنوار الله تعالى.. أعنى سر القلب الذى سيجلى حقيقة الحق كما هو حتى أنه يسمع جملة العالم كله.. ويحيط به صور الورى.. فعند ذلك سيشرق نوره إشراقا عظيما.. إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه.. وهو فى أول الأمر محجوب بمشكاة هى الساترة له.. فإذا تجلى نوره وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله تعالى عليه.. ربما التفت صاحب القلب إلى القلب.. فرأى من جماله الفائق ما يدهشه.. فربما صرح وقال: أنا الحق.. فإن لم يتضح ما وراء ذلك.. ووقف عنك هلك.. وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح عليه الصلاة والسلام.. لما رأوا من إشراق نور الله تعالى عليه..فغلطوا.. كمن رأى كوكبا فى مرآة.. أو فى ماء.. فيظن أن الكواكب المرآة.. فيمد يده ليأخذه.. فهو مغرور..
هل هناك أنواع أخرى فى طريق السلوك؟
وأنواع الغرور فى طريق السلوك إلى الله..لا تستقصى إلا بعد شرح جميع العلوم الخفية.. وذلك لا رخصة فى ذكره.. وقد يجوز إظهاره حتى لا يقع المغرور فيها.. وبالله التوفيق.. وهو حسبى ونعم الوكيل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم..
تم ذلك بحمد الله وعونه على يد كاتبه لنفسه ولمن شاء الله من بعده راجى عفو ربه القريب المجيب الفقير عثمان ابن العلامة الشيخ سلمان الشافعى السويفى غفر الله ولوالديه وللمسلمين.. وصلّى الله على محمد وآله وصحبه.