برهانيات كوم
أول مدفون بالبقيع أسعد بن زراره
ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار. وكنيته أبو أمامة الأنصاري الخزرجي، من أجلاء الصحابة وساداتهم، وهو نقيب بنى النجار.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إذ شرفه الله بوحي السماء، حريصاً أن يلقن المجتمعين بالموسم، يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، ويعرض عليهم نفسه، وما جاء به من الهدى والرحمة، ولا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف، إلا تصدى له، ودعاه إلى الله سبحانه، وعرض عليه ما عنده.
قال ابن إسحاق:
فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه، وانجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، وبينما هو عند العقبةلقى رهط من الخزرج أراد الله بهم خيراً، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنتم ؟ قالوا: نفر من الخزرج قال: أمن موالي يهود ؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا: بلى.
فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله أنه النبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه من الإسلام - ثم قالوا له: أنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشرك ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن جمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك، ثم أنصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا.
وكانوا ستة نفر من الخزرج من بينهم أبو أمامة أسعد بن زرارة - قال أبو نعيم - ولقد قال بعض الرواة - إن أبا أمامة هذا، كان أول من أسلم من الأنصار من الخزرج - كما كان في هؤلاء الستة أبو الهيثم بن التيهان، ورافع ابن مالك ومعاذ بن عفراء.
لما عاد هؤلاء الستة إلى المدينة ذكروا لقومهم ما كان بينهم وبين رسول الله ودعوهم إلى الإسلام فأسلموا، وفشا الإسلام فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله عليه صلوات الله.
حتى إذا كان العام المقبل، وافى الموسم من الأنصار أننا عشر رجلاً، وفي مقدمتهم أبو أمامة أسعد بن زرارة الذي نتحدث عنه، وشهد هؤلاء الموسم عامئذ، وعزموا على الاجتماع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقوه بالعقبة. فبايعوه عندها وهي العقبة الأولى، روى أبو نعيم أن رسول الله عليه صلوات الله قرأ على هذا النفر من الأنصار من قول المولى سبحانه من سورة إبراهيم: وإذ قال إبراهيم رب أجعل هذا البلد آمناً: إلى آخر السورة.
حدث عبادة بن الصامت، وكان أحد هؤلاء النفر من الأنصار، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى، ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف ثم قال لهم رسول الله في ختام هذه البيعة المباركة: فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة، فأمركم إلى الله، إن شاء عذب، وأن شاء غفر.
ولما انصرف القوم راجعين إلى المدينة، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير، وأمره أن بقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقهم في الدين، فنزل مصعب على أسعد بن زرارة، فكان أسعد بن زررة أول من آوى ونصر، وكان مصعب يسمى بالميدنة المقرئ، كما كان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض، رضوان الله عليهم أجمعين.
قال ابن إسحاق:
حدثني محمد بن أبي أمامة عن أبيه عن بعد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبي ح ين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الآذان بها، صلى على أبي أمامة أسعد ابن زرارة، قال - فمكث حيناً على ذلك، لا يسمع لآذان الجمعة - إلا صلى عليه واستغفر له، - قال - فقلت في نفسي، والله أن هذا بي لعجز، ألا أسأله ؟ فقلت يا أبت، مالك إذا سمعت الآذان للجمعة صليت على أبي أمامة؟
فقال: أي بنى كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت - قال - قلت وكم أنتم يومئذ ؟ - قال - أربعون رجلاً.
وقد روى الرواة أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير، يريد به دار الأشهل ودار بنى ظفر، فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلموا، وكان قريباً منهما سعد بن معاذ بن خالة أسعد بن زرارة، وأسيد ابن الحضير، وكانا يومئذ سيدى قومها فقال سعد لأسيد ، لا أبالك ، أنطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما ، فانه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت لكفيتك ذلك ، فأخذ أسيد بن الحضير حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد أبن زرارة قال لمصعب ، هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه .
قال مصعب: أن يجلس أكلمه فوقف أسيد عليها مشتماً فقال ما جاء بكما الينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. فقال مصعب، أو تجلس فتسمع ؟ فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته نكف عنك ما تكره ؟ - قال أسيد أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا فيما يذكر عنهما، والله لعرفنا في وجهة الإسلام قبل أن يتكلم، في إشراقة وتسهله، ثم قال، ما أحسن هذا وأجمله، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ ..
قالا له تغسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى، فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً أن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، : سعد بن معاذ: ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم،فلما نظر إليه سعد ابن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على النادي قال له سعد ما فعلت ؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بنى حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك، عندها قام سعد بن معاذ مغضباً مبادراً مخوفاً للذي ذكره له من بنى حارثة، وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً: ثم خرج إليهما سعد فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف مشتما ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنابما نكره ؟ فقال له مصعب: أو تفقد فتسمع، فإن رضيت أمراً رغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ؟ قال سعد أنصفت، وكان منه ومنهما ما كان مع أسيد، فقد أسلم سعد فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، وأخذ حربته وعاد أدراجه إلى نادي قزومه، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا، سيدنا وأفضلنا رأياً،وأيمننا نقيبة، قال - فإن كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تؤمنوا الله ورسوله، فوالله ما أمسى في دار بنى عبد الأشهل رجل ولا أمرأة إلا مسلماً أو مسلمة، ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون.
كان أسعد بن زرارة أحد النقباء الأثني عشر، فقد كان نقيب بنى النجار، وقد روى شعبة عن محمد بن عبد الرحمن، أن جده أسعد بن زرارة أصابه وجع الذبح في حلقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، : لأبلغن أو لأبلين في أبي أمامة عذراً، فكواه بيده فمات. فقال رسول الله عليه صلوات الله - : ميتة سوء لليهود، يقولون هلا دفع عن صاحبه، ولا أملك له ولا لنفسي من الله شيئاً.
وكان أسعد عليه الرضوان أول مدفون بالبقيع كما يقول الأنصار، جاء قبره غيث من رحمات الرحمن، بما قدم للإسلام ولرسول الإسلام والسلام من تضحيات غاليات.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إذ شرفه الله بوحي السماء، حريصاً أن يلقن المجتمعين بالموسم، يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، ويعرض عليهم نفسه، وما جاء به من الهدى والرحمة، ولا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف، إلا تصدى له، ودعاه إلى الله سبحانه، وعرض عليه ما عنده.
قال ابن إسحاق:
فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه، وانجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، وبينما هو عند العقبةلقى رهط من الخزرج أراد الله بهم خيراً، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنتم ؟ قالوا: نفر من الخزرج قال: أمن موالي يهود ؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا: بلى.
فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله أنه النبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه من الإسلام - ثم قالوا له: أنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشرك ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن جمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك، ثم أنصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا.
وكانوا ستة نفر من الخزرج من بينهم أبو أمامة أسعد بن زرارة - قال أبو نعيم - ولقد قال بعض الرواة - إن أبا أمامة هذا، كان أول من أسلم من الأنصار من الخزرج - كما كان في هؤلاء الستة أبو الهيثم بن التيهان، ورافع ابن مالك ومعاذ بن عفراء.
لما عاد هؤلاء الستة إلى المدينة ذكروا لقومهم ما كان بينهم وبين رسول الله ودعوهم إلى الإسلام فأسلموا، وفشا الإسلام فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله عليه صلوات الله.
حتى إذا كان العام المقبل، وافى الموسم من الأنصار أننا عشر رجلاً، وفي مقدمتهم أبو أمامة أسعد بن زرارة الذي نتحدث عنه، وشهد هؤلاء الموسم عامئذ، وعزموا على الاجتماع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقوه بالعقبة. فبايعوه عندها وهي العقبة الأولى، روى أبو نعيم أن رسول الله عليه صلوات الله قرأ على هذا النفر من الأنصار من قول المولى سبحانه من سورة إبراهيم: وإذ قال إبراهيم رب أجعل هذا البلد آمناً: إلى آخر السورة.
حدث عبادة بن الصامت، وكان أحد هؤلاء النفر من الأنصار، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى، ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف ثم قال لهم رسول الله في ختام هذه البيعة المباركة: فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة، فأمركم إلى الله، إن شاء عذب، وأن شاء غفر.
ولما انصرف القوم راجعين إلى المدينة، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير، وأمره أن بقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقهم في الدين، فنزل مصعب على أسعد بن زرارة، فكان أسعد بن زررة أول من آوى ونصر، وكان مصعب يسمى بالميدنة المقرئ، كما كان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض، رضوان الله عليهم أجمعين.
قال ابن إسحاق:
حدثني محمد بن أبي أمامة عن أبيه عن بعد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبي ح ين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الآذان بها، صلى على أبي أمامة أسعد ابن زرارة، قال - فمكث حيناً على ذلك، لا يسمع لآذان الجمعة - إلا صلى عليه واستغفر له، - قال - فقلت في نفسي، والله أن هذا بي لعجز، ألا أسأله ؟ فقلت يا أبت، مالك إذا سمعت الآذان للجمعة صليت على أبي أمامة؟
فقال: أي بنى كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت - قال - قلت وكم أنتم يومئذ ؟ - قال - أربعون رجلاً.
وقد روى الرواة أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير، يريد به دار الأشهل ودار بنى ظفر، فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلموا، وكان قريباً منهما سعد بن معاذ بن خالة أسعد بن زرارة، وأسيد ابن الحضير، وكانا يومئذ سيدى قومها فقال سعد لأسيد ، لا أبالك ، أنطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما ، فانه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت لكفيتك ذلك ، فأخذ أسيد بن الحضير حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد أبن زرارة قال لمصعب ، هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه .
قال مصعب: أن يجلس أكلمه فوقف أسيد عليها مشتماً فقال ما جاء بكما الينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. فقال مصعب، أو تجلس فتسمع ؟ فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته نكف عنك ما تكره ؟ - قال أسيد أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا فيما يذكر عنهما، والله لعرفنا في وجهة الإسلام قبل أن يتكلم، في إشراقة وتسهله، ثم قال، ما أحسن هذا وأجمله، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ ..
قالا له تغسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى، فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً أن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، : سعد بن معاذ: ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم،فلما نظر إليه سعد ابن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على النادي قال له سعد ما فعلت ؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بنى حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك، عندها قام سعد بن معاذ مغضباً مبادراً مخوفاً للذي ذكره له من بنى حارثة، وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً: ثم خرج إليهما سعد فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف مشتما ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنابما نكره ؟ فقال له مصعب: أو تفقد فتسمع، فإن رضيت أمراً رغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ؟ قال سعد أنصفت، وكان منه ومنهما ما كان مع أسيد، فقد أسلم سعد فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، وأخذ حربته وعاد أدراجه إلى نادي قزومه، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا، سيدنا وأفضلنا رأياً،وأيمننا نقيبة، قال - فإن كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تؤمنوا الله ورسوله، فوالله ما أمسى في دار بنى عبد الأشهل رجل ولا أمرأة إلا مسلماً أو مسلمة، ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون.
كان أسعد بن زرارة أحد النقباء الأثني عشر، فقد كان نقيب بنى النجار، وقد روى شعبة عن محمد بن عبد الرحمن، أن جده أسعد بن زرارة أصابه وجع الذبح في حلقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، : لأبلغن أو لأبلين في أبي أمامة عذراً، فكواه بيده فمات. فقال رسول الله عليه صلوات الله - : ميتة سوء لليهود، يقولون هلا دفع عن صاحبه، ولا أملك له ولا لنفسي من الله شيئاً.
وكان أسعد عليه الرضوان أول مدفون بالبقيع كما يقول الأنصار، جاء قبره غيث من رحمات الرحمن، بما قدم للإسلام ولرسول الإسلام والسلام من تضحيات غاليات.