برهانيات كوم
عرف رجل كان يسمى بابن شبيب بقدرته الفائقة في حل الألغاز.. فما ألغز إليه أحد في شيء إلا وأجاب في الحال بالإجابة السديدة مهما كان في اللغز من تعمية وإبهام، ومن ثم لفت أنظار الناس، حتى قيل إنه يحفظ أناسا ألغازا ليلقوها إليه فيحلها وهو يعرفها من قبل بالطبع !لذلك عزم جماعة على امتحانه امتحانا فيه تعجيز. فاقترح رجل يدعى أبا منصور على إخوانه أن يؤلفوا لغزين ليس لهما حل صحيح أو خاطئ.وبعد تفكير طويل كتبا اللغزين في أبيات شعرية وقدموا الشعر لابن شبيب وقالوا له معك شهر تفكر فيهما. أما اللغز الأول فقد كتبوا فيه:وما شيء له في الرأس رجل وموضع وجهه منه قفاهإذا غمضت عينك أبصرته وإن فتحت عينك لا تراهوأما اللغز الثاني فكتبوا فيه:وجار وهو تيار ضعيف العقل ضواربلا لحم ولا ريش ولكن كله ناروبعثا له بالرقعتين فيهما الشعر وأمهلاه شهرا ولكنه أجاب في الحال فكتب على الرقعة الأولى( :هو طيف الخيال)وكتب على الرقعة الثانية (هو الزئبق!)فلما تسلموا الرد هرعوا إليه، وقالوا له إنه عن اللغز الأول فقد يساعدك على أنه طيف الخيال البيت الثاني. فماذا تصنع بالبيت الأول؟ والذي يصفه بأن في موضع الرأس رجلا وأن موضع وجهه قفاه؟ قال: لأن طيف الخيال الذي يتأتى للنائم يفسر بالعكس فمن رأى أنه يبكي يفسر له بالضحك ومن رأى أنه مات يفسر له بطول العمر. قالوا فكيف تفسيرك للغز الثاني؟ قال: لأن أهل الكيمياء يرمزون للزئبق بالطيار وأما برده فمعروف وهو سبب في ثقل وزنه وكله نار لسرعة حركته وتشكله في افتراقه والتئامه، فقالوا والله ما كان طيف الخيال والزئبق يخطر لنا على بال ولكن بعد شرحك آمنا أنه صحيح!