برهانيات كوم
الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه
واسطة العقد في سلالة النبوَّة أقرَّ له أهل زمانه بالشرف والعلم والورع والسخاء، يقال له عمود الشرف ومناقبه متواترةٌ بين الأنام مشهورةٌ بين الخاص والعام. أبوه محمد بن الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنهم وأمُّه فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، ولد بالمدينة في مطلع رجب سنة 83 من الهجرة. كنيته أبو عبد الله ولقبه الصادق.
وصفه
كان ربعة، أزهر الوجه، حالك الشعر، جعداً أشمَّ الأنف، رقيق البشرة على خدِّه خالٌ أسود، كان رضي الله تعالى عنه أنيقاً ظريفاً في ملبسه وكان يقول: إذا أنعم الله بنعمةٍ على عبده أحبَّ أن يراها عليه لأنَّه جميلٌ يحبُّ الجمال. وكان يقول: إني لأكره أن أرى على الرجل من الله نعمةً فلا يظهرها. وسئل مرةً عن قوله:إنَّ الله يحبُّ الجمال والتجمُّل ويبغض البؤس والتباؤس وإنَّه إن أنعم على عبده بنعمةٍ أحبَّ أن يرى عليه أثرها فقال: ينظِّفُ ثوبه ويطيِّب ريحه ويجصص داره ويكنس أفنيته وبه اقتدى سيدنا أبو الحسن الشاذلي في قوله: التصوُّف لبسك لباس الفقر الظريف النظيف، قال سفيان الثوري: دخلتُ على جعفر بن محمد وعليه جبَّة خزٍّ دكناء وكساءٍ فارسي فجعلتُ انظر إليه معجباً، فقال: يا ثوريُ مالك تنظر إلينا، لعلك تعجب مما رأيتَ قال: قلتُ يابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا من لباس آبائك! فقال لي: يا ثوري كان ذلك زماناً مقفراً مقتراً وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإقفاره، وهذا زمانٌ قد فتحت فيه الدنيا على الناس، ثمَّ حسر عن ردن جبَّته وإذا تحتها جبَّة صوف، فقال لي: يا ثوري لبسنا هذا لله وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه.
مناقبه
مناقبه كثيرة ومروية عن أهل العلم.روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمرو بن المقداد: كنتَ إذا نظرتَ إلى جعفر بن محمد علمتَ أنه من سلالة النبي. قال الشيخ عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية:جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت وهو ذو علم غزير وزهد بالغ وورعٍ في الشهوات وأدبٍ كاملٍ في الحكمة. وقال محمد بن طلحة: وهو منة عظماء أهل البيت وساداتهم، ذو علومٍ جمَّة وعبادةٍ موفَّرة وأوراد متواصلة وزهادةٍ بينة وتلاوةٍ كثيرة يتتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على ألوان الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، ورؤيته تذكر الآخرة واستماع حديثه يزهِّد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنَّة، نور قسماته شاهدٌ أنه من سلالة النبوَّة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة، وقال الحافظ أبو نعيم في الحلية: ومنهم الإمام الناطق والزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع، قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: كتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق فيه كلَّ ما يحتاجون إلى علمه إلى يوم القيامة وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعري:
لقد عجبوا لآلِ البيت لمَّا أتاهم علمُهم في جلد جفرِفمرآة المنجِّمِ وهي صُغرى تُريهِ كُلَّ عامرةٍ وقفرِ
وقال اليافعي في مرآة الجنان: وفيها توفي الإمام السيِّد الجليل سلالة النبوَّة ومعدِن الفتوَّة أبو عبد الله جعفر الصادق، كان الإمام جعفر الصادق مجاب الدعوة قال الشيخ محمد الصبَّان: وأما جعفر الصادق فكان إماماً نبيلاً وكان مُجاب الدعوة إذا سأل اللهَ شيئا لا يتمَّ قوله إلا وهو بين يديه. وقال الشيخ الشعراني في لواقح الأنوار: وكان إذا احتاج إلى شيء قال: ياربَّاه أنا احتاج إلى كذا وكذا فما استتمَّ دعاءه إلا وذلك الشيء بجنبه موضوع.
قال بعض أصحابه تبعت الإمام جعفر ذات يوم وهو لا يشعر بي حتى خرج إلى مكانٍ قصي ثمَّ رفع يديه وقال: اللهمَّ إنك تعلم أني لم أذق طعاماً منذ ثلاث ليالٍ وهذه ثيابي قد بليت فما أتمَّ كلامه حتى رأيت إلى جانبه إناءً فيه فاكهة وثوبين جديدين ثمَّ التفت فرآني فهَجمتُ عليه وقلت: لا أدعك حتى تقتسمها معي فضحك وجعل لي نصفها.
وقال أبو حنيفة: لما قدم المنصور بعث إليَّ فقال: يا أبا حنيفة إنَّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له مسائلك الشداد فهيَّأت له أربعين مسألة ثمَّ بعث إليَّ المنصور وهو في الحيرة فأتيته فسلَّمتُ عليه وعنده الإمام جعفر بن محمد فالتفت إليه وقال: يا أبا عبد الله أبو حنيفة. قال الإمام: نعم أعرفه. فقال: ألق على أبي عبد الله من مسائلك فجعلتُ ألقي عليه فيقول: أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربَّما تابعناكم وربَّما تابعناهم وربَّما خالفنا الجميع حتَّى أتيت على الأربعين مسألة فما أخلَّ منها بشيء ثمَّ قال أبو حنيفة: أليس أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس!؟.
من أقواله:
ـ لا يتمُّ المعروف إلا بتعجيله وتصغيره وستره.ـ أربعةُ أشياء القليل منها كثير: النار والعداوة والفقر والمرض.ومنه قولهم:وليس كثيراً ألفُ خلٍّ وصاحبٍ وإنَّ عدوَّاً واحداً لكثيرُـ ثلاثةٌ لا يزيد الله بها المسلم إلا عزَّا: الصفح عمَّن ظلمه، والإعطاء لمن حرمه، والصلة لمن قطعه.ـ المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل.ـ الشؤم في ثلاثة في المرأة والدابة والدار؛ فأما الشؤم في المرأة فكثرة صداقها وعقوق زوجها، وأما الدابَّة فسوء خلقها ومنعها ظهرها،، وأمَّا الدار فضيق ساحتها، وشرُّ جيرانها.ـ كم من صبرِ ساعةٍ قد أرثَ فرحاً طويلا وكم من لذَّة ساعة قد أورثت حزناً طويلا.ومنه أخذ الشاعر قوله:ولربَّ شهوةِ ساعة قد أورثتْ حُزناً طويلاـ ثلاثةٌ لا يصيبون إلا خيرا؛ أولوا الصمت وتاركو الشرِّ والذاكرو الله كثيرا.ـ ثلاثةُ ليس معهنَّ غربة: حُسن الأدب وكفُّ الأذى ومُجانبة الريَب.ـ من طلبَ ثلاثةً بغير حقٍّ حرم من ثلاثةٍ بحق: من طلب الدنيا بغير حقٍّ حرم من الآخرة بحق ـ ومن طلب الرياسة بغير حقٍّ حرم حرم الطاعة له بحق ومن طلب المال بغير حقٍّ حرم بقاءَه له بحق، وأوصى ولده الإمام الكاظم رضي الله تعالى عنهما: يا بنيَّ من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ومن سلَّ سيف البغي قتل به ومن احتفر لأخيه بئراً وقع فيها ومن داخل السفهاء حُقِّرَ ومن خالط العلماء وُقِّر ومن دخل مداخلَ السوء اتُّهم.
دخل أحد الزنادقة على الإمام فقال له الإمام: أتعلم أنَّ للأرض تحتاً وفوقاً قال: نعم.قال: أدخلتَ تحتها؟ قال: لا. قال: فما يدريك ما تحتها؟ قال: لا أدري غيرَ أني أظنُّ أن ليس تحتها شيء. قال: فالظنُّ عجزٌ فلم لا تستيقن؟ أصعدتَ إلى السماء؟ قال: لا. قال: أفتدري ما فيها؟ قال لا. قال: عجباً لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب. ولم تنزل إلى الأرض ولم تصعد السماء فتعرف ما فيهن، وأنت جاحدُ بما فيهنَّ افيجحد العاقل ما لا يعرف !؟ قال الزنديق: ما كلَّمني بها أحدٌ غيرك.
وسأل الديصاني هشام بن الحكم عن قوله تعالى: {هو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إله} ولم يدر ما الجواب فذهب إلى الإمام وسأله فقال الإمام: هذا كلام زنديقٍ خبيث إذا رجعتَ إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة؟ فيقول لك فلان. فقل له ما اسمك بالبصرة فيقول لك فلان فقل له: وكذلك ربُّنا في السماء إلهٌ وفي الأرض إله وفي البحار إلهٌ وفي القفار إله. وسأل رجلٌ زنديقٌ هشاما فقال له: ألك رب؟ قال: بلى. قال: أقادرٌ هو؟ قال: بلى. أهو قادرٌ على يدخل الدنيا كلَّها في البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا قال هشام: فضاقت بي الأرض وقلتُ له أنظرني. قال: أنظرتك حولا.فركب إلى الإمام وأخبره بالمسألة، فقال له الإمام: يا هشام كم حواسُّك؟ قال: خمس. قال: فما أصغرها؟ قال: العين. قال: وكم قدر الجزء الذي يبصر منها؟ قال: مثل العدسة أو أقل. قال: يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى. فقال: أرى سماءً وأرضاً وجبالاً وأنهاراً وقصوراً ودورا، فقال: إنَّ الذي قدر أن يدخلَ ما تراه العدسةَ أو أقلَّ منها لقادرٌ على أن يدخل الدنيا البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة. ومن الأحاديث التي رواها الإمام عن أبيه عن جابر رضي الله عنهم قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اعرض عليَّ الإسلام فقال تشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله، قال: تسألني عليه أجرا؟ قال: لا، إلا المودَّة في القربى، قال: قرباي أو قرباك، قال: قرباي. فقال: هات أبايعك، فعلى من لا يُحبُّك ولا يُحبُّ قرباك لعنة الله، قال: آمين.وجاء عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: بن أبي طالبٍ : سلامٌ عليك أبا الريحانتين أوصيك بريحانتيَّ من الدنيا خيراً فعن قليلٍ ينهدُّ ركناك والله خليفتي عليك، فما قبض النبي صلى الله عليه وسلم: قال علي: هذا أحد الركنين، فلما قبضت فاطمة رضي الله تعالى عنها قال: هذا الركن الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
وفاته
توفي رضي الله عنه لعشرٍ خلون من خلافة أبي جعفر المنصور ودفن بالبقيع مع أبيه وجدِّه وجدَّته فاطمة وعمِّه الحسن بن علي وعلى قبورهم رخامة كتب عليها كما حكى المسعودي في مروج الذهب وابن الجوزي في التذكرة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مبيد الأمم ومحي الرمم هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين وقبر الحسن بن علي وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن علي بن الحسين الباقر وجعفر بن محمد رضوان الله عليهم. قال الإمام موسى الكاظم: لما حضرت أبي الوفاة قال لي: يا بنيَّ إنه لا ينال شفاعتَنا من استخفَّ بالصلاة، فعلى كل من ادعى حب محمد و آل محمد أن يعظم الصلاة و أن يقيمها لوقتها.
وصفه
كان ربعة، أزهر الوجه، حالك الشعر، جعداً أشمَّ الأنف، رقيق البشرة على خدِّه خالٌ أسود، كان رضي الله تعالى عنه أنيقاً ظريفاً في ملبسه وكان يقول: إذا أنعم الله بنعمةٍ على عبده أحبَّ أن يراها عليه لأنَّه جميلٌ يحبُّ الجمال. وكان يقول: إني لأكره أن أرى على الرجل من الله نعمةً فلا يظهرها. وسئل مرةً عن قوله:إنَّ الله يحبُّ الجمال والتجمُّل ويبغض البؤس والتباؤس وإنَّه إن أنعم على عبده بنعمةٍ أحبَّ أن يرى عليه أثرها فقال: ينظِّفُ ثوبه ويطيِّب ريحه ويجصص داره ويكنس أفنيته وبه اقتدى سيدنا أبو الحسن الشاذلي في قوله: التصوُّف لبسك لباس الفقر الظريف النظيف، قال سفيان الثوري: دخلتُ على جعفر بن محمد وعليه جبَّة خزٍّ دكناء وكساءٍ فارسي فجعلتُ انظر إليه معجباً، فقال: يا ثوريُ مالك تنظر إلينا، لعلك تعجب مما رأيتَ قال: قلتُ يابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا من لباس آبائك! فقال لي: يا ثوري كان ذلك زماناً مقفراً مقتراً وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإقفاره، وهذا زمانٌ قد فتحت فيه الدنيا على الناس، ثمَّ حسر عن ردن جبَّته وإذا تحتها جبَّة صوف، فقال لي: يا ثوري لبسنا هذا لله وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه.
مناقبه
مناقبه كثيرة ومروية عن أهل العلم.روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمرو بن المقداد: كنتَ إذا نظرتَ إلى جعفر بن محمد علمتَ أنه من سلالة النبي. قال الشيخ عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية:جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت وهو ذو علم غزير وزهد بالغ وورعٍ في الشهوات وأدبٍ كاملٍ في الحكمة. وقال محمد بن طلحة: وهو منة عظماء أهل البيت وساداتهم، ذو علومٍ جمَّة وعبادةٍ موفَّرة وأوراد متواصلة وزهادةٍ بينة وتلاوةٍ كثيرة يتتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على ألوان الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، ورؤيته تذكر الآخرة واستماع حديثه يزهِّد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنَّة، نور قسماته شاهدٌ أنه من سلالة النبوَّة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة، وقال الحافظ أبو نعيم في الحلية: ومنهم الإمام الناطق والزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع، قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: كتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق فيه كلَّ ما يحتاجون إلى علمه إلى يوم القيامة وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعري:
لقد عجبوا لآلِ البيت لمَّا أتاهم علمُهم في جلد جفرِفمرآة المنجِّمِ وهي صُغرى تُريهِ كُلَّ عامرةٍ وقفرِ
وقال اليافعي في مرآة الجنان: وفيها توفي الإمام السيِّد الجليل سلالة النبوَّة ومعدِن الفتوَّة أبو عبد الله جعفر الصادق، كان الإمام جعفر الصادق مجاب الدعوة قال الشيخ محمد الصبَّان: وأما جعفر الصادق فكان إماماً نبيلاً وكان مُجاب الدعوة إذا سأل اللهَ شيئا لا يتمَّ قوله إلا وهو بين يديه. وقال الشيخ الشعراني في لواقح الأنوار: وكان إذا احتاج إلى شيء قال: ياربَّاه أنا احتاج إلى كذا وكذا فما استتمَّ دعاءه إلا وذلك الشيء بجنبه موضوع.
قال بعض أصحابه تبعت الإمام جعفر ذات يوم وهو لا يشعر بي حتى خرج إلى مكانٍ قصي ثمَّ رفع يديه وقال: اللهمَّ إنك تعلم أني لم أذق طعاماً منذ ثلاث ليالٍ وهذه ثيابي قد بليت فما أتمَّ كلامه حتى رأيت إلى جانبه إناءً فيه فاكهة وثوبين جديدين ثمَّ التفت فرآني فهَجمتُ عليه وقلت: لا أدعك حتى تقتسمها معي فضحك وجعل لي نصفها.
وقال أبو حنيفة: لما قدم المنصور بعث إليَّ فقال: يا أبا حنيفة إنَّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له مسائلك الشداد فهيَّأت له أربعين مسألة ثمَّ بعث إليَّ المنصور وهو في الحيرة فأتيته فسلَّمتُ عليه وعنده الإمام جعفر بن محمد فالتفت إليه وقال: يا أبا عبد الله أبو حنيفة. قال الإمام: نعم أعرفه. فقال: ألق على أبي عبد الله من مسائلك فجعلتُ ألقي عليه فيقول: أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربَّما تابعناكم وربَّما تابعناهم وربَّما خالفنا الجميع حتَّى أتيت على الأربعين مسألة فما أخلَّ منها بشيء ثمَّ قال أبو حنيفة: أليس أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس!؟.
من أقواله:
ـ لا يتمُّ المعروف إلا بتعجيله وتصغيره وستره.ـ أربعةُ أشياء القليل منها كثير: النار والعداوة والفقر والمرض.ومنه قولهم:وليس كثيراً ألفُ خلٍّ وصاحبٍ وإنَّ عدوَّاً واحداً لكثيرُـ ثلاثةٌ لا يزيد الله بها المسلم إلا عزَّا: الصفح عمَّن ظلمه، والإعطاء لمن حرمه، والصلة لمن قطعه.ـ المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل.ـ الشؤم في ثلاثة في المرأة والدابة والدار؛ فأما الشؤم في المرأة فكثرة صداقها وعقوق زوجها، وأما الدابَّة فسوء خلقها ومنعها ظهرها،، وأمَّا الدار فضيق ساحتها، وشرُّ جيرانها.ـ كم من صبرِ ساعةٍ قد أرثَ فرحاً طويلا وكم من لذَّة ساعة قد أورثت حزناً طويلا.ومنه أخذ الشاعر قوله:ولربَّ شهوةِ ساعة قد أورثتْ حُزناً طويلاـ ثلاثةٌ لا يصيبون إلا خيرا؛ أولوا الصمت وتاركو الشرِّ والذاكرو الله كثيرا.ـ ثلاثةُ ليس معهنَّ غربة: حُسن الأدب وكفُّ الأذى ومُجانبة الريَب.ـ من طلبَ ثلاثةً بغير حقٍّ حرم من ثلاثةٍ بحق: من طلب الدنيا بغير حقٍّ حرم من الآخرة بحق ـ ومن طلب الرياسة بغير حقٍّ حرم حرم الطاعة له بحق ومن طلب المال بغير حقٍّ حرم بقاءَه له بحق، وأوصى ولده الإمام الكاظم رضي الله تعالى عنهما: يا بنيَّ من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ومن سلَّ سيف البغي قتل به ومن احتفر لأخيه بئراً وقع فيها ومن داخل السفهاء حُقِّرَ ومن خالط العلماء وُقِّر ومن دخل مداخلَ السوء اتُّهم.
دخل أحد الزنادقة على الإمام فقال له الإمام: أتعلم أنَّ للأرض تحتاً وفوقاً قال: نعم.قال: أدخلتَ تحتها؟ قال: لا. قال: فما يدريك ما تحتها؟ قال: لا أدري غيرَ أني أظنُّ أن ليس تحتها شيء. قال: فالظنُّ عجزٌ فلم لا تستيقن؟ أصعدتَ إلى السماء؟ قال: لا. قال: أفتدري ما فيها؟ قال لا. قال: عجباً لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب. ولم تنزل إلى الأرض ولم تصعد السماء فتعرف ما فيهن، وأنت جاحدُ بما فيهنَّ افيجحد العاقل ما لا يعرف !؟ قال الزنديق: ما كلَّمني بها أحدٌ غيرك.
وسأل الديصاني هشام بن الحكم عن قوله تعالى: {هو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إله} ولم يدر ما الجواب فذهب إلى الإمام وسأله فقال الإمام: هذا كلام زنديقٍ خبيث إذا رجعتَ إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة؟ فيقول لك فلان. فقل له ما اسمك بالبصرة فيقول لك فلان فقل له: وكذلك ربُّنا في السماء إلهٌ وفي الأرض إله وفي البحار إلهٌ وفي القفار إله. وسأل رجلٌ زنديقٌ هشاما فقال له: ألك رب؟ قال: بلى. قال: أقادرٌ هو؟ قال: بلى. أهو قادرٌ على يدخل الدنيا كلَّها في البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا قال هشام: فضاقت بي الأرض وقلتُ له أنظرني. قال: أنظرتك حولا.فركب إلى الإمام وأخبره بالمسألة، فقال له الإمام: يا هشام كم حواسُّك؟ قال: خمس. قال: فما أصغرها؟ قال: العين. قال: وكم قدر الجزء الذي يبصر منها؟ قال: مثل العدسة أو أقل. قال: يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى. فقال: أرى سماءً وأرضاً وجبالاً وأنهاراً وقصوراً ودورا، فقال: إنَّ الذي قدر أن يدخلَ ما تراه العدسةَ أو أقلَّ منها لقادرٌ على أن يدخل الدنيا البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة. ومن الأحاديث التي رواها الإمام عن أبيه عن جابر رضي الله عنهم قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اعرض عليَّ الإسلام فقال تشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله، قال: تسألني عليه أجرا؟ قال: لا، إلا المودَّة في القربى، قال: قرباي أو قرباك، قال: قرباي. فقال: هات أبايعك، فعلى من لا يُحبُّك ولا يُحبُّ قرباك لعنة الله، قال: آمين.وجاء عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: بن أبي طالبٍ : سلامٌ عليك أبا الريحانتين أوصيك بريحانتيَّ من الدنيا خيراً فعن قليلٍ ينهدُّ ركناك والله خليفتي عليك، فما قبض النبي صلى الله عليه وسلم: قال علي: هذا أحد الركنين، فلما قبضت فاطمة رضي الله تعالى عنها قال: هذا الركن الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
وفاته
توفي رضي الله عنه لعشرٍ خلون من خلافة أبي جعفر المنصور ودفن بالبقيع مع أبيه وجدِّه وجدَّته فاطمة وعمِّه الحسن بن علي وعلى قبورهم رخامة كتب عليها كما حكى المسعودي في مروج الذهب وابن الجوزي في التذكرة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مبيد الأمم ومحي الرمم هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين وقبر الحسن بن علي وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن علي بن الحسين الباقر وجعفر بن محمد رضوان الله عليهم. قال الإمام موسى الكاظم: لما حضرت أبي الوفاة قال لي: يا بنيَّ إنه لا ينال شفاعتَنا من استخفَّ بالصلاة، فعلى كل من ادعى حب محمد و آل محمد أن يعظم الصلاة و أن يقيمها لوقتها.