موسوعة رشفات من دقائق شراب الوصل للشيخ عبد الحميد بابكر
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) التّاريخ : الاثنين 5 شوال 1407 هـ = 1 يونيه 1987 م عَدَد الأبيات : 18
1- سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا *** فَإِيَّاكَ وَالتَّقْيِيدَ تُعْطَى الأَمَانِيَ
2- هُنَالِكَ يَفْنَى الْعَبْدُ عَنْ كُلِّ رُتْبَةٍ *** لِذَلِكَ يَبْقَى بَعْدَ إِذْ كَانَ فَانِيَا
3- لِذَلِكَ لاَ عِلْمٌ لَدَيْهِ وَلاَ بِهِ *** بَقِيَّةُ جَهْلٍ بَلْ لَقَدْ صَارَ عَانِيَا
4- فَرَبُّكَ وَهَّابٌ وَرَبُّكَ وَاسِعٌ *** وَرَبُّكَ غَفَّارٌ لِمَنْ آبَ ثَانِيَا
5- يُفَضِّلُ فِي تِلْكَ الْمَرَاتِبِ حَبْوَهَا *** مَخَافَةَ أَنْ يَرْتَدَّ لِلصَّحْوِ بَاقِيَا
6- فَيُظْهَرُ فِيهَا أَيْ يُلَقَّنُ عِلْمَهَا…*** ثَلاَثاً وَيُخْفَى كَيْ يَنَالَ الْمَثَانِيَ
7- وَيَجْمَعُ مِنْهَا فِي لُحَيْظَاتِ وَصْلِهَا *** خَبِيءَ حُرُوفٍ مَا حَوَتْهَا الأَوَانِيَ
8- وَحَيْثُ أَخَصَّتْ جَمْعَهَا كَانَ وَاحِداً *** وَإِنْ هِيَ أَعْطَتْ مَا بِهَا قَالَ مَا بِيَ
9- وَإِنْ هِيَ قَالَتْ لاَ يَمَلَّنَّ قَوْلَهَا *** وَحَيْثُ أَطَالَتْ بَاتَ يَهْوَى التَّوَانِيَ
10- إِذَا هِيَ يَوْماً أَسْفَرَتْ أَلْفَ مَرَّةٍ *** وَإِنْ هِيَ قَالَتْ مَنْ أَنَا قَالَ مَا هِيَ
11- مَذَاقُكَ مِنْهَا شَهْدَهَا إِنْ شَهِدْتَهَا *** وَحَيْثُ أَذَاقَتْ مُرَّهَا كَانَ حَالِيَا
12- وَيُصْبِحُ فِيهَا الْعَبْدُ ذَا سَرْمَدِيَّةٍ *** إِذَا هُوْ أَبْقَاهُ الْفَنَا عَاشَ رَاضِيَا
13- يَقُولُ أَنَا وَحْدِي وَإِنْ شَاءَ بعْدَهَا *** يَقُولُ أَنَا إِنِّي أَنَا جَلَّ شَانِيَ
14- سَأَلْتَ حَرِيّاً مَا سُؤَالُكَ بَعْدَهَا ؟ *** فَلاَ تَكُ مِمَّنْ قَالَ رَبِّي قَلاَنِيَ
15- ءَإِنَّكَ مِمَّنْ أَثْقَلَتْ قَلْبَهُ الْمُنَى *** لِيُصْبِحَ تَوَّاقاً يَذُوقُ الْمَعَانِيَ
16- فَلَسْتَ بِمَأْخُوذٍ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ *** وَلَسْتَ بِهَا جَانٍ إِذَا كُنْتَ جَانِيَا
17- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَاءَ قَوْلُهُ *** يُفَصِّلُ مَا قَدْ أَجْمَلَتْهُ الْمَثَانِيَ ؟
18- تَلِينُ جُلُودُ الرَّاهِبِينَ لِذِكْرِهِ *** وَيَنْعَمُ قَلْبٌ بَاتَ لِلْوَجْهِ رَانِيَا
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 1: سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا *** فَإِيَّاكَ وَالتَّقْيِيدَ تُعْطَى الأَمَانِيَ
المعني:
سَأَلْتَ عَنِ: تنفيذ لما قاله الشيخ في قصيدة سابقة (قصيدة مراتب الدين), بأن يسأله المريد عن التفريد, أجاب في تلك القصيدة عن التوحيد و هنا يجيب عن التفريد, و هنالك كان قد قال رضي الله عنه:
سَلْنِي عَنِ التَّوْحِيدِ وَالتَّفْرَيدِ فِي *** رُتَبِ الْفَنَاءِ وَسَلْ عَنِ الإِحْسَانِ (2 ق 60)
و كذلك في القصيدة السابقة, شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والثَّمَانُون: ( بِأَرْضِ اللَّهِ حَيْثُ يَكُونُ بَيْتِي ), البيت رقم (24), بعبارة (وَأَتْبِعُهَا فُرَادَاهَا تُثَنَّى), أشار رضي الله عنه لهذه القصيدة بقوله:
وَفِي شَعْبَانَ تَمَّ الْقَوْلُ فِيهَا *** وَأَتْبِعُهَا فُرَادَاهَا تُثَنَّى
التَّفْرِيدِ: التفريد : هو شهود الحق ولا شيء معه ، فيشهده متفرداً، وذلك بفناء الشاهد في المشهود, و الإشارة إليه في قوله الله تعالى: (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) 125 النور, و الفرد من حضرة الفردية الإلهية ، فهو فرد من فرد ولا يكون فيه إلا الأفراد الورثة المحمديون من أهل الله تعالى أولي الكمال من أوليائه
فِي مُرْتَقَى الْفَنَا: فِي: تعيين للمكان, مُرْتَقَى: من الترقي : هو التدرج في المراتب, المُرْتَقَى: هو وسيلة التَّرقي, أي: سلّم درجات التّرقي, الْفَنَاء, الْفَنَا: الفناء, هو انمحاء العبد عن ذاته و صفاته و شهود ذات المولي عزّ و جلّ, و قد قيل:
أَنْتَ البَاقِي لَم تَزَلْ وَ الكُلُّ فَانٍ *** إِنِّي رَاقٍ فِي رَفِيعِ الدَّرَجَاتِ
فَإِيَّاكَ وَالتَّقْيِيدَ: فَإِيَّاكَ: الفاء استئنافية, إِيَّاكَ: اسم فعل أمر بمعني أحذّرُكَ, وَالتَّقْيِيدَ: التَّقْيِيدَ: ضد الإطلاق, حبس المعني في حيّز واحد محدود, غير ما يُراد له
تُعْطَى الأَمَانِيَ: تُعْطَى الأَمَانِيَ: جمع الأُمْنِيّة, ما يتمني المرء, تُعْطَى ما تتعلّق به همّتك من إدراك المراتب, الخطاب للمُريد
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 2: هُنَالِكَ يَفْنَى الْعَبْدُ عَنْ كُلِّ رُتْبَةٍ *** لِذَلِكَ يَبْقَى بَعْدَ إِذْ كَانَ فَانِيَا
المعني:
هُنَالِكَ: اسم إشارة للمكان واللام للأكثر بعداً (هنا, هناك, هنالك) والكاف للخطاب
يَفْنَى الْعَبْدُ: يَفْنَى: ينمحي, الْعَبْدُ: من تدرج في درجات العبودية في مراتب الإحسان
عَنْ كُلِّ رُتْبَةٍ: يتخلّي عن مراتبه
لِذَلِكَ يَبْقَى: (أي: العبد), لِذَلِكَ: اللام للتعليل, ذَلِكَ: اسم إشارة للأبعد, أي: بسبب فنائه عن كلّ رُتبة, يَبْقَى: بالتحلّي بالصفات الإلهية
بَعْدَ إِذْ كَانَ فَانِيَا: بَعْدَ: ظرفية, إِذْ: ظرف لما مضى من الزمان, كَانَ: فعل ماضي يفيد الحدوث, فَانِيَا: بعد إكماله لمراتب الفناء, في مرتبة الفردية
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 3: لِذَلِكَ لاَ عِلْمٌ لَدَيْهِ وَلاَ بِهِ *** بَقِيَّةُ جَهْلٍ بَلْ لَقَدْ صَارَ عَانِيَا
المعني:
لِذَلِكَ: اللام للتعليل, ذَلِكَ: اسم إشارة للأبعد
لاَ عِلْمٌ لَدَيْهِ: لاَ عِلْمٌ: تجرّد عن علم المراتب السابقة, لَدَيْهِ: أي: لدي الفاني في مراتب الفناء
وَلاَ بِهِ بَقِيَّةُ جَهْلٍ: تفرّد, أي: فناء في فناء, لم يبق منه شئ, قال رضي الله عنه:
أَشِعَّةُ نُورٍ مِن سَنَا فَيضِ نُورِهِ *** يقَابِلُهَا عَبْدٌ فَنَى عَنْ بَقِيَّةِ (398 ق 1)
بَلْ لَقَدْ صَارَ: بَلْ: للإضراب أي: الانتقال من وصف إلي وصفٍ أهمّ و أخطر, لَقَدْ: اللام للتأكيد, قد للتأكيد, صَارَ: انتقل من منزلة إلي منزلة أو من مرتبة إلي مرتبة
عَانِيَا: العاني الأَسِيرُ, والعاني الخاضِعُ، والعاني العَبْدُ، من قوله تعالي في الآية: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) 111 طه, وهو الذي يحيط به الله عزّ وجل في حالة الفناء، فيكون أسيراً في ديمومية الشهود الذّاتي, قال بعض السادة الأكابر رضي الله عنهم:
مَنْ يَهْواني يَترُكُ الكُلَّ جَمِيعَا *** يَبقَىَ عَانِي يَرتَجِي حُسْنَ التِفَاتِي
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 4: فَرَبُّكَ وَهَّابٌ وَرَبُّكَ وَاسِعٌ *** وَرَبُّكَ غَفَّارٌ لِمَنْ آبَ ثَانِيَا
المعني:
فَرَبُّكَ وَهَّابٌ: فَرَبُّكَ: الفاء استئنافية, رَبُّكَ: الخطاب للمُريد, وصف لحضرة الربوبية, الربوبية : هي اسم للمرتبة المقتضية للأسماء التي تطلبها الموجودات ، فدخل تحتها الاسم الوَهَّابٌ و الوَاسِعٌ و الغَفَّارٌ, إشارة لحالة الأخذ و الردّ في مقام التفريد, وَهَّابٌ: من أسماء الاختصاص بموطن الربوبية, الوهّاب, أي: الذي يُعطي من غير مقابل, وهب أو هبة, يقول تعالي: (أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) 9 ص, قال رضي الله عنه:
إِذَا هُوَ قَدْ أَعْطَى فَرَبٌّ لِعَبْدِهِ *** كَذَا هُوَ وَهَّابُ الْعُلُومِ الْعَلِيَّةِ (397 ق 1)
وَرَبُّكَ وَاسِعٌ: وَاسِعٌ: الاسم الوَاسِع مشتق من السِّعة .. سِعة العِلم و الفَضل, يقول تعالي: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ) 80 الأنعام
وَرَبُّكَ غَفَّارٌ: غَفَّارٌ: أي: كثير الغفران, غفر الذنب تجاوزه, يقول تعالي: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا) 25 الإسراء, قال رضي الله عنه:
هُوَ الْجَمْعُ فِي رُتَبِ الْفَنَاءِ وَمَنْ بِهِ *** يُرَى اللَّهُ جَبَّاراً وَللِذَّنْبِ غَافِرُ (9 ق 21)
لِمَنْ آبَ: للذي, آبَ: رجع, قال رضي الله عنه في هذا الموطن:
وَاسْتَبَقْنَا كُلَّ بَابٍ نَحْوَ أَوْبٍ *** وَانْطَلَقْنَا قَدْ خَشِينَا أَنْ تَمُورَا (20 ق 63)
ثَانِيَا: بهمّة, تقول عاد الفرس ثانياً كناية عن نشاطه
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 5: يُفَضِّلُ فِي تِلْكَ الْمَرَاتِبِ حَبْوَهَا *** مَخَافَةَ أَنْ يَرْتَدَّ لِلصَّحْوِ بَاقِيَا
المعني:
يُفَضِّلُ: أي: العبد الربّاني, المتخلّق بأخلاق الربوبية, يُغلّبُ
فِي تِلْكَ الْمَرَاتِبِ: فِي: ظرفية, تِلْكَ: إشارة للجمع الغائب, الْمَرَاتِبِ: مراتب الفناء,
حَبْوَهَا: كثير عطاءها, يُفَضِّلُ حَبْوَهَا, أي: يُغلّبُ كثير عطاء مراتب الفناء, و لا يريد أن ينتقل منه لمراتب الصحو, قال السادة الأكابر رضي الله عنهم:
فَرْدٌ لَكِنْ هُوَ فِي المَجْلَى كَثيرٌ *** عِنْدِي سَاكِن فِيه صَحْوِي سَكَرَاتِي
مَخَافَةَ أَنْ يَرْتَدَّ: مَخَافَةَ أَنْ: تجنّباً لأن, يَرْتَدَّ: ينزل لدرجة الصحو, باعتبار ذلك ارتداد عمّا هو عليه في مراتب الفناء, في موطن الشهود
لِلصَّحْوِ بَاقِيَا: البقاء في موطن المشاهدة
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 6: فَيُظْهَرُ فِيهَا أَيْ يُلَقَّنُ عِلْمَهَ ثَلاَثاً *** وَيُخْفَى كَيْ يَنَالَ الْمَثَانِيَ
المعني:
فَيُظْهَرُ فِيهَا: فَيُظْهَرُ فِيهَا: أي: الفرد, فِيهَا: في مراتب الفناء, الظّهور لغةً: هو البروز بعد الخفاء, و حقيقةً: ظهور التجلّي الإلهي للعبد فيبقي ظاهراً بالحقائق الحقيّة و مقابل فنائه ببطون فناء الخلق, قال تعالي: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلّا وَجْهَهُ) 88 القصص
أَيْ يُلَقَّنُ عِلْمَهَ: أَيْ: للتبيين, يُلَقَّنُ: يتلقّي تلقيناً, أي: يُحفظ فيه العلم حفظاً و إدراكاً, عِلْمَهَ: عِلْمَ الفرد في مرتبة الفردية أو التفريد
ثَلاَثاً وَيُخْفَى: فَيُظْهَرُ فِيهَا ثَلاَثاً, وَيُخْفَى فِيهَا ثَلاَثاً, توالي الظهور ثم الخفاء ثلاث مرات, قال رضي الله عنه في (1-2 ق 55):
وَبَعْدَ الْجَمْعِ كُنَّا فِي فَنَاءٍ *** فَإِنَّا حَيْثُ لاَ نَدْرِي فَنَاءَا
فَأُظْهِرْنَا وَأُخْفِيْنَا ثَلاَثاً *** وَأُخْفِيْنَا صَفَاءً وَاصْطِفَاءَا
و قيل في المعني:
وَ أفنَي ثُمَّ أفنَي ثُمَّ أفنَي *** فَكَانَ فَنَاؤُهُ عَيْنَ البَقَاءِ
كَيْ يَنَالَ الْمَثَانِيَ: كَيْ: للتعليل, يَنَالَ: يحصُل علي, الْمَثَانِيَ: من ثني الشئ بعضه فوق بعض, إشارة إلي بطون بطون المعاني, والتثنية : هي برزخ بين الجمع والإفراد, والتثنية تقابل الطرفين بذاتها، فلها درجة الكمال، لأن المفرد لا يصل إلى الجمع إلا
بها، والجمع لا ينظر إلى المفرد إلا بها, قال تعالي: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) 87 الحِجر, و هي التي أشار إليها الله تعالي في الآية: (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) 269 البقرة, و قال صلي الله عليه و سلم في الحديث: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ", و قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
قَدْ رَأَيْنَا مَا رَأَيْنَا ثُمَّ قُلْنَا *** كَيْفَ نُحْصِي كَيْفَ نُثْنِي يَا مَثَانىَ (11 ق 65)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 7: وَيَجْمَعُ مِنْهَا فِي لُحَيْظَاتِ وَصْلِهَا *** خَبِيئْىَ حُرُوفٍ مَا حَوَتْهَا الأَوَانِيَ
المعني:
وَيَجْمَعُ مِنْهَا: وَيَجْمَعُ: (يعني الفرد) موطن حضرة الجمع, الشهود الإلهي, مِنْهَا: مِنْ: حرف ابتداء لغاية مكانية, و الضمير (هَا) يعود علي الحضرة الإلهية
فِي لُحَيْظَاتِ وَصْلِهَا: فِي لُحَيْظَاتِ: تصغير لحظة, و التصغير ناجم عن لذة الوصل فلا تحس بلحظاته, وَصْلِهَا: الوصل الشهود للحضرة الإلهية, الجمع
خَبِيئْىَ حُرُوفٍ: خَبِيئْىَ: الخَبِيئْىَ المخفيّ في الباطن, السِرّ, الخُبَى كناية عن الصورة الحسية والمعنوية الظاهرة بطريق التأثر عن الأسماء الإلهية, بطون المعاني, لأن الحروف, مكونات الكلمات, وتحمل في باطنها المعاني
مَا حَوَتْهَا الأَوَانِيَ: مَا: الذي, حَوَتْهَا: استبطنت في باطنها, الأَوَانِيَ: جمع آنية, الكلمات, و تُسمي كذلك المباني, نقول: مباني و معاني, قال رضي الله عنه:
وَالْمَعَانِي فِي أَكِنَّتِهَا رُمُوزٌ *** فَالْمبَانِي فِيهِ صَارَتْ كَالأَوَانِي (2 ق 65)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 8: وَحَيْثُ أَخَصَّتْ جَمْعَهَا كَانَ وَاحِداً *** وَإِنْ هِيَ أَعْطَتْ مَا بِهَا قَالَ مَا بِيَ
المعني:
وَحَيْثُ: الواو استئنافية, حَيْثُ: ظرف مكان
أَخَصَّتْ جَمْعَهَا: أَخَصَّتْ: (أي: حضرة الشهود الذّاتي), حضرة الجمع, أو الحضرة الإلهية (كلّها بمعني واحد), جَمْعَهَا: جمع الأكثرية في الواحد
كَانَ وَاحِداً: كَانَ: لحصول الأمر, وَاحِداً: واحد يُجمع فيه الكُلّ, قال رضي الله عنه:
وَيَجْعَلُهُ الْقُرْآنُ جَمْعاً مُفَرَّقاً *** وَيَجْعَلُ مِنْهُ وَاحِدَ الأَكْثَرِيَّةِ (420 ق 1)
وَإِنْ هِيَ أَعْطَتْ مَا بِهَا: واو العطف, إِنْ: شرطية, هِيَ: حضرة الجمع, أَعْطَت مَا بِهَا: خلعت خلعتها علي الواحد
قَالَ مَا بِيَ: قال الواحد, مَا بِيَ: نطق بلسان حضرة الجمع أو الحضرة الإلهية, لا فرق, بِيَ: الباء و الياء إشارة للوسطية, يقول رضي الله عنه:
وَإِنِّي حَقٌّ شَأْنُ مُؤَيَّدٍ *** وَإِنِّي رَبُّ الْبَيْتِ وَهْيَ بِعِصْمَتِي (158 ق 1)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 9: وَإِنْ هِيَ قَالَتْ لاَ يَمَلَّنَّ قَوْلَهَا *** وَحَيْثُ أَطَالَتْ بَاتَ يَهْوَى التَّوَانَي
المعني:
وَإِنْ هِيَ قَالَتْ: وَإِنْ هِيَ: واو العطف, إِنْ: شرطية, هِيَ: حضرة الجمع, قَالَتْ: القول هو الجزء من الحديث, أي: خطاب الحضرة الإلهية
لاَ يَمَلَّنَّ قَوْلَهَا: لاَ: النافية, يَمَلَّنَّ: يملّ: السأم و عدم الاستقرار علي الشئ, لاَ يَمَلَّنَّ: النون لتأكيد نفي (الملل), قَوْلَهَا: خطابَها, أي: خطاب الحضرة الإلهية, قيل:
وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ ***وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاً
وَحَيْثُ أَطَالَتْ: واو العطف, حَيْثُ: ظرف زمان, أَطَالَتْ: (أي: الحضرة), أَطَالَتْ مدّت في الخطاب, و تحدثت علي مَهلٍ
بَاتَ يَهْوَى التَّوَانَي: بَاتَ: المبيت قضاء الليلة في المكان, أي: اشتملته باطناً, يَهْوَى: يُحبّ, التَّوَانَي: من الوَنا: الفَتْرَةُ في الأَعمال والأُمور, عدم التعجّل, قال رضي الله عنه:
إِذَا هُوَ نَادَى فَالْوَرَى طَوْعُ أَمْرِهِ *** وَإِنْ هُوَ نَاجَى فَالأَنَا لِلأَنِيَّةِ (407 ق 1)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 10: إِذَا هِيَ يَوْماً أَسْفَرَتْ أَلْفَ مَرَّةٍ *** وَإِنْ هِيَ قَالَتْ مَنْ أَنَا قَالَ مَا هِيَ
المعني:
إِذَا: شرطية
هِيَ يَوْماً: هِيَ: حضرة الجمع, الحضرة الإلهية, حضرة شهود الذّات, يَوْماً: اليوم يعبّر عن ظرف الزمان الذي يقع فيه حدث هام و خطير, كقولنا: يوم الجمعة, يوم البعث, يوم العروبة, يوم العيد
أَسْفَرَتْ أَلْفَ مَرَّةٍ: أَسْفَرَتْ: ظهرت و تجلّت, أَلْفَ مَرَّةٍ: تكرار التجلّي في اليوم الإلهي, في الآية: (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) 74 الحج, قال سيدي فر الدين رضي الله عنه:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ رَبَّنَا وَإِلَهَنَا *** يَوْمُ الإِلَهِيِّينَ فِيكَ سُنُونُ (21 ق 67)
وَإِنْ هِيَ قَالَتْ مَنْ أَنَا: واو العطف, إِنْ: شرطية, هِيَ: الحضرة الإلهية, قَالَتْ مَنْ أَنَا: أي: من صاحب الأنا المُخاطب
قَالَ مَا هِيَ: يعني قال (أنا) , يبقي الإجابة علي السؤال من الحضرة (هِيَ قَالَتْ مَنْ أَنَا), قال (أنا) هِي, و إذا قال (هِي) قالت (أنا), أي: يكون مظهر الحضرة الإلهية, و تكون باطنه, هذا نفس معني قوله في بداية التائية, رضي الله عنه:
أَنَا فِي أَنَا إِنِّــي وَإِنِّــيَ فِي أَنَا *** رَحِيقِيَ مَخْتــُومٌ بِمِسْكِ الْحَقِيقَةِ (1 ق 1)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 11: مَذَاقَكَ مِنْهَا شَهْدَهَا إِنْ شَهِدْتَهَا *** وَحَيْثُ أَذَاقَتْ مُرَّهَا كَانَ حَالِيَا
المعني:
مَذَاقَكَ مِنْهَا شَهْدَهَا: مَذَاقَكَ: كاف المُخاطب للمُريد, مَذَاق: من ذاقَ الشيءَ يذُوقه ذَوقاً و مَذاقاً، أي: أحسّ طعمه, مِنْهَا: مِنْ: حرف ابتداء لغاية مكانية, الضمير المتصل (ها) يعود علي الحضرة الإلهية, شَهْدَهَا: الشَّهْد: العسل, أي: طعمُ العسل, كناية عن حلاوة الطعم, مَذَاقَكَ خبر للحرف (كان) محذوف, أي: كانَ هُوَ مَذَاقَكَ
إِنْ شَهِدْتَهَا: إِنْ: شرطية بمعني إذا, شَهِدْتَهَا: يعني حصول الشّهود, من شَهِدَ يَشهدُ, المُخاطَب المُريد, الضمير (ها) يعود علي الحضرة الإلهية
وَحَيْثُ أَذَاقَتْ مُرَّهَا: الواو للعطف, حَيْثُ: ظرف زمان, أَذَاقَتْ: المفارقة في أنك تذوق أنت منها الحلو, و لكن هي "تذيقك" المُرّ, و هذا شأن المحب و المحبوب, قال تعالي في الآية: (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ) 70 يونس, مُرَّهَا: مُرّ: من المَرَارَةُ: ضِدُّ الحلاوةِ، والمُرُّ نَقِيضُ الحُلْو, الضمير (ها) يعود علي الحضرة الإلهية, و مرّها هو التلظّي بوقت انتظار السفور و التجلّي
كَانَ حَالِيَا: كَانَ: حصل أي: تجده, حَالِيَا: من الحلو, أي: حلو الطعم, قيل:
وَ مَنْ يَجْهَلِ المَحبُوبَ فَالضَّرْبُ مُوجِعٌ لَهُ *** وَ مَتَى يَعرِفُهُ يَلْتَذُّ بالضَّرْبِ
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 12: وَيُصْبِحُ فِيهَا الْعَبْدُ ذَا سَرْمَدِيَّة *** إِذَا هُوْ أَبْقَاهُ الْفَنَا عَاشَ رَاضِياً
المعني:
وَيُصْبِحُ فِيهَا الْعَبْدُ: الواو للعطف, يُصْبِحُ: من الصُبح و هو أول إشراق ضوء النّهار, بداية التجلّي الإلهي, فِيهَا: في الحضرة الإلهية, موطن الشّهود, الْعَبْدُ: من تحلّي بصفة العُبودة في درجات الإحسان, تحقق بالعبديّة
ذَا سَرْمَدِيَّة: ذَا: صاحب أو مالك, سَرْمَدِيَّة: السَّرْمَدِيَّة هي البقاء إلي ما لانهاية من الزمن, (في الحزب الكبير: لكَ الدّوام الأزَليُّ و البقَاءُ السَّرْمَدِيّ)
إِذَا هُوْ أَبْقَاهُ الْفَنَا: إِذَا: شرطية, هُوْ: إشارة إلي باطن العبدُ, أَبْقَاهُ الْفَنَا: أكمل الفناء فأنتقل إلي البقاء, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
كُلُّ جَمْعٍ كَلَّ يَوْمَ الْجْمعِ حِملاً *** وَالْبَقَاءُ الْمحْضُ أَضْحىً فِيهِ فَانِي (4 ق 65)
و قيل:
الظَّاهِرُ أفْنَانِي *** و البَاطِنُ أبْقَانِي
عَاشَ رَاضِياً: عَاشَ: العَيشُ هو تمتّع الرّوح بمجالي القُرب و الشُهود الإلهي, رَاضِياً: سعيداً بما يجد من متعة العيش
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 13: يَقُولُ أَنَا وَحْدِي وَإِنْ شَاءَ بعْدَهَا *** يَقُولُ أَنَا إِنِّي أَنَا جَلَّ شَانِيَ
المعني:
يَقُولُ أَنَا وَحْدِي: يَقُولُ: أي: العبد صاحب البقاء في الشّهود, إشارة لسيدي فخر الدين رضي الله عنه, أَنَا: كناية عن الذّات الظاهر للمتكلم, وَحْدِي: في موطن الواحِديّة, الدّال علي تعدد الكثرة في الواحد, كان رضي الله عنه "وأشواقي لمعاني حسن سلمي" يقول أن هذه القصيدة تعبّر عن حاله, حيث كان وحده في عهد ما قبل نشره للطريقة, و بحسبان ذلك فكلّ أرواح أبناء الطريقة مندرجة في روجه الشريفة, فهم أبناؤه الآتون في الزّمان البُرهاني, و كان يقول أن هذا البيت يدلُّ علي حاله ذاك, في أيام الدُنيا, يقول البيتُ:
أنَا وَحْدِي مَا مَعِي فِي الكَّوْنِ غَيْرِي *** أُبْدِي وَجْدِي لِبُدُورِي الطَّالِعَاتِ
وَإِنْ شَاءَ بعْدَهَا: وَإِنْ شَاءَ: إذا اختار, بعْدَهَا: أي: بعد الحياة الدُّنيا, أي: في حياة البرزخ, أي: يتكلّم بال(أنا) الإلهي في الدّنيا و البرزخ, و هذا شأن الوارث المحمّدي
يَقُولُ أَنَا إِنِّي: يَقُولُ:بكلام البرزخ, شراب الوصل, أَنَا: كناية عن الذّات الظاهر, أي: سيدي فخر الدين, إِنِّي: الباطن الإلهي, أي: يكون موطن للتجليّات الإلهية الذّاتية, و هذا ما عبّر عنه في البيت الأول من شراب الوصل في القصيدة التائية, بقوله رضي الله عنه:
أَنَا فِي أَنَا إِنِّــي وَإِنِّــيَ فِي أَنَا *** رَحِيقِيَ مَخْتــُومٌ بِمِسْكِ الْحَقِيقَةِ (1 ق 1)
أَنَا جَلَّ شَانِيَ: أَنَا: إشارة إلي الذّات الظاهر للمتكلم, صاحب شراب الوصل, سيدي فخر الدين رضي الله عنه, جَلَّ: عزّ و عظُم, شَانِيَ: أي: شَأنِيَ (مخففة), الشأن الأمر, و هو باطن الأمر, و هذا شأن الوارث المحمدي, يتحدثّ بلسان الحضرة الإلهية
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 14: سَأَلْتَ حَرِيّاً مَا سُؤَالُكَ بَعْدَهَا ؟ *** فَلاَ تَكُ مِمَّنْ قَالَ رَبِّي قَلاَنِيَ
المعني:
سَأَلْتَ: سَأَلْتَ: يخاطب المُريد, سَأَلْتَ: سؤالك (الذي هو مطلع القصيدة): سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا
حَرِيّاً: الحَرَى: الخَلِيقُ كقولك إِنه لَحَرىً بكذا، سَأَلْتَ حَرِيّاً: أي: سَأَلْتَ من هو كفؤٌ بالإجابة علي سؤالك, و الحريُّ المعني هو سيدي فخر الدين رضي الله عنه
مَا سُؤَالُكَ بَعْدَهَا ؟: ثم ماذا ما سؤال آخر, أي: تجدني علي استعداد لسؤال بعد هذا السؤال و أعقد منه, إذا وُجد, السؤال وسيلة التعلّم, و طبيعة درسه رضي الله عنه أن يُسأل السائل ما عنّ له من سؤال فيجيبه, و كان يستحثّ طالبيه علي السؤال, و كان رضي الله عنه كثيراً ما يورد قول مولانا الإمام علي كرّم الله وجهه: "سلوني قبل أن تفقدوني" و قوله أيضاً: "إنّ ههنا لعلومٌ جمّة لو وجدت لها وعاء" مشيراً إلي صدره الشريف
فَلاَ تَكُ: الفاء سببية, بسبب أنني حريٌ بأن تسألني ما تريد, لا: النافية, تَكُ: تخفيف من الفعل تَكُن
مِمَّنْ: مِنْ: للبعضية, مَنْ: لتبيين النوع, فلا تكن من النوع الذي ....
قَالَ رَبِّي قَلاَنِيَ: قَالَ: زعم, رَبِّي: القائم علي التربية, قَلاَنِيَ: من قلي كره و جفا, الآية: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) 3 الضحى
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 15: أَإِنَّكَ مِمَّنْ أَثْقَلَتْ قَلْبَهُ الْمُنَى *** لِيُصْبِحَ تَوَّاقاً يَذُوقُ الْمَعَانِيَ
المعني:
أَإِنَّكَ: الهمزة للاستفهام, بمعني هَل, إِنَّ: للتوكيد, الكاف كاف المُخاطب, المُريد, هل أنت!
مِمَّنْ: مِنْ: للبعضية, مَنْ: لتبيين النوع, فلا تكن من النوع الذي ....
أَثْقَلَتْ قَلْبَهُ الْمُنَى: أَثْقَلَتْ قَلْبَهُ: حمل قلبك فوق طاقته, و في المعني, قوله تعالي: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا) 18 الأعراف, الْمُنَى: جمع أمنيّة و هي التِّلاوةُ سميت أُمْنيّة لأَنَّ تالي القرآنِ إِذا مَرَّ بآية رحمة تَمَنَّاها، وإِذا مرَّ بآية عذاب تَمَنَّى أَن يُوقَّاه, ما تتلوه من القصائد, وفي المعني, قيل في مَرْثِيَّةِ سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه:
تَمَنَّى كتابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِه *** وآخِرَه لاقَى حِمامَ المَقادِرِ
لِيُصْبِحَ تَوَّاقاً: لِيُصْبِحَ: اللام للتعليل, يُصْبِحَ: يكون في إشراق أنوار التجليّات, تَوَّاقاً: تاقَ اشْتاقَ، و تَوَّاقاً كثيرَ الشّوق
يَذُوقُ الْمَعَانِيَ: يَذُوقُ: يحسّ الطعم, استجلاء, الْمَعَانِيَ: باطن سرّ الكلمات, قال رضي الله عنه في (1-2 ق 9):
كَلَّتْ مَبَانِي مَا أَقُولُ عَنِ الَّذِي *** أَرْمِي إِلَى مَعْنَاهُ أَوْ إِثْبَاتِهِ
قُلْتُ الْمَعَانِي فِي عَظِيِم بِنَائِهَا *** كُلٌّ يَرَى قَوْلِي عَلَى مِرْآتِهِ
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 16: فَلَسْتَ بِمَأْخُوذٍ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ *** وَلَسْتَ بِهَا جَانٍ إِذَا كُنْتَ جَانِيا
المعني:
فَلَسْتَ: الفاء استئنافية, لَسْتَ: للنفي مع تاء المُخاطب, يعني المُريد
بِمَأْخُوذٍ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ: الغِرَّة الغفلة, لَسْتَ بِمَأْخُوذٍ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ, أي: لن يأتيك الأمر بغتةً, بل ستُدركَه و أنت تعيَه
وَلَسْتَ بِهَا جَانٍ: وَلَسْتَ بِهَا: بتجلّي الحضرة, جَانٍ: مُذنب
إِذَا كُنْتَ جَانِيا: إِذَا كُنْتَ: إذا حصَّلت من الفعل, جَانِيا: من جَني الثمار, قال رضي الله عنه:
يُصَنّفُهُمْ هَدِي لِذَاكَ وَذَ الِذِي *** وَتِلْكَ لِهَذَا فِي اجْتِنَاءِ الْجَنِيَّةِ (418 ق 1)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 17: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَاءَ قَوْلُهُ *** يُفَصّلُ مَا قَدْ أَجْمَلَتْهُ الْمَثَانِيَ ؟
المعني:
أَلَمْ تَرَ: أَلَمْ: الهمزة للاستفهام, لَمْ: للنفي, تَرَ: تُشاهد أو تعلم, أَلَمْ تَرَ: تعني أنك رأيت فعلاً
أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَاءَ قَوْلُهُ: أي: أتي قول الله سبحانه و تعالي, أي: جاءت آية في القرآن الكريم
يُفَصّلُ: يبيّن, أي: أن الآية تشرح و تبيّن ما أُجمل في المثاني
مَا قَدْ أَجْمَلَتْهُ الْمَثَانِيَ ؟: مَا: الذي, قَدْ: للتأكيد, أَجْمَلَتْهُ: أتت به موجزاً للبيان الطويل في القليل من القول, الْمَثَانِيَ: مني ثني الشئ علي بعضه, أي: الآيات التي تنطوي في باطنها علي المعاني الكثيرة, و تلك هي الآية المشار إليها في البيت التالي
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة السّادِسَة والثَّمَانُون : ( سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا ) – بيت رقم 18: تَلِينُ جُلُودُ الرَّاهِبِينَ لِذِكْرِهِ *** وَيَنْعَمُ قَلْبٌ بَاتَ لِلْوَجْهِ رَانِيَا
المعني:
تَلِينُ جُلُودُ الرَّاهِبِينَ لِذِكْرِهِ: الآية المشار إليها في البيت السابق, بقوله رضي الله عنه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَاءَ قَوْلُهُ), قال تعالي: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) 23 الزمر, تَلِينُ: تخضع و تذلّ, جُلُودُ: الجِلد كناية عن الظاهر, الرَّاهِبِينَ: خُدّام في الحضرة, من الرّاهب و الرّهبة الخشية و الخوف, لِذِكْرِهِ: تخضع ذواتهم لذكره, فلا شغل لهم بغيره
وَيَنْعَمُ قَلْبٌ: وَيَنْعَمُ: ونَعُم الشيءُ نُعومةً أي صار ناعِما لَيِّناً، قَلْبٌ: القلب مستودع المشاعر من الحبّ و الخضوع و الانكسار
بَاتَ: بات بالمكان قضي ليلته فيه, أي: صار باطن, القلب, أي: سرّه
لِلْوَجْهِ رَانِيَا: لِلْوَجْهِ: اللام حرف انتهاء لغاية مكانية, الْوَجْهِ: وجه الحقّ تعالي, رَانِيَا: من الرُّنُوُّ: إدامة النَّظَر مع سكونِ الطَّرْف, دوام شهود التجلّي الذّاتي, و حالتي اللين في الظاهر (البدن) و الباطن (القلب) من خدّام حضرة الشّهود (الرّاهبين) يُعزي للمثاني (في الآية: مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ .... الخ), و المثاني تعني: توحيد الألوهية و هو أعلي مراتب الشهود, فصّل في خضوع العبد كليّاً لحضرة الشهود و فنائه عن ذاته في الحضرة, و هذا ما يفسر معني التّفريد, موضوع القصيدة, كما ورد في البيت الأول:
سَأَلْتَ عَنِ التَّفْرِيدِ فِي مُرْتَقَى الْفَنَا *** فَإِيَّاكَ وَالتَّقْيِيدَ تُعْطَى الأَمَانِيَ
تعليقات: 0
إرسال تعليق