يحاول بعض الناس إما عمداً أو جهلاً أن يخدعوا أنظار المسلمين عما كان عليه السلف الصالح، ويَدّعون معرفتهم، ويتسببون فى حيرة الناس، حتى أنهم ليتسائلون:
هل يغلق القلب عن قبول الهداية والحقيقة وما هو السبب؟
هل يغلق القلب عن قبول الهداية والحقيقة وما هو السبب؟
- اثبات وجوب التوسل والواسطة بين العبد وربه من الكتاب والسنة
- اثبات شفاعة الأولياء والعارفين من القران والسنة
- القول فى تفسير القرآن بالرأى وتفسير قوله ( وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم ) عند الصوفية
- اثبات مشروعية القباب على بيوت الأولياء ونفى البدعة عنها
أيها المسلم الكريم انتبه جيداً لأغلى وأعز شىء فى عالمك الباطنى ألا وهو قلبك الذى تستطيع به أن تتعرف على أغلى وأعز شىء فى حياتك ألا وهو دينك على حقيقته كما أراده الله لك فإنه منهج وسلوك.
يقول المولى تبارك وتعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ • خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ البقرة 6-7، فمن ناحية الشريعة يحدثنا عن الآية الإمام ابن عجيبة فيقول: يقول الحقّ جلّ جلاله: يامحمد ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، بما أنزل إليك جهراً، وسبقت لهم منى الشقاوة سرّاً، لا ينفع فيهم الوعظ والإنذار، ولا البشارة والتذكار، فإنذارك وعدمه فى حقهم سواء، لما سبق لهم منى الطرد والشقاء، فالتذكير فى حقهم عناء، والغيبة عن أحوالهم راحة وهناء، لأنى ختمتُ على قلوبهم بطابع الكفران، فلا يهتدون إلى إسلام ولا إيمان، ومنعت أسماعهم أن تصغى إلى الوعظ والتذكير، فلا ينجح فيهم تخويف ولا تحذير، وغشيت أبصارهم بظلمة الحجاب فلا يبصرون الحق والصواب، قد أعددتُهم لعذابى ونقمتى، وطردتهم عن ساحة رحمتى ونعمتى. وإنما أمرتك بإنذارهم لإقامة الحجة عليهم، وإنى وإن حكمت عليهم أنهم من أهل مخالفتى وعنادى؛ فإنى لا أظلم أحداً من خلقى وعبادى ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الأنعام 149، فما ظلمتُهم؛ لأنى بعثتُ الرسلَ مبشرين ومنذرين، ولكن ظلموا أنفسهم فكانوا هم الظالمين، فحكمتى اقتضيت الإنذار، وقدرتى اقتضتالقهر والإجبار، فالواجب عليك أيها العبد أن تكون لك عينان: عينٌ تنظر لحكمتى وشريعتى فتتأدب، وعينٌ تنظر لقدرتى وحقيقتى فتُسلِم، وتكون بى الأمن والرّهْب، فلا تأمَنْ مَكْرِى وإن أمَّنتُك، ولا تيأس من حلمى وإن أبعدتك، فعلمى لا يحيط به محيط، إلا من هو بكل شيئ محيط. أهـ.
هذا عن الذين يموتون على الكفر ولم يدخلوا الإسلام، أما من ناحية من يموتون ولم يؤمنوا بطريق الخصوص والتربية على يد شيخ عارف بالله فيقول فى الإشارة: إن الذين أنكروا وجود الخصوصية، جحدوا أهل مشاهدة الربوبية من أهل التربية النبوية، لا ينفع فيهم الوعظ والتذكير، بما سبق لهم فى علم الملك القدير، فسواءٌ عليهم أأنذرتهم وبال القطيعة والحجاب، أم لم تنذرهم؛ لعدم فتح الباب، قد ختم الله على قلوبهم بالعوائد والشهوات، أو حلاوة الزهد والطاعات، أو تحرير المسائل والمشكلات، وعلى سمع قلوبهم بالخواطر والغفلات، وجعل على أبصارهم غشاوة الحجاب، فلا يبصرون إلا المحسوسات، غائبون عن أسرار المعانى وأنوار التجليات، بخلاف قلوب العارفين، فإنها ترى من أسرار المعانى ما لا يُرى للناظرين، وفى ذلك يقول الشاعر:
قلوبُ العَارفِينَ لَهَا عُيُونٌ تَرى ما لا يُرى للناظرينا
وألسنةٌ بأسْرارٍ تُنَاجِـى تغيبُ عَنَ الكِرَام الكَاتِبِينَا
وأجنحةٌ تَطِيرُ بغير ريشٍ إلى ملكُوتٍ ربِّ العَالَمِينَا
فسبحان من حجب العالمين بصلاحهم عن مصلحهم، وحجب العلماء بعلمهم عن معلومهم، واختصّ قوماً بنفوذ عزائمهم إلى مشاهدة ذات محبوبهم، فهم فى رياض ملكوته يتنزهون، وفى بحار جبروته يسبحون ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾الصافات 61، ولما ذكر الحق من أعلن بالإنكار، ذكر من أسَرَّ بالجحود وأظهر الإقرار. فالكلام مع أولئك أو هؤلاء لاينجح ولا فائدة منه إلا إقامة الحجة لأن قلوبهم قد أغلقت ﴿خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ كذلك ختم على سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة يعنى حجاب فأولئك أنى يسلمون وهؤلاء أنى يؤمنون؟
أما الأسباب التى توجب هذا الغلق للقلوب فنعرض لك من الآيات ما يبين لك هذه الأسباب ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ يونس 74، كذلك أى مثل هذا يكون الطبع على قلوب المعتدين, فاحذر ياأخى ولا تكن موصوفاً بالتعدى على الآخرين قولاً أو عملاً حتى لايطبع على قلبك فلا تنجح فيك موعظة أو تذكير.
﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ يونس 88، إحذر أيضاً أن تُعطى مالاً فتستعمله فى إضلال عن سبيل الله فتصيبك دعوة من صالح فلا تهتدى أبداً، ﴿وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ • إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ • وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ يونس 95-97.
التكذيب بآيات الله كأن يكذب ولى أو عالم أتاه الله آيات بينات فى صدره ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ الأعراف 100، عدم الاعتبار والتمادى فى الذنوب يخشى عليه من الطبع على قلبه فلا يؤمن ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ﴾ التوبة 87.
التخلف عن المجاهدة بالمال والنفس سبب فى الطبع ﴿وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ • ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ • أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ النحل 106-108.
الغفلة عن ذكر الله وحب الدنيا على الآخرة سبب فى الطبع ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ • كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ الروم 58-59.
اتهام أهل الله من الأولياء والصلحين على ما يقولون من حقائق وعلوم وما منحهم الله من أسرار بالالحاد والباطل سبب فى الطبع على القلب ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِى آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ غافر 35.
يقول ابن عجيبة فى إشارته عن الآية: يُقال لأهل كل عصر: ولقد جاءكم فلان لولى تقدم قبلهم بالآيات الدالة على صحة ولايته، فما زلتم، أى: مازال أسلافكم من أهل عصره فى شك منه، حتى إذا مات ظهرت ولايته، وأقررتم بها، وقلتم: لن يبعث الله من بعده وليّاً، وهذه عادة العامة، يُقرون الأموات من الأولياء، ويُنكرون الأحياء. وهى نزعة أهل الكفر والضلال ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ غافر 34، كالذين يُخاصمون فى ثبوت الخصوصية عند أربابها، من غير برهان، وهو شأن المنكرين، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ • وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ محمد 16-17.
ترك النص واتباع الهوى يوجب الطبع ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ • وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ المنافقون 3-4.
يقول الإمام ابن عجيبة: مجلس الوعظ والتذكير إن حضره مستفيداً وصل إليه الوعظ والتذكير والتنوير، وأما إن حضره منتقداً، فهو قوله تعالى ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ... ﴾ الأنعام 25، الآية، والذين اهتدوا لدخول طريق التربية زادهم هُدىً، فلا يزالون يزيدون تربيةً وترقيةً إلى أن يصلوا إلى مقام التمكين من الشهود. قال القشيرى: والذين اهتدوا بأنواع المجاهدات زادهم هُدىً لأنوار المشاهداتْ، واهتدوا بتأمُّل البرهان، فزادهم هُدىً برَوْح البيان، أو اهتدوا بعلم اليقين، فزادهم هُدىً بحق اليقين. أ هـ.
فليحذر الإنسان من وصف المولى تبارك وتعالى عن المطبوع على قلوبهم ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ المنافقون 3، ﴿... هُمُ الْعَدُوُّفَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾المنافقون 3.
فيجب عليك أخى الحبيب أن تعتقد أنك مهما أوتيت من حجة وصادفت واحد من هؤلاء فإنك لن تستطيع هدايته وإن مكثت أمامه الدهر كله فكيف تهدى من أضله الله وطبع على قلبه, نجانا الله من هذا كله وجعل قلوبنا مفتوحة لقبول الحق على الدوام. آمين.
محمد مقبول
يقول المولى تبارك وتعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ • خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ البقرة 6-7، فمن ناحية الشريعة يحدثنا عن الآية الإمام ابن عجيبة فيقول: يقول الحقّ جلّ جلاله: يامحمد ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، بما أنزل إليك جهراً، وسبقت لهم منى الشقاوة سرّاً، لا ينفع فيهم الوعظ والإنذار، ولا البشارة والتذكار، فإنذارك وعدمه فى حقهم سواء، لما سبق لهم منى الطرد والشقاء، فالتذكير فى حقهم عناء، والغيبة عن أحوالهم راحة وهناء، لأنى ختمتُ على قلوبهم بطابع الكفران، فلا يهتدون إلى إسلام ولا إيمان، ومنعت أسماعهم أن تصغى إلى الوعظ والتذكير، فلا ينجح فيهم تخويف ولا تحذير، وغشيت أبصارهم بظلمة الحجاب فلا يبصرون الحق والصواب، قد أعددتُهم لعذابى ونقمتى، وطردتهم عن ساحة رحمتى ونعمتى. وإنما أمرتك بإنذارهم لإقامة الحجة عليهم، وإنى وإن حكمت عليهم أنهم من أهل مخالفتى وعنادى؛ فإنى لا أظلم أحداً من خلقى وعبادى ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الأنعام 149، فما ظلمتُهم؛ لأنى بعثتُ الرسلَ مبشرين ومنذرين، ولكن ظلموا أنفسهم فكانوا هم الظالمين، فحكمتى اقتضيت الإنذار، وقدرتى اقتضتالقهر والإجبار، فالواجب عليك أيها العبد أن تكون لك عينان: عينٌ تنظر لحكمتى وشريعتى فتتأدب، وعينٌ تنظر لقدرتى وحقيقتى فتُسلِم، وتكون بى الأمن والرّهْب، فلا تأمَنْ مَكْرِى وإن أمَّنتُك، ولا تيأس من حلمى وإن أبعدتك، فعلمى لا يحيط به محيط، إلا من هو بكل شيئ محيط. أهـ.
هذا عن الذين يموتون على الكفر ولم يدخلوا الإسلام، أما من ناحية من يموتون ولم يؤمنوا بطريق الخصوص والتربية على يد شيخ عارف بالله فيقول فى الإشارة: إن الذين أنكروا وجود الخصوصية، جحدوا أهل مشاهدة الربوبية من أهل التربية النبوية، لا ينفع فيهم الوعظ والتذكير، بما سبق لهم فى علم الملك القدير، فسواءٌ عليهم أأنذرتهم وبال القطيعة والحجاب، أم لم تنذرهم؛ لعدم فتح الباب، قد ختم الله على قلوبهم بالعوائد والشهوات، أو حلاوة الزهد والطاعات، أو تحرير المسائل والمشكلات، وعلى سمع قلوبهم بالخواطر والغفلات، وجعل على أبصارهم غشاوة الحجاب، فلا يبصرون إلا المحسوسات، غائبون عن أسرار المعانى وأنوار التجليات، بخلاف قلوب العارفين، فإنها ترى من أسرار المعانى ما لا يُرى للناظرين، وفى ذلك يقول الشاعر:
قلوبُ العَارفِينَ لَهَا عُيُونٌ تَرى ما لا يُرى للناظرينا
وألسنةٌ بأسْرارٍ تُنَاجِـى تغيبُ عَنَ الكِرَام الكَاتِبِينَا
وأجنحةٌ تَطِيرُ بغير ريشٍ إلى ملكُوتٍ ربِّ العَالَمِينَا
فسبحان من حجب العالمين بصلاحهم عن مصلحهم، وحجب العلماء بعلمهم عن معلومهم، واختصّ قوماً بنفوذ عزائمهم إلى مشاهدة ذات محبوبهم، فهم فى رياض ملكوته يتنزهون، وفى بحار جبروته يسبحون ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾الصافات 61، ولما ذكر الحق من أعلن بالإنكار، ذكر من أسَرَّ بالجحود وأظهر الإقرار. فالكلام مع أولئك أو هؤلاء لاينجح ولا فائدة منه إلا إقامة الحجة لأن قلوبهم قد أغلقت ﴿خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ كذلك ختم على سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة يعنى حجاب فأولئك أنى يسلمون وهؤلاء أنى يؤمنون؟
أما الأسباب التى توجب هذا الغلق للقلوب فنعرض لك من الآيات ما يبين لك هذه الأسباب ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ يونس 74، كذلك أى مثل هذا يكون الطبع على قلوب المعتدين, فاحذر ياأخى ولا تكن موصوفاً بالتعدى على الآخرين قولاً أو عملاً حتى لايطبع على قلبك فلا تنجح فيك موعظة أو تذكير.
﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ يونس 88، إحذر أيضاً أن تُعطى مالاً فتستعمله فى إضلال عن سبيل الله فتصيبك دعوة من صالح فلا تهتدى أبداً، ﴿وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ • إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ • وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ يونس 95-97.
التكذيب بآيات الله كأن يكذب ولى أو عالم أتاه الله آيات بينات فى صدره ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ الأعراف 100، عدم الاعتبار والتمادى فى الذنوب يخشى عليه من الطبع على قلبه فلا يؤمن ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ﴾ التوبة 87.
التخلف عن المجاهدة بالمال والنفس سبب فى الطبع ﴿وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ • ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ • أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ النحل 106-108.
الغفلة عن ذكر الله وحب الدنيا على الآخرة سبب فى الطبع ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ • كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ الروم 58-59.
اتهام أهل الله من الأولياء والصلحين على ما يقولون من حقائق وعلوم وما منحهم الله من أسرار بالالحاد والباطل سبب فى الطبع على القلب ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِى آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ غافر 35.
يقول ابن عجيبة فى إشارته عن الآية: يُقال لأهل كل عصر: ولقد جاءكم فلان لولى تقدم قبلهم بالآيات الدالة على صحة ولايته، فما زلتم، أى: مازال أسلافكم من أهل عصره فى شك منه، حتى إذا مات ظهرت ولايته، وأقررتم بها، وقلتم: لن يبعث الله من بعده وليّاً، وهذه عادة العامة، يُقرون الأموات من الأولياء، ويُنكرون الأحياء. وهى نزعة أهل الكفر والضلال ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ غافر 34، كالذين يُخاصمون فى ثبوت الخصوصية عند أربابها، من غير برهان، وهو شأن المنكرين، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ • وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ محمد 16-17.
ترك النص واتباع الهوى يوجب الطبع ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ • وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ المنافقون 3-4.
يقول الإمام ابن عجيبة: مجلس الوعظ والتذكير إن حضره مستفيداً وصل إليه الوعظ والتذكير والتنوير، وأما إن حضره منتقداً، فهو قوله تعالى ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ... ﴾ الأنعام 25، الآية، والذين اهتدوا لدخول طريق التربية زادهم هُدىً، فلا يزالون يزيدون تربيةً وترقيةً إلى أن يصلوا إلى مقام التمكين من الشهود. قال القشيرى: والذين اهتدوا بأنواع المجاهدات زادهم هُدىً لأنوار المشاهداتْ، واهتدوا بتأمُّل البرهان، فزادهم هُدىً برَوْح البيان، أو اهتدوا بعلم اليقين، فزادهم هُدىً بحق اليقين. أ هـ.
فليحذر الإنسان من وصف المولى تبارك وتعالى عن المطبوع على قلوبهم ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ المنافقون 3، ﴿... هُمُ الْعَدُوُّفَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾المنافقون 3.
فيجب عليك أخى الحبيب أن تعتقد أنك مهما أوتيت من حجة وصادفت واحد من هؤلاء فإنك لن تستطيع هدايته وإن مكثت أمامه الدهر كله فكيف تهدى من أضله الله وطبع على قلبه, نجانا الله من هذا كله وجعل قلوبنا مفتوحة لقبول الحق على الدوام. آمين.
محمد مقبول
- اصل الأوراد الصوفية وتعيين العدد فيها والالفاظ المعجمة بها وتشريعها
- معنى الشرك فى أمَّة النبىِّ صلى الله عليه وآله وسلم
- كيف نستقبل نحن الصوفية شهر رمضان المعظم
- نفى صحة مقولة امتثال الأمر خير من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
تعليقات: 0
إرسال تعليق