تفسير وشرح سيدى فخر الدين لمعنى الجهاد الاكبر
بقلم الشيخ عبد الحميد بابكر
بقلم الشيخ عبد الحميد بابكر
- دروس سيدى فخر الدين : الفرق بين القران والفرقان
- اشارات القران لا يعرفها الا الصوفية من دروس سيدى فخر الدين
- الحضرة البرهانية كما يصفها سيدي فخر الدين رضي الله عنه
وقفة مع الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني: حول الجهاد الأكبر
و نحن نتنسم هذه الأيام عبق الذكري السنوية لهذا الشيخ الجليل الذي انطلق بالدعوة من السودان و أدخل إلي حظيرة الإيمان و الإسلام الملايين من الخلق بنهج أسس علي التقوي و حب الخير لعباد الله, (إن الخلق عيال الله فأقربهم منه أنفعهم لعياله), يسرني أن أتناول من بعض ما قال و قال الأئمة الهداة أهل التصوف في مجال جهاد النفس و المعروف بالجهاد الأكبر.
فالجهاد المعروف إذن هو ملاقاة العدو بالسيف و السلاح و ردّه عن ديار الإسلام أو عن محاربة دعوته. وقد سمّي رسول الله صلي الله عليه وسلم جهاد النفس بالجهاد الأكبر حين قال بعد الرجوع من إحدي الغزوات: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر, ألا و هو جهاد النفس". و قيل أيضاً: " إنّ أعدي أعدائك نفسك التي بين جنبيك". فخروج النفس عن مألوفاتها و اتِّباع شهواتها أشق عليها من حمل السيف و الخروج لمقابلة العدو.
و قد قال في ذلك الشيخ الإمام البوصيري:
و النفس كالطفلِ إن تتركه شبَّ علي حبِّ الرّضاع و إن تفطِمهُ ينفطمِ
و مما فسّره شخينا الجليل أنه قد شُبِّه جهاد النفس و عملية السّعيِ في كبح جماحها و إخضاعها بالجهاد, لأن لذلك نفس أركان الجهاد (في الحرب الحسيّة):
(1) في الحرب هناك عدوّان متواجهان و هنا أحد الأعداء هي النفس و الآخر الإنسان الروح و الأعضاء
(2) في الحرب هناك قائد و هنا قائدك هو الشيخ المربي
(3) في الحرب هناك سلاح و هنا سلاحك هو الذكر
(4) في الحرب قاتل و مقتول و هنا المطلوب أن تقتل نفسك "و اقتلوا أنفسكم" صدق الله العظيم.
و يقول سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه في فضل أهل الذكر:
لله قَوْمٌ شَرُوا مِنْ الله أَنْفُسَهُم *** فَأَتْعَبُوهَا بِذِكْرِ اللهِ أَزْمَانَا
أَمَّا النَّهَارُ فَقَدْ وَافَوا صِيامَهُمُ *** وَفِي الظَّلَامِ تَرَاهُمْ فِيهِ رُهْبَانَا
أَبْدَانُهُم أَتْعَبَتْ فِي اللهِ أَنْفُسَهَم *** وَأَنْفُسٌ أَتْعَبَتْ فِي اللهِ أَبْدَانَا
ذَابَتْ لُحُومُهُمُ خَوْفَ العَذَابِ غَدًا *** وَقَطَّعُوا اللَّيلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنَا
و قد قيل: "و جاهِد تُشاهد"
و قد وصفت النفس بنعوت كثيرة هي في الحقيقة مراحل من مراحل النفس و يقال عنها "الأنفس السبع" مثلما هنالك "الأرضين السبع", من الأدنى إلي الأعلى كما يلي:
(1) النفس الأمارة بالسوء:
" و لا أبرئ نفسي إنّ النفس لأمّارةٌ بالسوء" و واضح أنّها هي التي تأمر صاحبها بفعل السيئات مثل ارتكاب المعاصي و التكاسل عن الذكر و اتباع الشهوات بأنواعها.(2) النفس اللوّامة:
" يا أيتها النفس اللوامة" و هي التي تأتي بعد أن يفعل المرء فعلاً مخالفاً ثمّ تلوم الإنسان علي ما فعل.(3) النفس الملهمة:
"و ألهمها فجورها و تقواها" و هنا يكون هناك الإلهام و إمّا أن يفلح المرء في اتباع الإلهام للترقي للأمام أو يخيب في ذلك فلا يبرح هذه المرحلة و ما زال أمامه الكثير "قد أفلح من زكّاها و قد خاب من دسّاها"(4) النفس المطمئنة:
و هي التي تخطت مرحلة الاختبار بنجاح و أدركها الاطمئنان. و المطلوب عدم الركون لهذا الاطمئنان لأننا ما زلنا لم نكمل المشوار (مشوار قتل النفس بكلِّ درجاتها).(5) النفس الراضية:
رضيت بما وصلت إليه في السير(6) النفس المرضية:
"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربِّك راضيةً مرضية, و ادخلي في عبادي وادخلي جنتي"(7) النفس الكاملة:
و قدم نظم في تبيين أحوال الأنفس الكثير, و لكن لنستمع لما يقوله مولانا الشيخ محمد عثمان من فريد نظمه رضي الله عنه:كم من عدوٍّ في بنيَّ قتلته حتى غدَو بتنَفُّس الصعداءِ
أمّارةٌ بالسُّوء بئس شرابها فهُوَ الزُّعافُ و قِمَّةُ البلواءِ
في قَتلِها نِعمَ الثَّوابُ لقاتلٍ عنكم أماطَ مصادرَ الإيذاءِ
مِن بعدِها لوَّامةٌ بدهائها للناسِ بين تقاربٍ و تَنَاءِ
في خيرِها شرٌّ و شَرٌّ ضُرُّها ليتَ المُحِبَّ يفُوزُ بالإِصغاءِ
مِن بعدِها نَجدُ الفُجُورِ لِمُبعَدٍ نَجدُ التُّقَي بملائكِ الأسماءِ
قَد أفلَحَ السَّاري إلي نَجدِ التُّقي خاب الذّي ما فَازُ بالإسراءِ
و المطمَئنَّةُ في عَظِيمِ فُضُولِها هِيَ فِتنَةٌ تمشي علي استحياءِ
و الرَّاضِياتُ إذَا العزائمُ ثُبِّطَت رَضِيَت بسيرٍ ثُمَّ باستِبقَاءِ
ثُمَّ التي قُبِلَت علي عِلَّاتهَا في نَحرِهَا يبدُو أجَلُّ فِدَاءِ
مِن بَعدِها يَحيَا المُريدُ بِفِطرَةٍ ذاك الفِطامُ و ذا أتَمُّ عَطَاءِ
ذِي سَبعَةٌ عِندِي و مَا مِن ثَامِنٍ أملَيتُهَا و فَرغتُ مِن إملَائي
لا يستَطِيعُ الشيخُ يقتُلُ جَمعَهَا أو بَعضَهَا إن كان ذا إغفَاءِ
و يقول مولانا الشيخ, من خلال مدحه لسيدنا الإمام الحسين رضي الله عنه في إحدى قصائده, في إشارة أيضاً لموضوع الأنفس:
فَهوَ الشَّهِيدُ علي بَرَاءة قاتلٍ فالنفسُ سَبعٌ قَتلُهُنَّ مُبَاحُ
و يوضِّح مولانا الشيخ رضي الله عنه من ضمن إشارات أفعال الحِّج, أن رمي الجِمار السبع هو إشارة إلي قتل الأنفس, في قوله:
و ما كُلُّ من يَرمي الجِّمَارَ علي مِنَيً بقاتلِ نفسٍ أو مُبَلَّغِ بُغيَةِ
ثم يقول:
ألا أن داء الحبِّ للصبِّ عِلٌّة ولكنَّها تشفى عُضالَ الأعلَّة
و هنا عضال الأعلَّة المعني به الأنفس السبع.
وقيل:
اذبح النفس بسيف الاجتهاد في رضى مولاك تحظى بالمراد
واكشف الحجب عن القلب به وتأمل وجه مولاك الجواد
و للشيخ عبد المحمود نور الدائم رضي الله عنه:
قلبي علي عهدِ الهوى لم يبرحِ و الطَرفُ مِنّي لغَيركم لم يطمحِ
يا صاح إن جَارَ الزَّمانُ عَليكَ أو رُمتَ الدُّنُوَ إلب الجَنابِ الأفسَحِ
لا تَبغ في دُنياكَ غَيرَ طرِيقهِم إن رُمتَ غَيرَ طَريقِهِم لن تفلَحِ
صُوفيّةٌ سُمُّا بِذا لصُفُوُّ باطِنِهِم و ذَبحِ نُفُسِهِم بالمَذبَحِ
ما ذا بعد قتل النفوس السبعة؟
هنا الفطام و هو العودة إلي الفطرة التي خلق عليها الإنسان. و كثيراً ما نتداول الحديث الشريف: " من حجَّ فلم يرفُث و لم يفسُق رَجعَ كيوم وَلِدَتهُ أُمُّه". و قد قال : " كُلُّ مَولودٍ يُلَدُ علي الفطرة ... الخ الحديث".
الطفل الحديث الولادة ليست لديه أنفس فهو يحيا علي الفطرة. و تشَّبه الفطرة بغِشاء رقيق شفّاف في منتصف الصدر ينصف الصدر طوليّاً إلي نصفين. في النصف الأيسر يوجد القلب و في النصف الأيمن يوجد مركز الرُّوح. و في حالة الطفل الوليد فإن الغشاء بدرجة من الشفافية بحيث يري الطفل ببصيرة قلبه ما يغشي روحه من ملامسات الملائكة. و لذلك تجد الطفل أحياناً يبتسم حيث رأي بقلبه مشهد الملائكة تلامس روحه ففرح لذلك. و هذا معروف لدي أهلنا من قديم الزمان و ذلك هو السبب. و ليت الحال يستمر كما هو كما تمني مجنون ليلي يخاطب عشيقته:
صَغِيران نرعى البُهمَ ليتَ أنَّنا إلي اليومِ لم نكبر و لم تكبر البُهمُ
يكبر الإنسان و تنمو معه قوة الأنفس بجبروتها و يدخل الشيطان و يوسوس. و تميل النفس بين الحين و الآخر لاقتراف المعاصي و البعد عن الطاعات. و هنا و كلما حدثت حادثةٌ أثَّرت في الغشاء الشفّاف (الفطرة) بنقطةٍ سوداء, إلي أن يتعتَّم الغشاء تماماً و تنعدم الرؤيا. و هذا ما يسمي "الرِّان" "كلاّ بل رانَ علي قلُوبِهِم ما كانوا يَكسَبون" صدق الله العظيم. يقول الشيخ:
نَفسٌ لِعَبدِ الرَّانِ أعمَت قَلبَه نَفسَ العُبيدِ بَصِيرةُ الإنسَان
ما السبيل و الإنسان قد أدرك أطوار التكليف الشرعي, إلاّ بأن يسعي لاستعادة مجده و طهره و التخلص من هذه الأنفس الغاشمة. و ذلك بإعلان الحرب عليها كما جاء بعاليه.
كلّ هذا يسمي السير إلي الله ثم بعد ذلك يكون السير في الله في مراتب الأسماء الإلهية علي يد خبير عارفٍ (الرحمن فاسأل به خبيرا). و هذا يفسّر معني الحديث الشريف: (إنّ لله تسعٌ و تسعون إسماً من أحصاها دخل الجنّة) فتيون تنعمّه بجنة القرب من الله قبل جنة المأوي في الآخرة بإذنه تعالي.
و هنا المسألة لا يكفي معها الوعظ, إنما العمل هو المُهِم. لأن الوعظ كلام و الإرشاد عمل بنظام, و هذا لا ينفي أهمية الوعظ. إذا المطلوب الدعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة. و الحكمة تنتج عن الإرشاد بالسلوك. اللهم إنّا نعوذ بك من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا, اللهم فاهدنا سواء السبيل. اللهم أنشلنا من أوحال التوحيد و زجّ بنا في بحار الأحديّة و غربلنا بغاربيل الصفا حتي لا تجعل فينا ربّانيةً لغيرك يا كريم, و استعمل كلّ ذرة من ذرّات أجسادنا فيما تحبّه و ترضاه من واجب العبودية لك. و صلّ اللهم أول المعلمين و أول العابدين و أفضل الشاكرين شمس سماء الأسرار و مظهر الأنوار و قطب فلك الجمال سيدنا محمدٍ و علي آله و صحبه و سلّم.
عبد الحميد بابكر
- مانطق به سيدى فخرالدين شئُ جليل كبير الخطر فى حديث الثقلين
- عبارات واشارات سيدى فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى فى شراب الوصل
- من هو صاحب الدرك وماذا قال سيدى فخر الدين عنه
تعليقات: 0
إرسال تعليق