كلام في مفهوم الحيرة عند الصوفية
بقلم الشيخ عبد الحميد بابكر
بقلم الشيخ عبد الحميد بابكر
- برهانيات كوم | دراسة مهمة جدا حول حديث افتراق الامم ـ ومن هى الفرقة الناجية ؟
- برهانيات كوم | كيف يستخدمنا اعداء الاسلام نحن المسليمن فى نشر ما يضر الاسلام
- برهانيات كوم | الرد على من أنكر الواسطة بين العبد وربه
- برهانيات كوم | دراسة حول سؤال هل كل من فى القبور أموات
الحيرة, لغةً: التردد والاضطراب, أما عند أهل السلوك فهي موطن الوقوف بين حقيقتين حقيقة تخطاها السالك و حقيقة يستشرفها, و يسمي موطن الحيرة موطن الضلال أيضاُ, و من ذلك قوله تعالي لحضرة النبي صلي الله عليه و سلم في سورة الضُحي: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) الآية 7, و حاشا أن يكون ذلك ضلالاً بمعني مفارقة الحق فهو و كل الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم معصومون عن الضلال بذلك المعني, و إنما كان ضلال الحيرة بين موطن حقيقة و حقيقة من التجليات الإلهية. و كذلك حين نري سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام يتأمل الأفلاك فتزداد حيرته من مظاهر القدرة الإلهية إلي أن تنتفي الحيرة عنه و يحل محلها الهدي و هو المعرفة الإلهية
ذلك يُري من سياق الآيتين 75 إلي 78 من سورة الأنعام: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ), فتراه قد قال: (قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) أي يظل في موطن الحيرة. و كذلك قول إخوة سيدنا يوسف لأبيهم سيدنا يعقوب (قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ) الآية 95 سورة يوسف, فذلك الضلال الناشئ عن شدة محبته لسيدنا يوسف عليهم و عليهم السلام. و في ضلال الحب أي الحيرة تغني العاشقون كثيراً فقالوا:
زِدني بفرط الحُبّ فيك تحيّرا * و ارحم حشاً بلظي هواك تسعرا
و قالوا:
ما بين ضال المُنحني و ظِلاله * ضلّ المُتيّمُ و اهتدي بضلاله
و قد قيل في حق الحبيب المصطفي صلي الله غليه و سلم:
يا وحيد الوجود لا زال عنهُ * يُطهر الكون ما له فيه كُنه
و الهُدي و الضلالات قُل من لَدُنه * كُلُّ شئ معناهُ و الكُلّ منهُ
و عليه مبناه ما اختلّ شرطا
و قيل:
حار أرباب الهوي في الهوي و ارتبكوا
و الحيرة موطن في السير أيضاً بين كل اسم إلهي و الاسم الذي يليه و هو بحر ظُلمةٍ يتلقي فيه المريد علوم المرتبة التالية من حضرة المصطفي صلي الله عليه و سلم علي كف شيخه, و معروف أن السير في الله يأتي في التسع و تسعة مرتبة الأسناء الإلهية إلي أن يصعد السالك إلي الاسم الرحمن فوق العرش و يتلقي علوم القرآن من الرخمن (الرحمن * علّم القرآن) ثم يترقي إلي حضرة الإسم الجامع (الله).
و السالكون في بحر الهو أي موطن الحيرة, بين اسم و اسم يسمونهم الأجنّة إذ كأنهم في رحم التكوين ليولدوا من جديد في مرتبة الاسم النالي, و يقول سيدي فخر الدين في هذا الموطن, في وصف الوارث المربّي:
وَيَمْنَحُهُ تَفْصِيلَ مَا كَانَ مُجْمَلاً * وَيُسْمِعُهُ فَضْلاً حِوَارَ الأَجِنَّةِ (101 ق 1)
و يقول سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه:
مشائخكم أطفالُنا و كُهولُكم * أجنّة جهلٍ في بُطون الهُويّة
و لذلك الحيرة موطن مهم للسالكين فلولاه لما أمكن السير من اسم إلي اسم لأنها الموطن الذي يتم فيه الإعداد للأسم أو المرتبة التالية.
و في بحر الهُو موطن الحيرة تُبدل الخلائع أي الأنوار حتي تتلاءم مع كل مرتبة, يقول سيدي فخر الدين رضي الله عنه في قصيدته رقم 37 من ديوانه شراب الوصل و مطلعها:
نَزَلْنَا بَحْرَ هُو كَالسَّابِحَاتِ * وَأَيْقَنَّا بِأَنَّ الْوَصْلَ آتِ
يقول رضي الله عنه:
أُرِحْنَا مِنْ عَنَاءِ السَّيْرِ لَكِنْ * جَهِدْنَا فِي ابْتِغَاءِ الْمُبْتَغَاةِ
وَأُعْطِينَا الْخَلاَئِعَ فَانْتَبهْنَا * وَجَدْنَاهَا كَبَيْتِ السُّلْحُفَاةِ
وَهَذَا سِرُّ إِغْطَاشِ الْمَعَانِي * فَإِنَّ الْغَيْبَ مَلْبُوسُ الْخُفَاةِ
و يقول رضي الله عنه, مخاطباً مريده, حاثّا لله للجد في مواطن السير:
وَتَحَيَّرْ كَمَا السَّوَابِقُ حَارُوا * فَلَهُ مَبْدَئِي وَفِيهِ مَعَادِي (6 ق 22)
حيث يختم تلك العصماء بمشهد غاية في الحيرة في جمال حضرة الحبيب المصطفي صلي الله عليه و سلم, قائلاً:
وَتَاللَّهِ مَا رُمْتُ الْمَدِيحَ وَإِنَّمَا * بَدَا الْحُسْنُ غَلاَّباً وَمَا اللُّبُّ حَاضِرُ
غَدَا اللُّبُّ فِي سَفَرٍ يُقِيمُ بِحُسْنِهِ * وَقَدْ عَزَّتِ الأَسْفَارُ وَالْوَجْهُ سَافِرُ
فعبّر رضي الله عنه بالسّفر عن الحيرة و بالإقامة بإدراك الشهود, فالأمرُ بين ذا و ذاك
و صلي الله علي سيدنا محمد الكامل المُكمّل للأكامل و علي آله ة صحبه و سلّم
**
مع تحياتي/عبد الحميد بابكر
ذلك يُري من سياق الآيتين 75 إلي 78 من سورة الأنعام: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ), فتراه قد قال: (قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) أي يظل في موطن الحيرة. و كذلك قول إخوة سيدنا يوسف لأبيهم سيدنا يعقوب (قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ) الآية 95 سورة يوسف, فذلك الضلال الناشئ عن شدة محبته لسيدنا يوسف عليهم و عليهم السلام. و في ضلال الحب أي الحيرة تغني العاشقون كثيراً فقالوا:
زِدني بفرط الحُبّ فيك تحيّرا * و ارحم حشاً بلظي هواك تسعرا
و قالوا:
ما بين ضال المُنحني و ظِلاله * ضلّ المُتيّمُ و اهتدي بضلاله
و قد قيل في حق الحبيب المصطفي صلي الله غليه و سلم:
يا وحيد الوجود لا زال عنهُ * يُطهر الكون ما له فيه كُنه
و الهُدي و الضلالات قُل من لَدُنه * كُلُّ شئ معناهُ و الكُلّ منهُ
و عليه مبناه ما اختلّ شرطا
و قيل:
حار أرباب الهوي في الهوي و ارتبكوا
و الحيرة موطن في السير أيضاً بين كل اسم إلهي و الاسم الذي يليه و هو بحر ظُلمةٍ يتلقي فيه المريد علوم المرتبة التالية من حضرة المصطفي صلي الله عليه و سلم علي كف شيخه, و معروف أن السير في الله يأتي في التسع و تسعة مرتبة الأسناء الإلهية إلي أن يصعد السالك إلي الاسم الرحمن فوق العرش و يتلقي علوم القرآن من الرخمن (الرحمن * علّم القرآن) ثم يترقي إلي حضرة الإسم الجامع (الله).
و السالكون في بحر الهو أي موطن الحيرة, بين اسم و اسم يسمونهم الأجنّة إذ كأنهم في رحم التكوين ليولدوا من جديد في مرتبة الاسم النالي, و يقول سيدي فخر الدين في هذا الموطن, في وصف الوارث المربّي:
وَيَمْنَحُهُ تَفْصِيلَ مَا كَانَ مُجْمَلاً * وَيُسْمِعُهُ فَضْلاً حِوَارَ الأَجِنَّةِ (101 ق 1)
و يقول سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه:
مشائخكم أطفالُنا و كُهولُكم * أجنّة جهلٍ في بُطون الهُويّة
و لذلك الحيرة موطن مهم للسالكين فلولاه لما أمكن السير من اسم إلي اسم لأنها الموطن الذي يتم فيه الإعداد للأسم أو المرتبة التالية.
و في بحر الهُو موطن الحيرة تُبدل الخلائع أي الأنوار حتي تتلاءم مع كل مرتبة, يقول سيدي فخر الدين رضي الله عنه في قصيدته رقم 37 من ديوانه شراب الوصل و مطلعها:
نَزَلْنَا بَحْرَ هُو كَالسَّابِحَاتِ * وَأَيْقَنَّا بِأَنَّ الْوَصْلَ آتِ
يقول رضي الله عنه:
أُرِحْنَا مِنْ عَنَاءِ السَّيْرِ لَكِنْ * جَهِدْنَا فِي ابْتِغَاءِ الْمُبْتَغَاةِ
وَأُعْطِينَا الْخَلاَئِعَ فَانْتَبهْنَا * وَجَدْنَاهَا كَبَيْتِ السُّلْحُفَاةِ
وَهَذَا سِرُّ إِغْطَاشِ الْمَعَانِي * فَإِنَّ الْغَيْبَ مَلْبُوسُ الْخُفَاةِ
و يقول رضي الله عنه, مخاطباً مريده, حاثّا لله للجد في مواطن السير:
وَتَحَيَّرْ كَمَا السَّوَابِقُ حَارُوا * فَلَهُ مَبْدَئِي وَفِيهِ مَعَادِي (6 ق 22)
حيث يختم تلك العصماء بمشهد غاية في الحيرة في جمال حضرة الحبيب المصطفي صلي الله عليه و سلم, قائلاً:
وَتَاللَّهِ مَا رُمْتُ الْمَدِيحَ وَإِنَّمَا * بَدَا الْحُسْنُ غَلاَّباً وَمَا اللُّبُّ حَاضِرُ
غَدَا اللُّبُّ فِي سَفَرٍ يُقِيمُ بِحُسْنِهِ * وَقَدْ عَزَّتِ الأَسْفَارُ وَالْوَجْهُ سَافِرُ
فعبّر رضي الله عنه بالسّفر عن الحيرة و بالإقامة بإدراك الشهود, فالأمرُ بين ذا و ذاك
و صلي الله علي سيدنا محمد الكامل المُكمّل للأكامل و علي آله ة صحبه و سلّم
**
مع تحياتي/عبد الحميد بابكر
- برهانيات | بدعة اللباس الشرعى وتقييد الدين بالمظهر
- برهانيات كوم | الرد على من أنكر فضل رؤية النبي فى المنام
- برهانيات كوم | اثبات مشروعية زيارة اضرحة الصالحين والأولياء
- برهانيات كوم | فضل التمسك باعتاب أهل البيت
تعليقات: 0
إرسال تعليق