جزء من الخطاب الذى وجهه مولانا الإمام الشيخ محمد إبراهيم محمد عثمان شيخ الطريقة البرهانية الى الأمة الإسلامية مساء الأربعاء السابع من شهر أبريل عام 2004
أمَّا عن حلقاتِ العلمِ والتدارسِ فإنَّ الصفاء أهمُّ من الجلوس للتدارس فإنَّ التشاحنَ لايولِّد إلا التباغضَ وهذا عكس قضية لما قاله سيدى فخر الدين :
لِيجمَعَكمْ مكانٌ فيه صَفوٌ *** وإلاَّ عَنْ تلاقيكم أَفلتُ
كما أنَّ جَلساتِ التَّدارُسِ ليستْ لممارسةِ القولِ بالرأى والتعنُّتِ فى قَبولِ آراءِ الآخرين فذلك بابٌ للهوى وتنميةِ الأَنْفُسِ بدلا من مُحاربتِها وقد قال سيِّدُنا عبد الله بن عباس حبرُ الأمة {من قالَ فى القرآنِ برأيه فأصابَ فقد أخطأَ} ونرى أنَّ اتَّخاذَ مَنهجِ سيدى فخرِ الدينِ فى مجالسِ العلمِ هو الحلُّ الأوحدُ لِما أشكلَ على المُتدارِسينَ ولدينا سِفْراهُ الجليلان "تبرئةُ الذِّمة فى نُصح الأُمَّة" و"انتصارُ أولياءِ الرحمنِ على أولياءِ الشيطان" وكذلك سلسلةُ "علِّموا عنِّى" معِيناً كَافياً لمن أرادَ التعلُّم.
وليس مساغا من لَدنْ أهلِ مِنَّتى *** تَحوُّلُهم عن مائِِها مِن عُيونِها
ويقول أيضا:
فلِى علومٌ نضيدٌ طَلعُها كرماً *** وحدُّها لا يُناهى فى عُبودَتنا
وإنَّها عِندكمْ فيكمْ مُعتَّقةُ *** فإن نضَحنْا بها كُونوا سَريرتَنا
كما أنه من الأساسيات لمجالس العلم التفقُّه فى العبادات التى لا يَصِحُّ الطريقٌ بدونِها ونعوذُ باللهِ من شرِّ التفسُّق والتزندُّق، ولقد كان الإمام فخر الدين يَحضُرُ دروسَ الفِقهِ ويُواظبُ عليها كطالبِ عِلمٍ بالرغم من كَونِه من أعلمِ عُلماءِ عَصرِه تشريعا وتحقيقا.
ثم نأتى إلى الودِّ والتآلفِ والتَّزاورِ والتكاتفِ والتَّصافى وقد قال الله تعالى فى مُحكمِ التنزيل ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْم عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْم الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالمون.
وعن أبى هريرة قال قال رسول الله : (لا تَحاسَدُوا، وَلا تَناجَشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَ لاَ تَدَابَرُوا، وَ لا يَبْغِ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْواناً، المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذله وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا - ويشيرِ إلى صدره ثلاثَ مرات - بِحَسْبِ امْرىءٍ مِنَ الشَّرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ) صحيح مسلم.
والتواصل والتراحم لا نَقصِدُ بهِ أبناءَ الطريقةِ البُرهانيةِ بعضُهم البعض فقط ولكن أيضاً أبناءَ العمومة من الطرقِ الصُّوفية فى كلِّ أنحاء العالم فإنَّ حُبَّ رسول الله يَجمعُنا ويَوحِّد القلوب مَهَما اخْتلفتِ المَشاربُ ويقولُ الإمامُ البوصيرى :
وكلُّهُم مِن رسولِ اللهِ مُلتمِسٌ *** غَرفاً من البحرِ أو رَشفاً من الدِّيمِ
وفى هذا يقول سيِّدى فخر الدين :
أينَ التَّراحمُ يا بَنى فإنَّهُ *** عَذبٌ صَفى من شَرابِ الكُمَّلِ
وحذَّرنا من القطيعةِ والتجافى وبيَّن أسبابها بقوله:
لا تركنوا للظَّالمينَ فإنَّهم *** مَزجٌ من القُطَّاعِ واللُوَّامِ
عِفُّوا اللسانَ عنِ المحارمِ إنَّ ذا *** هو موردُ الهَمّازِ والنَّمَّامِ
ثم إلى هذا التساؤلِ الذى يَودُّ كل منَّا أن يَطرحَه على نفسِه:
أيا نارُ نورى فى قلوبِ أحبَّتى *** ترى أينَ من يُزكيك أين زكاتُكِ
تعليقات: 0
إرسال تعليق