شرح الاوراد : المراقبة سبتمبر 08, 2017 الصفحة الرئيسية شرح الأوراد برهانيات كوم وَعَدَ اللهُ المجتهِدِينَ في النّوافلِ أنْ يؤتِيَهُمْ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ : في الدُّنْيَا والآخرةِ ، فأجْرُ الدُّنْيَا حاصِلٌ طالَمَا اسْتَمَرَّ المُرِيدُ في اجتهادِهِ حَتَّى يأتيَ أوانُهُ ، فإذَا جاءَ كانَ كالسَّيْلِ يُحَطِّمُ مَا يَلْقاهُ ، فإذَا كانَ لِهذَا المجتهِدِ أوِ المُرِيدِ شَيْخٌ خبيرٌ يُعَلِّمُهُ ويُسَلِّكُهُ ويُنَظِّمُهُ في سَيْرِهِ كانَ ذلكَ الشَّيْخُ بمثابةِ الْخَزَّانِ ؛ يُخَزِّنُ الفيوضاتِ فيهِ ويعطِيهِ بِقَدْرِ تَحَمُّلِهِ ، تماماً كرعايةِ الغَرْسِ عِنْدَ أهْلِ الزِّراعةِ ، وهذَا لاَ يَكُونُ مِنَ الشَّيْخِ إلاَّ إذَا كانَ المُرِيدُ مِمَّنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةِ المُرَاقَبَةِ ، فإنْ كانَ غَيْرَ ذلكَ انْصَبَّتِ الفيوضاتُ في رُوحِهِ فَيَنْجَذِبُ مِنْ شِدَّةِ الأنوارِ فَيَنْحَلُّ عِقالُ العقلِ ويُصْبِحُ مِمَّنْ يُسََمُّونَهُمُ " المجاذيبَ " [ مَجازاً ] أوْ " أربابَ الأحوال " . أمرٌ آخَر : اقْتَضَتْ حكمةُ اللهِ أنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مَوْطِناً فيهِ عِلْمُهُ ؛ فمِنْهُ يُتَعَلَّمُ ويُؤْخَذُ هذَا العِلْمُ ، انْظُرْ هذَا في الدُّنْيَا كُلِّهَا تَجِدْهُ كذلكَ ، حَتَّى إنَّ اللهَ تعالى قال {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيه} (1) ؛ فالتُّجّارُ خلفاءُ اللهِ في المالِ ، والمالُ مالُ اللهِ أصلاً ولَكِنِ اسْتَخْلَفَهُمْ فيهِ فقال { الْمَالُ مَالِي وَالْفُقَرَاءُ عِيَالِي وَالأَغْنِيَاءُ وُكَلاَئِي ، فَإِذَا بَخِلَ وُكَلاَئِي عَلَى عِيَالِي أَدْخَلْتُهُمُ النَّارَ وَلاَ أُبَالِي } ، فإذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَعَلَّمَ فُنُونَ المُصْحَفِ مِنْ تجويدٍ وحروفٍ وأحكامِ غُنَّةٍ وقَلْقَلَةٍ وكَذَا فلاَ بُدَّ أنْ تَذْهَبَ إلى الخلوةِ [ الْكُتَّابِ ] ، وإذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَعَلَّمَ الفقهَ فاذْهَبْ لِلعلماءِ ، وإذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَعَلَّمَ التّاريخَ فاذْهَبْ لِلمُؤَرِّخِينَ ، وإذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَعَلَّمَ المَعْرِفَةَ الإلهيّةَ فاذْهَبْ لِلعارفِينَ باللهِ ، ومَنْ أرادَ السَّفَرَ والسُّلُوكَ إلى اللهِ فعَلَيْهِ بالسّالكِينَ الْمُسَلِّكِينَ ؛ فَهُمُ المُسْتَخْلَفُونَ في فيوضاتِ الأنوارِ الأسمائيَّةِ الصِّفاتيَّةِ الإلهيةَِّ ، فإذَا راقَبْتَهُمْ وسِرْتَ مَعَهُمْ بالأدبِ أَعْطَوْكَ النُّورَ الذي تَرَاهُمْ بهِ ؛ لأنَّ اللهَ قَدْ خَلَقَ فِيكَ مِنَ العيونِ مَا تُدْرِكُهُمْ بهِ بِشَرْطِ الأدبِ والمُرَاقَبَة .. فالعيونُ أربعةٌ : 1- عيونُ الرأسِ : وقَدْ خُلِقَتْ لِيُرَى بِهَا الأجرامُ [ المحسوسات ] . __________ (1) 1- سورة الحديد : 7 (1/197) ________________________________________ 2- عيونُ العقلِ : لِتُدْرَكَ بِهَا غائصاتُ العلومِ بِشَرْطِ إعمالِ العقلِ ، فقَوْلُ مَنْ قال {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَبِ السَّعِير} (1) لَيْسَ مَعْنَاهُ أنَّ اليهودَ والنَّصارَى لاَ سَمْعَ لَهُمْ ؛ وإنَّمَا لَمْ يُعْمِلُوا عقولَهُمْ في الكلامِ الذي أَتَى بهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - . 3- عيونُ القلبِ : لِتُدْرَكَ الأحوالُ الغيبيّةُ ( مشايخ - روحانيّة - أنبياء ) [ الأشياءُ اللاّ مُدْرَكةُ بعيونِ البصرِ أوِ العقل ] . 4- عيونُ الرُّوحِ : لِتُدْرَكَ بِهَا التَّجَلِّياتُ الإلهيّة . فلَمَّا كانَتْ أهمِّيَّةُ المُرَاقَبَةِ هكَذَا اعْتَمَدَهَا جميعُ مشايخِ الصُّوفيّةِ - رضي الله عنهم - لأهمِّيَّتِهَا التي تَعْلُو كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَ السّائرِ إلى اللهِ ، وفائدتُهَا الكُبْرَى تَتَّضِحُ جَلِيَّةً في قولِهِ تعالى {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أن رَّءَا بُرْهَنَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين} (2) ؛ فصَرْفُ السُّوءِ والفحشاءِ لَمْ يَحْصُلْ إلاَّ برؤيةِ برهانِ الرَّبِّ ، وأخْطَأَ مَنْ فَهِمَ أنَّهُ برؤيةِ الرَّبِّ ، وشَتّانَ بَيْنَهُمَا . تصويرُ المُرَاقَبَة : قال مَوْلاَنَا مَا مَعْنَاهُ : أيْ مَعْنَى المُرَاقَبَةِ .. فَهْمُ المُرَاقَبَةِ .. تكييفُ كلمةِ المُرَاقَبَةِ ... هناكَ مَنْ يَعْتَرِضُ لِعَدَمِ فَهْمِ الأمرِ على حقيقتِهِ ، فيَقُولُ مَثَلاً : راقِبِ اللهَ .. ولِمِثْلِهِ نَقُولُ : هَلْ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ رَبِّنَا حَتَّى نُرَاقِبَهُ ؟!! __________ (1) 1- سورة الملك : 10 (2) 2- سورة يوسف : 24 (1/198)
برهانيات كوم وَعَدَ اللهُ المجتهِدِينَ في النّوافلِ أنْ يؤتِيَهُمْ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ : في الدُّنْيَا والآخرةِ ، فأجْرُ الدُّنْيَا حاصِلٌ طالَمَا اسْتَمَرَّ المُرِيدُ في اجتهادِهِ حَتَّى يأتيَ أوانُهُ ، فإذَا جاءَ كانَ كالسَّيْلِ يُحَطِّمُ مَا يَلْقاهُ ، فإذَا كانَ لِهذَا المجتهِدِ أوِ المُرِيدِ شَيْخٌ خبيرٌ يُعَلِّمُهُ ويُسَلِّكُهُ ويُنَظِّمُهُ في سَيْرِهِ كانَ ذلكَ الشَّيْخُ بمثابةِ الْخَزَّانِ ؛ يُخَزِّنُ الفيوضاتِ فيهِ ويعطِيهِ بِقَدْرِ تَحَمُّلِهِ ، تماماً كرعايةِ الغَرْسِ عِنْدَ أهْلِ الزِّراعةِ ، وهذَا لاَ يَكُونُ مِنَ الشَّيْخِ إلاَّ إذَا كانَ المُرِيدُ مِمَّنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةِ المُرَاقَبَةِ ، فإنْ كانَ غَيْرَ ذلكَ انْصَبَّتِ الفيوضاتُ في رُوحِهِ فَيَنْجَذِبُ مِنْ شِدَّةِ الأنوارِ فَيَنْحَلُّ عِقالُ العقلِ ويُصْبِحُ مِمَّنْ يُسََمُّونَهُمُ " المجاذيبَ " [ مَجازاً ] أوْ " أربابَ الأحوال " . أمرٌ آخَر : اقْتَضَتْ حكمةُ اللهِ أنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مَوْطِناً فيهِ عِلْمُهُ ؛ فمِنْهُ يُتَعَلَّمُ ويُؤْخَذُ هذَا العِلْمُ ، انْظُرْ هذَا في الدُّنْيَا كُلِّهَا تَجِدْهُ كذلكَ ، حَتَّى إنَّ اللهَ تعالى قال {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيه} (1) ؛ فالتُّجّارُ خلفاءُ اللهِ في المالِ ، والمالُ مالُ اللهِ أصلاً ولَكِنِ اسْتَخْلَفَهُمْ فيهِ فقال { الْمَالُ مَالِي وَالْفُقَرَاءُ عِيَالِي وَالأَغْنِيَاءُ وُكَلاَئِي ، فَإِذَا بَخِلَ وُكَلاَئِي عَلَى عِيَالِي أَدْخَلْتُهُمُ النَّارَ وَلاَ أُبَالِي } ، فإذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَعَلَّمَ فُنُونَ المُصْحَفِ مِنْ تجويدٍ وحروفٍ وأحكامِ غُنَّةٍ وقَلْقَلَةٍ وكَذَا فلاَ بُدَّ أنْ تَذْهَبَ إلى الخلوةِ [ الْكُتَّابِ ] ، وإذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَعَلَّمَ الفقهَ فاذْهَبْ لِلعلماءِ ، وإذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَعَلَّمَ التّاريخَ فاذْهَبْ لِلمُؤَرِّخِينَ ، وإذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَعَلَّمَ المَعْرِفَةَ الإلهيّةَ فاذْهَبْ لِلعارفِينَ باللهِ ، ومَنْ أرادَ السَّفَرَ والسُّلُوكَ إلى اللهِ فعَلَيْهِ بالسّالكِينَ الْمُسَلِّكِينَ ؛ فَهُمُ المُسْتَخْلَفُونَ في فيوضاتِ الأنوارِ الأسمائيَّةِ الصِّفاتيَّةِ الإلهيةَِّ ، فإذَا راقَبْتَهُمْ وسِرْتَ مَعَهُمْ بالأدبِ أَعْطَوْكَ النُّورَ الذي تَرَاهُمْ بهِ ؛ لأنَّ اللهَ قَدْ خَلَقَ فِيكَ مِنَ العيونِ مَا تُدْرِكُهُمْ بهِ بِشَرْطِ الأدبِ والمُرَاقَبَة .. فالعيونُ أربعةٌ : 1- عيونُ الرأسِ : وقَدْ خُلِقَتْ لِيُرَى بِهَا الأجرامُ [ المحسوسات ] . __________ (1) 1- سورة الحديد : 7 (1/197) ________________________________________ 2- عيونُ العقلِ : لِتُدْرَكَ بِهَا غائصاتُ العلومِ بِشَرْطِ إعمالِ العقلِ ، فقَوْلُ مَنْ قال {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَبِ السَّعِير} (1) لَيْسَ مَعْنَاهُ أنَّ اليهودَ والنَّصارَى لاَ سَمْعَ لَهُمْ ؛ وإنَّمَا لَمْ يُعْمِلُوا عقولَهُمْ في الكلامِ الذي أَتَى بهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - . 3- عيونُ القلبِ : لِتُدْرَكَ الأحوالُ الغيبيّةُ ( مشايخ - روحانيّة - أنبياء ) [ الأشياءُ اللاّ مُدْرَكةُ بعيونِ البصرِ أوِ العقل ] . 4- عيونُ الرُّوحِ : لِتُدْرَكَ بِهَا التَّجَلِّياتُ الإلهيّة . فلَمَّا كانَتْ أهمِّيَّةُ المُرَاقَبَةِ هكَذَا اعْتَمَدَهَا جميعُ مشايخِ الصُّوفيّةِ - رضي الله عنهم - لأهمِّيَّتِهَا التي تَعْلُو كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَ السّائرِ إلى اللهِ ، وفائدتُهَا الكُبْرَى تَتَّضِحُ جَلِيَّةً في قولِهِ تعالى {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أن رَّءَا بُرْهَنَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين} (2) ؛ فصَرْفُ السُّوءِ والفحشاءِ لَمْ يَحْصُلْ إلاَّ برؤيةِ برهانِ الرَّبِّ ، وأخْطَأَ مَنْ فَهِمَ أنَّهُ برؤيةِ الرَّبِّ ، وشَتّانَ بَيْنَهُمَا . تصويرُ المُرَاقَبَة : قال مَوْلاَنَا مَا مَعْنَاهُ : أيْ مَعْنَى المُرَاقَبَةِ .. فَهْمُ المُرَاقَبَةِ .. تكييفُ كلمةِ المُرَاقَبَةِ ... هناكَ مَنْ يَعْتَرِضُ لِعَدَمِ فَهْمِ الأمرِ على حقيقتِهِ ، فيَقُولُ مَثَلاً : راقِبِ اللهَ .. ولِمِثْلِهِ نَقُولُ : هَلْ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ رَبِّنَا حَتَّى نُرَاقِبَهُ ؟!! __________ (1) 1- سورة الملك : 10 (2) 2- سورة يوسف : 24 (1/198)