برهانيات كوم
فالجوابُ : إنْ شاءَ اللهُ ؛ إنَّ الآياتِ القرآنيةَ والأحاديثَ النبويةَ هيَ بكُلِّيَّتِهَا ما يراهُ ويذهبُ إليْهِ أهلُ اللهِ أوِ الصُّوفِيَّةُ ، فالدينُ دينٌ تحتَ أيِّ اسمٍ أوْ صفةٍ ؛ حَيْثُ لا يتعارضُ الاسمُ معَ نصٍّ أوْ عُرْفٍ أوْ خُلُقٍ ، ولكنَّا إذَا شئْتَ تحديدَ نصوصٍ دالةٍ على مضمونِ علمِ التصوفِ فنُذَكِّرُ - وباللهِ التوفيقُ - بِمَا رواهُ مسلمٌ عَنْ سَيِّدِنَا عمرَ - رضي الله عنه - لَمَّا دخلَ عليهمْ سَيِّدُنَا جبريلُ في صورةِ صحابيٍّ بحضرةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فسألَهُ عَنِ الإسلامِ وعنِ الإيمانِ ثُمَّ قالَ له :" أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَان " قال { أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك } ثمَّ قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِسَيِّدِنَا عمر - رضي الله عنه - { أَتَدْرِي مَنِ السَّائِل } فقال :" اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم " قال { فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ } ، وهكذَا الصُّوفِيَّةُ لا يقفونَ عِنْدَ حَدِّ الثُّلثِ الأوَّلِ - وهوَ الإسلامُ - أوِ الثُّلثِ الثّاني - وهوَ الإيمانُ - بلْ غايتُهمْ مقامُ الإحسانِ ، والثّابتُ أنَّهُ لاَ يَصِحُّ بلاَ إسلامٍ وإيمانٍ ..
وهاكَ مَا رواهُ الدّيلميُّ في " مسندِ الفردوسِ " عَنْ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - مِنْ قولِهِ - صلى الله عليه وسلم - { إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللَّهِ فَإِذَا نَطَقُوا بِهِ لَمْ يُنْكِرْهُ إِلاَّ أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّه } ، وهذَا ما اشتهرَ في الواقعِ مِنْ أحوالِ الصُّوفِيَّةِ وعلومِهمْ ..
وهاكَ قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - لِسَيِّدِنَا عمرَ - رضي الله عنه - { كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي فَعُمَرُ مِنْهُم } ، والتّحديثُ هوَ مَا عَرَّفَهُ الصُّوفِيَّةُ بالإلهامِ أوِ التنويرِ أوِ الكشفِ ..
وهاكَ قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - لِسَيِّدِنَا حارثةَ بنِ مالكٍ الأنصاريّ { كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَة } قال :" أَصْبَحْتُ مُؤْمِناً حَقّا " فقالَ - صلى الله عليه وسلم - { لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةٌ ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِك } فقال :" عَزَفْتُ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا فَاسْتَوَى عِنْدِي ذَهَبُهَا وَمَدَرُهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ ، وَكَأَنِّي أَرَى عَرْشَ رَبِّي بَارِزاً ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي " فقالَ لهُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - { يَا حَارِثَةُ .. عَرَفْتَ فَالْزَمْ }
ثُمَّ قال { عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِنُورِ الإِيمَان } (1) ، وهذهِ هيَ أحوالُ الصُّوفِيَّةِ .
وبالجملةِ .. فإنَّ جميعَ أقوالِهمْ وأفعالِهمْ وأحوالِهمْ إنَّمَا هيَ مِنْ كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وما الخلافُ أوِ الشبهةُ مِنْ غَيْرِهمْ إلاَّ لِجهلٍ عارضٍ أوْ أصيلٍ كَمَا سيأتي بيانُهُ مِنْ كلامِ الشَّيْخِ تاجِ الدينِ السبكيِّ في كتابِهِ " مُعِيدِ النِّعَمِ ومُبِيدِ النِّقَمِ " .
__________
(1) 1- رواه البيهقي والبزّار وابن المبارك ، وذَكَره ابن عجيبة في " إيقاظ الهمم " بشرح عجيب .
تعليقات: 0
إرسال تعليق