برهانيات كوم
سيِّدنا عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديِّ بن كعب ويكنى أبا حفص ويلقَّب بالفاروق وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة وأولاده عبد الله وعبد الرحمن وحفصة وأمهم زينب بنت مظعون رضي الله عنهم وزيد الأكبر ولا ولدَ له ورقية وأمهما الطاهرة السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وزيد الأصغر وعبيد الله وأمهما أم كلثوم بنت جرول رضي الله عنها.
قال أبو نعيم في الحلية ثاني القوم عمر الفاروق ذو المقام الثابت أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق وفرَق به بين الفصل والهزل فظهرت الدعوة ورسخت الكلمة فعلت بالتوحيد أصوات المسلمين بعد تخافت.
إسلام عمر رضي الله عنه
قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: كان أوَّل إسلامي أن ضرب أختي المخاض فخرجت من البيت فدخلت في أستار البيت في ليلة قارَّة(باردة) فجاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعليه نعلاه فصلى ما شاء الله ثمَّ انصرف قال فسمعتُ شيئاً لم أسمع مثله قال: فخرجتُ فاتبعته فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: من هذا ؟ قلت: عمر. قال: يا عمرُ ما تتركني ليلاً ولا نهاراً ؟ فخشيتُ أن يدعوَ عليَّ فقلتُ: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّك رسول الله قال: فيا عمرُ استره. فقلتُ: والذي بعثك بالحقِّ لأُعلننه كما أعلنتُ الشرك. وفي روايةٍ أخرى قال رضي الله عنه: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثمَّ شرح الله صدري للإسلام فقلتُ لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى. فما في الأرض نسمةٌ أحبَّ إليَّ من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فذهبت إلى أختي فقلتُ: أين رسول الله ؟ قالت أختي: هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا فأتيتُ الدار وحمزة رضي الله عنه في أصحابه جلوسٌ في الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت فضربتُ الباب فاستجمع القوم فقال حمزة رضي الله عنه: مالكم ؟ فقالوا: عمر. قال: فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم فأخذ بمجامع ثيابه ثمَّ نثره نثرة فما تمالك أن وقع على ركبته،، فقال صلى الله عليه وسلَّم: أما أنتَ بمنتهٍ ياعمر ؟ قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قال: فكبَّر أهلُ الدارِ تكبيرةً سمعها أهل المسجد، وأشهر الروايات في قصة إسلامه ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إنه علم أن أخته وزوجها قد أسلما فمشى عمر رضي الله عنه حتى أتاهما وعندهما رجلٌ من المهاجرين يقال له خبَّاب، فلما سمع خباب رضي الله عنه حسَّ عمر توارى في البيت فدخل عليهم فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ قالوا وكانوا يقرؤون طه فقالا: ما عدا حديثاً تحدَّثناه بيننا، قال: فلعلَّكما قد صبوتما ؟ قال فوثب عمر رضي الله عنه على ختنه فوطئه وطأً شديدا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده فدمَّى وجهها فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحقُّ في غير دينك أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول، فلما يئس عمر رضي الله عنه منهما قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه، وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته: إنك نجسٌ ولا يمسُّه إلا المطهَّرون قم فاغتسل أو توضَّأ، فقام عمر رضي الله عنه فاغتسل أو توضَّأ ثمَّ اخذ الكتاب فقرأ طه إلى أن انتهى إلى قوله {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} فقال عمر رضي الله عنه: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس اللهم أعزَّ الإسلام بعمر بن الخطَّاب أو عمرو بن هشام (أبو جهل) ورسول الله صلى الله عليه وسلَّم يومذاك في داره التي في أصل الصفا فبايعه على الإسلام وقال الشيخ أحمد زروق في جذبة الحق لعبده: قال عمر رضي الله عنه: كنت مشغولاً بأمورٍ جاهلية فسمعتُ قوله تعالى {ففروا إلى الله فإذا أنا في دار الخيزران بعد قليلٍ من إسلامه يرتجي من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إعلان الدعوة حتى استجاب له رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأعلن الدعوة فكان بحق الفاروق الذي فرَّق به الله بين الحقِّ والباطل قال عمر رضي الله عنه: وكان الرجل إذا أسلم تعلَّق الرجال به يضربونه ويضربُهم فجئت إلى خالي فأعلمته فأغلق الباب دوني وذهبتُ إلى رجلٍ من كبار قريش فأعلمته فدخل داره، ثمّ طرق الباب على أبي جهلٍ فتح الباب فقال عمررضي الله عنه: أعلمتَ أني قد صبأت؟، فاغتاظ وأغلق الباب دونه ثم أراد عمر رضي الله عنه أن ينشر خبر إسلامه فسأل: من أنمُّ أهلِ مكَّة فدلَّ على رجلٍ كان معروفاً بالنميمة فذهب إليه وطرق عليه الباب وأخبره بإسلامه وسأله أن يكتمَه عنه، قيلَ فلم يمسِ وبمكَّة أحدٌ لم يعلم بإسلام عمر وروي عنه مثلُ هذا الحديث قال فدخلتُ البيتَ وقلتُ في نفسي: الناسُ يضربون وأنا لا يضربُني أحد فقال رجل: أتحبُّ أن يُعلمَ بإسلامك ؟ قلتُ: نعم. قال: إذا جلسَ الناسُ في الحجر فائتِ فلاناً فقل له صبوتُ فإنه قلما يكتمُ سرا، فجئته فقلتُ له: اعلم أني قد صبوت، فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطَّاب قد صبا، فما زالوا يضربونني وأضربهم فقال خالي: إني قد أجرتُ ابنَ أختي فلا يمسَّه أحد، فانكشفوا عني، وكنتُ أرى المسلمين يُضربون، فقلتُ: الناسُ يضربون وأنا لا أضرب، فلما جلس الناسُ أتيتُ خالي فقلت: جوارُك رُدَّ عليك، قال: لا تفعل. فأبيت فما زلتُ أُضربُ وأُضرِب حتى أظهر الله الإسلام. قال عبد الله بن مسعود:ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. وقال محمد بن عبيد رضي الله عنه: لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي، وقال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر فتحا وكانت هجرته نصرأ وكانت إمارته رحمة.
قال أبو نعيم: وكان مخصصاً بالسكينة في الإنطاق ومحرزاً من القطيعة والفراق ومشهوراً في الأحكام بالإصابة والوفاق وقد قيلَ إنَ التصوُفَ الموافقةُ للحقِّ والمفارقة للخلق وهكذا كان الفاروق، وقد قال عليٌّ كرَّم الله وجهه: كنا نتحدَّث أنَّ ملكا ينطقُ على لسان عمر، وقال أيضا: ما كنا نُبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر وعن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم: إنَّ الله تعالى عزَّ وجلَّ جعلَ الحقَّ على لسان عمرَ وقلبه. وعن عمر: وافقتُ ربي عزَّ وجلَّ في ثلاثٍ في الصلاة في مقام إبراهيم، وفي الحجاب وفي أسارى بدر فإنه لما كان يومُ بدرٍ فهزم المشركون فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون، فاستشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم أبا بكر وعمر وعلياً رضوان الله عليهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ما ترى يا بن الخطاب ؟ فقلت: أرى أن تمكِّنني من فلانٍ قريب لعمر فأضربُ عنقه وتُمكِّنُ عليَّاً من عقيل فيضربُ عنقه وتمكن حمزة من فلانٍ فيضرب عنقه حتى يعلم الله عزَّ وجلَّ أنه ليس في قلوبنا هوادةٌ للمجرمين هؤلاء صناديدهم وقادتهم وأئمتهم، فلم يهوَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ما قلت، فأخذ منهم الفداء قال عمر: فلما كان من الغد غدوتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم فإذا هو قاعدٌ وأبو بكر، وإذا هما يبكيان، فقلتُ: يارسولَ الله أخبرني ما يبكيك أنتَ وصاحبَك، فإن وجدتُ بكاءً بكيت،، وإن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما قال النبي صلى الله عليه وسلَّم: الذي عرضَ عليَّ أصحابك من الفداء، لقد عُرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة وأشار لشجرةٍ قريبة فأنزل الله تعالى: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يثخنَ في الأرض}.
وقد قال الإمام الصرري رضي الله عنه:
ثمَّ على المحدَّث المفهَّم المبصَّر ذي النظر الثاقب والقلب الصدوق عمر
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه: قدمتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم فجعلتُ أنشده فدخل رجلٌ طوالٌ أقنى فال لي صلى الله عليه وسلَّم: أمسك. فلما خرج قال:هات، فما لبث أن عاد فقال لي صلى الله عليه وسلَّم: أمسك. فلما خرج قال: هات، فقلت: من هذا يا نبيَّ الله الذي إذا دخل قلت: أمسك فإذا خرج قلت هات قال: هذا عمرُ بن الخطَّاب وليس من الباطلِ في شيء. وإخباره صلى الله عليه وسلَّم أن عمر لا يحب الباطل أي من اتخذ من التمدُّح حرفة واكتسابا فيحمله الطمع في الممدوحين على أن يهيم في كلِّ واد ويملأ بأكاذيبه المحافل والأندية فيمدح من لا يستحق المدح ويضع من شأن من أبغضه ولو كان شريفا.
رحمة الخليفة عمر رضي الله عنه
وسيدنا عمر رضي الله عنه كان يُرى شديداً صارما في خلافة سيدنا أبي بكرالصديق رضي الله عنه ولكن لما آل إليه الأمر انقلب إلى حزين بكاء لا ينام الليل ويطوف ببيوت المسلمين يتفقَّد أحوالهم ويتحسس مطالب الأمة ويحمل الزيت والدقيق على ظهره إلى بيت المرأة العجوز ويوقد لها النار وهو يبكي والدخان يتخلَّل لحيته ويقول رضي الله عنه: كم أجاع عمر من أكباد المسلمين الويلُ لعمر. وقيل سمع عمر بكاء صبيٍّ بالليل فتوجَّه نحوه وقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيِّك ثمَّ عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فأتى أمه فقال لها: إني لأراك أم سوء مالي أرى ابنك لا يقرُّ منذ الليلة: قالت وهي لا تعرفه: يا عبد الله قد أبرمتني الليلة إني أريغه عن الفطام فيأبى. قال: ولم: قالت: إنَّ عمر لا يفرض إلا للفطم. قال وكم له؟:قالت: كذا وكذا شهرا، قال: ويحك لا تعجليه، فصلَّى الفجر والناس لا تستبين قراءته من البكاء، فلما سلَّم قال: يا بؤساً لعمر كم قتل من أولاد المسلمين ! ثمَّ أمر منادياً فنادى: لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكلِّ مولودٍ في الإسلام. ، وكتب بذلك إلى الآفاق: إنا نفرض لكلِّ مولودٍ في الإسلام. واهتمَّ بالنساء اللائي يغيب أزواجهنَّ في الأسفار البعيدة وسأل ابنته حفصة: كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فأجابت ستة أشهر فكان لا يغزي جيشاً له أكثر من ستة أشهر ولنا عبرة الآن في كلام سيَّدنا عمر رضي الله عنه عندما نرى المغتربين الذين يقضون السنوات الطوال خارج الوطن ويتركون أزواجهم لمدة أربع أو خمس سنوات دون أن يرين أزواجهن وكذلك يفقدون الصلة بأولادهم وبناتهم وكثيراً ما يجرُّ هذا إلى كثير من المفاسد وخراب البيوت وعندما يكون الأب قد جمع مبلغاً كبيراً من المال وعاد إلى الوطن - هذا إذا حالفه التوفيق وكثيراً مالا يحالفه التوفيق ـ. يكون الانحلال قد دبَّ إلى الأسرة فيكون الأب قد فقد الأسرة وهو لا يستطيع أن يقوِّم إعوجاج زوجته وأبنائه بهذا المال الذي جمعه وقد تبيَّن الكثيرون خطأهم بعد فوات الأوان. إنَّ بقاء الأسرة معاً هو السبيل الوحيد لإنشاء رابطة قوية بين الأب والزوجة والأب والأبناء. وقد منع سيِّدنا عمر رضي الله عنه أيضاً في عهده الزواج بالكتابيات وعلَّل ذلك بأنه يخشى من الفتنة فإنهنَّ من قوم عدو وينسب إليه قوله (فمن لبنات المسلمين؟) وقد انتشر زواج المغتربين والمبعوثين في أوروبا وأمريكا بالكتابيات وقد أباحه الله تعالى في قوله: {اليوم أحلَّ لكم الطيِّبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} وقد تبيَّن لنا الآن من الأمثلة التي لا تحصى مخاطر الزواج من الكتابيات وما يجرُّه على الأبناء من الشتات النفسي فهم لا يستطيعون أن يحددوا بدقة إلى أي دينٍ ينتمون وقد لقيتُ كثيرا منهم وهم يُعلنون عن أنفسهم بوصفهم مسلمين ولكنهم لا يصلون ولا يصومون ويتشككون في كثير من قيم الإسلام، وكانت هناك امرأة كتابية متزوِّجة من مسلم وكان أولادها مسلمين و لكنها كانت تفرض على زوجها وأولادها أن يحضر القسيس إلى بيتها يوماً في الأسبوع (لكي ينصح الأولاد) على حدِّ تعبيرها وكلمة ينصح كلمة فضفاضة ولا شكَّ أنها كانت تريد أن تجرَّهم إلى دينها بهذا الأسلوب. كما أن رحمة عمر رضي الله عنه ببنات المسلمين وحرصه على إحصانهنَّ هو الدافع لقوله هذا ونحن أحوجُ ما نكون لحكمته في هذا الزمن الذي كثر فيه الفساد بل قد زاد عدد النساء على الرجال زيادةً كبيرة وقد حضَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم على حسن اختيار الزوجة حتى في إطار المجتمع المسلم وقال: عليك بذات الدين تربت يداك. وحذَّر من خضراء الدمن وهي المرأة الحسناء في منبت السوء ولو كانت مسلمة فكيف بمن هي على غير الإسلام تلك أسمى آياتِ الحكمة والحرص والسهر على مصالح المسلمين.
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديِّ بن كعب ويكنى أبا حفص ويلقَّب بالفاروق وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة وأولاده عبد الله وعبد الرحمن وحفصة وأمهم زينب بنت مظعون رضي الله عنهم وزيد الأكبر ولا ولدَ له ورقية وأمهما الطاهرة السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وزيد الأصغر وعبيد الله وأمهما أم كلثوم بنت جرول رضي الله عنها.
قال أبو نعيم في الحلية ثاني القوم عمر الفاروق ذو المقام الثابت أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق وفرَق به بين الفصل والهزل فظهرت الدعوة ورسخت الكلمة فعلت بالتوحيد أصوات المسلمين بعد تخافت.
إسلام عمر رضي الله عنه
قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: كان أوَّل إسلامي أن ضرب أختي المخاض فخرجت من البيت فدخلت في أستار البيت في ليلة قارَّة(باردة) فجاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعليه نعلاه فصلى ما شاء الله ثمَّ انصرف قال فسمعتُ شيئاً لم أسمع مثله قال: فخرجتُ فاتبعته فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: من هذا ؟ قلت: عمر. قال: يا عمرُ ما تتركني ليلاً ولا نهاراً ؟ فخشيتُ أن يدعوَ عليَّ فقلتُ: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّك رسول الله قال: فيا عمرُ استره. فقلتُ: والذي بعثك بالحقِّ لأُعلننه كما أعلنتُ الشرك. وفي روايةٍ أخرى قال رضي الله عنه: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثمَّ شرح الله صدري للإسلام فقلتُ لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى. فما في الأرض نسمةٌ أحبَّ إليَّ من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فذهبت إلى أختي فقلتُ: أين رسول الله ؟ قالت أختي: هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا فأتيتُ الدار وحمزة رضي الله عنه في أصحابه جلوسٌ في الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت فضربتُ الباب فاستجمع القوم فقال حمزة رضي الله عنه: مالكم ؟ فقالوا: عمر. قال: فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم فأخذ بمجامع ثيابه ثمَّ نثره نثرة فما تمالك أن وقع على ركبته،، فقال صلى الله عليه وسلَّم: أما أنتَ بمنتهٍ ياعمر ؟ قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قال: فكبَّر أهلُ الدارِ تكبيرةً سمعها أهل المسجد، وأشهر الروايات في قصة إسلامه ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إنه علم أن أخته وزوجها قد أسلما فمشى عمر رضي الله عنه حتى أتاهما وعندهما رجلٌ من المهاجرين يقال له خبَّاب، فلما سمع خباب رضي الله عنه حسَّ عمر توارى في البيت فدخل عليهم فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ قالوا وكانوا يقرؤون طه فقالا: ما عدا حديثاً تحدَّثناه بيننا، قال: فلعلَّكما قد صبوتما ؟ قال فوثب عمر رضي الله عنه على ختنه فوطئه وطأً شديدا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده فدمَّى وجهها فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحقُّ في غير دينك أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول، فلما يئس عمر رضي الله عنه منهما قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه، وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته: إنك نجسٌ ولا يمسُّه إلا المطهَّرون قم فاغتسل أو توضَّأ، فقام عمر رضي الله عنه فاغتسل أو توضَّأ ثمَّ اخذ الكتاب فقرأ طه إلى أن انتهى إلى قوله {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} فقال عمر رضي الله عنه: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس اللهم أعزَّ الإسلام بعمر بن الخطَّاب أو عمرو بن هشام (أبو جهل) ورسول الله صلى الله عليه وسلَّم يومذاك في داره التي في أصل الصفا فبايعه على الإسلام وقال الشيخ أحمد زروق في جذبة الحق لعبده: قال عمر رضي الله عنه: كنت مشغولاً بأمورٍ جاهلية فسمعتُ قوله تعالى {ففروا إلى الله فإذا أنا في دار الخيزران بعد قليلٍ من إسلامه يرتجي من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إعلان الدعوة حتى استجاب له رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأعلن الدعوة فكان بحق الفاروق الذي فرَّق به الله بين الحقِّ والباطل قال عمر رضي الله عنه: وكان الرجل إذا أسلم تعلَّق الرجال به يضربونه ويضربُهم فجئت إلى خالي فأعلمته فأغلق الباب دوني وذهبتُ إلى رجلٍ من كبار قريش فأعلمته فدخل داره، ثمّ طرق الباب على أبي جهلٍ فتح الباب فقال عمررضي الله عنه: أعلمتَ أني قد صبأت؟، فاغتاظ وأغلق الباب دونه ثم أراد عمر رضي الله عنه أن ينشر خبر إسلامه فسأل: من أنمُّ أهلِ مكَّة فدلَّ على رجلٍ كان معروفاً بالنميمة فذهب إليه وطرق عليه الباب وأخبره بإسلامه وسأله أن يكتمَه عنه، قيلَ فلم يمسِ وبمكَّة أحدٌ لم يعلم بإسلام عمر وروي عنه مثلُ هذا الحديث قال فدخلتُ البيتَ وقلتُ في نفسي: الناسُ يضربون وأنا لا يضربُني أحد فقال رجل: أتحبُّ أن يُعلمَ بإسلامك ؟ قلتُ: نعم. قال: إذا جلسَ الناسُ في الحجر فائتِ فلاناً فقل له صبوتُ فإنه قلما يكتمُ سرا، فجئته فقلتُ له: اعلم أني قد صبوت، فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطَّاب قد صبا، فما زالوا يضربونني وأضربهم فقال خالي: إني قد أجرتُ ابنَ أختي فلا يمسَّه أحد، فانكشفوا عني، وكنتُ أرى المسلمين يُضربون، فقلتُ: الناسُ يضربون وأنا لا أضرب، فلما جلس الناسُ أتيتُ خالي فقلت: جوارُك رُدَّ عليك، قال: لا تفعل. فأبيت فما زلتُ أُضربُ وأُضرِب حتى أظهر الله الإسلام. قال عبد الله بن مسعود:ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. وقال محمد بن عبيد رضي الله عنه: لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي، وقال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر فتحا وكانت هجرته نصرأ وكانت إمارته رحمة.
قال أبو نعيم: وكان مخصصاً بالسكينة في الإنطاق ومحرزاً من القطيعة والفراق ومشهوراً في الأحكام بالإصابة والوفاق وقد قيلَ إنَ التصوُفَ الموافقةُ للحقِّ والمفارقة للخلق وهكذا كان الفاروق، وقد قال عليٌّ كرَّم الله وجهه: كنا نتحدَّث أنَّ ملكا ينطقُ على لسان عمر، وقال أيضا: ما كنا نُبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر وعن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم: إنَّ الله تعالى عزَّ وجلَّ جعلَ الحقَّ على لسان عمرَ وقلبه. وعن عمر: وافقتُ ربي عزَّ وجلَّ في ثلاثٍ في الصلاة في مقام إبراهيم، وفي الحجاب وفي أسارى بدر فإنه لما كان يومُ بدرٍ فهزم المشركون فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون، فاستشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم أبا بكر وعمر وعلياً رضوان الله عليهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ما ترى يا بن الخطاب ؟ فقلت: أرى أن تمكِّنني من فلانٍ قريب لعمر فأضربُ عنقه وتُمكِّنُ عليَّاً من عقيل فيضربُ عنقه وتمكن حمزة من فلانٍ فيضرب عنقه حتى يعلم الله عزَّ وجلَّ أنه ليس في قلوبنا هوادةٌ للمجرمين هؤلاء صناديدهم وقادتهم وأئمتهم، فلم يهوَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ما قلت، فأخذ منهم الفداء قال عمر: فلما كان من الغد غدوتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم فإذا هو قاعدٌ وأبو بكر، وإذا هما يبكيان، فقلتُ: يارسولَ الله أخبرني ما يبكيك أنتَ وصاحبَك، فإن وجدتُ بكاءً بكيت،، وإن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما قال النبي صلى الله عليه وسلَّم: الذي عرضَ عليَّ أصحابك من الفداء، لقد عُرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة وأشار لشجرةٍ قريبة فأنزل الله تعالى: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يثخنَ في الأرض}.
وقد قال الإمام الصرري رضي الله عنه:
ثمَّ على المحدَّث المفهَّم المبصَّر ذي النظر الثاقب والقلب الصدوق عمر
عمر رضي الله عنه رجل لا يحبُّ الباطل
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه: قدمتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم فجعلتُ أنشده فدخل رجلٌ طوالٌ أقنى فال لي صلى الله عليه وسلَّم: أمسك. فلما خرج قال:هات، فما لبث أن عاد فقال لي صلى الله عليه وسلَّم: أمسك. فلما خرج قال: هات، فقلت: من هذا يا نبيَّ الله الذي إذا دخل قلت: أمسك فإذا خرج قلت هات قال: هذا عمرُ بن الخطَّاب وليس من الباطلِ في شيء. وإخباره صلى الله عليه وسلَّم أن عمر لا يحب الباطل أي من اتخذ من التمدُّح حرفة واكتسابا فيحمله الطمع في الممدوحين على أن يهيم في كلِّ واد ويملأ بأكاذيبه المحافل والأندية فيمدح من لا يستحق المدح ويضع من شأن من أبغضه ولو كان شريفا.
رحمة الخليفة عمر رضي الله عنه
وسيدنا عمر رضي الله عنه كان يُرى شديداً صارما في خلافة سيدنا أبي بكرالصديق رضي الله عنه ولكن لما آل إليه الأمر انقلب إلى حزين بكاء لا ينام الليل ويطوف ببيوت المسلمين يتفقَّد أحوالهم ويتحسس مطالب الأمة ويحمل الزيت والدقيق على ظهره إلى بيت المرأة العجوز ويوقد لها النار وهو يبكي والدخان يتخلَّل لحيته ويقول رضي الله عنه: كم أجاع عمر من أكباد المسلمين الويلُ لعمر. وقيل سمع عمر بكاء صبيٍّ بالليل فتوجَّه نحوه وقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيِّك ثمَّ عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فأتى أمه فقال لها: إني لأراك أم سوء مالي أرى ابنك لا يقرُّ منذ الليلة: قالت وهي لا تعرفه: يا عبد الله قد أبرمتني الليلة إني أريغه عن الفطام فيأبى. قال: ولم: قالت: إنَّ عمر لا يفرض إلا للفطم. قال وكم له؟:قالت: كذا وكذا شهرا، قال: ويحك لا تعجليه، فصلَّى الفجر والناس لا تستبين قراءته من البكاء، فلما سلَّم قال: يا بؤساً لعمر كم قتل من أولاد المسلمين ! ثمَّ أمر منادياً فنادى: لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكلِّ مولودٍ في الإسلام. ، وكتب بذلك إلى الآفاق: إنا نفرض لكلِّ مولودٍ في الإسلام. واهتمَّ بالنساء اللائي يغيب أزواجهنَّ في الأسفار البعيدة وسأل ابنته حفصة: كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فأجابت ستة أشهر فكان لا يغزي جيشاً له أكثر من ستة أشهر ولنا عبرة الآن في كلام سيَّدنا عمر رضي الله عنه عندما نرى المغتربين الذين يقضون السنوات الطوال خارج الوطن ويتركون أزواجهم لمدة أربع أو خمس سنوات دون أن يرين أزواجهن وكذلك يفقدون الصلة بأولادهم وبناتهم وكثيراً ما يجرُّ هذا إلى كثير من المفاسد وخراب البيوت وعندما يكون الأب قد جمع مبلغاً كبيراً من المال وعاد إلى الوطن - هذا إذا حالفه التوفيق وكثيراً مالا يحالفه التوفيق ـ. يكون الانحلال قد دبَّ إلى الأسرة فيكون الأب قد فقد الأسرة وهو لا يستطيع أن يقوِّم إعوجاج زوجته وأبنائه بهذا المال الذي جمعه وقد تبيَّن الكثيرون خطأهم بعد فوات الأوان. إنَّ بقاء الأسرة معاً هو السبيل الوحيد لإنشاء رابطة قوية بين الأب والزوجة والأب والأبناء. وقد منع سيِّدنا عمر رضي الله عنه أيضاً في عهده الزواج بالكتابيات وعلَّل ذلك بأنه يخشى من الفتنة فإنهنَّ من قوم عدو وينسب إليه قوله (فمن لبنات المسلمين؟) وقد انتشر زواج المغتربين والمبعوثين في أوروبا وأمريكا بالكتابيات وقد أباحه الله تعالى في قوله: {اليوم أحلَّ لكم الطيِّبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} وقد تبيَّن لنا الآن من الأمثلة التي لا تحصى مخاطر الزواج من الكتابيات وما يجرُّه على الأبناء من الشتات النفسي فهم لا يستطيعون أن يحددوا بدقة إلى أي دينٍ ينتمون وقد لقيتُ كثيرا منهم وهم يُعلنون عن أنفسهم بوصفهم مسلمين ولكنهم لا يصلون ولا يصومون ويتشككون في كثير من قيم الإسلام، وكانت هناك امرأة كتابية متزوِّجة من مسلم وكان أولادها مسلمين و لكنها كانت تفرض على زوجها وأولادها أن يحضر القسيس إلى بيتها يوماً في الأسبوع (لكي ينصح الأولاد) على حدِّ تعبيرها وكلمة ينصح كلمة فضفاضة ولا شكَّ أنها كانت تريد أن تجرَّهم إلى دينها بهذا الأسلوب. كما أن رحمة عمر رضي الله عنه ببنات المسلمين وحرصه على إحصانهنَّ هو الدافع لقوله هذا ونحن أحوجُ ما نكون لحكمته في هذا الزمن الذي كثر فيه الفساد بل قد زاد عدد النساء على الرجال زيادةً كبيرة وقد حضَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم على حسن اختيار الزوجة حتى في إطار المجتمع المسلم وقال: عليك بذات الدين تربت يداك. وحذَّر من خضراء الدمن وهي المرأة الحسناء في منبت السوء ولو كانت مسلمة فكيف بمن هي على غير الإسلام تلك أسمى آياتِ الحكمة والحرص والسهر على مصالح المسلمين.