موسوعة رشفات من دقائق شراب الوصل للشيخ عبد الحميد بابكر
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي )التّاريخ : الأربعاء 12 ربيع أول 1408 هـ = 4 نوفمبر 1987 معَدَد الأبيات : 23
1- مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي *** وَلاَ خِصَالِي وَلاَ طَبْعِي وَلاَ دِينِي
2- مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ فِي هِبَتِي *** وَلاَ حَوَاهُ - مَعَاذَ اللَّهِ - تَلْقِينِي
3- مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ فِي قَدَمِي *** فَإِنَّمَا اللَّهُ حَسْبِي وَهْوَ مُنْشِينِي
4- أَعُوذُ بِاللَّهِ وَهُوَ الْمُسْتَعَاذُ بِهِ *** وَمَلْجَئِي وَاحْتِمَائِي فِيهِ تَمْكِينِي
5- أَلُوذُ بِالسَّيِّدِ الْمَأْمُولِ مَنْ بُسِطَتْ *** بِهِ الْعِنَايَةُ بَدْءاً قَبْلَ تَكْوِينِي
6- لَقَدْ كُفِينَا مِنَ التَّقْتِيرِ وَاكْتَمَلَتْ *** عَطِيَّةُ اللَّهِ قَبْلَ الْمَاءِ وَالطِّينِ
7- إِنِّي بَرَاءٌ مِنَ الدَّعْوَى وَقَدْ كَثُرَتْ *** - بِلاَ حَيَاءٍ - وَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِينِي
8- أَلَمْ أَقُلْ سَابِقاً فِي زَفْرَةٍ سَبَقَتْ *** ( فَلاَ تُكَبُّوا عَلَى أُخْرَى بَنِي دِينِي )
9- فَمَا لَكُمْ لاَ تَمَلُّوهَا وَقَدْ مُلِئَتْ *** بِهَا صَحَائِفُكُمْ مِنْ زَعْمِ تَلْقِينِي
10- إِذَا سَمِعْتُمْ إِلَى مَنْ يَدَّعِي خَبَلاً *** فَحَسْبِيَ اللَّهُ وَالتَّحْكِيمُ فِي التِّينِ
11- تَجَنَّبُوا الْغَثَّ إِنَّ الْغَثَّ مَهْلَكَةٌ *** أَوْ قَدْ أَرَدْتُمْ بِهَا بِضْعاً وَسَبْعِينِ
12- مُرَادُكُمْ لاَ مُرادِي فِي تَفَرُّقِكُمْ *** لَقَدْ نَسِيتُمْ مُرَادِي ( عُمْدَةُ الدِّينِ )
13- فَلاَ تَغُرَّنَّكُمْ أَحْجَارُ مَنْ غَفَلُوا *** وَإِنْ أَلاَنُوا فَأَخْلاَقُ الثَّعَابِينِ
14- أَمَا تَرَاهُمْ مُرِيدِي فِي تَلَوُّنِهِمْ *** كَأَنَّهُمْ قَدْ هُدُوا وَالكُلُّ عَاصِينِي
15- فَإِنَّمَا نَشْأَتِي تَوْحِيدُ فِطْرَتِهِ *** وَذُو الْجَهَالَةِ بِالإِشْرَاكِ يَرْمِينِي
16- فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ إِيمَانَ إِنْ جَمَحُوا *** وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُ حُكْمِ اللَّهِ يُرْضِينِي
17- لاَ يَقْرُبُ الْحَدَّ إِلاَّ مَنْ بِهِ طَلَعَتْ *** وَصِيَّتِي عِنْدَهَا يُغْنِيهِ مُغْنِينِي
18- هَذَا كَلاَمٌ بِهِ قَدْ قَالَ سَابِقُنَا *** سَمِعْتُهُ وَالْبَقَاءُ الْمَحْضُ يُفْنِينِي
19- عَذْبٌ فُرَاتٌ لَدَى مَنْ نَالَ حَظْوَتَهُ *** مِلْحٌ أجَاجٌ لأَهْلِ الوَعْدِ بِالْحِينِ
20- فَلاَ تَكُنْ يَا لِسَانِي مِنْ تَبِيعَتِهِمْ *** فَإِنَّ فِي طَاعَتِي تَاجُ الْمَسَاكِينِ
21- وَلاَ تَقُلْ غَيْرَ مَا قُلْنَاهُ فِي وَضَحٍ *** فَإِنَّمَا الشَّرُّ قَدْ يَأْتيِكَ فِي اللِّينِ
22- وَحَسْبُنَا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ غَايَتَنَا *** وَذَا أَمَانِي وَمَنْ يُشْقِيكَ يُؤْذِينِي
23- فَإِنْ أَمَالُوكَ فَاعْلَمْ أَنَّ مِنْحَتَنَا *** لَهَا حَفِظْنَا وَحَاذِرْ أَنْ تُجَافِينِي
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 1: مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي *** وَلاَ خِصَالِي وَلاَ طَبْعِي وَلاَ دِينِي
المعني:
مَا كَانَ لِي: مَا كَانَ تعني النفي و الحظر والمنع, فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون, اللام للتخصيص و التميز, قال تعالي: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) 67 الأنفال, و قال تعالي: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) 36 الأحزاب, مَا كَانَ لِي: أي: ما حصل أن كان من ميزتي و صفتي كذا, المتكلم ضمير مستتر تقديره (أنا) أي: ذات سيدي فخر الدين رضي الله عنه, لأن الصفات تلحق بالذّات, قيل:
يَا مُنْتَهَى المُنْتَهَى فِى كُلِّ مَرْتَبَةٍ *** الذَّاتُ والوَصْفُ وَالأَسْمَاءُ وَالفِعْلُ
أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ: أَنْ: مصدرية, يَكُونَ: يحصُل, مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ: نفي لصفة الصَّدُّ: الهِجران, أي: أن أهجر مُريدي, و العبارة "مَا كَانَ لِي" تحتملُ في طيّاتها إنذاراً بهجرٍ آت, سببه ليس الشيخ, إنما المُريد, كرر الشيخ هذه العبارة ثلاث مرات, هذا و في البيتين التاليين, قال رضي الله عنه:
إِذَا أَمْسَكْتُ فَالإِعْرَاضُ مِنْكُمْ *** وَإِنْ أَعْطَيْتُ فَالْمُعْطُونَ نَحْنُ (8 ق 52)
مِنْ شِيَمِي: مِنْ: للبعضية, أي: من بعض شِيَمِ: جمع شيمة, و الشّيمة الخُلقُ الناتج من الغريزة, موروث, مع ياء المتكلم
وَلاَ خِصَالِي: وَلاَ: أي: وَلاَ من بعض خِصَال: جمع خَصلة, و الخَصلة الخُلقُ المُكتسب بالتعلّم, مع ياء المتكلم
وَلاَ طَبْعِي: وَلاَ: أي: َولاَ من بعض طَبْع: الطّبع (واحد لا يجمع) جُملة الخُلقُ الموهوب من الله تعالي, مطبوع, كأن ورقة بيضاء و طبعت عليها, مع ياء المتكلم
وَلاَ دِينِي: وَلاَ: : أي: َولاَ من بعض دِين: الدّين هو جملة المبادئ التي يعتقد بها الإنسان و يتّبعُها, مع ياء المتكلم, أراد الشيخ نفي ورود صفة الهجر في حقّه من أي بابٍ من الأبواب الممكن ورودها بها, لا غريزة موروثة, و لا خصلة, و لا طبع موهوب, و لا دين كذلك, فماذا بعد, لم يترك باباً آخر
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 2: مَا كَانَ لِي أَن يَكُونَ النَّقْصُ فِي هِبَتِي *** وَلاَ حَوَاهُ - مَعَاذَ اللَّهِ – تَلْقِينِي
المعني:
مَا كَانَ لِي: كما جاء في البيت رقم (1) أعلاه, مَا كَانَ تعني النفي و الحظر والمنع, فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون, اللام للتخصيص و التميز, قال تعالي: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) 36 الأحزاب
أَن يَكُونَ: أَن يحصُل
النَّقْصُ فِي هِبَتِي: النَّقْصُ: عدم التمام و بلوغ الغاية, هِبَتِي: أي ما وهبني و أعطاني الله تعالي, و هو الخليفة الوارث, قال رضي الله عنه:
مِنْ كَمَالِ الْعَطَاءِ مِنْ فَيْضِ وَهْبٍ *** أَيُّهَا النَّاسُ جَاءَكُمْ إِبْرَاهِيمُ (1 ق 12)
و قال رضي الله عنه:
وَعَلى اللَّهِ بَعْدُ قَصْدُ سَبِيلِي *** هِبَةُ اللَّهِ حَيْثُ هَبَّ النَّسِيمُ (17 ق 12)
و قال رضي الله عنه في إشارة للخليفة الوارث:
هَذَا عَطَاءُ اللَّهِ مِنْ عَلْيَائَهِ *** هَذَا إِصْطِفَاءُ السَّيِّدِ الْبُرْهَانِي (1 ق 2)
وَلاَ حَوَاهُ: واو العطف, لا النافية, حَوَاهُ: أي لا يحوي تَلْقِينِي النقص, قال رضي الله عنه:
قَدِ اصْطُفِيتُ بِمَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ *** وَقَدْ أُذِنْتُ لأُلْقِي مَا تَلَقَّيْتُ (15 ق 69)
- مَعَاذَ اللَّهِ –: معاذ ملجأ و ملاذ, الآية: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) 23 يوسف, و الآية: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ) 79 يوسف, احتماء بالله من نسبة النقص له
تَلْقِينِي: التلقين هو تكرار الكلام علي السامع فيحفظه و يفهمه, و هو قصائد شراب الوصل, قال رضي الله عنه:
أُلَقّنُ مَا فِي الْمَانِعَاتِ جَعَلْتُهُ *** فَمَا لأُولِي النَّجْوَى خِلاَفُ الْمَظَنَّةِ (395 ق 1)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 3: مَا كَانَ لِي أَن يَكُونَ الشَّكُّ فِي قَدَمِي *** فَإِنَّمَا اللَّهُ حَسْبِي وَهُوَ مُنْشِينِي
المعني:
مَا كَانَ لِي: ما للنفي, اللام للتخصيص و التميز, أي: ما حصل أن كان من ميزتي و صفتي كذا, المتكلم ضمير مستتر تقديره (أنا) أي: ذات سيدي فخر الدين رضي الله عنه, لأن الصفات تلحق بالذّات
أَن يَكُونَ: أَن يحصُل
الشَّكُّ فِي قَدَمِي: الشَّكُّ: تردد الاعتقاد بين الحقيقة و ضدّها, فِي قَدَمِي: القَدمُ كناية عن آخر الصورة, إشارة لما ثَبُت للعبد في علم الحقّ و المنزلة, قال تعالي: (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْق) 2 يونس, أي: في علمي و مكانتي
فَإِنَّمَا اللَّهُ حَسْبِي: فَإِنَّمَا: الفاء للتأكيد, إِنَّمَا: إِنَّ: للتوكيد و مَا: المصدرية, اللَّهُ حَسْبِي: حسبي أي القائم عني بأمري فلا ينقصني شيئاً ليتمه غيره
وَهُوَ مُنْشِينِي: وَهُوَ: أي الغيب الإلهي, مُنْشِينِي: خَلقُني, الإنشاء الخلق, قال تعالي: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) 89 الأنعام, و الآية: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ) 62 الواقعة, قال رضي الله عنه:
وَمَازِلْتُ مَحْفُوظاً وَإِنَّ بِدَايَتِي *** تُرَابٌ بِمَاءِ الْغَيْبِ أَصْبَحَ طِينَتِي (144 ق 1)
و قال رضي الله عنه:
تَبَارَكَ اللَّهُ إِنَّ الْحَقَّ مُنْشِينِي *** وَزَفْرَةُ الْحِالِ تُطْرِبنُي وَتُشْجِينِي (1 ق 37)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 4: أَعُوذُ بِاللَّه وَهُوَ الْمُسْتَعَاذُ بِهِ *** وَمَلْجَئِي وَاحْتِمَائِي فِيهِ تَمْكِينِي
المعني:
أَعُوذُ بِاللَّه: عَاذَ بِهِ: لَزِمَهُ طلباً للحماية, و التعوّذ يكون باسم إلهي, و هنا يستعيذ بالاسم الله الجامع لكل خصائص الأسماء, قال تعالي: (قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) 67 البقرة
وَهُوَ الْمُسْتَعَاذُ بِهِ: وَهُوَ: أي بباطن اسمه الله, الْمُسْتَعَاذُ بِهِ: الذي يُطلب منه الحماية, بِهِ: الباء للوسيلة و الواسطة أي: بواسطة الهويّة الإلهية المتدلية في غيب الأحديّة
وَمَلْجَئِي: مكان حمايتي, أي: الاسم الله, في التحصين الشريف لسيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه: "تَحَصَّنْتُ بِالحِصْنِ الَّذِي أسْسَّهُ الله"
وَاحْتِمَائِي فِيهِ تَمْكِينِي: وَاحْتِمَائِي فِيهِ: احتمائي في الاسم الله, تَمْكِينِي: من مكَّن له في الشَّيء: جعل له عليه سلطانًا وقدرة, المعني تأييد الخلافة, رئاسة سيدي فخر الدين للزمن و رسوخ الطريقة, قال تعالي: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) 55 النور
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 5: أَلُوذُ بالسَّيِّدِ الْمَأْمُولِ مَنْ بُسِطَتْ *** بِهِ الْعِنَايَةُ بَدْءاً قَبْلَ تَكْوِينِي
المعني:
أَلُوذُ: لاذ الشَّخْصُ به: التجأ إليه
بالسَّيِّدِ الْمَأْمُولِ: أَلُوذُ بالسَّيِّدِ: ألجأ إلي السَّيِّدِ, و السَّيِّدِ مُطلقاً هو سيدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم, الْمَأْمُولِ: المَرجُوُّ و الْمُنْتَظَرِ, قال – في ذلك - رضي الله عنه:
هُوَ ذَا سَيّدٌ وَأَوَّلُ عَبْدٍ *** وَبِهِ بَدْءُ غَايَةِ الْعُبَّادِ (17 ق 22)
مَنْ بُسِطَتْ بِهِ الْعِنَايَةُ: مَنْ: الذي, بُسِطَتْ: من بَسْطُ اليدِ كنايةً عن الجُود و الكرَم, بِهِ: بواسطته صلي الله عليه و سلم, الْعِنَايَةُ: لغةً: الرعاية و الاهتمام, العطاء من حضرة القُرب, غيب الأحديّة, قال رضي الله عنه:
اللَّهُ كَافٍ وَالْعِنَايَةُ تَكْفِنِي *** وَالأَمْرُ فِي خَتْمٍ إِلَيْهِ يَصِيرُ (5 ق 5)
بَدْءاً قَبْلَ تَكْوِينِي: بَدْءاً: بدء الشئ أوله, في موطن اللاتعيين, غيب الهويّة, قَبْلَ تَكْوِينِي: قبل تخلّقي في عالم الأرواح, أي: تخلّقي من نوره صلي الله عليه و سلم في حضرة التعيين, غيب الأحديّة, قال – في ذلك - رضي الله عنه:
يَا نُقْطَةَ الْبَدْءِ وَالتَمكِينُ خَصَّتُهُ *** يَا حِكْمَةَ الْفَصْلِ يا مَجَلَى الْخَفِيَّاتِ (6 ق 71)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 6: لَقَدْ كُفِينَا مِنَ التَّقْتِيرِ وَاكْتَمَلَتْ *** عَطِيَّةُ اللَّه قَبْلَ الْمَاءِ وَالطِّينِ
المعني:
لَقَدْ كُفِينَا: لَقَدْ: اللام للتأكيد, و قَد للتأكيد, كُفِينَا: صيغة الفعل المبني للمجهول, إسناد الفعل للذّات الإلهية, تصاريف الأسماء, صيغة المتكلم (نَا) الجمع, جمع سيدي فخر الدين و ورثته, كُفِينَا من كُفِي أي قام بأمرنا عنّا و لم نحتاج إلي غيره
مِنَ التَّقْتِيرِ: التَّقْتِيرِ: الضيق في الرزق, كُفِينَا مِنَ التَّقْتِيرِ: قام الله بأمر العطاء لنا كاملاً, كمال العطاء, و لم ينقصنا شئ, قال رضي الله عنه:
وَلَمْ يَكُ نُقْصَانٌ لَدَيَّ أَتَمَّهُ *** وَلَكِنْ بِيَ النُّقْصَانُ يَكْمُلُ لِلْفَتِي (111 ق 1)
وَاكْتَمَلَتْ عَطِيَّةُ اللَّه: العَطِيَّةُ: المرة من العطاء, و هنا هي حمل الأمانة من بعده بالخليفة الوارث, قال رضي الله عنه:
وَمَا رُشْدُ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ تَتِمَّةٌ *** بِهَا أَكْمَلَ الْمَوْلَى جَزِيلَ الْعَطِيَّةِ (110 ق 1)
قَبْلَ الْمَاءِ وَالطِّينِ: قَبْلَ: وقت ما لم يبدأ الزمن, في عالم الأرواح, و هم في نور حضرة المصطفي صلي الله عليه و سلم, القائل: "كُنتُ نبيّاً و آدمُ لا ماءٌ و لا طِينٌ", في حديث سيدنا جابر رضي الله عنه, و قال سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه:
عَلَى الدُرَّةِ البَيْضَاءِ كَانَ اجْتِمَاعُنَا *** وَمِنْ قَبْلِ خَلْقِ الخَلْقِ وَالعَرْشِ قَدْ كُنَّا
[ps2id id='s7' target=''/][box type="info" align="" class="" width=""]شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 7: إِنِّي بَرَاءٌ مِنَ الدَّعْوَى وَقَدْ كَثُرَتْ *** - بِلا حَيَاءٍ - وَإِنَّ اللَّه مُنْجِينِي [/box]
المعني:
إِنِّي بَرَاءٌ مِنَ الدَّعْوَى: إِنِّي: إِنّ: للتوكيد, مع ياء المتكلم, إشارة لباطن الأنا, بَرَاءٌ مِنَ: مصدر بَرِئَ, بمعني بُعدَ عَن, قال تعالي: (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدونَ) 26 الزخرف, الدَّعْوَى: هي نسبة الشئ إلي غير صاحبه و منها الدّعي المنسوب لغير أبيه
وَقَدْ كَثُرَتْ: وَقَدْ: للتأكيد, كَثُرَتْ: تعدّت في الحساب المرّة و المرّتين, و منها (دَّعْوَى الوَثِيقَة), قصائد كُتبت بترتيب من بعض من المسئولين في السابق, و نُسبت زوراً للشيخ, حتى يبلغوا بها ما كانوا يريدون, قال رضي الله عنه:
وَبَيْنَ الْحِينِ وَالْحِينِ إِدَّعَاءً *** فَلاَ تُرْوَى سَرَائِرُ مُغْرِضِينَ (12 ق 75)
- بِلا حَيَاءٍ -: بِلا: الباء حرف جر لاصق, لا النافية, حَيَاءٍ: الحياء هي الاحْتِشام و المخافة, أي: فعلٌ لا يستند علي الاحْتِشام و المخافة, في الحديث عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت", و قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
إِنَّ الْحَيَاءَ مَخَافَةٌ مِنْ قَادِرٍ *** وَتَأَدُّبٌ فِي غَيْرِ نَجْسٍ فَاسْرُدِ (5 ق 76)
وَإِنَّ اللَّه مُنْجِينِي: وَإِنَّ: الواو واو المعية, إِنَّ: للتأكيد, اللَّه: علم دال علي الذّات, إشارة لكلّ تصاريف الأسماء الإلهية الخاضعة لهيمنة الألوهية, مُنْجِينِي: أي هو الذي يُنجيني, يخلصني من الأذى بسبب الدعاوي, قال تعالي: (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ 103 يونس
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 8: أَلَمْ أَقُلْ سَابِقاً فِي زَفْرَةٍ سَبَقَتْ *** فَلاَ تُكَبُّوا عَلَى أُخْرَى بَنِي دِينِي
أَلَمْ أَقُلْ سَابِقاً: أَلَمْ: الهمزة للاستفسار الإقراري, مثل ما يرد في القرآن: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ), أَقُلْ: القول البيت من القصيدة, الفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا), أي: سيدي فخر الدين رضي الله عنه, سَابِقاً: ظرف زمان أي: في قصيدة سابقة, و هذا للتحذير مرة أخري و هو مقصد القصيدة
فِي زَفْرَةٍ سَبَقَتْ: فِي زَفْرَةٍ: الزفرة إخراج الهواء من الصدر من الأسى يعتمل فيه, سَبَقَتْ: سبقت في وقت حدوثها هذا الحديث, يقصد قوله التالي:
فَلاَ تُكَبُّوا عَلَى أُخْرَى بَنِي دِينِي: يقصد لا تُكبّوا – يا أبناء الطريقة - في فتنة أخري, بعد الفتنة التي وردتموها, و لا تُكبّوا مأخوذة من حديث لسيدنا معاذ رضي الله عنه, قال: قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال - صلي الله عليه و سلم-: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟", و الفتنة هي النّار, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه هذه عبارته المذكورة, في (11-12 ق 37):
وِفِتْنَةٌ لَيْسَ مِنْكُمْ غَيْرُ وَارِدِهَا *** وَرَبِّيَ الْعَفْوَ أَعْطَانِي لِيُرْضِينِي
مَحَامِدُ الْحَمْدِ لاَ تَكْفِي لأَنْعُمِهِ *** فَلاَ تُكَبُّوا عَلَى أُخْرَى بَنِي دِينِي
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 9: فَمَا لَكُمْ لاَ تَمَلُّوهَا وَقَدْ مُلِئَتْ *** بِهَا صَحَائِفُكُمْ مِنْ زَعْمِ تَلْقِينِي
المعني:
فَمَا لَكُمْ: فَمَا: الفاء استئنافية, ما: للاستفهام, لَكُمْ: اللام حرف لغاية, أي: ما السبب الذي يدعوكم لما أنتم عليه – يا أبناء الطريقة, قال تعالي: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) 55 يونس
لاَ تَمَلُّوهَا: لا النافية, تَمَلُّوهَا: تملّ الشئ, تضيق ببقائه, يقصد الفتنة
وَقَدْ مُلِئَتْ بِهَا صَحَائِفُكُمْ: وَقَدْ: الواو واو المعية, قد: للتوكيد, مُلِئَتْ بِهَا: لم تدع مكاناً شاغرا فيها, صَحَائِفُكُمْ: جمع صَّحِيفَةُ: ما يكتب فيه من وَرَقٍ ونحوه ويطلق على المكتوب فيها, مع ضمير المخاطب الجمع (أي: أبناء الطريقة من انزلق في فتنة دعوي الوثيقة)
مِنْ زَعْمِ تَلْقِينِي: مِنْ: تبيين النوع, زَعْمِ: افتراء و حديث بالباطل, تَلْقِينِي: التلقين إملاء الحديث علي المتلقي حتى يفهمه و يحفظه, أي: أنني قد لقّنت أحداً ما تدعون في صَحَائِفُكُمْ المكتوبة عندكم, قال رضي الله عنه:
نَسَبُوا إِلَيَّ ( وَثِيقَةً ) مِنْ جَمْعِهِمْ *** فَرَفَضْتُهَا مَذْمُومَةً لاَ تُلْثَمُ (7 ق 77)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 10: إِذَا سَمِعْتُمْ إِلَى مَنْ يَدَّعِي خَبَلاً *** فَحَسبْيَ اللَّهُ وَالَّتحْكيِمُ فِي التِّينِ
المعني:
إِذَا سَمِعْتُمْ إِلَى: إِذَا: شرطية, سَمِعْتُمْ إِلَى: سَمِعَ لِ و سَمِعَ إِلَى: بمعني أطاع و اتّبع, أي: إِذَا أطعتُم و اتّبعتُم, المُخاطب أبناء الطريقة, في الآية: (بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) 4 فصلت, أي: لا يَسْمَعُونَ إليك, لا يُطيعونك
مَنْ يَدَّعِي خَبَلاً: مَنْ: الذي, يَدَّعِي: ينسب لنفسه حقّ غيره, خَبَلاً: حال أي: بفساد عقل حين يدّعي, الخَبَل فساد العقل, أي: إِذَا سَمِعْتُمْ إِلَى مَنْ يَدَّعِي خَبَلاً, بعد كل ما نصحتُكم به
فَحَسبْيَ اللَّهُ: فَحَسبْيَ: الفاء سببية, حَسبْيَ اللَّهُ: الله كفيل بي لا ينقصني شيئاً
وَالَّتحْكيِمُ فِي التِّينِ: وَالَّتحْكيِمُ: طلب الاحتكام, القضاء أو الفصل في الأمر, فِي التِّينِ: سورة التِّينِ, قال تعالي: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) 8 التين, أي: يكون الحُكم لله و هو أعدل الحاكمين حُكماً
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 11: تَجَنَّبوُا الْغَثَّ إِنَّ الْغَثَّ مَهْلَكَةٌ *** أَوْ قَدْ أَرَدْتُمْ بِهَا بِضْعاً وَسَبْعِينِ
المعني:
تَجَنَّبوُا الْغَثَّ: تَجَنَّبوُا: فعل أمر, لأبناء الطريقة, من الجنب, تعني ابتعدوا عن, الْغَثَّ: الغث الرديء من كل شيء ولحم غث وغثيث بيّن الغثوثة مهزول, أي: المهزول من القول, يعني ما لم يقله الشيخ رضي الله عنه
إِنَّ الْغَثَّ مَهْلَكَةٌ: إِنَّ: للتوكيد, الْغَثَّ: القول الهزيل, إشارة إلي الوثيقة المزعومة, مَهْلَكَةٌ: أداة هلاك, و الهلاك الفشل و ذهاب الريح و موت القلب, قال رضي الله عنه:
الْعِلْمُ غَثٌّ أَوْ سَمِيـ *** ـنٌ لِلْقُلُوبِ يُخَضِّبُ (11 ق 4)
أَوْ قَدْ أَرَدْتُمْ بِهَا: أَوْ: للإضراب: كقولهم الإضراب: كقول القائل: كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية, قَدْ: للتوكيد, أَرَدْتُمْ: قصدتُم, بِهَا: بواسطتها, إشارة إلي الوثيقة المزعومة
بِضْعاً وَسَبْعِينِ: إشارة لما تفرقّت الأمة بسبب خروجها عن طاعة أولي الأمر, و ما جاء في الحديث عن سيدنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَذَكَرُوا قُوَّتَهُ فِي الْعَمَلِ وَاجْتِهَادَهُ فِي الْعِبَادَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ هَذَا أَوَّلُ قَرْنٍ خَرَجَ فِي أُمَّتِي لَوْ قَتَلْتُهُ مَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ بَعْدَهُ مِنْ أُمَّتِي، إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلا فِرْقَةً وَاحِدَةً ", و هو ما أشار إليه سيدي فخر الدين رضي الله عنه في قصيدة سابقة بقوله:
فَأجْمعُوا أَمْرَكُمْ وَاللَّهُ عَاصِمُكُمْ *** مِنَ الشَّتَاتِ لَدَى بِضْعٍ وَسَبْعِينِ (19 ق 37)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 12: مُرَادُكُمْ لاَ مُرادِي فِي تَفَرُّقِكُمْ *** لَقَدْ نَسِيتُمْ مُرَادِي ( عُمْدَةُ الدِّينِ )
المعني:
مُرَادُكُمْ لاَ مُرادِي: مُرَادُكُمْ: قصدكم, ما تطلبون, خطاب لأهل الشقاق و الفتنة, لاَ: نفي مُرادِي: أي: قصدكم و ليس قصدي
فِي تَفَرُّقِكُمْ: أن تذهبوا فِرقاً أشتاتا, يقول سيدي فخر الدين رضي الله عنه في (227-229 ق 1):
وَإِنِّي صِرَاطُ الْمُصْطَفَى وَنَجِيُّهُ *** تَفَرَّقَ حُسَّادِي عَلَى كُلِّ فِرْقَةِ
إِذَا كَانَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ تَفَرقَّوُا *** كَذَلِكَ مِنْ ضَلوا فَمَا بَالُ أُمَّتِي
قَضَتْ سُنَّةُ الْمَوْلَى الْعَظِيِم عَلَيْهِمُ *** فَرَاحُوا ثَلاَثاً فَوْقَ سَبْعِينَ شُعْبَةِ
لَقَدْ نَسِيتُمْ مُرَادِي ( عُمْدَةُ الدِّينِ ): لَقَدْ: للتأكيد, نَسِيتُمْ: تناسيتُم فنسيتُم, قولي في قصيدة سابقة: مُرَادِي ( عُمْدَةُ الدِّينِ ), يعني وحدة الصف, و هو ما جاء في البيت:
وَغَايةُ الْقَصْدِ حُسْنُ الْقَصْدِ لاَ عِوَجٌ *** وَوَحْدَةُ الصَّفِّ عِنْدِي عُمْدَةُ الدِّينِ (4 ق 37)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 13: فَلاَ تَغُرَنَّكُمْ أَحْجَارُ مَنْ غَفَلُوا *** وَإِنْ أَلاَنُوا فَأَخْلاَقُ الثَّعَابِينِ
المعني:
فَلاَ تَغُرَنَّكُمْ: فَلاَ: الفاء استئنافية, لا الناهية, تَغُرَنَّكُمْ: من غرّه أي: خدعه وأطعمه بالباطل, تَغُرَنَّكُمْ: النون المشددة لتأكيد النفي, المُخاطب جمع, أبناء الطريقة, قال تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) 5 فاطر
أَحْجَارُ مَنْ غَفَلُوا: أَحْجَارُ: إشارة إلي قسوة القلوب, مَنْ غَفَلُوا: الذين غَفَلُوا: من غَفَلَ عنه: تركه وسها عنه, قال تعالي: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) 47 البقرة
وَإِنْ أَلاَنُوا: وَإِنْ: الواو للعطف, إن: شرطية بمعني إذا, أَلاَنُوا: أَخَذَوا بِالْمُلاطَفَةِ و اللّين, يعني لم يكن اللّين أصلاً في طبعهم, يقصد بهم أهل الدعوي, مع التضاد بين القسوة و اللين
فَأَخْلاَقُ الثَّعَابِينِ: فَأَخْلاَقُ: الفاء رابطة لجواب الشرط, أَخْلاَقُ الثَّعَابِينِ: مجازاً, يقصد الأخلاق السيئة, فالثعابين تُغَيِّرُ جلدها، و لكنّها حين تتمكن تغدر و تلدغ, كناية عن التظاهر بغير حقيقتهم و خداعهم
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 14: أَمَا تَرَاهُمْ مُرِيدِي فِي تَلَوُّنِهِمْ *** كَأَنَّهُمْ قَدْ هُدُوا وَالكُلُّ عَاصِينِي
المعني:
أَمَا تَرَاهُمْ مُرِيدِي: أَمَا: كلمة مركبة من همزة الاستفهام و ( ما ) النافية, أَمَا تَرَاهُمْ: نفس معني (ألم تر), قال تعالي: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ) 23 آل عمران, غير أن هذه (مضارع) تفيد الحاضر, و هذه دعوة للنظر إلي ما هم عليه, (يشير إلي أهل الدعوي و الشقاق و النفاق), مُرِيدِي: يعني يَا مُريدي ( حذف يا النداء), المُريد الطالب و القاصد, و المٌراد المطلوب, و عرّف رضي الله عنه مريده بمن وافق إرادته, فقال رضي الله عنه:
وَلَسْتُ بِنَاءٍ عَنْ مُرِيدِيَ لَحْظَةً *** وَإِنَّ مُريدِي مَنْ أَرَادَ إِرَادَتِي (266 ق 1)
فِي تَلَوُّنِهِمْ: فِي: في حال, تَلَوُّنِهِمْ: تلوّن الشّخْص: غيَّر من سلوكه وفقًا لمصالحه، لم يَثْبُتْ على خُلُقٍ, غيّر من موقفه حسب الظُّروف
كَأَنَّهُمْ قَدْ هُدُوا: كَأَنَّهُمْ: الكاف للتشبيه, يشبه مظهرهم كذا, أنّ للتأكيد و الضمير هُم يعود علي أهل الدعوي و النفاق, قَدْ: للتأكيد, هُدُوا: قد دُلّوا علي الحقّ و الطريق الصحيح
وَالكُلُّ عَاصِينِي: وَالكُلُّ: أي: كُلّهم, عَاصِينِي: عَاصِي فاعل, متلبس بالمعصية, مع نون الوقاية, و يا المتكلم, أي: عاصي لسيدي فخر الدين, و وضع الياء إشارة إلي الخليفة الوارث, أي: عصي الخليفة فعصيني, قال رضي الله عنه:
فَطَاعَةُ إِبْرَاهِيمَ إِنْ رُمْتُمُ الْهُدَى *** كَمَالُ عَطَائِيَ بَلْ نَجَاحُ الْمَقَاصِدِ (24 ق 14)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 15: فَإِنَّمَا نَشْأَتِي تَوْحِيدُ فِطْرَتِهِ *** وَذُو الْجَهَالَةِ بِالإِشْرَاكِ يَرْمِينِي
المعني:
فَإِنَّمَا: الفاء استئنافية, إِنَّمَا: تفيد الحصر و التأكيد
نَشْأَتِي تَوْحِيدُ فِطْرَتِهِ: نَشْأَتِي: بداية خَلقي, تَوْحِيدُ فِطْرَتِهِ: لُقِن توحيد الفطرة, و هو الفطام عن الشرك بالله, قال تعالي: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) 30 الروم, تَعلم توحيد الفطرة من سيدتنا السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها, و كونها تعلم التوحيد هو سبب تسميتها بفاطمة, قال رضي الله عنه:
إِنَّا فُطِمْنَا عَنْ سِوَاكَ بِفَضْلِهَا *** يَا نِعْمَ أُمٌّ تُحْتَذَى وَتُطَاعُ (11 ق 23)
و قال رضي الله عنه:
وَهُدِيتُ للِتَّوحِيدِ إِرْثاً خَالِصاً *** وَشَهِدْتُ مَحْبُوبِي وَخَابَ سُوَاعُ (15 ق 23)
وَذُو الْجَهَالَةِ: و صاحب الجهالة, من الجهل نقيض العلم وتقول جهله فلان جهلا وجهالة, و الْجَهَالَةُ الحالة الملازمة من الجهل
بِالإِشْرَاكِ يَرْمِينِي: أو – يَرْمِينِي بِالإِشْرَاكِ – يرمي يتّهم بالباطل, بما ليس في الشخص, بِالإِشْرَاكِ: أي يتهمني بِالإِشْرَاكِ, و هو لا يعلم أنني فُطرتُ علي التوحيد
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 16: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ إِيمَانَ إِنْ جَمَحُوا *** وَلَمْ يَكُنْ غيرُ حُكْمِ اللَّهِ يُرْضِينِي
المعني:
فَلاَ وَرَبِّكَ: فَلاَ: الفاء استئنافية, لا النافية, وَرَبِّكَ: واو القسم, أقسم بالذّات, قال تعالي: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) 65 النساء
لاَ إِيمَانَ إِنْ جَمَحُوا: لاَ: نافية, إِيمَانَ: الإيمان ما وقر في القلب و صدقه العمل, خرجوا من مرتبة الإيمان, أي: الطريقة, قال تعالي: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) 14 الحجرات, إِنْ جَمَحُوا: من جمح الفرس فهو جموح جري و ابتعد و خرج عن السيطرة, والجموح من الرجال الذي يركب هواه فلا يمكن رده, عاندوا و لم يتّبعوا الخليفة الوارث, قال رضي الله عنه:
إِذَا جَنَحْتُمْ لَهَا فَاللَّهُ حَافِظُكُمْ *** وإِنْ جَمَحْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَافِينِي (2 ق 37)
وَلَمْ يَكُنْ غيرُ حُكْمِ اللَّهِ يُرْضِينِي: وَلَمْ يَكُنْ: نفي لفعل حصل في الماضي, وَلَمْ يَكُنْ غيرُ حُكْمِ اللَّهِ يُرْضِينِي: أي أنّ الله تعالي حَكم (قضي) في أمرهم, و لم يرضيني غير حُكمه تعالي (لم أقبل بغيره), قال تعالي: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) 114 الأنعام
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 17: لاَ يَقْرُبُ الْحَدَّ إِلاَّ مَنْ بِهِ طَلَعَتْ *** وَصِيَّتِي عِنْدَهَا يُغْنِيهِ مُغْنيِنِي
المعني:
لاَ يَقْرُبُ الْحَدَّ: لاَ: نافية, لاَ يَقْرُبُ الْحَدَّ: يبتعد عن الحدّ, ما لا يُسمح بتعدّيه, حتى لا يقع في المخالفة, قال تعالي: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) 187 البقرة, قال رضي الله عنه:
فَالْحَدُّ بتَّارٌ يَفُلُّ حُدُودُهُمْ *** مِنْ دُونِهِ لا يُمْلَكُ الْقِطْمِيرُ (11 ق 5)
إِلاَّ مَنْ بِهِ طَلَعَتْ وَصِيَّتِي: إِلاَّ: أداة استثناء مقترنة بلا النافية, تفيد الحصر, مَنْ: الذي, بِهِ طَلَعَتْ: قرُب حدود وَصِيَّتِي, و يعني بوَصِيَّتِي: شراب الوصل, قال فيه رضي الله عنه:
وَصِيَّةٌ كَالَّتِي عَاينْتُهَا كُتِبَتْ *** عَلَى الرِّقَاعِ وَآثَارٍ مِنْ الْبُهُمِ (5 ق 40)
عِنْدَهَا: عندما يقرُب الحدّ, كمن وصل إلي مكان لا رجعة فيه, مثاله قصة ذي القرنين فيما قال تعالي: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا) 90 الكهف, ليس لهم وقاية منها, و قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه, في وصف قصائد شراب الوصل:
وَلَيْسَ بَدِيلاً دُونَهَا مِنْ وِقَايَةٍ *** وَلَوْ بِقِلاَعٍ مَانِعَاتٍ حُصًونَهَا (34 ق 32)
يُغْنِيهِ مُغْنيِنِي: يُغْنِيهِ: من الحساب, بدون وقاية (لا توجد نون وقاية هنا), مُغْنيِنِي: يغني مع نون الوقاية, أي: أنا في ستر الله و وقايته من الحساب, أي: أن ذلك المقترب من الحدّ, و الحدّ هو طاعة الخليفة الوارث, يعرّض نفسه للحساب و لا واقي له من حساب الله تعالي, الذي نحن في ستره و وقايته
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 18: هَذَا كَلاَمٌ بِهِ قَدْ قَالَ سَابِقُنَا *** سَمِعْتُهُ وَالْبَقَاءُ الْمحَضُ يُفْنيِنِي
المعني:
هَذَا كَلاَمٌ: هَذَا: اسم إشارة للقريب, كَلاَمٌ: الكلام هو جملة ما يقول القائل, و هو شراب الوصل, كلام سيدي فخر الدين رضي الله عنه, قال رضي الله عنه:
كَلاَمِي مَشْربُ الأَرْواحِ وَصُلاٍ *** إِذَا لَمْ تَشْربُوا مِنْهُ فَأَيّ (17 ق 30)
بِهِ قَدْ قَالَ سَابِقُنَا: بِهِ قَدْ قَالَ: تلقّي القصائد دفعةً واحدة لسيدي فخر الدين في غيب الأحديّة من حضرة النبي صلي الله عليه و سلم, سَابِقُنَا: السابق للخلق, حضرة النبي صلي الله عليه و سلم, قال تعالي: (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) 81 الزخرف
سَمِعْتُهُ: سَمِعْتُ(هُ): سَمِعْتُ تلقيّتُ, من حضرة الهو النبوي
وَالْبَقَاءُ الْمحَضُ يُفْنيِنِي: الواو واو المعيّة, الْمحَضُ: الصِرف, الْبَقَاءُ الْمحَضُ: التعلّق التام بذاته الشريفة صلي الله عليه و سلم, يُفْنيِنِي: يمحوني, و أبقي به, في الحقيقة المحمّدية
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 19: عَذْبٌ فُرَاتٌ لَدَى مَنْ نَالَ حَظْوَتَهُ *** مِلْحٌ أجَاجٌ لأَهْلِ الوَعْدِ بِالْحِينِ
المعني:
عَذْبٌ فُرَاتٌ: (أي: شراب الوصل), عَذْبٌ: العذب من الشراب والطعام كل مستساغ والعذب الماء الطيب, فُرَاتٌ: شديد العُذوبة, أي: كلامه يمتع الأرواح بالعلوم و التجلّيات, قال تعالي: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا) 53 الفرقان
لَدَى مَنْ نَالَ حَظْوَتَهُ: لَدَى: عند. مَنْ: الذي, نَالَ: أدرك المطلوب, حَظْوَتَهُ: الحظوة القُرب, قال رضي الله عنه:
مِنْ آيَتِي يَسْقِي أَرْبَابُ حَظْوَتِنَا *** عَذْبَ الْحَدِيثِ وَمِنهْا طَيِّبَ الْكَلِمِ (1 ق 40)
مِلْحٌ أجَاجٌ: مِلْحٌ شَدِيد الْمُلوحَةِ, بالنذير و الأخذ علي أهل الباطل و الزيف, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
يَمِيزُ اللَّهُ بِالآيَاتِ فَضْلاً *** أُجَاجَ الْمِلْحِ وَالْعَذْبَ الْفُرَاتِ (14 ق 39)
لأَهْلِ الوَعْدِ بِالْحِينِ: مِلْحٌ أجَاجٌ لأَهْلِ الوَعْدِ بِالْحِينِ: أي: تذوقه مرّ بالنسبة للمنافقين, الموعودين بالحُكم عليهم, بعد حين, الْحِينِ: قدر غير محدد من الزمن, الآية: (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) 110-112 الأنبياء
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 20: فَلاَ تَكُنْ يَا لِسَانِي مِنْ تَبِيعَتهِمْ *** فَإِنَّ فِي طَاعَتِي تَاجَ الْمَسَاكِينِ
المعني:
فَلاَ تَكُنْ: فَلاَ: الفاء سببية, لا: الناهية, تَكُنْ: بالفعل, تحذير
يَا لِسَانِي: اللسان هو أداة التعبير عن المتكلم, و هو الرّاوي, يقول رضي الله عنه:
ذَا بَيَانِي يَا لِسَانِي *** دُونَهُ خَمْرٌ وَكَرْمُ (23 ق 18)
مِنْ تَبِيعَتهِمْ: مِنْ: لتبيين النوع, لا تكن من نوع, تَبِيعَتهِمْ: تبعته سرت في إثره, و التّبيعة: الأنثى من ولد البقر تتبع أمها أول سنة من عمرها, لا تفقه أين يُسار بها, لا تكُن بلا بصيرة ويتبعهم, و يعني بهم أهل النفاق و الدعوي
فَإِنَّ فِي طَاعَتِي: فَإِنَّ: الفاء للتأكيد, إنّ: للتأكيد, فِي: للتعليل, أي: بسبب طَاعَتِي: عدم مخالفتي, عدم مخالفة كلامي (شراب الوصل), عدم مخالفة الخليفة الوارث
تَاجَ الْمَسَاكِينِ: تَاجَ: التَّاجُ ما يوضع على رءُوس الملوكِ من الذَّهب والجواهر, إشارة إلي التأييد, الْمَسَاكِينِ: المحبّين, في الحديث عَنْ سيدِنَا أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ", و لذلك جاء في خاتمة الحزب الصغير لسيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه (سُبْحَانَكَ يَا دَائِمُ ارْزُقْنَا حَلَاوَةَ مَحَبَتِكَ وَاحْشُرْنا في زُمْرَةِ المُحِبِّينَ), و لذلك - كذلك - ربط المحبّة بالطاعة, فقال رضي الله عنه:
قَوَامُ طَرِيقِ الْقَوْمِ حُبٌّ وَطَاعَةٌ *** وَكُلُّ مَقَامٍ قَامَ بِالاِسْتِقَامَةِ (375 ق 1)
و ربط التأييد بالمحبة, فقال رضي الله عنه:
أُتَوِّجُ بِالتَّأَيِيدِ كُلَّ مُؤَيّدٍ *** لِكُلٍّ مُحِبٍّ للِنَّبِيِّ وَعِتْرَةِ (207 ق 1)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 21: وَلاَ تَقُلْ غَيْرَ مَا قُلْنَاهُ فِي وَضَحٍ *** فَإِنَّمَا الشَّرُّ قَدْ يَأَتيِكَ فِي اللِّينِ
المعني:
وَلاَ تَقُلْ غَيْرَ مَا قُلْنَاهُ: وَلاَ: واو العطف, و لا الناهية, أي: (يا مريدي), الرّواي بحسب مناسبة القصيدة, وَلاَ تَقُلْ غَيْرَ مَا قُلْنَاهُ: قُل كلامنا فقط و لا تقُل غيره, قال رضي الله عنه:
وَاحْفَظْ قَلْبَكَ إِنِّي فَرْدٌ *** وَانْحَرْ غَيْرَ كَلاَمِي تَظْفَرْ (5 ق 51)
فِي وَضَحٍ: فِي: ظرفية, وَضَحٍ: وَضَح النّهار شدة وضوح شمسه, يكون قولك واضحاً للغاية التي ليس بعدها وضوح, قال رضي الله عنه:
وَيَنْفُعُ الْحِبَّ قَوْلُ الْحَقِّ فِي وَضَحٍ *** بِلاَ رِيَاءٍ وَإِطْرَاءٍ وَتَلْوِينِ (7 ق 37)
فَإِنَّمَا: الفاء سببية, إِنَّمَا: كلمة من (إِنَّ) و (مَا) المصدرية, تفيد التأكيد و الحصر
الشَّرُّ: ضدّ الخير, ما به الضرر و الشقاء
قَدْ: حرف تفيد التحقيق والتكثير إذا جاء بعدها فعل مضارع، ويعرب ذلك من سياق الكلام, كقوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) في الحقائق الإلهية – كما في القرآن الكريم - لا يوجد تقليل أو شكّ, أي: أنّها هنا للتأكيد, و هذا تأكيد بأن (الشَّرُّ يَأَتيِكَ فِي اللِّينِ)
يَأَتيِكَ فِي اللِّينِ: يَأَتيِكَ: يصلك و يصيبك, في مسألة الساعة, جاء في الآية: (لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً) 187 الأعراف, فِي: للتعليل, أي: بسبب اللِّينِ, اللِّينِ: الضعف و عدم الحزم, قال رضي الله عنه:
فَاصْدَعْ بِأَمْرٍ جَاءَ عَنِّي مُخْلَصَا *** وَاعْلَمْ بِأَنِّي مَالِكُ الأَحْوَالِ (10 ق 50)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 22: وَحَسْبُنَا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ غَايَتَنَا *** وَذَا أَمَانِي وَمَنْ يُشْقِيكَ يُؤْذِينِي
المعني:
وَحَسْبُنَا: الواو للاستئناف, حَسْبُنَا: ما يكفينا من القدر , نا المتكلم الجمع, إشارة لسيدي فخر الدين و ورثته
أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ غَايَتَنَا: أَنْ: مصدرية, يَكُونَ: يقع في حيز الفعل, الْحَقُّ: ضدّ الباطل, غَايَتَنَا: أقصي ما نريد الوصول إليه
وَذَا أَمَانِي: الواو للعطف, ذا: اسم إشارة للقريب, أَمَانِي: أي أُعطيك أماني, لا أضرُّك
وَمَنْ يُشْقِيكَ يُؤْذِينِي: وَمَنْ: (بل) و الذي, يُشْقِيكَ: كاف المُخاطب للمٌريد (الرّاوي بحسب مناسبة القصيدة), يأتي لك بالشقاء, يُؤْذِينِي: يؤلمني, في حديث قال صلي الله عليه و سلم: "حتى الشوكة يشتاكها أحدكم فأتألم لها"
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة التِّسْعُون : ( مَا كَانَ لِي أَنْ يَكُونَ الصَّدُّ مِنْ شِيَمِي ) – بيت رقم 23: فَإِنْ أَمَالُوكَ فَاعْلَمْ أَنَّ مِنْحتَنَا *** لَهَا حَفِظْنَا وَحَاذِرْ أَنْ تُجَافِينِي
المعني:
فَإِنْ أَمَالُوكَ: فَإِنْ: الفاء استئنافية, إِنْ: شرطية بمعني إذا, أَمَالُوكَ: أمالَ الشَّي ثَناه, أي: ثنوك عن الحقّ, الخطاب للمُريد (الرّاوي بحسب مناسبة القصيدة)
فَاعْلَمْ: فَاعْلَمْ: الفاء رابطة لجواب الشرط, أعلم: أمر بنفي الجهل, فَاعْلَمْ: تُقال للإخطار بأمر هام للغاية, قال تعالي: (فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) 209 البقرة
أَنَّ مِنْحتَنَا: أَنَّ: للتأكيد, مِنْحتَنَا: المنح هو العطاء من غير مقابل, و مِنْحتَنَا يعني بها قصائد شراب الوصل, منحة من سيدي فخر الدين للمُريدين, و المنحة القصائد تتنزل من موطن المنح, المانحات, قال رضي الله عنه:
وَإِنْ أَرَدْتُمْ نَوَالَ الْقَصْدِ مِنْ مِنَحِي *** فَأَعْقِلُوا الْعَقْلَ إِنَّ الرُّوحَ تَأْتِينِي (22 ق 37)
و قال رضي الله عنه:
إِنِّي سَأَمْنَحُ فِي الْقَرَيبِ غَرَائِباً *** مِنْ طِيبِ نَظْمِي أَوْ فَريدِ مَقَالِي (2 ق 50)
قال رضي الله عنه:
الصَّالِحُونَ إِذَا تَلَقَّوْا مِنْحَةً *** عَكَفُوا عَلَيْهَا سُجَّداً وَقِيَامَا (1 ق 62)
لَهَا حَفِظْنَا: أو (حَفِظْنَا لَهَا), أي: تكون محفوظة في غيب الأحديّة, في خدور المانعات, حيث كل قصيدة في خدر, لا تُكشف, إلا حين يأذن الشيخ, قال رضي الله عنه:
إِلَى أَجَلٍ عِنْدِي تَكُونُ عَطِيَّتِي *** بِطَيِّ خُدُورِ الْمَانِعَاتِ حَفِيظَةً (1 ق 73)
و قال رضي الله عنه:
وَطَوَتْ صُدُورُ الْمَانِعَاتِ مَنَائِحِي *** قَبْلاً لِتَحْيَا مِنْ كَلاَمى أَعْظُمُ (3 ق 77)
وَحَاذِرْ أَنْ تُجَافِينِي: وَحَاذِرْ: الحذر اليقظة و الخوف, أَنْ: مصدرية, تُجَافِينِي: من الجفا و هو البعد, و هو الانقطاع من الوصل مع الأمين, الخليفة الوارث, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
كُلُّ مَنْ جَافَى أَمِينِي *** لَيْتَهُ مَا كَان شَيَّا (13 ق 17)
تعليقات: 0
إرسال تعليق