برهانيات كوم
سيدنا أبو بكر الصديق
الحمد لله رب العالمين سبحانه وتعالى أكرم الوجود بسيد الأولين والآخرين وأرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وأصحابه الذين أتحفهم الله بعظيم الفضل وخصهم بصحبة صاحب الخلق العظيم ، فهم مصابيح الظلام ونور الهدى والإيمان ضحك الزمان بوجودهم وإنتشارهم فالسعيد الذى يرغب إليهم ويقتدى بهم فقد أثنى عليهم الحق فى كتابه العزيز ووردت فى فضلهم الأحاديث وجاءت بذلك النصوص الصريحة ويكفى المنصف من ذلك قوله (إن الله اختار أصحابى على العالمين سوى النبين والمرسلين). وقوله (أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وقوله (لا تسبو أصحابى فوالذى نفسى بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) رواه أبو زرعه العراقى وقال فيه معنى الحديث اليأس من بلوغ من يأتى بعدهم مرتبة أحدهم فى الفضل فإن هذا المفروض من ملك الإنسان بقدر أحد ذهباً محال في العادة ولم يتفق من الخلق بتقدير وقوعه لأحد وأنفاقه فى طريق الخير لا يبلغ الثواب المترتب عليه ثواب الواحد من الصحابة .
واعلم أخى الفضل أن لكل صحابى فضائل تخصه لا توجد فى غيره مع الاعتقاد أنهم جميعاً عدول وثقاه وهذا ما يكون عليه المؤمن فإذا ذكرناهم فإنما محاسنهم وفضائلهم وحميد سيرهم ونسكت عما وراء ذلك وهذا ما أمر به النبى فقال : (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) وقال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنااغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} (الحشر10)، كما ينبغى تأويل ما يشكل علينا مما شجر بينهم بأحسن التأويلات وأن نبعد عن أخبار المؤرخين وجهلة الرواة وضلال بعض الفرق والمبتدعين الذين زرعوا الفجور وسقوا الغرور وأظهروا الخلافات والمجادلات والتى لم نسمع عنها في سلفنا الصالح فأحذر من أن تحوم حول ما يدعون من تنقيص قدر صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته· وأعلم أن بين يديك الموت والعرض والحساب والجنة والنار فخذ ما يعينك على السلوك إلى الله ودع عنك ما سوى ذلك. فالعاقل الذى يشتغل بعيوب نفسه وإصلاحها قبل أن يبدأ بإصلاح غيره. و قبل الشروع في الحديث عن الخليفة الأول أقدم لك هذه النصيحة ولكل مؤمن صادق في توجهه إلى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
رأى بعض الشيوخ بعض العلماء في المنام فقال له : ما خبر تلك العلوم التى كنت تجادل فيها وتناظر عليها فبسط يده ونفخ فيها وقال : طاحت كلها هباء منثورا وما انتفعت إلا بركعتين خلصتا لي جوف الليل وفي الحديث الذى رواه الترمذى وإبن ماجه عن أبى أمامة. قال رسول الله (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) ثم قرأ { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم يخصمون} وأسمع معي أحسن وأطيب ما قيل في صحابة رسول الله قال الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى في القصيدة السادسة والأربعون من ديوانه شراب الوصل :
يا أهل بدر يا صحابة أحمد من للقلوب شرابها والزادلا يستطيع القول فيكم أن يفى إن البحار لذكركم لمدادو النار إن تسمع حديثاً عنكم فهى الخميده واللهيب رمادالرب أوحى للملائك ثبتوا إنى سألقى والقديم يعادنزل الصحابة عند حكم مليكهم غنموا وكان الرفد والإرفادـ
و قال الإمام أبو سعيد البوصيرى في حقهم
كلهم في أحكامه ذو اجتهاد و صواب وكلهم أكفاءرضى الله عنهم ورضوا عنه فأنى يخطوا إليهم خطاء
فهيا بنا نتجول مع خليفة رسول الله في جنته ونأخذ من بساتينه بعد أن يأذن ما يكون عوناً على الطريق والسلوك إلى الله. هذا وإن الشروع في الدخول عليه بعد السلام عليك يا رفيق رسول الله في الهجرة.
مولده
بعد مولد النبي بسنتين وأشهر وهو سيدنا أبوبكر إبن أبى قحافة بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن نعيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانه بن خذيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وأمه السيدة أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب فهى بنت عم أبيه وتسمى أم الخير.
صحب النبي وهو ابن ثمان عشر سنة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرين سنة واسمه عبد الله ففى ترجمة الجلال السيوطى في كتابه تاريخ الخلفاء ونصه قال النووى في تهذيبه أن اسم أبى بكر عبد الله هو الصحيح المشهور وقيل اسمه عتيق والصواب الذى عليه كافه العلماء أن عتيقاً لقب لا اسم ، ولقب عتيقاً لعتقه من النار كما جاء من حديث الترمذي وقيل لعتاقة وجهه أى حسنه وجماله قاله الليث بن سعد وقال أبو نعيم لقدمة فى الخير وقيل لعتاقة نسبه أى طهارته وأخرج بن منده وابن عساكر عن موسى بن طلحه قال قلت لأبى طلحه لم سمى أبو بكر عتيقاً قال كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت اللهم اجعله عتيقاً من الموت وهبه لى وأخرج الحاكم والترمذى عن السيدة عائشة أن أبا بكر دخل على رسول الله فقال (يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار) فمن يومئذ سمى عتيقاً ونقل بن ظفر فى أنباء نجباء الأبناء أن القاضى أبا الحسن احمد بن محمد الزبيدى روى بإسناده فى كتابه المسمى معالى الفرش إلى عوالى العرش أن أبا هريرة قال: أجتمع المهاجرون والأنصار عند رسول الله فقال سيدنا أبو بكر: وعيشك يارسول الله إنى لم أسجد لصنم قط فغضب سيدنا عمر بن الخطاب وقال: تقول وعيشك يا رسول الله لم أسجد لصنم وقد كنت في الجاهلية كذا وكذا فقال سيدنا أبو بكر أنى لم اسجد لصنم وأن أبا قحافه أخذ بيدى فأنطلق إلى مخدع فيه أصنام فقال هذه آلهتك الشم العلا فاسجد لها وخلانى ومضى فدنوت من الصنم وقلت إنى جائع فأطعمنى فلم يجبنى فقلت أنى عار فأكسنى فلم يجبنى فقلت إنى ملق عليك هذه الصخرة فإن كنت إلهاً فامنع نفسك فلم يجبنى فألقيت عليه الصخرة فخر لوجهه وأقبل ابى فقال ما هذا يا بنى فقلت هو الذى ترى فانطلق بى إلى أمى فأخبرها فقالت له دعه فإنه الذى نجانى الله به فقلت ما الذى نجاك به قالت ليله أصابنى المخاض لم يكن معى أحد سمعت هاتفاً يقول يا أمة الله على التحقيق أبشرى بالولد العتيق اسمه فى السماء الصديق ، لمحمد صاحب ورفيق. قال أبو هريرة فلما أنقضى كلام الصديق نزل الأمين جبريل على رسول الله وقال صدق أبو بكر وصدقه ثلاث · أنتهى بحروفه.
وأما إسمه الصديق أجمعت الأمة على تسميته بالصديق - لانة بادر إلى تصديق رسول الله فقد أخرج الحاكم فى المستدرك عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت جاء المشركون إلى أبي بكر فقالوا له هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس قال أو قال ذلك قالوا نعم فقال لقد صدق إنى لأصدقه بأبعد من ذلك بخبر السماء فلذلك سمى الصديق وفى حديث أبى هريرة أسندهما أبن عساكر وعن أم هانئ أخرجه الطبرانى وقال سعيد بن منصور في سنته. حدثنا أبو معشر عن وهب عن أبى هريرة قال لما رجع رسول الله ليلة أسري به فكان بذى طوى قال يا جبريل إن قومى لا يصدقوننى قال يصدقك أبو بكر وهو الصديق وأخرج الحاكم في المستدرك عن النزار بن سيره قال قلنا لعلى: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أبى بكر فقال ذاك أمرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل وعلى لسان محمد وكان خليفة رسول الله رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا، وقال الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني (أصاله كل الأنبياء والأولياء لهم أسماء سماهم بها الحق أو سماهم بها رسول الله والاسم أو الكنية التى تسمى بها النبي أو الولى أحب الأسماء إليه باعتبار الذى سماه أو كناه بها هو الحق فمثلا سيدنا نوح أسمه الرسمى عبد الغفار ربنا سماه نوح. سيدنا إبراهيم اسمه إبراهيم ربنا سماه الخليل. سيدنا موسى سماه الكليم وهكذا فى الصحابة سيدنا عمر اسمه عمر سماه الفاروق سيدنا عثمان سماه ذى النورين سيدنا على سماه أبا تراب وهكذا سيدنا حمزة أسد الله سيدنا خالد سيف الله سيدنا أبو بكر اسمه الرسمى عبد الله سماه أبو بكر أى بكر الإسلام).
إسلامه
فبعد أن ترعرع وصار شاباً أشتغل بالتجارة وكان سبب إسلامه أنه رأى يوماً في الشام في منامه أن الشمس والقمر نزلا في حجره ثم أخذهما بيده وضمهما إلى صدره وأسبل عليهما ردائه فأنتبه وذهب إلى راهب النصارى يسأله عن الرؤيا وطلب منه التعبير فقال الراهب من أين أنت قال من مكة قال وما شأنك قال التجارة قال له يخرج في زمنك رجل يقال له محمد الأمين ويكون من قبيلة بنى هاشم وهو يكون نبى آخر الزمان لولاه ما خلق الله السموات والأراضين وما يكون فيهما وما خلق أدم وما خلق الأنبياء والمرسلين وهو سيد الأنبياء وخاتم المرسلين وأنت تدخل فى دينه وتكون وزيره وخليفته بعده وهكذا تعبير الرؤية وقد وجدت نعته في الإنجيل والزبور وإني أسلمت وآمنت به وكتمت إسلامى خوفاً من النصارى قال فلما سمع أبو بكر صفه النبى رق قلبه وأشتاق إلى رؤيته وقدم مكة فوجده فكان يحبه ولا يصبر ساعة عن رؤيته فلما طال الأمر قال له رسول الله أما تكفيك المعجزة التى رأيتها في الشام وعبرها لك الراهب وأخبرك عن إسلامه فلما سمع سيدنا أبو بكر ما قاله رسول الله قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأسلم أنتهى.
وأخرج بن عساكر من طريق الحارث عن الإمام على بن أبى طالب قال أول من أسلم من الرجال أبو بكر. وأخرج خيثمة بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال أول من صلى مع النبي أبو بكر الصديق وأخرج الطبرانى في الكبير وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الشعبى قال سألت بن عباس أى الناس كان أول إسلاماً قال أبوبكر ألم تسمع قول حسان بن ثابت :
إذا تذكرت شجوا من أخى ثقة فأذكر أخاك أبا بكر بما فعلهخير البرية أتقاها وأعد لها إلا النبي وأوفاها بما حملاو الثانى التالى المحمود مشهدة وأول الناس منهم صدق الرسلصفته
أخرج بن سعد عن السيدة عائشة رضى الله عنها أن رجلا قال لها صفى لنا أبا بكر فقالت رجل أبيض نحيف خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترض عن حقويه معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عارى الأشاجع.
لمحات من حيا ته
أسلم على يديه الكثير من الصحابة الإجلاء منهم سيدنا طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وبعد فترة من إسلامه أخذ أبوه سيدنا أبو قحافة وذهب به إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي هلا تركت الشيخ حتى آتيه قال بل هو أحق أن يأتيك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنا نحفظه لمكانتك عندنا يا أبا بكر ،و لِم لا وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أجد عندى أعظم من أبى بكر واسانى بنفسه وماله وأنكحنى أبنته وغير ذلك ففي ذات يوم رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سيدنا أبى الدرداء يمشى أمام سيدنا أبو بكر فقال له (يا أبا الدرداء أتمشى أمام من هو خير منك فى الدنيا والأخرة ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبى بكر) وقال فيه أيضا (حب أبى بكر وعمر إيمان وبغضهما كفر ) وأخرج أبو نعيم وأبن عساكر عن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما كلمت في الإسلام أحدا إلا أبى على وراجعنى الكلام إلا ابن أبى قحافة فإنى لم أكلمه في شئ إلا قبله واستقام عليه) وأخرج البخارى عن أبى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل أنتم تاركون لى صاحبى إنى قلت يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت.
فأنى لنا والحديث عن سيدنا أبو بكر فهذا كله فضلاً عن مصاحبته لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد صحب النبي عليه الصلاة والسلام من حين أسلم إلى أن توفى لم يفارقه سفراً أو حضراً إلا فيما أذن له صلى الله عليه وآله وسلم في الخروج فيه من حج أو غزو وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشاهد كلها وهاجر معه وترك عياله وأولادة رغبه فى الله ورسوله، فهو رفيقه فى الغار قال تعالى {ثانى أثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا} وكما له من الآثار الجليلة في المشاهد فقد ثبت يوم أحد ويوم حنين وقد فر الناس من حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرج الحاكم عن الأمام على والإمام أحمد وأبويعلى كذلك قال:(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لى يوم بدر ولأبى بكر مع أحدكما جبريل ومع الأخر ميكائيل) وأخرج ابن عساكر عن ابن سيرين أن عبد الرحمن بن أبى بكر كان يوم بدر مع المشركين فلما أسلم قال لأبيه لقد أهدفت لى يوم بدر فصرفت عنك ولم أقتلك فقال أبو بكر لكنك لو أهدفت لى لم أنصرف عنك ·وأخرج البزار فى مسنده عن الإمام على ابن أبى طالب أنه قال أخبرونى عن أشجع الناس قالوا أنت قال أما أنا فأنى ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه ولكن أخبرونى بأشجع الناس قالوا لا نعلم من· قال أبو بكر أنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لئلا يهوى إليه أحد من المشركين فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يهوى اليه أحد إلا أهوى إليه فهذا أشجع ، ثم قال الإمام على: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخذته قريش فهذا يوجئه وهذا يتلتله وهم يقولون أنت الذى جعلت الآلهة إلهاً واحداً قال فو الله ما دنا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويوجئ هذا ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله ثم رفع الإمام على بردة كانت عليه فبكى حتى أخضلت لحيته ثم قال أنشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر فسكت القوم فقال ألا تجيبون فو الله لساعة من أبى بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون ذاك رجل كتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.إنفاقه
فإذا ما تحدثنا عن بذل ماله على سيدنا رسول الله فهو أجود الصحابة قال تعالى {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى}. قال ابن الجوزى أجمعوا أنها نزلت في أبى بك. ''واخرج '' احمد عن أبى هريرة قال:قال رسول الله (ما نفعنى مال أحد قط إلا مال أبى بكر) فبكى سيدنا أبو بكر وقال هل أنا ومالى إلا لك يا رسول الله. وأخرج أبو يعلى من حديث السيدة عائشة مرفوعاً مثله قال بن كثير وروى أيضاً من حديث الإمام على وسيدنا عبد الله بن عباس وأنس وجابر بن عبد الله وأبى سعيد الخدرى وأخرجه الخطيب عن سعيد بن المسيب مرسلاً وزاد، وكان رسول الله يقضى في مال أبي بكر كما يقضى في مال نفسه وأخرج ابن عساكر من طرق عن السيدة عائشة وعروة بن الزبير أن أبا بكر أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف دينار فخرج إلى المدينة في الهجرة وما له غير خمسة آلاف، وكل ذلك إنفاقا في سبيل الله، وأخرج إبن عساكر عن السيدة عائشة أن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله. وأخرج بن دريد والترمذى عن سيدنا عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندى قلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما. فجئت بنصف مالى فقال رسول الله : ما أبقيت لأهلك قلت مثله وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً· قال الترمذي حسن صحيح، وأخرج أبو نعيم عن الحسن البصرى أن أبا بكر أتى النبي بصدقته فأخفاها وقال: يا رسول الله هذه صدقتى ولله عندى معاد· وجاء سيدنا عمر فأظهرها، وقال: يا رسول الله هذه صدقتى ولله عندى معاد فقال : ما بين صدقتيكما كما بين كلمتيكما. وأخرج البزار عن أبى بكر الصديق (قال جئت بأبى قحافة إلى رسول الله فقال هلا تركت الشيخ حتى يأتيه قلت بل هو أحق أن يأتيك قال إنا نحفظه لأيادى ابنه عندنا).
أفضليته
أجمع أهل السنة على أن أفضل الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم باقى العشرة ثم باقى أهل بدر ثم باقى أحد ثم باقى أهل البيعة ثم باقى الصحابة هكذا حكى الإجماع وقال به الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى وزاد أن الأفضلية لابى بكر والمزيه للإمام على والمحبوبية للسيدة خديجة والسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنهم أجمعين.
الآيات التي نزلت في حقه
''أخرج أبن حاتم والطبرانى عن عروة أن أبا بكر أعتق سبعه كلهم يعذب في الله. فنزلت {وسيجنبها الأتقى} إلى آخر السورة ''وأخرج البراز عن عبد الله بن الزبير قال نزلت هذه الآيه {ما لاحد عنده من نعمه تجزى} إلى أخرها في أبى بكر وأخرج البخارى عن السيدة عائشة أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين وأخرج البراز وإبن عساكر عن بن صفوان وكانت له صحبة قال: قال على بن أبى طالب {و الذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} الذي جاء بالصدق سيدنا رسول الله وصدق به أبو بكر الصديق·قرأها الإمام على {الذي جاء بالحق وصدق به أولئك هم المتقون} وأخرج الحاكم عن أبن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى {وشاورهم في الأمر} نزلت في أبى بكر فقط، روى الطبرانى في الكبير وبن شاهين في السنة عن معاذ قال: قال رسول الله (إن الله يكره من فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر الصديق في الأرض) وذكر الكسائى في كتابه قصص الأنبياء أن سيدنا نوحاً عليه السلام كان كلما صنع في السفينة شيئاً تأكله الأرضة ليلا فشكا إلى الله تعالى فأوحى الله إليه اكتب عليها عيونى في خلقى قال يا رب ما عيونك في خلقك قال هم أصحاب النبي محمد أبو بكر وعمر وعثمان وعلى فكتبهم على جوانبها الأربعة فحفظت. وإذا تأملت ما ذكره الكسائى في قوله تعالى {و حملناها على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا} ونجد فيها السر العظيم والفضل الكبير الذي تقصر دونه الغايات وأخرج إبن أبي حاتم عن شوذب قال نزلت {ولمن خاف مقام ربه جنتان} في أبى بكر. و أخرج على بن حميد في تفسيره عن مجاهد قال لما نزلت {إن الله وملائكته يصلون على النبي} قال أبو بكر ما أنزل الله عليك خيرا إلا أشركنا فيه فنزلت {هو الذي يصلى عليكم وملائكته} وعن عكرمة (قال سألت أبن عباس رضى الله عنهما عن قوله تعالى {ونزعنا ما في صدورهم من غل} الآية قال إذا كان يوم القيامة يؤتى بسرير من يا قوتة حمراء طوله عشرون ميلاً في عشرون ميل ليس فيه صدع ولا وصل معلق بقدرة الله تعالى فيجلس عليه أبو بكر الصديق (ثم يؤتى بسرير من يا قوتة صفراء على صفة السرير الأول فيجلس عليه عمر ثم يؤتى بسرير من يا قوتة خضراء على صفة الأول فيجلس عليه عثمان ثم يؤتى بسرير من يا قوتة بيضاء على صفة الأول فيجلس عليه على رضى الله عنهم أجمعين ثم يأمر الله تعالى الأسرة أن تتطاير بهم فتطير بهم الأسرة إلى تحت ظل العرش ثم تسبل عليهم خيمة من الدر الرطب لو جمعت السماوات السبع والأرضون السبع وكل ما خلق الله تعالى لكانت في زاوية من زوايا تلك الخيمة ثم يرفع إليهم أربع كاسات كأس لأبي بكر وكأس لعمر وكأس لعثمان وكأس لعلى رضى الله تعالى عنهم أجمعين يسقون وذلك قوله {ونزعنا ما في صدورهم من غل أخوانا على سرر متقابلين} ثم يأمر الله تعالى جهنم أن تقذف الرافضى والكافر على وجهها فيكشف الله عن أبصارهم فينظرون إلى منازل أمة النبي في الجنة فيقولون هؤلاء الذين سعد بهم الناس ونحن شقينا ثم يردون إلى جهنم وأخرج أبن عساكر عن بن عيينه قال عاتب الله المسلمون كلهم في رسول الله إلا أبا بكر وحده فأنه خرج من المعاتبة حيث قال {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني أثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه إن الله معنا}.
خلافته
وأخرج الترمذى وحسنه والحاكم عن سيدنا حذيفة قال: قال رسول الله (اقتدوا بالذين من بعدى أبو بكر وعمر) ففيه إشارة للخلافة وأخرج الشيخان عن أبى سعيد الخدرى قال خطب رسول الله الناس وقال إن الله تبارك وتعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله فبكى أبو بكر وقال... بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا لبكاءه أن يخبر لرسول اله عن عبد خير فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا وفي آخرة لا يبقين باب إلا سد إلا باب أبى بكر الصديق، وأخرج الشيخان عن جبير بن مطعم قال: أتت امرأة إلى النبي فأمرها أن ترجع إليه قالت ارأيت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال إن لم تجدينى فأتي أبا بكر، وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال بعثنى بنو المصطلق إلى رسول الله أن أسأله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك فأتيته فسألته فقال إلى أبي بكر وأخرج (الشيخان) عن أبى موسى الأشعرى قال مرض النبي فأشتد مرضه فقال مروا أبو بكر فليصل بالناس قالت عائشة يا رسول الله انه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يسطع أن يصلي بالناس فقال مرى أبو بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف. فصلى بالناس في حيات رسول وورد أيضا من حديث السيدة عائشة وابن مسعود وابن عباس طرق الحديث عن السيدة عائشة قالت لقد راجعت رسول الله في ذلك وما حملت على كثرة مراجعته إلا أنه لم ينفع، ففي قلبي أن لا يحب الناس بعده رجل قام مقامه أبدا ولا كنت أرى أن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبى بكر، وأخرج موسى بن عقبة في مغاريه والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن عوف قال خطب أبو بكر فقال والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة ولا كنت راغبا فيها ولا سألتها الله في سر ولا علانية ولكن أشفقت من الفتناء ومالى في الإمارة من حاجة ولقد وليت أمرا عظيما مالى به طاقة ولابد، فقال الإمام على والزبير ما غضبنا إلا أنا أخرنا عن المشورة وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها أنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخيره ولقد أمره رسول الله بالصلاة بالناس وهوحى وأخرج الطبرانى في الأوسط عن ابن عمر قال لم يجلس أبو بكر الصديق في مجلس رسول الله حتى لقى الله ولم يجلس عمر في مجلس أبى بكر حتى لقى الله ولم يجلس عثمان في مجلس عمر حتى لقى الله
ما وقع في خلافته
لقد وقعت في خلافته أمور كادت تأتى على الدين من جذوره وكادت أن تفتك بكل ما بناه وأسسه رسول. ولكن الصديق لم يتردد لحظه في الوقوف ضد أهل الزيغ الضلال من هذه الأمور أرسال جيش سيدنا أسامه بن زيد وقتال أهل الردة ومانعى الزكاة وكذلك الوقوف بقوة ضد حيله الكذاب،وجمع القرآن فقد أخرج الاسماعيلى عن سيدنا عمر بن الخطاب قال لما قبض النبى أرتد من أرتد من العرب وقالوا نصلى ولا نزكى فأتيت أبا بكر فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وأرفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال يا عمر رجوت نصرك وجئتنى بخذلانك أجبارا في الجاهلية خواراً في الإسلام،بماذا عسيت أن تألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى هيهات هيهات مضى رسول الله وأنقطع الوحى والله لاجاهدنهم ما أستمسك السيف في يدى وإن منعونى عقالا. قال سيدنا عمر فوجدته في ذلك أمضى وأحزم وأذب الناس على أمور هونت على كثيراً من مؤنتهم حين وليتهم·قال الذهبى لما اشتهرت وفاة النبى بالنواحى ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام، منعوا الزكاة فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم وأشار عليه سيدنا عمر وغيرة أن يفتر عن قتالهم فقال والله لو منعونى عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلهم على منعها فقال سيدنا عمر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها عصم منى ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله فقال أبو بكر والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال وقد قال إلا بحقها فقال سيدنا عمر ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق·وها هو يقف كالأسد الضارى أمام المنافق الكذاب مسيلمه فيرسل أليه سيف الله سيدنا خالد بن الوليد فالتقى الجمعان في اليمامة ودام الحصار أيام، قتل الكذاب قتله وحشى وأستشهد فيها خلق من الصحابة الإجلاء منهم سيدنا أبو حذيفه بن عتبه وسالم مولى أبى حذيفة وشجاع وزيد بن الخطاب وعبد الله بن سهيل ومالك أبن عمرو الدوسى وعباد بن بشر وثابت بن قيس بن شماس وأبو دجانه سماك بن حرب وغيرهم تتمة سبعين، وفي سنة أثنى عشرة من الهجرة بعث الصديق العلاء بن الحضرمى إلى البحرين وكانوا قد ارتدوا. وبعث عكرمة بن أبى جهل إلى عمان وكانوا قد ارتدوا وبعث أبى أميه إلى أهل النجير وكانوا قد ارتدوا وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة. فالحديث أيها الأخ الفاضل عن الخليفة الأول لا ينتهى فالمقام لا يسع أن نتحدث عن فتوحاتة وعن علمه وعن عدلة بين رعيته ونكتفى بهذا القدر وبهذه اللحظات التي عشناها مع الوفي الأمين فهذا فخراً لنا أن نذكره ونتذكره. وها هو يجلس على فراش الموت راضياً مرضياً فقد أخرج أبن أبى الدنيا عن أبى السفر قال: دخلوا على أبى بكر في مرضه فقالوا يا خليفة رسول الله ألا ندعوا لك طبيباً ينظر إليك ؟قال نظر إليَّ· فقالوا ما قال لك؟ قال أنى فعال لما أريد. وأخرج الواقدى من طرق أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف فقال أخبرنى عن عمر بن الخطاب. قال ما تسألنى عن أمرئ إلا وأنت أعلم به منى فقال أبا بكر رأى خير فقال عبد الرحمن هو والله أفضل من رأيك فيه. ثم دعا سيدنا عثمان بن عفان فقال أخبرنى عن عمر فقال أنت أخبرنى به، اللهم علمى به أن سريرته خير من علانيته وأن ليس فينا مثله وشاور معهما سعيد بن زيد وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار فقال أسيد أعلم أنه الخير بعدك يرضى للرضا ويسخط للسخط ولن يلى هذا الأمر أحد أقوى عليه منه. ودخل عليه بعض الصحابه فقال له قائل منهم ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلاف عمر علينا وقد ترى غلظته فقال أبو بكر ''بالله تخوفنى ''أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، ثم دعا سيدنا عثمان وقال أكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها حيث يؤمن الكافر ويفتن الفاجر ويصدق الكاذب أنى استخلفت عليكم بعدى عمر فاسمعوا له وأطيعوا فإن عدل فذلك ظنى به وعلمى فيه وإن بدل فلكل إمرئ ما أكتسب والخير أردته وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته. ثم أمر بالكتاب فختمه ثم أمر سيدنا عثمان فخرج بالكتاب مختوماً فبايع الناس ورضوا به وها هو سيدنا عمر بن الخطاب يتبع أثار الصديق ويتشبه بفعله فكان يتردد على السيدة عائشة والسيدة أسماء رضى الله عنهما ويقول لهما ما كان يفعل أبو بكر إذا خلا ببيته ليلاً فيقال له: ما رأينا له كبير صلاة بالليل ولا قيام إنما كان إذا جن الليل يقوم عند السحر ويقعد القرفصاء ويضع رأسه على ركبتيه ثم يرفعها إلى السماء ويتنفس الصعداء ويقول آخ فيطلع الدخان من فيه فبكى سيدنا عمر وقال كل شئ يقدر عليه عمر إلا الدخان. ونختم هذا اللقاء بما رواة الإمام احمد والترمذى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله أرحم أمتى بأمتى أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضهم زيد بن ثابت· وأقرأهم أبى كعب ولكل أمه أمين وأمين هذه الأمه أبو عبيده بن الجراح.
فما لوداع ولكن إلى لقاء أخر لدخول جنة علم من أعلام صحابه رسول الله .أخرج النسائى والترمزى وأبو داود وأبن ماجه عن أنس قال رسول الله (حب أبى بكر وعمر وإيمان وبغضها نفاق).رواية بن عساكر عن جابر (حب أبى بكر وعمر من الإيمان وبغضهم كفر)أخرج الإمام احمد في زوائد ه وابن ماجه عن أبى هريرة قال: قال (ما نفعنى مال قط ما نفعنى مال أبى بكر الصديق).أخرج الطبرانى عن أبن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله (ما أحد أعظم عندى يداً من أبى بكر واسنى بنفسه وماله وانكحنى أبنته)
واعلم أخى الفضل أن لكل صحابى فضائل تخصه لا توجد فى غيره مع الاعتقاد أنهم جميعاً عدول وثقاه وهذا ما يكون عليه المؤمن فإذا ذكرناهم فإنما محاسنهم وفضائلهم وحميد سيرهم ونسكت عما وراء ذلك وهذا ما أمر به النبى فقال : (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) وقال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنااغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} (الحشر10)، كما ينبغى تأويل ما يشكل علينا مما شجر بينهم بأحسن التأويلات وأن نبعد عن أخبار المؤرخين وجهلة الرواة وضلال بعض الفرق والمبتدعين الذين زرعوا الفجور وسقوا الغرور وأظهروا الخلافات والمجادلات والتى لم نسمع عنها في سلفنا الصالح فأحذر من أن تحوم حول ما يدعون من تنقيص قدر صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته· وأعلم أن بين يديك الموت والعرض والحساب والجنة والنار فخذ ما يعينك على السلوك إلى الله ودع عنك ما سوى ذلك. فالعاقل الذى يشتغل بعيوب نفسه وإصلاحها قبل أن يبدأ بإصلاح غيره. و قبل الشروع في الحديث عن الخليفة الأول أقدم لك هذه النصيحة ولكل مؤمن صادق في توجهه إلى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
يا أهل بدر يا صحابة أحمد من للقلوب شرابها والزادلا يستطيع القول فيكم أن يفى إن البحار لذكركم لمدادو النار إن تسمع حديثاً عنكم فهى الخميده واللهيب رمادالرب أوحى للملائك ثبتوا إنى سألقى والقديم يعادنزل الصحابة عند حكم مليكهم غنموا وكان الرفد والإرفادـ
و قال الإمام أبو سعيد البوصيرى في حقهم
كلهم في أحكامه ذو اجتهاد و صواب وكلهم أكفاءرضى الله عنهم ورضوا عنه فأنى يخطوا إليهم خطاء
فهيا بنا نتجول مع خليفة رسول الله في جنته ونأخذ من بساتينه بعد أن يأذن ما يكون عوناً على الطريق والسلوك إلى الله. هذا وإن الشروع في الدخول عليه بعد السلام عليك يا رفيق رسول الله في الهجرة.
مولده
بعد مولد النبي بسنتين وأشهر وهو سيدنا أبوبكر إبن أبى قحافة بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن نعيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانه بن خذيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وأمه السيدة أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب فهى بنت عم أبيه وتسمى أم الخير.
صحب النبي وهو ابن ثمان عشر سنة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرين سنة واسمه عبد الله ففى ترجمة الجلال السيوطى في كتابه تاريخ الخلفاء ونصه قال النووى في تهذيبه أن اسم أبى بكر عبد الله هو الصحيح المشهور وقيل اسمه عتيق والصواب الذى عليه كافه العلماء أن عتيقاً لقب لا اسم ، ولقب عتيقاً لعتقه من النار كما جاء من حديث الترمذي وقيل لعتاقة وجهه أى حسنه وجماله قاله الليث بن سعد وقال أبو نعيم لقدمة فى الخير وقيل لعتاقة نسبه أى طهارته وأخرج بن منده وابن عساكر عن موسى بن طلحه قال قلت لأبى طلحه لم سمى أبو بكر عتيقاً قال كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت اللهم اجعله عتيقاً من الموت وهبه لى وأخرج الحاكم والترمذى عن السيدة عائشة أن أبا بكر دخل على رسول الله فقال (يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار) فمن يومئذ سمى عتيقاً ونقل بن ظفر فى أنباء نجباء الأبناء أن القاضى أبا الحسن احمد بن محمد الزبيدى روى بإسناده فى كتابه المسمى معالى الفرش إلى عوالى العرش أن أبا هريرة قال: أجتمع المهاجرون والأنصار عند رسول الله فقال سيدنا أبو بكر: وعيشك يارسول الله إنى لم أسجد لصنم قط فغضب سيدنا عمر بن الخطاب وقال: تقول وعيشك يا رسول الله لم أسجد لصنم وقد كنت في الجاهلية كذا وكذا فقال سيدنا أبو بكر أنى لم اسجد لصنم وأن أبا قحافه أخذ بيدى فأنطلق إلى مخدع فيه أصنام فقال هذه آلهتك الشم العلا فاسجد لها وخلانى ومضى فدنوت من الصنم وقلت إنى جائع فأطعمنى فلم يجبنى فقلت أنى عار فأكسنى فلم يجبنى فقلت إنى ملق عليك هذه الصخرة فإن كنت إلهاً فامنع نفسك فلم يجبنى فألقيت عليه الصخرة فخر لوجهه وأقبل ابى فقال ما هذا يا بنى فقلت هو الذى ترى فانطلق بى إلى أمى فأخبرها فقالت له دعه فإنه الذى نجانى الله به فقلت ما الذى نجاك به قالت ليله أصابنى المخاض لم يكن معى أحد سمعت هاتفاً يقول يا أمة الله على التحقيق أبشرى بالولد العتيق اسمه فى السماء الصديق ، لمحمد صاحب ورفيق. قال أبو هريرة فلما أنقضى كلام الصديق نزل الأمين جبريل على رسول الله وقال صدق أبو بكر وصدقه ثلاث · أنتهى بحروفه.
وأما إسمه الصديق أجمعت الأمة على تسميته بالصديق - لانة بادر إلى تصديق رسول الله فقد أخرج الحاكم فى المستدرك عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت جاء المشركون إلى أبي بكر فقالوا له هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس قال أو قال ذلك قالوا نعم فقال لقد صدق إنى لأصدقه بأبعد من ذلك بخبر السماء فلذلك سمى الصديق وفى حديث أبى هريرة أسندهما أبن عساكر وعن أم هانئ أخرجه الطبرانى وقال سعيد بن منصور في سنته. حدثنا أبو معشر عن وهب عن أبى هريرة قال لما رجع رسول الله ليلة أسري به فكان بذى طوى قال يا جبريل إن قومى لا يصدقوننى قال يصدقك أبو بكر وهو الصديق وأخرج الحاكم في المستدرك عن النزار بن سيره قال قلنا لعلى: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أبى بكر فقال ذاك أمرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل وعلى لسان محمد وكان خليفة رسول الله رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا، وقال الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني (أصاله كل الأنبياء والأولياء لهم أسماء سماهم بها الحق أو سماهم بها رسول الله والاسم أو الكنية التى تسمى بها النبي أو الولى أحب الأسماء إليه باعتبار الذى سماه أو كناه بها هو الحق فمثلا سيدنا نوح أسمه الرسمى عبد الغفار ربنا سماه نوح. سيدنا إبراهيم اسمه إبراهيم ربنا سماه الخليل. سيدنا موسى سماه الكليم وهكذا فى الصحابة سيدنا عمر اسمه عمر سماه الفاروق سيدنا عثمان سماه ذى النورين سيدنا على سماه أبا تراب وهكذا سيدنا حمزة أسد الله سيدنا خالد سيف الله سيدنا أبو بكر اسمه الرسمى عبد الله سماه أبو بكر أى بكر الإسلام).
إسلامه
فبعد أن ترعرع وصار شاباً أشتغل بالتجارة وكان سبب إسلامه أنه رأى يوماً في الشام في منامه أن الشمس والقمر نزلا في حجره ثم أخذهما بيده وضمهما إلى صدره وأسبل عليهما ردائه فأنتبه وذهب إلى راهب النصارى يسأله عن الرؤيا وطلب منه التعبير فقال الراهب من أين أنت قال من مكة قال وما شأنك قال التجارة قال له يخرج في زمنك رجل يقال له محمد الأمين ويكون من قبيلة بنى هاشم وهو يكون نبى آخر الزمان لولاه ما خلق الله السموات والأراضين وما يكون فيهما وما خلق أدم وما خلق الأنبياء والمرسلين وهو سيد الأنبياء وخاتم المرسلين وأنت تدخل فى دينه وتكون وزيره وخليفته بعده وهكذا تعبير الرؤية وقد وجدت نعته في الإنجيل والزبور وإني أسلمت وآمنت به وكتمت إسلامى خوفاً من النصارى قال فلما سمع أبو بكر صفه النبى رق قلبه وأشتاق إلى رؤيته وقدم مكة فوجده فكان يحبه ولا يصبر ساعة عن رؤيته فلما طال الأمر قال له رسول الله أما تكفيك المعجزة التى رأيتها في الشام وعبرها لك الراهب وأخبرك عن إسلامه فلما سمع سيدنا أبو بكر ما قاله رسول الله قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأسلم أنتهى.
وأخرج بن عساكر من طريق الحارث عن الإمام على بن أبى طالب قال أول من أسلم من الرجال أبو بكر. وأخرج خيثمة بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال أول من صلى مع النبي أبو بكر الصديق وأخرج الطبرانى في الكبير وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الشعبى قال سألت بن عباس أى الناس كان أول إسلاماً قال أبوبكر ألم تسمع قول حسان بن ثابت :
إذا تذكرت شجوا من أخى ثقة فأذكر أخاك أبا بكر بما فعلهخير البرية أتقاها وأعد لها إلا النبي وأوفاها بما حملاو الثانى التالى المحمود مشهدة وأول الناس منهم صدق الرسلصفته
أخرج بن سعد عن السيدة عائشة رضى الله عنها أن رجلا قال لها صفى لنا أبا بكر فقالت رجل أبيض نحيف خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترض عن حقويه معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عارى الأشاجع.
لمحات من حيا ته
أسلم على يديه الكثير من الصحابة الإجلاء منهم سيدنا طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وبعد فترة من إسلامه أخذ أبوه سيدنا أبو قحافة وذهب به إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي هلا تركت الشيخ حتى آتيه قال بل هو أحق أن يأتيك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنا نحفظه لمكانتك عندنا يا أبا بكر ،و لِم لا وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أجد عندى أعظم من أبى بكر واسانى بنفسه وماله وأنكحنى أبنته وغير ذلك ففي ذات يوم رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سيدنا أبى الدرداء يمشى أمام سيدنا أبو بكر فقال له (يا أبا الدرداء أتمشى أمام من هو خير منك فى الدنيا والأخرة ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبى بكر) وقال فيه أيضا (حب أبى بكر وعمر إيمان وبغضهما كفر ) وأخرج أبو نعيم وأبن عساكر عن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما كلمت في الإسلام أحدا إلا أبى على وراجعنى الكلام إلا ابن أبى قحافة فإنى لم أكلمه في شئ إلا قبله واستقام عليه) وأخرج البخارى عن أبى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل أنتم تاركون لى صاحبى إنى قلت يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت.
فأنى لنا والحديث عن سيدنا أبو بكر فهذا كله فضلاً عن مصاحبته لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد صحب النبي عليه الصلاة والسلام من حين أسلم إلى أن توفى لم يفارقه سفراً أو حضراً إلا فيما أذن له صلى الله عليه وآله وسلم في الخروج فيه من حج أو غزو وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشاهد كلها وهاجر معه وترك عياله وأولادة رغبه فى الله ورسوله، فهو رفيقه فى الغار قال تعالى {ثانى أثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا} وكما له من الآثار الجليلة في المشاهد فقد ثبت يوم أحد ويوم حنين وقد فر الناس من حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرج الحاكم عن الأمام على والإمام أحمد وأبويعلى كذلك قال:(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لى يوم بدر ولأبى بكر مع أحدكما جبريل ومع الأخر ميكائيل) وأخرج ابن عساكر عن ابن سيرين أن عبد الرحمن بن أبى بكر كان يوم بدر مع المشركين فلما أسلم قال لأبيه لقد أهدفت لى يوم بدر فصرفت عنك ولم أقتلك فقال أبو بكر لكنك لو أهدفت لى لم أنصرف عنك ·وأخرج البزار فى مسنده عن الإمام على ابن أبى طالب أنه قال أخبرونى عن أشجع الناس قالوا أنت قال أما أنا فأنى ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه ولكن أخبرونى بأشجع الناس قالوا لا نعلم من· قال أبو بكر أنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لئلا يهوى إليه أحد من المشركين فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يهوى اليه أحد إلا أهوى إليه فهذا أشجع ، ثم قال الإمام على: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخذته قريش فهذا يوجئه وهذا يتلتله وهم يقولون أنت الذى جعلت الآلهة إلهاً واحداً قال فو الله ما دنا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويوجئ هذا ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله ثم رفع الإمام على بردة كانت عليه فبكى حتى أخضلت لحيته ثم قال أنشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر فسكت القوم فقال ألا تجيبون فو الله لساعة من أبى بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون ذاك رجل كتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.إنفاقه
فإذا ما تحدثنا عن بذل ماله على سيدنا رسول الله فهو أجود الصحابة قال تعالى {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى}. قال ابن الجوزى أجمعوا أنها نزلت في أبى بك. ''واخرج '' احمد عن أبى هريرة قال:قال رسول الله (ما نفعنى مال أحد قط إلا مال أبى بكر) فبكى سيدنا أبو بكر وقال هل أنا ومالى إلا لك يا رسول الله. وأخرج أبو يعلى من حديث السيدة عائشة مرفوعاً مثله قال بن كثير وروى أيضاً من حديث الإمام على وسيدنا عبد الله بن عباس وأنس وجابر بن عبد الله وأبى سعيد الخدرى وأخرجه الخطيب عن سعيد بن المسيب مرسلاً وزاد، وكان رسول الله يقضى في مال أبي بكر كما يقضى في مال نفسه وأخرج ابن عساكر من طرق عن السيدة عائشة وعروة بن الزبير أن أبا بكر أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف دينار فخرج إلى المدينة في الهجرة وما له غير خمسة آلاف، وكل ذلك إنفاقا في سبيل الله، وأخرج إبن عساكر عن السيدة عائشة أن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله. وأخرج بن دريد والترمذى عن سيدنا عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندى قلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما. فجئت بنصف مالى فقال رسول الله : ما أبقيت لأهلك قلت مثله وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً· قال الترمذي حسن صحيح، وأخرج أبو نعيم عن الحسن البصرى أن أبا بكر أتى النبي بصدقته فأخفاها وقال: يا رسول الله هذه صدقتى ولله عندى معاد· وجاء سيدنا عمر فأظهرها، وقال: يا رسول الله هذه صدقتى ولله عندى معاد فقال : ما بين صدقتيكما كما بين كلمتيكما. وأخرج البزار عن أبى بكر الصديق (قال جئت بأبى قحافة إلى رسول الله فقال هلا تركت الشيخ حتى يأتيه قلت بل هو أحق أن يأتيك قال إنا نحفظه لأيادى ابنه عندنا).
أفضليته
أجمع أهل السنة على أن أفضل الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم باقى العشرة ثم باقى أهل بدر ثم باقى أحد ثم باقى أهل البيعة ثم باقى الصحابة هكذا حكى الإجماع وقال به الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى وزاد أن الأفضلية لابى بكر والمزيه للإمام على والمحبوبية للسيدة خديجة والسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنهم أجمعين.
الآيات التي نزلت في حقه
''أخرج أبن حاتم والطبرانى عن عروة أن أبا بكر أعتق سبعه كلهم يعذب في الله. فنزلت {وسيجنبها الأتقى} إلى آخر السورة ''وأخرج البراز عن عبد الله بن الزبير قال نزلت هذه الآيه {ما لاحد عنده من نعمه تجزى} إلى أخرها في أبى بكر وأخرج البخارى عن السيدة عائشة أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين وأخرج البراز وإبن عساكر عن بن صفوان وكانت له صحبة قال: قال على بن أبى طالب {و الذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} الذي جاء بالصدق سيدنا رسول الله وصدق به أبو بكر الصديق·قرأها الإمام على {الذي جاء بالحق وصدق به أولئك هم المتقون} وأخرج الحاكم عن أبن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى {وشاورهم في الأمر} نزلت في أبى بكر فقط، روى الطبرانى في الكبير وبن شاهين في السنة عن معاذ قال: قال رسول الله (إن الله يكره من فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر الصديق في الأرض) وذكر الكسائى في كتابه قصص الأنبياء أن سيدنا نوحاً عليه السلام كان كلما صنع في السفينة شيئاً تأكله الأرضة ليلا فشكا إلى الله تعالى فأوحى الله إليه اكتب عليها عيونى في خلقى قال يا رب ما عيونك في خلقك قال هم أصحاب النبي محمد أبو بكر وعمر وعثمان وعلى فكتبهم على جوانبها الأربعة فحفظت. وإذا تأملت ما ذكره الكسائى في قوله تعالى {و حملناها على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا} ونجد فيها السر العظيم والفضل الكبير الذي تقصر دونه الغايات وأخرج إبن أبي حاتم عن شوذب قال نزلت {ولمن خاف مقام ربه جنتان} في أبى بكر. و أخرج على بن حميد في تفسيره عن مجاهد قال لما نزلت {إن الله وملائكته يصلون على النبي} قال أبو بكر ما أنزل الله عليك خيرا إلا أشركنا فيه فنزلت {هو الذي يصلى عليكم وملائكته} وعن عكرمة (قال سألت أبن عباس رضى الله عنهما عن قوله تعالى {ونزعنا ما في صدورهم من غل} الآية قال إذا كان يوم القيامة يؤتى بسرير من يا قوتة حمراء طوله عشرون ميلاً في عشرون ميل ليس فيه صدع ولا وصل معلق بقدرة الله تعالى فيجلس عليه أبو بكر الصديق (ثم يؤتى بسرير من يا قوتة صفراء على صفة السرير الأول فيجلس عليه عمر ثم يؤتى بسرير من يا قوتة خضراء على صفة الأول فيجلس عليه عثمان ثم يؤتى بسرير من يا قوتة بيضاء على صفة الأول فيجلس عليه على رضى الله عنهم أجمعين ثم يأمر الله تعالى الأسرة أن تتطاير بهم فتطير بهم الأسرة إلى تحت ظل العرش ثم تسبل عليهم خيمة من الدر الرطب لو جمعت السماوات السبع والأرضون السبع وكل ما خلق الله تعالى لكانت في زاوية من زوايا تلك الخيمة ثم يرفع إليهم أربع كاسات كأس لأبي بكر وكأس لعمر وكأس لعثمان وكأس لعلى رضى الله تعالى عنهم أجمعين يسقون وذلك قوله {ونزعنا ما في صدورهم من غل أخوانا على سرر متقابلين} ثم يأمر الله تعالى جهنم أن تقذف الرافضى والكافر على وجهها فيكشف الله عن أبصارهم فينظرون إلى منازل أمة النبي في الجنة فيقولون هؤلاء الذين سعد بهم الناس ونحن شقينا ثم يردون إلى جهنم وأخرج أبن عساكر عن بن عيينه قال عاتب الله المسلمون كلهم في رسول الله إلا أبا بكر وحده فأنه خرج من المعاتبة حيث قال {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني أثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه إن الله معنا}.
خلافته
وأخرج الترمذى وحسنه والحاكم عن سيدنا حذيفة قال: قال رسول الله (اقتدوا بالذين من بعدى أبو بكر وعمر) ففيه إشارة للخلافة وأخرج الشيخان عن أبى سعيد الخدرى قال خطب رسول الله الناس وقال إن الله تبارك وتعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله فبكى أبو بكر وقال... بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا لبكاءه أن يخبر لرسول اله عن عبد خير فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا وفي آخرة لا يبقين باب إلا سد إلا باب أبى بكر الصديق، وأخرج الشيخان عن جبير بن مطعم قال: أتت امرأة إلى النبي فأمرها أن ترجع إليه قالت ارأيت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال إن لم تجدينى فأتي أبا بكر، وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال بعثنى بنو المصطلق إلى رسول الله أن أسأله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك فأتيته فسألته فقال إلى أبي بكر وأخرج (الشيخان) عن أبى موسى الأشعرى قال مرض النبي فأشتد مرضه فقال مروا أبو بكر فليصل بالناس قالت عائشة يا رسول الله انه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يسطع أن يصلي بالناس فقال مرى أبو بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف. فصلى بالناس في حيات رسول وورد أيضا من حديث السيدة عائشة وابن مسعود وابن عباس طرق الحديث عن السيدة عائشة قالت لقد راجعت رسول الله في ذلك وما حملت على كثرة مراجعته إلا أنه لم ينفع، ففي قلبي أن لا يحب الناس بعده رجل قام مقامه أبدا ولا كنت أرى أن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبى بكر، وأخرج موسى بن عقبة في مغاريه والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن عوف قال خطب أبو بكر فقال والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة ولا كنت راغبا فيها ولا سألتها الله في سر ولا علانية ولكن أشفقت من الفتناء ومالى في الإمارة من حاجة ولقد وليت أمرا عظيما مالى به طاقة ولابد، فقال الإمام على والزبير ما غضبنا إلا أنا أخرنا عن المشورة وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها أنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخيره ولقد أمره رسول الله بالصلاة بالناس وهوحى وأخرج الطبرانى في الأوسط عن ابن عمر قال لم يجلس أبو بكر الصديق في مجلس رسول الله حتى لقى الله ولم يجلس عمر في مجلس أبى بكر حتى لقى الله ولم يجلس عثمان في مجلس عمر حتى لقى الله
ما وقع في خلافته
لقد وقعت في خلافته أمور كادت تأتى على الدين من جذوره وكادت أن تفتك بكل ما بناه وأسسه رسول. ولكن الصديق لم يتردد لحظه في الوقوف ضد أهل الزيغ الضلال من هذه الأمور أرسال جيش سيدنا أسامه بن زيد وقتال أهل الردة ومانعى الزكاة وكذلك الوقوف بقوة ضد حيله الكذاب،وجمع القرآن فقد أخرج الاسماعيلى عن سيدنا عمر بن الخطاب قال لما قبض النبى أرتد من أرتد من العرب وقالوا نصلى ولا نزكى فأتيت أبا بكر فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وأرفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال يا عمر رجوت نصرك وجئتنى بخذلانك أجبارا في الجاهلية خواراً في الإسلام،بماذا عسيت أن تألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى هيهات هيهات مضى رسول الله وأنقطع الوحى والله لاجاهدنهم ما أستمسك السيف في يدى وإن منعونى عقالا. قال سيدنا عمر فوجدته في ذلك أمضى وأحزم وأذب الناس على أمور هونت على كثيراً من مؤنتهم حين وليتهم·قال الذهبى لما اشتهرت وفاة النبى بالنواحى ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام، منعوا الزكاة فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم وأشار عليه سيدنا عمر وغيرة أن يفتر عن قتالهم فقال والله لو منعونى عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلهم على منعها فقال سيدنا عمر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها عصم منى ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله فقال أبو بكر والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال وقد قال إلا بحقها فقال سيدنا عمر ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق·وها هو يقف كالأسد الضارى أمام المنافق الكذاب مسيلمه فيرسل أليه سيف الله سيدنا خالد بن الوليد فالتقى الجمعان في اليمامة ودام الحصار أيام، قتل الكذاب قتله وحشى وأستشهد فيها خلق من الصحابة الإجلاء منهم سيدنا أبو حذيفه بن عتبه وسالم مولى أبى حذيفة وشجاع وزيد بن الخطاب وعبد الله بن سهيل ومالك أبن عمرو الدوسى وعباد بن بشر وثابت بن قيس بن شماس وأبو دجانه سماك بن حرب وغيرهم تتمة سبعين، وفي سنة أثنى عشرة من الهجرة بعث الصديق العلاء بن الحضرمى إلى البحرين وكانوا قد ارتدوا. وبعث عكرمة بن أبى جهل إلى عمان وكانوا قد ارتدوا وبعث أبى أميه إلى أهل النجير وكانوا قد ارتدوا وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة. فالحديث أيها الأخ الفاضل عن الخليفة الأول لا ينتهى فالمقام لا يسع أن نتحدث عن فتوحاتة وعن علمه وعن عدلة بين رعيته ونكتفى بهذا القدر وبهذه اللحظات التي عشناها مع الوفي الأمين فهذا فخراً لنا أن نذكره ونتذكره. وها هو يجلس على فراش الموت راضياً مرضياً فقد أخرج أبن أبى الدنيا عن أبى السفر قال: دخلوا على أبى بكر في مرضه فقالوا يا خليفة رسول الله ألا ندعوا لك طبيباً ينظر إليك ؟قال نظر إليَّ· فقالوا ما قال لك؟ قال أنى فعال لما أريد. وأخرج الواقدى من طرق أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف فقال أخبرنى عن عمر بن الخطاب. قال ما تسألنى عن أمرئ إلا وأنت أعلم به منى فقال أبا بكر رأى خير فقال عبد الرحمن هو والله أفضل من رأيك فيه. ثم دعا سيدنا عثمان بن عفان فقال أخبرنى عن عمر فقال أنت أخبرنى به، اللهم علمى به أن سريرته خير من علانيته وأن ليس فينا مثله وشاور معهما سعيد بن زيد وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار فقال أسيد أعلم أنه الخير بعدك يرضى للرضا ويسخط للسخط ولن يلى هذا الأمر أحد أقوى عليه منه. ودخل عليه بعض الصحابه فقال له قائل منهم ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلاف عمر علينا وقد ترى غلظته فقال أبو بكر ''بالله تخوفنى ''أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، ثم دعا سيدنا عثمان وقال أكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها حيث يؤمن الكافر ويفتن الفاجر ويصدق الكاذب أنى استخلفت عليكم بعدى عمر فاسمعوا له وأطيعوا فإن عدل فذلك ظنى به وعلمى فيه وإن بدل فلكل إمرئ ما أكتسب والخير أردته وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته. ثم أمر بالكتاب فختمه ثم أمر سيدنا عثمان فخرج بالكتاب مختوماً فبايع الناس ورضوا به وها هو سيدنا عمر بن الخطاب يتبع أثار الصديق ويتشبه بفعله فكان يتردد على السيدة عائشة والسيدة أسماء رضى الله عنهما ويقول لهما ما كان يفعل أبو بكر إذا خلا ببيته ليلاً فيقال له: ما رأينا له كبير صلاة بالليل ولا قيام إنما كان إذا جن الليل يقوم عند السحر ويقعد القرفصاء ويضع رأسه على ركبتيه ثم يرفعها إلى السماء ويتنفس الصعداء ويقول آخ فيطلع الدخان من فيه فبكى سيدنا عمر وقال كل شئ يقدر عليه عمر إلا الدخان. ونختم هذا اللقاء بما رواة الإمام احمد والترمذى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله أرحم أمتى بأمتى أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضهم زيد بن ثابت· وأقرأهم أبى كعب ولكل أمه أمين وأمين هذه الأمه أبو عبيده بن الجراح.
فما لوداع ولكن إلى لقاء أخر لدخول جنة علم من أعلام صحابه رسول الله .أخرج النسائى والترمزى وأبو داود وأبن ماجه عن أنس قال رسول الله (حب أبى بكر وعمر وإيمان وبغضها نفاق).رواية بن عساكر عن جابر (حب أبى بكر وعمر من الإيمان وبغضهم كفر)أخرج الإمام احمد في زوائد ه وابن ماجه عن أبى هريرة قال: قال (ما نفعنى مال قط ما نفعنى مال أبى بكر الصديق).أخرج الطبرانى عن أبن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله (ما أحد أعظم عندى يداً من أبى بكر واسنى بنفسه وماله وانكحنى أبنته)