يحاول بعض الناس إما عمداً أو جهلاً أن يخدعوا أنظار المسلمين عما كان عليه السلف الصالح، ويَدّعون معرفتهم، ويتسببون فى حيرة الناس، حتى أنهم ليتسائلون:
هل كل الناس واردون على النار؟
هل كل الناس واردون على النار؟
- خدعة العصر الحديث ( التصوف بوابة التشيع ) بقلم وليد ابراهيم
- قضية الشباب والتدين وفق الدين الإسلامي
- الشرح الصحيح لاقسام الدين فى منظور الصوفية
- بقلم وليد ابراهيم : الإسلام هو حب أهل البيت
يقول البعض هذا مستندا الى الآية ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً﴾ مريم 71، ولكنا نقول لهم لماذا لا تكملون الآية ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً • ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾ مريم 71-72.
أخى الحبيب أرجو أن تقرأ معى الآيات التى قبلها ﴿وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً • أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا • فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً • ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً • ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً﴾ مريم 66: 70
تجد أن المولى تبارك وتعالى يحدثنا عن الذين ينكرون البعث فيقول تعالى ﴿وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً﴾، هؤلاء يُقسم تبارك وتعالى ليحشرهم مقرنين بأوليائهم من الشياطين جثياً يعنى قعوداً باركين على ركبهم أذلاء على شاطىء جهنم ثم يقول ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً﴾، أى من هم الأولى بجهنم، فكيف يا أخى المؤمن أن تظن بعد ذلك الحديث أن يُجمل المولى تبارك وتعالى الكل فى الورود على العذاب، لا يا أخى إن الله عادل بل إنه الرحمن الرحيم تجد هذا كله فى الآية 72 ﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾، فلا تنزعج من ورود الكل على النار فقد قال الـمُنَجِّى سبحانه ثم نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا فكن من الْمُتَّقِينَ ولا تكن من الظالمين ثم ألفت نظرك الى أنه غابت عنك آية أخرى تقول ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ الأنبياء 101، فكيف تقول بأن الكل واردها أليس هذا استثناءاً أيضاً؟ وأغرب من هذا تجد حرفاً يغير معنى آية وأيضاً التشكيل مثل الفتحة والكسرة والضمة تغير المعنى والتأويل أيضاً والنسخ كنسخ آية بآية أخرى وسبب نزول الآية يفهمنا المعنى. والآن أتركك فى رحاب أكثر من تفسير ليتضح لك المعنى ويطمئن قلبك.
كلٌّ يَرِدُ النارَ ولكن لا ضيْرَ منها ولا احتباسَ بها لأحدٍ إلا بمقدار ما عليه من السيئات والزلل؛ فأشدُّهم إنهماكاً أشدهم بالنار اشتعالاً واحتراقاً. وقوم يردونها كما فى الخبر: إن للنار عند مرورهم عليها إذوابةً كإذوابةِ اللَّبَن، فيدخلونها ولا يحسون بها، فإذا عبروها قالوا: أو ليس وعدنا جهنم على طريق؟ فيقال لهم: عبرتم وما شعرتم أ.هـ.
وإن منكم أحد إلا واردها داخلها والمراد النار والورود هو الدخول عند على وابن عباس وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ هود 98، ولقوله تعالى ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا﴾ الأنبياء 99،ولقوله ﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، إذ النجاة إنما تكون بعد الدخول ولقوله (الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاما؛ً كما كانت على إبراهيم وتقول النار للمؤمن: جُز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبى)، وقيل: الورود بمعنى الدخول لكنه يختص بالكفار لقراءة ابن عباس وإن منهم تحمل القراءة المشهورة على الالتفات وعن عبد الله الورود الحضور لقوله تعالى ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ القصص 23، وقوله ﴿أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾
بأن المراد عن عذابها وعن الحسن وقتادة الورود المرور على الصراط لأن الصراط ممدود عليها فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار وعن مجاهد ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده فى الدنيا لقوله (الحمى حظ كل مؤمن من النار)، وقال رجل من الصحابة لآخر: أيقنت بالورود قال: نعم قال: وأيقنت بالصدر قال: لا قال: ففيم الضحك وفيم التثاقل كان على ربك حتما مقضيا أى كان ورودهم واجباً كائناً محتوماً والحتم مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمى به الموجب كقولهم ضرب الأمير ثم ننجى الذين اتقوا عن الشرك وهم المؤمنون ونذر الظالمين فيها جثياً فيه دليل على دخول الكل لأنه قال: ونذر ولم يقل: وندخل والمذهب أن صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محالة وقالت: المرجئة الخبيثة لا يعاقب لأن المعصية لا تضر مع الإسلام عندهم. أ.هـ.
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ﴾، وما منكم التفات إلى الإنسان ويؤيده أنه قرىء وإن منهم ﴿إِلاَّ وَارِدُهَا﴾، إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمنون وهى خامدة وتنهار بغيرهم وعن جابر أنه سُئل عنه فقال (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض: أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار، فيقال لهم: قد وردتموها وهى خامدة)، وأما قوله تعالى ﴿أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾، فالمراد عن عذابها وقيل: ورودها الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً﴾، كان ورودهم واجباً أوجبه الله على نفسه وقضى به بأن وعد به وعداً لا يمكن خلفه وقيل أقسم عليه ﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، فيساقون إلى الجنة، وقرأ الكسائى ويعقوب: ننجى بالتخفيف وقرئ ثم بفتح الثاء أى هناك ونذر ﴿الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾، منهاراً بهم كما كانوا وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وأن المؤمنين يفارقون الفجرة إلى الجنة بعد تجاثيهم وتبقى الفجرة فيها منهاراً بهم على هيئاتهم أ.هـ.
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾، فيه التفات لإظهار مزيد الاعتناء، وقرئ: وإن منهم. ويحتمل أن يكون الخطاب لجميع الخلق، أى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ﴾، أيها الناس ﴿إِلاَّ وَارِدُهَا﴾، أى: واصلها وحاضرها، يمرُ بها المؤمنون وهى خامدة، وتنهار بغيرهم. وعن جابر أنه سُئل عن ذلك فقال (إِذَا دَخَلَ أَهْلَ الجَنَّة قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَليْسَ قَدْ وعدنَا ربُّنا أَنْ نَرِدَ النَّارَ؟ فَيُقالُ لَهُمْ: قَدْ وَرَدْتُمُوهَا وَهِىَ خَامِدَةٌ)، وأما قوله تعالى: ﴿أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾، فالمراد به الإبعاد عن عذابها، وقيل: ورودها: الجواز على الصراط بالمرور عليها.
الضمير فى ﴿وَارِدُهَا﴾، للقيامة، وحينئذ فلا يعارض: ﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ الأنبياء 102، ولا ما جاء فيمن يدخل الجنة بغير حساب، ولا مرور على الصراط، فضلاً عن الدخول فيها، على أنه اختلف فى الورود، فقيل: الدخول وتكون برداً وسلاماً على المؤمن وقيل: المرور كما تقدم، وقيل: الإشراف عليها والاطّلاع. قال القشيرى: كلٌّ يَرِدُ النارَ، ولكن لا ضيْرَ منها ولا إحساس لأحدٍ إلا بمقدار ما عليه من السيئات، والزلل، فأشدُّهم فيها انهماكاً: أشدهم فيها بالنار اشتعالاً واحتراقاً، وأما برىء الساحة، نقى الجانب بعيد الذنوب، فكما فى الخبر (إن النار عند مرورهم ربوة كربوة اللَّبَن أى: جامدة كجمود اللبن حين يسخن فيدخلونها ولا يحسون بها، فإذا عبروها قالوا: أليس قد وعدنا جهنم على الطريق؟ فيقال لهم: عبرتم وما شعرتم). أ.هـ.
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾، الآية، فلا ينفك عبدٌ ليس معصوماً عن الميل عن الاستقامة، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتاً عظيماً، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم فى النار إلى أوان الخلاص، حتى لا يبقى بعضُهم إلا بقدر تحلة القسم، ويبقى بعضهم ألفاً وألوف سنين، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه؛ فإنه أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار، الذى من صفته أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخِف مرور العبد يوم القيامة على الصراط.
يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾، وإنما بَعُدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم، فهم يمضون فى النار، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض: أليس قد وُعدنا النار، فذكر ما تقدم. ثم قال: فأما ضجة النار فمن بردهم، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب، فبالرحمة نالوا النور، حتى أشرق فى قلوبهم وصدورهم، فكان نوره فى قلوبهم، والرحمة مظلة عليهم، فخمدت النار من بردهم عندما لقُوهَا، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك رُوى أنها تقول: جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبى. أ.هـ.
إذا كان جمال الحق مصحوبهم، فلا بأس بالوقوف فى النيران، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها زلال وسَلسال وسيحانها وِرْدُ
لولا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم، فمَنْ كان أشد إعراضاً عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار، ألا ترى أن الله يقول ﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾. أ.هـ. قلت: وقد تقدم أن من لا حساب عليهم -وهم المقربون- يمرون على الصراط ولا يحسون به، وهم الذين يمرون عليه كالطير أو كالبرق، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه، وبجاه خير الخلق مولانا محمد نبيه وحِبه، آمين.
وصل الله على أكمل الرسل الكرام وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
محمد مقبول
أخى الحبيب أرجو أن تقرأ معى الآيات التى قبلها ﴿وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً • أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا • فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً • ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً • ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً﴾ مريم 66: 70
تجد أن المولى تبارك وتعالى يحدثنا عن الذين ينكرون البعث فيقول تعالى ﴿وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً﴾، هؤلاء يُقسم تبارك وتعالى ليحشرهم مقرنين بأوليائهم من الشياطين جثياً يعنى قعوداً باركين على ركبهم أذلاء على شاطىء جهنم ثم يقول ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً﴾، أى من هم الأولى بجهنم، فكيف يا أخى المؤمن أن تظن بعد ذلك الحديث أن يُجمل المولى تبارك وتعالى الكل فى الورود على العذاب، لا يا أخى إن الله عادل بل إنه الرحمن الرحيم تجد هذا كله فى الآية 72 ﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾، فلا تنزعج من ورود الكل على النار فقد قال الـمُنَجِّى سبحانه ثم نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا فكن من الْمُتَّقِينَ ولا تكن من الظالمين ثم ألفت نظرك الى أنه غابت عنك آية أخرى تقول ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ الأنبياء 101، فكيف تقول بأن الكل واردها أليس هذا استثناءاً أيضاً؟ وأغرب من هذا تجد حرفاً يغير معنى آية وأيضاً التشكيل مثل الفتحة والكسرة والضمة تغير المعنى والتأويل أيضاً والنسخ كنسخ آية بآية أخرى وسبب نزول الآية يفهمنا المعنى. والآن أتركك فى رحاب أكثر من تفسير ليتضح لك المعنى ويطمئن قلبك.
تفسير الإمام القشيرى:
كلٌّ يَرِدُ النارَ ولكن لا ضيْرَ منها ولا احتباسَ بها لأحدٍ إلا بمقدار ما عليه من السيئات والزلل؛ فأشدُّهم إنهماكاً أشدهم بالنار اشتعالاً واحتراقاً. وقوم يردونها كما فى الخبر: إن للنار عند مرورهم عليها إذوابةً كإذوابةِ اللَّبَن، فيدخلونها ولا يحسون بها، فإذا عبروها قالوا: أو ليس وعدنا جهنم على طريق؟ فيقال لهم: عبرتم وما شعرتم أ.هـ.
تفسير الإمام النسفى:
وإن منكم أحد إلا واردها داخلها والمراد النار والورود هو الدخول عند على وابن عباس وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ هود 98، ولقوله تعالى ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا﴾ الأنبياء 99،ولقوله ﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، إذ النجاة إنما تكون بعد الدخول ولقوله (الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاما؛ً كما كانت على إبراهيم وتقول النار للمؤمن: جُز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبى)، وقيل: الورود بمعنى الدخول لكنه يختص بالكفار لقراءة ابن عباس وإن منهم تحمل القراءة المشهورة على الالتفات وعن عبد الله الورود الحضور لقوله تعالى ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ القصص 23، وقوله ﴿أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾
وأجيب عنه:
بأن المراد عن عذابها وعن الحسن وقتادة الورود المرور على الصراط لأن الصراط ممدود عليها فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار وعن مجاهد ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده فى الدنيا لقوله (الحمى حظ كل مؤمن من النار)، وقال رجل من الصحابة لآخر: أيقنت بالورود قال: نعم قال: وأيقنت بالصدر قال: لا قال: ففيم الضحك وفيم التثاقل كان على ربك حتما مقضيا أى كان ورودهم واجباً كائناً محتوماً والحتم مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمى به الموجب كقولهم ضرب الأمير ثم ننجى الذين اتقوا عن الشرك وهم المؤمنون ونذر الظالمين فيها جثياً فيه دليل على دخول الكل لأنه قال: ونذر ولم يقل: وندخل والمذهب أن صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محالة وقالت: المرجئة الخبيثة لا يعاقب لأن المعصية لا تضر مع الإسلام عندهم. أ.هـ.
تفسير الإمام البيضاوى:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ﴾، وما منكم التفات إلى الإنسان ويؤيده أنه قرىء وإن منهم ﴿إِلاَّ وَارِدُهَا﴾، إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمنون وهى خامدة وتنهار بغيرهم وعن جابر أنه سُئل عنه فقال (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض: أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار، فيقال لهم: قد وردتموها وهى خامدة)، وأما قوله تعالى ﴿أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾، فالمراد عن عذابها وقيل: ورودها الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً﴾، كان ورودهم واجباً أوجبه الله على نفسه وقضى به بأن وعد به وعداً لا يمكن خلفه وقيل أقسم عليه ﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، فيساقون إلى الجنة، وقرأ الكسائى ويعقوب: ننجى بالتخفيف وقرئ ثم بفتح الثاء أى هناك ونذر ﴿الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾، منهاراً بهم كما كانوا وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وأن المؤمنين يفارقون الفجرة إلى الجنة بعد تجاثيهم وتبقى الفجرة فيها منهاراً بهم على هيئاتهم أ.هـ.
تفسير الامام ابن عجيبة:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾، فيه التفات لإظهار مزيد الاعتناء، وقرئ: وإن منهم. ويحتمل أن يكون الخطاب لجميع الخلق، أى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ﴾، أيها الناس ﴿إِلاَّ وَارِدُهَا﴾، أى: واصلها وحاضرها، يمرُ بها المؤمنون وهى خامدة، وتنهار بغيرهم. وعن جابر أنه سُئل عن ذلك فقال (إِذَا دَخَلَ أَهْلَ الجَنَّة قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَليْسَ قَدْ وعدنَا ربُّنا أَنْ نَرِدَ النَّارَ؟ فَيُقالُ لَهُمْ: قَدْ وَرَدْتُمُوهَا وَهِىَ خَامِدَةٌ)، وأما قوله تعالى: ﴿أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾، فالمراد به الإبعاد عن عذابها، وقيل: ورودها: الجواز على الصراط بالمرور عليها.
وعن ابن مسعود:
الضمير فى ﴿وَارِدُهَا﴾، للقيامة، وحينئذ فلا يعارض: ﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ الأنبياء 102، ولا ما جاء فيمن يدخل الجنة بغير حساب، ولا مرور على الصراط، فضلاً عن الدخول فيها، على أنه اختلف فى الورود، فقيل: الدخول وتكون برداً وسلاماً على المؤمن وقيل: المرور كما تقدم، وقيل: الإشراف عليها والاطّلاع. قال القشيرى: كلٌّ يَرِدُ النارَ، ولكن لا ضيْرَ منها ولا إحساس لأحدٍ إلا بمقدار ما عليه من السيئات، والزلل، فأشدُّهم فيها انهماكاً: أشدهم فيها بالنار اشتعالاً واحتراقاً، وأما برىء الساحة، نقى الجانب بعيد الذنوب، فكما فى الخبر (إن النار عند مرورهم ربوة كربوة اللَّبَن أى: جامدة كجمود اللبن حين يسخن فيدخلونها ولا يحسون بها، فإذا عبروها قالوا: أليس قد وعدنا جهنم على الطريق؟ فيقال لهم: عبرتم وما شعرتم). أ.هـ.
ويقول فى الاشارة والتأويل:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾، الآية، فلا ينفك عبدٌ ليس معصوماً عن الميل عن الاستقامة، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتاً عظيماً، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم فى النار إلى أوان الخلاص، حتى لا يبقى بعضُهم إلا بقدر تحلة القسم، ويبقى بعضهم ألفاً وألوف سنين، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه؛ فإنه أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار، الذى من صفته أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخِف مرور العبد يوم القيامة على الصراط.
وقال الترمذى الحكيم:
يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾، وإنما بَعُدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم، فهم يمضون فى النار، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض: أليس قد وُعدنا النار، فذكر ما تقدم. ثم قال: فأما ضجة النار فمن بردهم، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب، فبالرحمة نالوا النور، حتى أشرق فى قلوبهم وصدورهم، فكان نوره فى قلوبهم، والرحمة مظلة عليهم، فخمدت النار من بردهم عندما لقُوهَا، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك رُوى أنها تقول: جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبى. أ.هـ.
وقال الورتجبى:
إذا كان جمال الحق مصحوبهم، فلا بأس بالوقوف فى النيران، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها زلال وسَلسال وسيحانها وِرْدُ
وقال سيدى جعفر الصادق:
لولا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم، فمَنْ كان أشد إعراضاً عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار، ألا ترى أن الله يقول ﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾. أ.هـ. قلت: وقد تقدم أن من لا حساب عليهم -وهم المقربون- يمرون على الصراط ولا يحسون به، وهم الذين يمرون عليه كالطير أو كالبرق، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه، وبجاه خير الخلق مولانا محمد نبيه وحِبه، آمين.
وصل الله على أكمل الرسل الكرام وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
محمد مقبول
- هل يغلق القلب عن قبول الهداية والحقيقة وما هو السبب؟
- اثبات وجوب التوسل والواسطة بين العبد وربه من الكتاب والسنة
- اثبات شفاعة الأولياء والعارفين من القران والسنة
- القول فى تفسير القرآن بالرأى وتفسير قوله ( وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم ) عند الصوفية
تعليقات: 0
إرسال تعليق