برهانيات كوم
كرامات الشيخ عبدالقادر الجيلانى قدس الله سره
رضي الله عنه
كراماته كثيرةٌ جداً قد ثبتت بالتواتر، وتناقلتها الأمَّة عن الأئمة وكرامات الشيخ عبد القادر تمتاز بإثبات علماء الحديث لبعضها وروي بعضها عن سيدي العزِّ بن عبد السلام وعن الحافظ بن تيمية المعروف بشدَّة الإنكار على المتصوِّفة قال: ما ثبتت كرامات وليٍّ بالتواتر إلا كرامات الشيخ عبد القادر الجيلي. والمراد بالتواتر هنا الأخبار المُثبتة كشجاعة عنترة العبسي وكرم حاتم الطائي.
جملة من كراماته
قيل مرَّت بالشيخ عبد القادر ثلاثة أحمالٍ للسلطان ومعها صاحب الشرطة فقال لهم الشيخ: قفوا، فأبوا، فقال للدواب: قفي ، فوقفت وأخذ من معها من الأعوان القولنج فضجوا، وتابوا واعتذروا للشيخ وانقلب الخمر خلاً ففتحوها فإذا هو خلٌّ. ومنها أنه أتاه بعض الرافضة بقفَّتين مخيطتين، وقالوا: قل لنا ما فيهما فوضع يده على إحداهما وقال: في هذه صبيٌّ مقعد، ففتحت فوجدوه كذلك، فأمسك يده وقال له: قم، فقام يعدو.، ثمَّ وضع يده على الأخرى،فقال: فيها صبيٌّ لا عاهة به، ففتحت فإذا فيها ذلك،، فأمسك بناصيته، وقال له: اقعد، فصار مقعداً فتابوا عن الرفض وصاروا من جملة أتباعه. جاء في جامع كرامات الأولياء أن الشيخ أبا المظفّر بن تميم التاجر جاء إلى الشيخ حمَّاد الدبَّاس رحمه الله تعالى في سنة 521 وقال له: قد جهَّزتُ لي قافلةً إلى الشام فيها بضاعةٌ بسبعمائة دينار، فقال له الشيخ : إن سافرتَ في هذه السنة قتلتَ وأخذ مالك، فخرج مغموما، فوجد الشيخ عبد القادر وهو يومئذ شاب فحكى له فقال له: سافر تذهب سالماً وترجع غانماً والضمان عليَّ، فسافر وباعها بألف دينار، ودخل بعض الأمكنة لحاجة فنسي الألف على رفٍّ فيها وأتى المنزل فنام، فرأى أن العرب قد انتهبتهم في قافلة وضربه أحدهم بحربةٍ فقتله فانتبه فزعاً وأحسَّ بالألم في عنقه، وتذكَّر الألف دينار فجرى مسرعاً فوجدها سالمةً، ورجع إلى بغداد فقال: أبدأ بالشيخ حماد فهو الأسنُّ والشيخ عبد القادر هو الذي صحَّ كلامه، فلقي الشيخ حماداً في سوق السلطان فقال له: إبدأ بعبد القادر فهو محبوب، وقد سأل الله فيك سبع عشرة مرَّةً حتى جعل ما قُدِّر عليك من القتل مناما، وما قُدِّر عليك من الفقر نسيانا.فجاء للشيخ عبد القادر فكاشفه بما كان قبل أن يبدأ حديثه. ومنها ما رواه الإمام اليافعي قال: حُكي أنَّ سيدي عبد القادر طلب من بعض الناس وديعةً كانت عنده لبعض الغائبين، فامتنع عن تسليمها إليه وقال له: لو استفتيتك في هذا ما أفتيتني بتسليمها إلى غير صاحبها، فلما كان بعد ذلك بزمنٍ يسير جاء كتابٌ من صاحبها يقول فيه: سلِّم الوديعة للشيخ عبد القادر فقد صارت للفقراء فسلَّمها له، فعاتبه الشيخ وقال له: أتتهمني في مثل هذا؟
وقال الإمام الشعراني: من كراماته رضي الله عنه أنَّه توضَّأ يوما فبال عليه عصفور، فرفع رأسه إليه وهو طائرٌ فسقط ميِّتاً، فغسل الثوب ثمَّ باعه وتصدَّق بثمنه وقال: هذا بهذا.
ومنها أنه جاءه رجلٌ وهو في الخلاء وقد اجتمعت عليه الوحوش ومعه بقرةٌ عجفاء وسأل الشيخ أن يدعو له الله حتى يبارك له فيها، فنظر الشيخ إلى أسدٍ وأشار إليه فنهض وافترس البقرة، فجزع صاحبها وقال إنما أتيته ليبارك فيها لا ليطعمها للأسد ولعبت به الظنون فأمره الشيخ بالانتظار فلبث قليلاً فجاء رجلٌ للشيخ عبد القادر وهو يسوق قطيعاً من البقر هديَّة للشيخ، فأشار للرجل وقال له: خذ هذه بارك الله لك فيها. فانصرف الرجل مسرورا.
قال الهروي: بتُّ عنده ليلةً فوجدته في أوَّل الليل يصلي يسيراً، ثمَّ يذكر الله حتى يمضي الثلث الأوَّل فيقول: المحيط الربُّ الشهيد الحسيب الفعَّال الخلاق الخالق الباريء المصوِّر، فتتضاءل جثَّته مرَّةً وتعظم أخرى، ويرتفع في الهواء إلى أن يغيب عن بصري مرَّة، ثمَّ يصلِّ قائماً على قدميه يتلو القرآن إلى أن يذهب الثلثُ الثاني، وكان يطيلُ سجوده جدا، ثمَّ يجلس متوجِّهاً مشاهداً مراقباً إلى قريب طلوع الفجر، ثمَّ يأخذ في الا بتهال والدعاء والتذلل، ويغشاه نورٌ يكاد يخطف الأبصار، إلى أن يغيب عن النظر، قال: وكنتُ أسمع عنده: سلامٌ عليكم، سلامٌ عليكم وهو يردُّ السلام إلى أن يخرجَ لصلاة الفجر.
من بديع كلامه
الدنيا قيد الآخرة والآخرة قيدٌ عن ربِّ الدنيا والآخرة لا تأخذهما ولا تشتغل بهما إلا بعد الوصول إليه وإنما تصل إليه من حيثُ قلبك وسرُّك ومعناك، وأعرض عن الدنيا وأقبل على الآخرة، ثمَّ أعرض عن الآخرة وأقبل على الحقِّ سبحانه وتعالى، فإنهما يتبعانك تبعاً بالسير خلفك، تأتي الدنيا ومعها أقسامك منها تطلبك عند الآخرة فلا تجدك عندها، فتقول للآخرة: أين ذهبتِ به؟، فتقول لها الآخرة: أين ذهبتِ به؟، فتقول: ذهب إلى باب الملك وأنا في طلبه أيضا، ويقومان فيسرعان في السير خلفك، فيصلان إليك وأنت على باب الملك فتشكو الدنيا حالها إلى الملك، تشكو منك كيف تركتَ ودائعك وهي الأقسام المرتَّبة لك فيأتي الأمر منه إليك في حقِّها وأخذ الأقسام من يدها، وتأتيك الوصيَّة منه بالأخذ من الدنيا والنظر إلى الأخرى فترجع بينهما في صحبة الملائكة وأرواح النبيين عليهم السَّلام، فتقعد على دكةٍ بين الجنة والنار، بين الدنيا والآخرة، بين الخلق والحق، بين السبب والمسبِّب بين الظاهر والباطن بين ما يُعقل وبينما لا يُعقل، فيصير لك أربعة وجوه:وجهٌ تنظر به إلى الدنيا ووجهٌ تنظر به إلى الآخرة ووجهٌ تنظر به إلى الخلق ووجهٌ تنظر به إلى الخالق عزَّ وجل.
ومن كلامه: أخرجوا الدنيا من قلوبكم إلى أيديكم فإنها لا تضرُّكم.
ومنه: الاسم الأعظم أن تقول الله وليس في قلبك سواه.ولتكن رياضته في أدبه وخلوته بمناجاة ربِّه، ظاهره مع الخلق وباطنه للحق، وأهمُّ شيءٍ عنده نفع الخلق إعظاماً للحق، وليجعل مذاكرته لهم فيما يحببهم إلى ربِّهم، ويذكِّرهم بما نسوه من فضله، من مبدأ أمرهم إلى نهاية خطبهم، وأن يُبرز لهم فضائل نبيِّهم، وأنَّه السبب الموصول في هديهم، وأنه النور الذي انبثقت منه أشعة أنوارهم وظهرت من كنز حقيقته جواهر أسرارهم، كذلك يبدي لهم فضائل أهل بيت النبوَّة الذين أشرقت من مطالعهم شموس الاهتداء، وبزغت في سماء طوالعهم كواكب الاقتداء منهم غوث الله الأعظم، وبازه الطائر في حظيرة سرِّه الأكرم، وهو ملاذ هذه الطريقة وإمامها، وبه نشرت في الخافقين أعلامها، فالتمسُّك فيها أخذ بعزائم الشريعة فسر بها يا خاطب عروس الحقيقة، فإنها لنيل الوصل أقربُ طريقة واحذر خبايا النفس ودسائسها واستبدل طلب الأهوية بنفحا الأنس، ولا تنزل إلا وأنت على باب حضرة القدس واصغ لكلام سيِّدي عزالدين حسين:
سر في السباسبِ واقطعِ البيداء ودع القصور وخالف الأهواءواطلب رفيقاً في الطريق له به خبرٌ وخلِّ الجهلَ والجهلاءَوأمط رِدا الأغيار عنك لتكتسي من حُلَّة التوحيد فيه قباءَواركب مطايا الشوق غير معرِّس إلا إذا حلَّ الحجيجُ كداءَفاخلع هنا النعلينِ نفسك والهوى حالاً عسى بمنىً تنال مُناءَوعساك تنحرُ هَديَ نفسك للهدى فتكونُ نفسك عن مناك فداءَوعساك أن تحظى بمنعرج اللوى فترى لجيش العاشقين لواءَوعسى يلوح لعَينِ سرِّك بارق منه ترى ضوءَ النَّهار عِشاءَوعساك تنشقُ نفحةَ الطيب التي علَّت فكانت للعليلِ دواءَهي نفحةُ القُدسِ التي في طابة طابت فأهدتْ للعبيرِ شذاء
وكان يقول: كونوا بوَّابين على باب قلوبكم، وأدخلوا ما يأمركم الله بإدخاله، وأخرجوا ما يأمركم الله بإخراجه، ولا تُخلوا الهوى قلوبكم فتهلكوا.
وكان يقول: لا تظلموا أحداً ولو بسوء ظنِّكم فإنَّ ربَّكم لا يجاوز ظلم ظالم.
وكان يقول: كلَّما جاهدتَ النفسَ وقتلتها بالطاعات كلَّما حييت وكلَّما أكرمتها ولم تنهها في مرضاة الله ماتت قال وهذا هو معنى حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
وله الأبيات العطرة الجارية مجرى الأمثال والتي بها سمِّي الباز الأشهب:
ما في المناهلِ مَنهلٌ مُستَعذب إلا ولي فيه ألذُ وأطيبُأو في الوصال مكانةٌ مخصوصة إلا ومنزلتي أعزُّ وأقربُوهبتْ ليَ الأيَّام رونق صفوها فحلت مناهلُها وطاب المشربوغدوتُ مخطوباً لكلِّ كريمة لا يهتدي فيها اللبيب ويخطبأنا من رجال لا يخافُ جليسُهم ريبَ الزمانِ ولا يرى ما يَرهبُقومٌ لهم في كلِّ مجدٍ رتبة علويةٌ وبكلِّ جيشٍ موكبُأنا بلبلُ الأفراحِ أملأ دوحَها طرباً وفي العلياءِ بازٌ أشهبُأضحت جيوش الحب تحت مشيئتي طوعاً ومهما رمته لا يعزبُأصبحتُ لا أملاً ولا أمنيَّة أرجو ولا موعودةً أترقَّبُلا زلتُ أرتعُ في ميادين الرضا حتى وُهِبتُ مكانةً لا توهبُأضحى الزمانُ كحلَّةٍ مرموقة تزهو ونحنُ لها الطراز المُذْهبُأفلتْ شموس الأوَّلين وشمسنا أبداً على فلك العُلى لا تغربُ
رضي الله تعالى عن سيِّدي الشيخ عبد القادر الجيلاني ونفعنا به وبوارثي مقامه الشريف في مشارق الدنيا ومغاربها وبسائر مشائخنا الصوفية نجوم الاهتداء وورثة النور المحمَّدي.
جملة من كراماته
قيل مرَّت بالشيخ عبد القادر ثلاثة أحمالٍ للسلطان ومعها صاحب الشرطة فقال لهم الشيخ: قفوا، فأبوا، فقال للدواب: قفي ، فوقفت وأخذ من معها من الأعوان القولنج فضجوا، وتابوا واعتذروا للشيخ وانقلب الخمر خلاً ففتحوها فإذا هو خلٌّ. ومنها أنه أتاه بعض الرافضة بقفَّتين مخيطتين، وقالوا: قل لنا ما فيهما فوضع يده على إحداهما وقال: في هذه صبيٌّ مقعد، ففتحت فوجدوه كذلك، فأمسك يده وقال له: قم، فقام يعدو.، ثمَّ وضع يده على الأخرى،فقال: فيها صبيٌّ لا عاهة به، ففتحت فإذا فيها ذلك،، فأمسك بناصيته، وقال له: اقعد، فصار مقعداً فتابوا عن الرفض وصاروا من جملة أتباعه. جاء في جامع كرامات الأولياء أن الشيخ أبا المظفّر بن تميم التاجر جاء إلى الشيخ حمَّاد الدبَّاس رحمه الله تعالى في سنة 521 وقال له: قد جهَّزتُ لي قافلةً إلى الشام فيها بضاعةٌ بسبعمائة دينار، فقال له الشيخ : إن سافرتَ في هذه السنة قتلتَ وأخذ مالك، فخرج مغموما، فوجد الشيخ عبد القادر وهو يومئذ شاب فحكى له فقال له: سافر تذهب سالماً وترجع غانماً والضمان عليَّ، فسافر وباعها بألف دينار، ودخل بعض الأمكنة لحاجة فنسي الألف على رفٍّ فيها وأتى المنزل فنام، فرأى أن العرب قد انتهبتهم في قافلة وضربه أحدهم بحربةٍ فقتله فانتبه فزعاً وأحسَّ بالألم في عنقه، وتذكَّر الألف دينار فجرى مسرعاً فوجدها سالمةً، ورجع إلى بغداد فقال: أبدأ بالشيخ حماد فهو الأسنُّ والشيخ عبد القادر هو الذي صحَّ كلامه، فلقي الشيخ حماداً في سوق السلطان فقال له: إبدأ بعبد القادر فهو محبوب، وقد سأل الله فيك سبع عشرة مرَّةً حتى جعل ما قُدِّر عليك من القتل مناما، وما قُدِّر عليك من الفقر نسيانا.فجاء للشيخ عبد القادر فكاشفه بما كان قبل أن يبدأ حديثه. ومنها ما رواه الإمام اليافعي قال: حُكي أنَّ سيدي عبد القادر طلب من بعض الناس وديعةً كانت عنده لبعض الغائبين، فامتنع عن تسليمها إليه وقال له: لو استفتيتك في هذا ما أفتيتني بتسليمها إلى غير صاحبها، فلما كان بعد ذلك بزمنٍ يسير جاء كتابٌ من صاحبها يقول فيه: سلِّم الوديعة للشيخ عبد القادر فقد صارت للفقراء فسلَّمها له، فعاتبه الشيخ وقال له: أتتهمني في مثل هذا؟
وقال الإمام الشعراني: من كراماته رضي الله عنه أنَّه توضَّأ يوما فبال عليه عصفور، فرفع رأسه إليه وهو طائرٌ فسقط ميِّتاً، فغسل الثوب ثمَّ باعه وتصدَّق بثمنه وقال: هذا بهذا.
ومنها أنه جاءه رجلٌ وهو في الخلاء وقد اجتمعت عليه الوحوش ومعه بقرةٌ عجفاء وسأل الشيخ أن يدعو له الله حتى يبارك له فيها، فنظر الشيخ إلى أسدٍ وأشار إليه فنهض وافترس البقرة، فجزع صاحبها وقال إنما أتيته ليبارك فيها لا ليطعمها للأسد ولعبت به الظنون فأمره الشيخ بالانتظار فلبث قليلاً فجاء رجلٌ للشيخ عبد القادر وهو يسوق قطيعاً من البقر هديَّة للشيخ، فأشار للرجل وقال له: خذ هذه بارك الله لك فيها. فانصرف الرجل مسرورا.
قال الهروي: بتُّ عنده ليلةً فوجدته في أوَّل الليل يصلي يسيراً، ثمَّ يذكر الله حتى يمضي الثلث الأوَّل فيقول: المحيط الربُّ الشهيد الحسيب الفعَّال الخلاق الخالق الباريء المصوِّر، فتتضاءل جثَّته مرَّةً وتعظم أخرى، ويرتفع في الهواء إلى أن يغيب عن بصري مرَّة، ثمَّ يصلِّ قائماً على قدميه يتلو القرآن إلى أن يذهب الثلثُ الثاني، وكان يطيلُ سجوده جدا، ثمَّ يجلس متوجِّهاً مشاهداً مراقباً إلى قريب طلوع الفجر، ثمَّ يأخذ في الا بتهال والدعاء والتذلل، ويغشاه نورٌ يكاد يخطف الأبصار، إلى أن يغيب عن النظر، قال: وكنتُ أسمع عنده: سلامٌ عليكم، سلامٌ عليكم وهو يردُّ السلام إلى أن يخرجَ لصلاة الفجر.
من بديع كلامه
الدنيا قيد الآخرة والآخرة قيدٌ عن ربِّ الدنيا والآخرة لا تأخذهما ولا تشتغل بهما إلا بعد الوصول إليه وإنما تصل إليه من حيثُ قلبك وسرُّك ومعناك، وأعرض عن الدنيا وأقبل على الآخرة، ثمَّ أعرض عن الآخرة وأقبل على الحقِّ سبحانه وتعالى، فإنهما يتبعانك تبعاً بالسير خلفك، تأتي الدنيا ومعها أقسامك منها تطلبك عند الآخرة فلا تجدك عندها، فتقول للآخرة: أين ذهبتِ به؟، فتقول لها الآخرة: أين ذهبتِ به؟، فتقول: ذهب إلى باب الملك وأنا في طلبه أيضا، ويقومان فيسرعان في السير خلفك، فيصلان إليك وأنت على باب الملك فتشكو الدنيا حالها إلى الملك، تشكو منك كيف تركتَ ودائعك وهي الأقسام المرتَّبة لك فيأتي الأمر منه إليك في حقِّها وأخذ الأقسام من يدها، وتأتيك الوصيَّة منه بالأخذ من الدنيا والنظر إلى الأخرى فترجع بينهما في صحبة الملائكة وأرواح النبيين عليهم السَّلام، فتقعد على دكةٍ بين الجنة والنار، بين الدنيا والآخرة، بين الخلق والحق، بين السبب والمسبِّب بين الظاهر والباطن بين ما يُعقل وبينما لا يُعقل، فيصير لك أربعة وجوه:وجهٌ تنظر به إلى الدنيا ووجهٌ تنظر به إلى الآخرة ووجهٌ تنظر به إلى الخلق ووجهٌ تنظر به إلى الخالق عزَّ وجل.
ومن كلامه: أخرجوا الدنيا من قلوبكم إلى أيديكم فإنها لا تضرُّكم.
ومنه: الاسم الأعظم أن تقول الله وليس في قلبك سواه.ولتكن رياضته في أدبه وخلوته بمناجاة ربِّه، ظاهره مع الخلق وباطنه للحق، وأهمُّ شيءٍ عنده نفع الخلق إعظاماً للحق، وليجعل مذاكرته لهم فيما يحببهم إلى ربِّهم، ويذكِّرهم بما نسوه من فضله، من مبدأ أمرهم إلى نهاية خطبهم، وأن يُبرز لهم فضائل نبيِّهم، وأنَّه السبب الموصول في هديهم، وأنه النور الذي انبثقت منه أشعة أنوارهم وظهرت من كنز حقيقته جواهر أسرارهم، كذلك يبدي لهم فضائل أهل بيت النبوَّة الذين أشرقت من مطالعهم شموس الاهتداء، وبزغت في سماء طوالعهم كواكب الاقتداء منهم غوث الله الأعظم، وبازه الطائر في حظيرة سرِّه الأكرم، وهو ملاذ هذه الطريقة وإمامها، وبه نشرت في الخافقين أعلامها، فالتمسُّك فيها أخذ بعزائم الشريعة فسر بها يا خاطب عروس الحقيقة، فإنها لنيل الوصل أقربُ طريقة واحذر خبايا النفس ودسائسها واستبدل طلب الأهوية بنفحا الأنس، ولا تنزل إلا وأنت على باب حضرة القدس واصغ لكلام سيِّدي عزالدين حسين:
سر في السباسبِ واقطعِ البيداء ودع القصور وخالف الأهواءواطلب رفيقاً في الطريق له به خبرٌ وخلِّ الجهلَ والجهلاءَوأمط رِدا الأغيار عنك لتكتسي من حُلَّة التوحيد فيه قباءَواركب مطايا الشوق غير معرِّس إلا إذا حلَّ الحجيجُ كداءَفاخلع هنا النعلينِ نفسك والهوى حالاً عسى بمنىً تنال مُناءَوعساك تنحرُ هَديَ نفسك للهدى فتكونُ نفسك عن مناك فداءَوعساك أن تحظى بمنعرج اللوى فترى لجيش العاشقين لواءَوعسى يلوح لعَينِ سرِّك بارق منه ترى ضوءَ النَّهار عِشاءَوعساك تنشقُ نفحةَ الطيب التي علَّت فكانت للعليلِ دواءَهي نفحةُ القُدسِ التي في طابة طابت فأهدتْ للعبيرِ شذاء
وكان يقول: كونوا بوَّابين على باب قلوبكم، وأدخلوا ما يأمركم الله بإدخاله، وأخرجوا ما يأمركم الله بإخراجه، ولا تُخلوا الهوى قلوبكم فتهلكوا.
وكان يقول: لا تظلموا أحداً ولو بسوء ظنِّكم فإنَّ ربَّكم لا يجاوز ظلم ظالم.
وكان يقول: كلَّما جاهدتَ النفسَ وقتلتها بالطاعات كلَّما حييت وكلَّما أكرمتها ولم تنهها في مرضاة الله ماتت قال وهذا هو معنى حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
وله الأبيات العطرة الجارية مجرى الأمثال والتي بها سمِّي الباز الأشهب:
ما في المناهلِ مَنهلٌ مُستَعذب إلا ولي فيه ألذُ وأطيبُأو في الوصال مكانةٌ مخصوصة إلا ومنزلتي أعزُّ وأقربُوهبتْ ليَ الأيَّام رونق صفوها فحلت مناهلُها وطاب المشربوغدوتُ مخطوباً لكلِّ كريمة لا يهتدي فيها اللبيب ويخطبأنا من رجال لا يخافُ جليسُهم ريبَ الزمانِ ولا يرى ما يَرهبُقومٌ لهم في كلِّ مجدٍ رتبة علويةٌ وبكلِّ جيشٍ موكبُأنا بلبلُ الأفراحِ أملأ دوحَها طرباً وفي العلياءِ بازٌ أشهبُأضحت جيوش الحب تحت مشيئتي طوعاً ومهما رمته لا يعزبُأصبحتُ لا أملاً ولا أمنيَّة أرجو ولا موعودةً أترقَّبُلا زلتُ أرتعُ في ميادين الرضا حتى وُهِبتُ مكانةً لا توهبُأضحى الزمانُ كحلَّةٍ مرموقة تزهو ونحنُ لها الطراز المُذْهبُأفلتْ شموس الأوَّلين وشمسنا أبداً على فلك العُلى لا تغربُ
رضي الله تعالى عن سيِّدي الشيخ عبد القادر الجيلاني ونفعنا به وبوارثي مقامه الشريف في مشارق الدنيا ومغاربها وبسائر مشائخنا الصوفية نجوم الاهتداء وورثة النور المحمَّدي.