دراسة خطاب مولانا حولية 2013 بقلم: عبد الحميد بابكر
- هل هذا العام 2018 عام الفتح للبرهانية ؟ بقلم محمد هبه البرهاني
- الإتجاه الإحيائي بين منهجية العولمة والتصوف
- الإنسان الكامل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
الجزء الأول: حول استهلال الخطاب الشريف
أولاً: استهلال الخطاب:
استهل مولانا رضي الله عنه خطابه الشريف بعبارة:
- (الحمد لله الكبير المتعال)
و (الحمد لله) هي عبارة بدء الخطاب النبوي الشريف كما نعلم عندما يعتلي المنبر الشريف, (الكبير المتعال) و اختار ضي الله عنه هاتين الصفتين من صفات الجلال للذات العليّة و في ذلك إشارة لما في لب الخطاب من إقرار أن الكل حاكم و محكوم و رئيس و مرءوس إنما فوقهم قوة أعلي هي التي تبدر الأمر و تملك زمام ناصيته فيعلم كل كبير أن فوقه من هو أكبر و كل متعال أنما هنك من هو أعلي منه و يعلمكل صغير أن أمره بيد قدرة الكبير المتعال فليس هناك مايخشي, إذا ما سلّم بذلك.
ثم أعقب ذلك رضي الله عنه بإيراد الآية قائلاً:
- (الذى فى محكم تنزيله قال (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)
و في تلك إشارة لأن التغيير الذي دأ في كل مناحي الحياة في عال دولة سيدي ابراهيم ماضٍ إلي غاياته و سيعلو ذكر قومٍ و يهبط آخرون مما نري اليوم.
- (وأجمل الصلوات وأجل التسليمات على الكامل المكمِّل للأكامل، سيد الخلق بالكامل وكلٌ فى شفاعته آمل، كافل اليتامى وعصمة الأرامل،)
عليه الصلاة و سلم فبه و منه كل الكمالات المبتاغة من مكارم و أخلاق و عطاء
- (وآله الأطهار من عنهم الرجسُ راحل، وأصحابه المقربين والأبرار من عليهم متنـزل الرحمات سابل،)
تنبيه لعظيم آل البيت الشرف رضوان الله عليهم و الصحابة الكرام و هذا مناط أمر الدين لأنك لو نظرت في ِرق المسلمين لوجدتهم إما وقعوا ف آل البيت أو الصحابة, لكن الطريق المستقيم الذي يبينه الشيخ و نسير عليه تعظيم آل البيت و الصحابة و محبتم و الإقرار لهم بالكمالات لقربهم من الحبيب المصطفي صلي الله عليه و سلم و لذلك أشار في قوله التالي: ( ..... ( القائل فيهم (خيرُ القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قد كتبوا التاريخ بأفعالهم وأخلاقهم فمازالت أسماءهم بيننا وذكرهم ذكرٌ بل وفيه عمارةُ الأوقات.)
ماأريد أن أقوله أن هذه المقدمة قد أجملت ما فصّله الشيخ لاحقاً في خطابه و هذه براعة الاستهلال و هذا هو الشأن الإهي و النبوي الذي يقتفي جوامع الكلم, فقد وصفت سيدتنا السيدة عائشة رضي الله عنها حضرة الحبيب المصطفي عندما سئلت عن خُلقه فقالت(كان خُلُقه القرآن). و قد تأسي سيدي فخر الدين و خلفائه رضوان الله عليهم بذلك, و الذي أبانه سيدي فخر الدين في قوله:-
فلاَ جَدَلٌ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَضِدِّهِ *** فإِنِّيَ صَرْحٌ وَالْقُرْآنُ يُشيدُنِي
هذا ما كان في شأن استهلال الخطاب الشريف, و سنعرض لبعض المعاني التي تجلّت من متن خطابه رضي الله عنه
الجزء الثاني: لطف الخطاب و تنبيه أولي الأباب
في هذا الجزء بعد الاستفتاح الجامع يبتدر سيدي الشيخ رضي الله عنه وأرضينا به جمعاً و فردا, حديثه
(( نحن فى زمان تكاثرت فيه الهموم وتفرَّعت حتى ضاق عنها الحصر فأستميحُكمُ العذر فى أن آخذ من كلِّ شئ بطرف، فإن المقام يضيق عن إيفاء كلِّ مسألة حقَّها والله المستعان.. ))
و يكفيك أخي و أنت تعيش في زمانه أن يبتدرك في حديثه الرائع الشامل بعبارة "نحن" فتفهم أنك في عز المعية و في جوار لا يضام مستجيره و لهذا كان "بثّوا إليه" شعاراً للعام و هو الأعلم بما في الزمان فهو صاحب الزمان. و تحضرني قصة كان يحكيها سيدي فخر الدين من ضروب الأمثال التي يضربها لتقريب الفهم. فقد كان يسأل تي ينصلح الزمان, فيقول رضي الله عنه: أسمعوا, كان في حمار يسير بالليل و اكتشفه ذئب راح يعدو خلفه ليلتهمه عشاء له و لكن لحمار قفز من حيث لا يدري في بقعة طين من الأرض و قفز الذئب خلفه و لكنه لم يلحق أن يمسكه كما تعذر عليه الانفكاك من الطين و الخروج - بعد الرضي من الغنيمة بالإياب – و هو علي ذلك الحال رأي الثعلب يمشي من علي البعد فصاح فيه: يا أبا الحصّين, أنت أذكي و أعقل حيوانات الغابة ساعدني في حل هذه المشكلة, فقال له لثعلب: المشكلة ليست الآن, المشكلة عندما يصبح الصباح و "يأتي صاحب الحمار يبحث عن حماره". و تريا أخي و أختي البرهانيين, أن الصباح قد انبلج و هذا هو صاحب الحمار و الحمار إشارة للزمن في القصة, قد أتي: و ..
و هو معنا و نحن معه حقيق ... علي كل حالٍ ذاك شرق و مغرب
و قد تكاثرت الهموم و تفرعت, كما قال الشاعر العربي:-
تكاثرت الظباء على خراش *** فما يدري خراش ما يصيدُ
و لكنها و إن تكاثرت و تفرعت فالطبيب ماهرٌ و الرّبان حصيف يقود السفينة إلي برّ الأمان بحكمة و رحمة و هو من لديه مفاتيح أهل الأرض و عنده خزائن الله, و هو يتحدث من باب الأدب مع الله, و عنده سيفٌ ضربةٌ منه تكفه, و يعلمنا الأدب مع الله و الجأر بالشكوي:
سبحان من يشكي إليه من الأذي *** سبحان من يرضي العبيد من القرى
و بعد ذلك يبحر بنا في تؤدة في استعراض ما يهم من مسائل تعترض أهل الزمان و يضع أصبعه علي الداء و يعطي الوصفة الدوائية المناسبة.
الجزء الثالث: معني و أهمية طاعة أولي الأمر
في هذا الجزء بعد الاستفتاح الجامع يفصّل سيدي الشيخ رضي الله عنه وأرضينا به جمعاً و فردا, معني و أهمية طاعة أولي الأمر, مبتدراً بيان ولايته صلي الله عليه و سلم علي المؤمنين, و ذلك ما يحق و يجب أن يعرف في شأن الخليفة الوارث, صاحب الوقت أيضاً,
يقول الشيخ رضي ال عنه:-
فعن الاتباع وليس الابتداع: يقول الحق تبارك وتعالى (النَّبِى أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَابِ مَسْطُورًا)
يقول الإمام ابن عجيبة فى تفسيره:
(النَّبِى أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ) أى: أحقُّ بهم فى كل شئ من أمور الدين والدنيا، وحكمُه أنفذُ عليهم (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فإنه لا يأمرهم، ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحُهم ونجاحهم، فيجب عليهم أن يبذلوها دونه، ويجعلوها فداءً منه، وقال ابن عباس وعطاء: يعنى إذا دعاهم النبى e إلى شئ، ودعتهم أنفسُهم إلى شئ، كانت طاعةُ النبى – صلي الله عليه و سلّم - أوْلَى.
أو ..
هو أولى بهم، أى أرأف وأعطف عليهم، وأنفع لهم، كقوله (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) وفى الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: ما من مؤمن إلا وأنَا أوْلَى الناس به فى الدنيا والآخرة، اقرأوا إن شئتم (النبى أوْلَى بالمؤمنين من أنْفُسِهِمْ) فأيُّمَا مُؤْمِن هَلَكَ وتركَ مالاً؛ فلورَثَته ما كانوا، ومَن تَرَكَ دَيْناً أو ضَيَاعاً فليَأتنى، فإنى أنا مَوْلاه.
و في فهمنا لهذا الكلام نقول:-
و ذلك إن نظرنا إلي البيت شعار الحولية هذا العام و محور الاهتمام, نجد أن سابقه يقول:
رُدُّوا إِلَى الرَّبِّ الرَّحِيمِ وَعَبْدِهِ *** إِنَّ الْعَطَا مِنْ كَفّهِ يَنْسَابُ
و هو أن الأمر كل يوءل إليه صلي الله عليه و سلم. بل له صلي الله عليه و سلم طاعة الأسماء الإلهية و ذلك كنه قوله تعالي: (إنَّ الله و مَلائكتُه يُصلّونَ عَلي النبَّي ...) الآية. يقول سيدي عبد الكريم الجيلي:-
و تطيعه الأملاكُ من فوقِ السما ... و اللوح ينفذ ما يخطُ بنانُهُ
و قال رضي الله عنه:
الكُلُّ منه و فيه كان و عنده ... تفني الدّهورُ و لم تزل أزمانُهُ
و هو صاحب الملك و هو المليك, و لذا كانت الخلافة له بأمر الله سبحانه و تعالي: (إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفةً ... ) فكانت الخلافة القبلية له بدءاً من سيدنا آدم عليه السلام إلي أن ظهر عليه الصلاة و السلام ببشريته في أرض مكة ثم تلته الخلافة العدية بدءاً من سيدنا أبي بكر الصديق إلي يوم انتهاء أيام الدنيا. و لك أن تقول:
و لا تنتهي الدنيا و لا أيامها ... حتي تعمّ المشرقين طريقتي
فأمر طريقة سيدي أبي العينين رضي الله عنها هي أن توءل إليها الخلافة في نهاية الزمان, و معني نهاية الزمان أن ما تقسم من رئاسة الزمان بين الأقطاب كان اختيار سيدي ابراهيم رضي الله عنه مه هو الربع الأخير. و لذا يقول سيدي فخر الدين:
ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الْمُحِبّينَ تَابِعِي *** وَسَادَتُهُمْ طَوْعِي وَرَهْنُ الإِشَارَةِ
و الثلاثة أرباع هم أبناء الأقطاب الثلاثة أمّا الربع الرابع فهو أبناؤه (البرهانية).
و لذلك كان الإشارة إلي ولايته صلي الله عليه و سلّم علي المؤمنين, و يقول صلي الله عليه و سلّم: (إنّي لأتألم إلي أحدكم الشوكة يشاكها). اللهم إنّه سرّك الجامعُ الدّالُ عليك و حجابك الأعظمُ القائمُ لك بين يديك. و الولاية تشمل كل شئ. التربية و التوجيه و التلقين و الرعاية و الرأفة, كماأشار لإلي ذلك صاحب المقام في حديثه. و من هذا المقام فإن الخليفة و صاحب الوراثة الكاملة يتخلق بالأخلاق النبويّة, يقول سيدي فخر الدين في وصفه:-
إِنَّ الْمُوَرِّثَ شَأْنُهُ فِي رَحُمَةٍ *** جَبْرُ الأَرَامِلِ كَافِلُ الأَيْتَامِ
الجزء الرابع: طاعة أولي الأمر شيوخ التربية و السلوك
يواصل الشيخ رضي الله عنه حديثه قائلاً:
((فمتابعته عليه الصلاة والسلام، والاقتباس من أنواره، والاهتداء بهديِه، وإيثارُ محبَّتِه، وأمرُه على غيره؛ لا ينقطعُ عن المريدِ أبداً، بدايةً ونهايةً؛ إذ هو الواسطةُ العُظمى، وهو أوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم وأرواحهم وأسرارهم، فكل مدد واصل إلى العبد فهو منه صلي الله عليه و سلم، وعلى يده، وكل ما تأمر به الأشياخ من فعل وترك فى تربية المريدين، فهو فرعٌ مما جاء به، وهم فى ذلك بحسَبِ النيابة عن النبى صلي الله عليه و سلم ؛ لأنهم خلفاء عنه، وكل كرامة تظهر فهى معجزة له صلي الله عليه و سلم ، وكل كشف ومشاهدة فمن نوره صلي الله عليه و سلّم.
وقال تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا).
وقال جابر بن عبد الله والحسن والضحاك ومجاهد: أولو الأمر هم الفقهاء والعلماء، أهل الدين والفضل، يُعلِّمون الناس معالم دينهم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، دليله قوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ...) قال أبو الأسود: ليس شئ أعز من العلم، الملوك حُكَّام على الناس، والعلماء حُكَّام على الملوك .
وأولو الأمر عند الصوفية هم شيوخ التربية العارفون بالله، فيجب على المريدين طاعتُهم فى المَنْشَط والمكره، وفى كل ما أمروا به، فمن خالف أو قال (لِمَ) لَم يَفلح أبدًا، ويكفى الإشارة عن التصريح عند الحذَّاق أهل الاعتناء، فإن تعارض أمر الأمراء وأمر الشيوخ، قدَّم أمرَ الشيخ، إلا لفتنةٍ فادحة، فإن الشيخ يأمر بطاعتِهم أيضًا لما يؤدى من الهرْج بالفقراء، فإنْ تنازعتُم يا معشر الفقراء، فى شىءٍ من علم الشريعة أو الطريقُ، فردُّوه إلى الكتاب والسنُّة، قال الإمام الجنيد رضي الله عنه: طريقتنا هذه مؤيدة بالكتاب والسنة.
قَرَنَ طاعة الشيخ بطاعة الرسول صلي الله عليه و سلم تفخيماً لشأنه ورفعاً لِقَدْرِه، وأمَّا أولو الأمر -فعلى لسان العلم- السلطان، وعلى بيان المعرفة العارفُ، والشيخُ (أولو الأمر) على المريد، وإمامُ كلِّ طائفةٍ ذو الأمر عليهم، ويقال الولى أولَى بالمُريد (من المُريد) للمريد.
ويقول تبارك وتعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
و في فهمنا لهذا الكلام نقول:-
الشيخ المربي هو أول من يربط المريد بسلسل أهل الطريق إلي حضرته صلي الله عليه و سلم إلي الله سبحانه و تعالي, قيل:
و اسلك طريقاً مرعاه ملبن ... و أذكر ذويه سلسل و عنعن
من الجنيد القطب المبيّن ......... إلي الرسولِ إلي المهيمن
و سئل الرسول صلي الله عليه و سلم عن الوليّ, فقال: (هو من إذا رؤي ذُكرَ الله). فالشيخ المربّي هو موطن التجلي الإلهي و النبوي و هو من يفيض علي المريد بتلك التجليات و من يسوم روحه في الملأ الأعلي. (إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم ...).
سَعْداً لِعَبْدٍ بِيعَ وَالْحَقُّ اشْتَريَ *** وَالْمُصْطَفَى يَشْرِيهِ للِدَّيَّانِ
و العبد لا ينبغي له إلا أن يأتمر بأمر سيده. و في أمر الزكاة قالوا: (العبد و ما ملكت يداه لسيده). و قال سيدي فخر الدين:
زَكَاتِي عَشْرٌ كُلَّ عَشْرٍ مَلَكْتُهَا *** وَحَوْلِي يَوْمٌ وَالتَّرَاحُمُ طُعْمَتِي
و قال رضي الله عنه:
قَوَامُ طَرِيقِ الْقَوْمِ حُبٌّ وَطَاعَةٌ *** وَكُلُّ مَقَامٍ قَامَ بِالاِسْتِقَامَةِ
و إلي هذا يوجهنا صاحب المقام و يوجه كل أبناء الطريق إلي أهمية طاع الشيخ, تأسياً بالأدب مع حضرة النبي صلي الله عليه و سلم, بل أن طاعة الشيخ هي من طاعة النبي و طاعة المولي عزّ و جل:
ففي رضاه رضي الباري و طاعته, كما قيل.
و لمحة مهمة هنا أن الشيخ و هو الولي علي أمر المؤمنين, و ما المؤمنون إلا أبناء الطريق (نعني أبناء كل طريق أهل الله). يقول سيدي فخر الين في شرح (يا أيّها اللذين آمنوا ... ) يعي يا أبناء الطريقة. و ذلك أن الشيخ و قد عقد له لواء رئاسة الطريق في هذا الزمان يضطلع بإصلاح كل شأن أهل التصوف و ليس أبناء طريقته فقط (كما قلنا في: ثلاثة رباع المحبين ..). و شواهد احال تدّل علي أن الطرق الصوفيه بجمعها تأخذ بالاقتداء بالطريقة البرهانية فترتقي حالاً و مآلاً. فقدرأينا كثيراً من شأن الإصلاح في الإرشاد و في العناية بمقامات الأولياء و في تعظيم الاتفال بمولد صلي الل عليه و سلم و موالد المشائخ و غيره و غيره تأسياً بما تفعله الطريقة البرهانية بعناية و توجيه مشائخها, و فتي سواعد أبنائه الذين أعدّهم لهذا الدور الكبير و الهام. فلهم الجزاء بقدر ما قدموا و أكثر.
الجزء الخامس: الإذن في حضرة الشيخ
يقول الشيخ رضي الله عنه:-
((ومن آداب الفقراء مع شيخهم ألا يتحرَّكوا لأمر إلا بإذنه، أما أهل البدايات فيستأذنون فى الجليل والحقير، كقضية الفقير الذى وجد بَعْضَ البَاقِلاَّءِ أى الفول، فى الطريق، فأتى بها إلى الشيخ، فقال: يا سيدى ما نفعل به؟ فقال: اتركْه حتى تُفْطرَ عليه، فقال بعض الحاضرين: يستأذنك فى الباقَّلاء؟ فقال: لو خالفنى فى أمرٍ لم يفلح أبداً.
وأمَّا أهل النهايات الذين عَرَفوا الطريق، واستشرفوا على عينِ التحقيق، وحصلوا على مقام الفهم عن الله، فلا يَستأذِنون إلا فى الأمر المُهم؛ كالتزوُّج والحجِّ ونحوهما، وَصَبْرُهُ حتى يأمره الشيخ بذلك أولى.))
و في فهمنا لهذا الكلام نقول:-
ينبهنا رضي الله عنه لأهمية أن يكون المريد في حالة مراقبة دائمة لشيخه و استحضار الأدب معه في الصغير و الكبير, و مثال ذلك أن تقرأ الفاتحة و الصمدية له بأقل عدد (1+3) عند الهم بفعل أي أمر, حتي و أنت تنوي أن أكل أو تبدأ عملك أو تباشر أهل بيتك, غير ذلك حتي كبار الأمور, فهو لديك حين تذكره. و أذكر قصة لأحد الأخوان حكاها لي و أنا بعد طالب في جامعة الخرطوم, حيث ألتقيه و هو يقصد مكتبة الجامعة أحياناً. قال لي, كان يوم من الأيام صعباً علي إذ أن أورادي في ذلك اليوم كانت ناقصة, و زنّت معي شديد (أحس بضيق), و خرجت من كان العمل نوي العودة إلي البيت و لا أريد أن أتحدث مع أحد, و عندم وقفت علي جانب الشارع جاءت عربة تاكسي و وقفت, فإذا بالأخ الأستاذ الفاضل بداخل التاكسي و يأمرني بالدخول إلي التاكسي, ففعلت, و يمضي بنا التاكسي إلي أن أجد نفسي مع الأخ أمام منزل مولانا الشيخ, و عندما دخلت عليه أخذ يضحك و يقول لي: (إنت ما عارف ما دمت بين أقطار السموات و الأرض, أنا شايفك؟), و بعدها عدت إلي طبيعتي.
و مثل هذا كثير و يحدث لكل الأخوان في كل زمانٍ و مكان.
و من القصص المهمة التي يحكيها سيدي فخر الين عن فائدة أدب المريد مع الشيخ, قصة الشيخ محمد المجذوب, (حيث كان في ذات ليلة في خلوته فجاءه حضرة النبي صلي الله عليه و سلم و قال له: أنت تحبني يا مجذوب فتمني عليّ ما تشاء, فقال الشيخ المجذوب: أرجوك يا سيدي يا رسول الله أعطني فرصة حتي أشاور شيخي, فأعطاه الفرصة, و عندما استشار شيخه, قال له: عندم يأتيك ثنيةً أطلب منه الإضافة لآل البيت.) فكان أن كسب الإضافة لال البيت نتيجة تأدبه مع شيخه و هو في حضرة الني صلي الله عليه و سلم.
و معروف أن (برهان ربّه) الوارد في قصة سيدنا يوسف عليه السلام (و لقد همّت به و هّ بها لولاأن رأي برهان ربّه) أن برهان ربّه ذلك هو والد سيدنا يعقوب عليه السلام.
أما إذا كنت من أهل النهايات فإنك حينئذٍ متلبس بحال الشيخ علي الدوام, كما قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:-
إِنَّ الْمُريدَ إِذَا رَعَتْهُ عِنَايَتِي *** فَاللَّهُ كَافٍ وَالنَّبِيُّ كَفَانَا
يَلْقَى بِمَا نَحْبُوهُ عِلْماً شَافِياً *** وَنُذِيقُهُ مِنْ حُسْنِهِ أَلْوَانَا
وَإِذَا تَنَفَّلَ زَائِراً فَلحِيِّنَا *** أَوْ قَدْ يُعَرِجُ طَائِفاً لِسَمَانَا
و بعدها يقول:
يَغْشَاهُ شَيْءٌ مِنْ مَبَاهِجِ عِزِّنَا *** فَيَقَرُّ عَيْنَا وَادِعاً بِرِضَانَا
وَيُرَى عَلَيْهِ إِذَا رُؤى وَكَأَنَّهُ *** لاَ شَىءَ فِيهِ مَكَانَةً وَمَكَانَا
وَيَبِيتُ يَفْتَرِشُ الْمَهَابَةَ وَالْبَهَا *** وَنُظِلهُ وَنُرِيِهِ وَقْعَ خُطانَا
- صحة حديث : من عرف نفسه فقد عرف ربه
- من أسرار وفوائد وصيغ الإستغفار عند الصوفية اهل الكتاب والسنة
- ستة وعشرون حديث نبوى فى فضل الذكر
تعليقات: 0
إرسال تعليق