موسوعة رشفات من دقائق شراب الوصل للشيخ عبد الحميد بابكر
شرح شراب الوصل , الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) , التاريخ : الجمعة 25 جماد أول 1408 هـ = 15 يناير 1988 م , عَدَد الأبيات : 21
1- كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ *** لَكِنَّ مِثْلِي عَالِمٌ بِفُنُونِهَا
2- مَا عِنْدَهَا نُورٌ وَلَكِنْ ظُلْمَةٌ *** وَالْقَوْلُ فِيهَا عِلْمُهَا بِشُئونِهَا
3- لَوْلاَ رِيَاحٌ قَلَّبَتْ أَمْوَاجَهَا *** لَغَدَا بِهَا الإِبْحَارُ مِنْ مَضْمُونِهَا
4- لَكِنَّهَا إِنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنٌ *** مِنْهَا لِيُعْطِي الْبَعْضَ مِنْ مَضْنُونَهَا
5- مَا نُورُهَا إِلاَّ انْعِكَاسُ أَشِعَّةٍ *** مَنْ عَايَنُوهَا آيَةً يَتْلُونَهَا
6- أَنْعِمْ بِهَا بِسُكُونِهَا وَحِرَاكِهَا *** وَمُوَارِهَا فِي زَمْهَرِيرِ أُتُونِهَا
7- يَسْعَى إِلَى مَا عِنْدَهَا عُشَّاقُهَا *** وَبِهِمْ رَجَاءٌ عَلَّهُمْ يَأْتُونَهَا
8- مَرْفُوعَةٌ نُصِبَتْ وَثَمَّ تَنَزَّلَتْ *** وَالسّينُ فِيهَا السّرُّ مِنْ مَسْكُونِهَا
9- إِنْ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْصَرَ السَّاعِي لَهَا *** بَعْضَ الْمَرَائِي أَفْرَحَتْ مَحْزُونَهَا
10- كُلٌّ يَرَى فِيهَا انْعِكَاسَ مَقَامِهِ *** وَالكُلُّ يَرْجُوهَا اتِّقَاءَ فُتُونِهَا
11- أَمَّا الَّذِي بَيْنَ الْمَرَاتِبِ إِنَّهُ *** مِنْهَا تَشَعَّبَ وَالْهُدَى لَمُتُونِهَا
12- أَلْفَتْ عَلَى الْخَلْقِ الْجَدِيدِ ظِلاَلَهَا *** وَلَدَى مَرَاقِيهَا تُرَى بِعُيُونِهَا
13- إِذْ ذَاكَ لاَ فَوْقُ وَلاَ تَحْتِيَّةٌ *** وَالأَوَّلِيَّاتُ ارْتِقَاءُ بُطُونِهَا
14- الذَّاتُ وَالأَنْعَاتُ وَالأَسْمَا لَهَا *** وَالرَّبُّ وَالرَّحْمَنُ لَيْسَ بِدُونِهَا
15- مِنْهَا الرُّؤَى وَلَهَا الْمَرَائِي كُلُّهَا *** لَكِنَّهَا مَحْجُوبَةٌ بِشُئُونِهَا
16- كَمِثَالِ عَيْنِ الْعَبْدِ إِذْ ينْظُرْ بِهَا *** هُوَ لاَ يَرى مِنْهَا غُيُوبَ جُفُونِهَا
17- سُبْحَانَ رَبِّكَ عَنْ تَوَهُّمِ وَاصِفٍ *** لَكِنَّ أَهْلَ عَطَائِهَا يَصِفُونَهَا
18- الرُّسْلُ وَالتَّنْزِيلُ مِنْ آيَاتِهَا *** وَالدِّينُ وَالتَّمْكِينُ مِنْ مَخْزُونِهَا
19- وَأَمَدَّتِ الْقَلَمَ الْجَلِيلَ مِدَادَهَا *** وَلَهَا التَّنَزُّلُ فِي غَيَاهِبِ نُونِهَا
20- الكَافُ وَالْقَافَاتُ كُلٌّ عِنْدَهَا *** وَالْبَاءُ وَالْيَاءَاتُ يَأْتَلِفُونَهَا
21- الرَّتْقُ وَالْفَتْقُ اسْتِوَاءٌ عِنْدَهَا *** وَمَنَازِلُ التَّكْوِيرِ مِنْ عُرْجُونِهَا
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 1: كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ *** لَكِنَّ مِثْلِي عَالِمٌ بِفُنُونِهَا
المعني:
كَيْفَ التَّجَلِّي: كَيْفَ: استفهام تعجّبي, نحو قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم) 28 البقرة, كَيْفَ التَّجَلِّي: أي: كَيْفَ يَكُونُ التَّجَلِّي, التَّجَلِّي: هو الظهور الذّاتي لكلّ حضرة
وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ: الواو واو الحال, الْهُوِيَّةُ: من (هُو) و هُو اسم إشارة من شأنه الغيبوبية و الاستتار, يشير إلي الذّات, في حالة الغيب المطلق, و هو موطن غيب الذّات, المشار إليه في سورة الإخلاص بقوله تعالي: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ), فكانت حضرة الهُوية سابقة لحضرة الألولهية و هذه سابقة لحضرة الأحديّة, و هي الأقرب إلي الذّات, و ما يعبّر عنها بقاب قوسين
بَلْقَعٌ: مكان بَلْقَعٌ خالٍ و أرض بَلْقَعٌ, خاليةٌ قفرٌ لا شيء فيها, ليست موطن للذّات أو الأسماء أو الصفات, لتطلبها إلي وجود الثاني ال(أنتَ), الوجود العيني, مع وجود ال(أنا), الذّات الإلهي, فكان موطن غياب الأنا هو ال(هُو), قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
هُوَ الْهُو هُو بِأَسْتَارِ التَّجَلِي *** هُو الْهُو لَيْسَ هُو فَالْغَيْبُ ذَاتِي (53 ق 39)
لَكِنَّ: حرف للاستدراك و التأكيد
مِثْلِي: المِثل هو الشبيه أو الصورة, قال تعالي في الآية: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) 11 الشوري, لم يقل مثله بل قال كمثله, بكاف التشبيه, و في الحديث: "إنّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَي صُورَتِهِ", و المثل, الصورة المتكررة, و هو الخليفة, و يا المتكلم (من كلمة: مِثْلِي) تعني خليفة سيدي فخر الدين وهو الوارث القائم بأمر الطريقة في الزمان
عَالِمٌ بِفُنُونِهَا: عَالِمٌ: لديه العلمُ, بِفُنُونِهَا: بتنّوع أحوالها, الفنون الأنواع و الأخلاط
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 2:مَا عِنْدَهَا نُورٌ وَلَكِنْ ظُلْمَةٌ *** وَالْقَوْلُ فِيهَا عِلْمُهَا بِشُئونِهَا
المعني:
مَا عِنْدَهَا نُورٌ: مَا: نافية, عِنْدَهَا: في حضرتها, أي: (الهُويّة), نُورٌ: النور يعني التجلّي, أي: ليس عندها تجلّي
وَلَكِنْ ظُلْمَةٌ: لَكِنْ: للاستدراك, ظُلْمَةٌ: خِلاف النّور, حَجب, قال رضي الله عنه:
فَلَوْلاَ هُو لَمَا كُنَّا خَفَايَا *** ظَلاَمُ الْهُو كَنُورِ الْبَيّنَاتِ (52 ق 39)
وَالْقَوْلُ فِيهَا: وصفها, تقول في الشئ, تصفُه
عِلْمُهَا بِشُئونِهَا: عِلْمُهَا: العلم الذي تعلّمُه, أي: هي التي تُعطي العلم بها, بِشُئونِهَا: شُئون: جمع شأن و هو الخطب والأمر والحال, أحوالها, قال رضي الله عنه:
يَا لَعِلْمٍ عَلَّمْتَنَا يَوْمَ كَانَتْ *** كَمْ عَلِمْنَا عَنْ لِسَانِ التَّرْجُمَانِ (8 ق 65)
و قد قيل في المعني:
إنْ رُمْتَ توْصِفُهَا فَلسْتَ تَنْصِفهَا *** أَوْ رُمْتَ تَنْظُرَهَا عَيْنَك مَجَلِيهَا
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 3:لَوْلاَ رِيَاحٌ قَلَّبَتْ أَمْوَاجَهَا *** لَغَدَا بِهَا الإِبْحَارُ مِنْ مَضْمُونِهَا
المعني:
لَوْلاَ: حرف امتناع لوجود (أي: امتنع الجواب لوجود الشرط)
رِيَاحٌ: الرّياح, إشارات القُرب, و شأنها الهياج و العصف بالموجود, قال رضي الله عنه:
أُرِحْنَا بِرَاحٍ مِنْ حِمَى الْغَيْبِ سِرُّهَا *** وَصَرْصَرُهَا فِينَا الرِّيَاحُ اللَّوَاقِحُ (1 ق 82)
قَلَّبَتْ أَمْوَاجَهَا: قَلَّبَتْ أَمْوَاجَهَا: هيجتها فلم تدعها ساكنة, قال تعالي: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) 22 يونس, و قد قيل:
بَحْرُ حُبٍّ نَحْنُ فِيهِ سُفُنٌ *** مَنْ يَرثمْهُ لِلبَلاَيَا يَتَهَي
لَغَدَا بِهَا الإِبْحَارُ: لَغَدَا: اللام للتعليل, جملة جواب الشرط, غَدَا: من الغدو وقت اشتداد ضوء شمس النهار, أي: لصار واضحاً, بِهَا: فيها, الإِبْحَارُ: من إبحار السفينة سيرها في عُباب البحر, أي: السير في حضرة ال(هُو), التنقّل في مراتبها
مِنْ مَضْمُونِهَا: من: للبعضية, مَضْمُونِهَا: مضمون عندها, من الضمان و هو الكفالة, وفي الحديث: "من مات في سبيل الله فهو ضامن على الله أن يدخله الجنة", أي ذو ضمان على الله
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 4: لَكِنَّهَا إِنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنٌ *** مِنْهَا لَيُعْطِي الْبَعْضَ مِنْ مَضْنُونَهَا [/box]
المعني:
لَكِنَّهَا: لَكِنَّ: للاستدراك و التأكيد, الضمير (هَا) يعود لحضرة ال(هُو)
إِنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنٌ: إِنْ: شرطية, كَانَ فِيهَا: وُجد فيها, سَاكِنٌ: عديم الحِراك, الآية: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) 13 الأنعام
مِنْهَا: من بعضية, أي: إن كان بعضاً منها ساكناً
لَيُعْطِي الْبَعْضَ: لَيُعْطِي: اللام لام الفارقة الملازمة لخبر إِنْ, جملة يُعْطِي, يُعْطِي: من العطاء المناولة و إيصال الشئ إلي, و العطاء الكَرم, الْبَعْضَ: الجزء من الكُلّ
مِنْ مَضْنُونَهَا: مِنْ: حرف ابتداء لغاية مكانية, مَضْنُونَهَا: المضنُون هو الذي يُبخَلُ بعطائه, و هو السر و علم الغيب الخاص بحضرة ال(هُو), قال تعالي: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) 24 التكوير, أي: أنّ ال(هُو) لا يبخل بالغيب
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 5: مَا نُورُهَا إِلاَّ انْعِكَاسُ أَشِعَّةٍ *** مَنْ عَايَنُوهَا آيَةً يَتْلُونَهَا
المعني:
مَا نُورُهَا إِلاَّ: مَا: النافية و بعد إِلاَّ الاستثنائية تفيد الحصر, نُورُهَا: أي نور حضرة ال(هُو) و هو تجليّها, سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم, كيف رأيت ربك؟ فقال: "نُورٌ أنَّى أرَاه"
انْعِكَاسُ أَشِعَّةٍ: انْعِكَاسُ: مردود, أَشِعَّةٍ: الأشّعة مكونات النور, و انْعِكَاسُ أَشِعَّةٍ: أي: أن الذي يُري ليس هو النّور في ذاته و إنما مردود تجلّيه في قلب المُشاهد, فكأن المُشاهد مرآة, يري ما يري من تجلّي في قلبه, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
أَشِعَّةُ نُورٍ مِن سَنَا فَيضِ نُورِهِ *** يقَابِلُهَا عَبْدٌ فَنَى عَنْ بَقِيَّةِ (398 ق 1)
مَنْ عَايَنُوهَا: مَنْ: الذين, عَايَنُوهَا: شاهدوها عياناً, رؤية العين
آيَةً: علامة و دليل, تدلّ علي الذّات, قال تعالي في قصة سيدنا زكريا عليه السلام: (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) 41 آل عمران
يَتْلُونَهَا: يتبعونها للوصول إلي الشهود الذّاتي الصِرف, من تلي يتلو فهو تالٍ أي: متّبع, قال تعالي: (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ) 17 هود
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 6: أَنْعِمْ بِهَا بِسُكُونِهَا وَحِرَاكِهَا *** وَمُوَارِهَا فِي زَمْهَرِيرِ أُتُونِهَا
المعني:
أَنْعِمْ بِهَا: أَنْعِمْ بكذا, عبارة للمدح, بِهَا: الضمير يعود علي حضرة الهُويّة
بِسُكُونِهَا وَحِرَاكِهَا: أي: أَنْعِمْ بِسُكُونِهَا وَ أَنْعِمْ بِحِرَاكِهَا, سُكُونِهَا: تجلّيها لنفسها, وَحِرَاكِهَا: تجلّيها لأهلها, الرؤساء, قال تعالي: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا 45 الفرقان
وَمُوَارِهَا: و أَنْعِمْ بمُوَارِهَا, و مُوَارِ: من مَارَ الشيء يَمُور مَوْرا ترهيأ أي تحرك وجاء وذهب كما تتكفأ النخلة العيدانة, مُوَارِهَا: تعاقب الصحو و المحو, قال تعالي: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) 16 المُلك, أي: تتحرك و تتأرجح
فِي زَمْهَرِيرِ أُتُونِهَا: فِي زَمْهَرِيرِ: الزمهرير شدة البرد, أُتُونِهَا: مواقد النار الضخمة, الآية: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) 69 الأنبياء, نارُها بَرد, إشارة لحالة التقلّب في انتظار الشهود, قال في ذلك رضي الله عنه:
أَيَا نَارَ إِبْرَاهِيمَ هَلْ تَذْكُرِينَنِي *** بِيَوْمِ سَلاَمِ الْبَرْدِ مِنْ حَرِّ نَارِكِ (13 ق 10)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 7: يَسْعَى إِلَى مَا عِنْدَهَا عُشَّاقُهَا *** وَبِهِمْ رَجَاءٌ عَلَّهُم يَأْتُونَهَا
المعني:
يَسْعَى إِلَى: السعي المشي دون العدو, يَسْعَى إِلَى الشئ: يطلب الشئ بهمة, قال تعالي في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع الطير: (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا) 260 البقرة, يقول سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
سَعَيْتُ إِلَى مَوْلاَيَ مَرْفُــوعَ هَامَةٍ *** وَمَا زِلْتُ لِلدُّنْيَا شُــعَاعَ الْهِدَايَةِ (3 ق 1)
مَا عِنْدَهَا: ما لديها, في حضرتها, و يعني حضرة الهُويّة, ما يطلبه عشاقها من الوصل
عُشَّاقُهَا: العُشّاق, هم من حبّ فعَشِقَ, أي: أن العِشق هو درجة متقدمة من الحبّ والعشق اللزوم للمحبوب لا يفارقه
وَبِهِمْ رَجَاءٌ: وَبِهِمْ: بدواخلهم, رَجَاءٌ: أمل و انتظار
عَلَّهُم يَأْتُونَهَا: عَلَّهُم: عَلَّ: للترجّي, الضمير يعود لأهل الحضرة, يَأْتُونَهَا: يصلون إليها, قال تعالي: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) 30 القصص
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 8: مَرْفُوعَةٌ نُصِبَتْ وَثَمَّ تَنَزَّلَتْ *** وَالسّينُ فِيهَا السّرُّ مِنْ مَسْكُونِهَا
المعني:
مَرْفُوعَةٌ: توصيف لمراتب الهُوّية, و ذلك أنّ الاسم الله مكوّن من الحروف أ-ل-ل-ه, و الهاء لازمة لحدوث المعني في كل الحالات, فلا معني للاسم الله بدونها, فهي اسم إشارة من شأنه الغيبوبية و الاستتار يقتضي الوجود فلولا وجود الذّات لما كانت, فإذا حذف الألف كانت (لله) و إذا حذفت اللام كانت (اله) و اللامين كانت (أه), و إذا حذفت الألف و اللامين كانت (ه)
و الهاء إشارة لغيب الاسم الله, تأتي علي أربعة خركات الإعراب, فإذا كانت مرفوعة, قُلتَ (هُ) و تكتب هُو, وهي الهوية المعبرّة عن الغيبوبية البعيدة مع الوجود قبل التسمية
نُصِبَتْ: في حالة النصب, تقول (هَ) و تكتب هَا, وهي الهوية المعبرّة عن عالم الأرواح المجردة فوق
وَثَمَّ تَنَزَّلَتْ: تنزّلت للوجود الحسي, بالكسر, فتقول (هِ) و تكتب هِي, وهي الهوية المعبرّة عن عالم الطبيعة الأرضية
وَالسّينُ: غيب الذّات, (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) 1-3 يس, و هو موطن الحقيقة المحمديّة, قال رضي الله عنه:
وَهُوَ الْمُكَنَّى غَائِباً *** بِالسِّين يَسْبِقُهَا النّدَا (14 ق 11)
فِيهَا السّرُّ مِنْ مَسْكُونِهَا: أي: في السين, السر باطن الغيب, مِنْ مَسْكُونِهَا: في حالة السكون, تقول (هْ) و تُنطق أهْ, وهي الهوية المعبرّة عن الوجود العيني, و هي الظاهرة في الحقيقة المحمّدية (السين)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 9: إِنْ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْصَرَ السَّاعِي لَهَا *** بَعْضَ الْمَرَائِي أَفْرَحَتْ مَحْزُونَهَا
المعني:
إِنْ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنْ: ظرفية تتضمن معني الشرط, ذَاتَ: للدلالة علي ظرف الزمان, يَوْمٍ: اليوم زمن و كلمة تأتي لتسمية الأحداث العظيمة, فتقول: يوم الجمعة, يوم البعث, يوم العروبة, يوم العيد
أَبْصَرَ السَّاعِي لَهَا: أَبْصَرَ: رأي, شاهد, السَّاعِي لَهَا: الذي يسعي لها, الضمير (هَ) يعود إلي حضرة الهُويّة, الآية: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) 19 الإسراء
بَعْضَ الْمَرَائِي: بَعْضَ: جزء من الكُلّ, الْمَرَائِي: جمع مرأي, ما يُري, أي: المنظر, المشاهدات و المناظر
أَفْرَحَتْ مَحْزُونَهَا: الفرح نقيض الحزن و يعني ذهابه, محزونها, الذي حزن شوقاً إليها, إلي الوصل, الشهود, قال تعالي: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) 62 يونس, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
إِذْ قِيلَ ( لاَ خَوْفٌ ) فَأَمْرِي فِي يَدِي *** إِنْ قَالَ مِثْلُكَ يَفْرَحِ الْمَحْزُونُ (12 ق 67)
و قد قيل في المعني:
أَحْزَانُنَا بِلِقَائكُمْ أَفْرَاحُ *** وَزَمَانُنَا قَدَحٌ وَأَنْتُمْ رَاحُ
يَا سَادَةً مِنْ ذِكْرِهِمْ نَرْتَاحُ *** أَبَدَاً تَحِنُّ إِلَيْكُمُ الأَرْوَاحُ
وَوِصَالُكُمْ رَيْحَانُهَا وَالرَّاحُ
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 10: كُلٌّ يَرَى فِيهَا انْعِكَاسَ مَقَامِهِ *** وَالكُلُّ يَرْجُوهَا اتِّقَاءَ فُتُونِهَا
المعني:
كُلٌّ يَرَى فِيهَا: كُلٌّ: حرف لاستيعاب الأجزاء, أي: جميع أهل الحضرة, يَرَى: يُشاهد, فِيهَا: في حضرة الهُوية
انْعِكَاسَ مَقَامِهِ: المقام المنزلة و الدرجة و الرُتبة و القَدر, ختام المنازل للوليّ, انْعِكَاسَ مَقَامِهِ: يراها بدرجة منزلته, كانعكاس الصورة في المرآة, و لهذا كان صلي الله عليه و سلم له المقام الأسني إذ هو مرآة ذات الله, و المعبّر عنه بقوله تعالي: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) 115 البقرة
يعبّر عن مقامه رضي الله عنه بختم الصلاة, أي: السير, في قوله رضي الله عنه:
وَقَدْ نَزَلْتُ مَقَاماً لاَ يُقَامُ بِهِ *** وَفِيهِ خَتْمُ صَلاَتِي يَوْمَ صَلَّيْتُ (12 ق 69)
وَالكُلُّ يَرْجُوهَا: وَالكُلُّ: اهل الحضرة, يَرْجُوهَا: الرجاء الأمل في عونها و الانتظار
اتِّقَاءَ فُتُونِهَا: اتِّقَاءَ: طلباً للستر و الوقاية من, فُتُونِهَا: فتون جمع فتنة, و هي الاختبار لأجل التزكية و الترقية, قال تعالي لسيدنا موسي عليه السلام: (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) 40 طه
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 11: أَمَّا الَّذِي بَيْنَ الْمَرَاتِبِ إِنَّهُ *** مِنْهَا تَشَعَّبَ وَالْهُدَى لَمُتُونِهَا
المعني:
أَمَّا: للاستئناف
الَّذِي بَيْنَ الْمَرَاتِبِ: الَّذِي: إشارة لأهل موطن الحيرة, بَيْنَ الْمَرَاتِبِ: المراتب الحضرات (أو: الحُضيرات), بينها تكون مواطن الحيرة
إِنَّهُ مِنْهَا تَشَعَّبَ: إِنَّهُ: أي: ذاك الذي, مِنْهَا: مِنْ: حرف ابتداء لغاية مكانية, و الِشّعب هي الطرُق بين الجبال, و الضمير (هَا) يعود علي حضرة الهوية, الجامعة للحضرات, تَشَعَّبَ: تفرّق, فرق الجمع, و قد قيل:
وَفُؤادِي لَوْ دَرَى *** أَيَّ شِعْبٍ سَلَكُوا
وَالْهُدَى لَمُتُونِهَا: الواو استئنافية, الْهُدَى: ضدّ الضلال, الإرشاد و الدلالة علي الطريق, للخروج من موطن الحيرة, لَمُتُونِهَا: اللام للنخصيص, أي: يخصّ متونها, المُتون, جمع متن, العُمد التي يُعتمد عليها, و تعني رؤساء أهل الحضرة, السبع المثاني, اختصاصهم هداية الواصلين بين مواطن الحيرة, في مرتبة الهُو
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 12: أَلْقَتْ عَلَى الْخَلْقِ الْجَدِيدِ ظِلاَلَهَا *** وَلَدَى مَراقِيهَا تُرَى بِعُيوُنِهَا
المعني:
أَلْقَتْ: رَمت, و منه قول السحرة لسيدنا موسي عليه السلام, الآية: (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ) 65 طه, و الفاعل ضمير مستتر تقديره (هِي) يعود علي حضرة الهُويّة
عَلَى الْخَلْقِ الْجَدِيدِ: عَلَى: فوق, الْخَلْقِ الْجَدِيدِ: الإنشاء الجديد, و هو مرتبة تنزّل النور النبوي من غيب الأحدية في حُجُب الجلال العشر وصولاً للحضرة الأحمديّة, قال تعالي: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) 15 ق
ظِلاَلَهَا: الظِلال جمع ظِلّ, و الظِلُّ الموطن الذي كانت عليه الشمس ثم غابت عنه, ظِلاَلَهَا: كناية عن انعكاس تجلّي الحضرة علي أهلها من الأنبياء و أكابر الأولياء, فصاروا بذلك يمثلونها, نيايةً عن حضرة المصطفي صلي الله عليه و سلم, قال تعالي: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا) 45 الفرقان
وَلَدَى مَراقِيهَا: وَلَدَى: و عند (ظرفية), مَراقِيهَا: مواطن الرّقي, أي: نهايات المراتب
تُرَى بِعُيوُنِهَا: تُرَى: تُشاهد, شهود عيان, بِعُيوُنِهَا: الباء للوسيلة و الواسطة, أي: بواسطة عيونها, يقول سيدي فخر الدين رضي الله عنه في هذا الموطن, حيث شهود التجلّي الإلهي:
أَيَا نَارَ مُوسَى فَوْقَ ذَا الطُّورِ إِنَّنِي *** رَأَيْتُ بِعَيْنِ اللَّهِ مَنْ قَدْ أَنَارَكِ (14 ق 10)
و يُقال في هذا الموطن كذلك:
فَكُنْ نَاظِرَاً آثَارَهَا بِعُيونِهَا *** و إِلاَّ فَعَنْ آثَارِهَا لَمْ تَزَل أَعْمَي
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 13: إِذْ ذَاكَ لاَ فَوْقُ وَلاَ تَحْتِيَّةٌ *** وَالأَوَّلِيَّاتُ ارْتِقَاءُ بُطُونِهَا
المعني:
إِذْ ذَاكَ: إِذْ: ظرفية بمعني حين, ذَاكَ: اس إشارة للبعيد, أي: حين (أَلْقَتْ عَلَى الْخَلْقِ الْجَدِيدِ ظِلاَلَهَا), حضرة التعيين الثاني
لاَ فَوْقُ وَلاَ تَحْتِيَّةٌ: لا يُوجد غير نوره صلي الله عليه و سلم
وَالأَوَّلِيَّاتُ: من الأوليّة: القِدَم, يعني: إن أول ما ظهر بعد فتق العمى (الخَلق الأول) هو سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستحق بذلك الأوليّة للأوليات، فهو أول الخلق بلا استثناء, إذ كلّ عالم له أول مُبتدأ به, ومن ذلك سيدنا آدم عليه السلام أول الجسمانيات, و لكلّ خلقِ أول
قال تعالي: (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) 81 الزخرف, و ورد عنه صلي الله عليه و سلم : "أوّلُ ما خلَق اللهُ القلمَ, ثم قال له أكتب", و هكذا, فجميعها تُسمّي الأَوَّلِيَّاتُ, قال رضي الله عنه:
يَا أَوَّلَ الْخَلْقِ فِي إِطْلاَقِهِ أَلِفاً *** بِهِ التَّآلُفُ يَا قَابَ الْهِدَايَاتِ (7 ق 71)
ارْتِقَاءُ بُطُونِهَا: ارْتِقَاءُ: الارتقاء التدّرج إلي أعلا, و هو الترقّي في, بُطُونِهَا: أي: بطون الهُويّة, غيوبها, و هو التدلّي في حُجب الجلال,من حيث بدأ بالحجاب العاشر حتي الأول, و هنا يسمّي التدلّي ترقّي, ثم حضرة التعيين الثاني, أي: الخلق الجديد, الظلّ, قال رضي الله عنه:
أَوَّلٌ آخِرٌ وَلَكِنْ بِبَدْءٍ *** أَنْتَ لِلأَوَّلِيَّاتِ ظِلٌّ وَعُودُ (6 ق 86)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 14: الذَّاتُ وَالأَنْعَاتُ وَالأَسْمَا لَهَا *** وَالرَّبُّ وَالرَّحْمَنُ لَيْسَ بِدُونِهَا
المعني:
الذَّاتُ وَالأَنْعَاتُ وَالأَسْمَا: أي: الذّات و الصِفات و الأسماء الإلهيّة, ثلاث حضرات متتالية, الذّات الصِرف, ثمّ حضرات الصِفات ثمّ حضرات الأسماء
لَهَا: اللام للتخصيص, الضمير يعود علي حضرة الهُويّة, لها, متعلّقة بها, لأن الذّات الصِرف لا يقبل الاضافة و لا التقييد و لا الاطلاق, فتقييده و اطلاقه جميعه تقييد, فنسبت الذّات للهو بحكم دلالتها عليها, حيث أن الهُو يعرّف بأنه اسم إشارة من شأنه الغيبوبية و الاستتار و يقتضي الوجود, إذ ما كان يشير لعدم, و الصفات و الأسماء نسبت للهو, و كلّها متعلقة بال(هُو)
و يدلّ علي ذلك الآيات: قال تعالي: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) 23 الحشر, (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) 24 الحشر, قال تعالي: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) 18 آل عمران, فجعل الأسماء تابعة الهُويّة, كما تري
وَالرَّبُّ وَالرَّحْمَنُ: ميّز الرّب و الرّحمن لأنّ حضراتها مهيمنة علي بقية الأسماء, كما حضرة الألوهية, بالنسبة لحضرة الربوبيّة, قال تعالي: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) 64 الزخرف, و بالنسبة لحضرة اسمه تعالي الرَّحْمَنُ, قال تعالي: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ) 22 الحشر, فكذلكجعل هذين الأسمين تابعين لحضرة الهُويّة, كما تري
لَيْسَ بِدُونِهَا: لَيْسَ: للنفي, بِدُونِهَا: بِدُونِ: تتكون من حرفين الباء و تعني الوسيلة, و دُون و عني قبل أو أمام, و يبقي معني لَيْسَ بِدُونِهَا, أي: لا يمكن وجودها منفصلة عن الهُو, فهي حضرة الإشراق علي الكُلّ
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 15: مِنْهَا الرُّؤَى وَلَهَا الْمَرَائِي كُلُّهَا *** لَكِنَّهَا مَحْجُوبَةٌ بِشُئُونِهَا
المعني:
مِنْهَا الرُّؤَى: مِنْهَا: أي من حضرة الُهو, الرُّؤَى: جمع رؤيا, ما يُري في الخيال
وَلَهَا الْمَرَائِي كُلُّهَا: وَلَهَا: اللام للتخصيص, أي: تخصها, الْمَرَائِي: جمع مرأي, أي المنظر, فهي المتاظر, كُلُّهَا: كلّ حرف للاستيعاب
لَكِنَّهَا: لَكِنَّ: حرف استدراك و توكيد
مَحْجُوبَةٌ بِشُئُونِهَا: مَحْجُوبَةٌ: (أي: حضرة الهُويّة), عليها حجاب, ستر, يمنع المشاهدة, بِشُئُونِهَا: الشؤون هي جمع شأن، بمعنى أمر، مجمل غير مفصل, فالشؤون تفعلات الحق تعالى للأشياء، من حيث كينونتها في ذاته، فظهرت في التعين الثاني المرتبة الثانية وما تحتها من المراتب، بصور الحقائق المتبوعة لغيرها من الأسماء، كالحياة والعلم، وبصور أمور كائنة مثل الذوات والجواهر, قال تعالي: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ) 5 الرحمن
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 16: كَمِثَالِ عَيْنِ الْعَبْدِ إِذْ ينْظُرْ بِهَا *** هُوَ لاَ يَرى مِنْهَا غُيُوبَ جُفُونِهَا
المعني:
كَمِثَالِ: الكاف للتشبيه, مِثال: نموذج, يؤخذ بالمِثال لتقريب الصورة (التي تشببه من حيث بعض جزئياته)
عَيْنِ الْعَبْدِ: عين الإنسان
إِذْ ينْظُرْ بِهَا: إِذْ: ظرفية بمعني حين, ينْظُرْ بِهَا: يري من خلالها
هُوَ لاَ يَرى مِنْهَا غُيُوبَ جُفُونِهَا: هُوَ: الإنسان (الناظر), لاَ يَرى مِنْهَا: لا يري من عين ذاته, غُيُوبَ جُفُونِهَا: داخل الجفون, و لكنّه يري خارجها, فكأن الشئون هي الجفون بالنسبة للهُو, و لهذا يري ما انعكس فيها من الأنوار, و لاتُري في ذاتها
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 17: سُبْحَانَ رَبّكَ عَنْ تَوَهُّمِ وَاصِفٍ *** لَكِنَّ أَهْلَ عَطَائِهَا يَصِفُونَهَا
المعني:
سُبْحَانَ رَبّكَ: سُبْحَانَ: تنـزيهه تعالى عما لا يليق به, رَبّكَ: رَبّ مع كاف المُخاطب المُتلقّي عموماً
عَنْ تَوَهُّمِ وَاصِفٍ: عَنْ تَوَهُّمِ: وصف خيالي يصفه به, وَاصِفٌ, الوهم الخيال, قال تعالي: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) 180 الصافات, و قد قيل:
إِنْ رُمْتَ تَوْصِفَهَا فَلسْتَ تَنصِفَها *** أَوْ رُمْتَ تَنْظُرُهَا عَيْنَك مَجَالِيهَا
لَكِنَّ: للاستدراك و التأكيد
أَهْلَ عَطَائِهَا: الأهل هم الساكنون و المقيمون في المكان, أهل عطائها المقيمون في عطائها
يَصِفُونَهَا: يصفونها, لمعرفتهم الحقيقية بها, لا خيالاً, لأنّهم رأوها و عاينوها و شاهدوها, يستطيعون وصفها, و قد قيل:
يَقُولُونَ لِي صِفْهَا فَأَنْتَ بِوَصْفِها *** خَبِيرٌ أَجَلْ عِنْدِي بَأَوْصَافِهَا عِلْمُ
صَفَاءٌ وَلَا مَاءٌ وَلُطْفٌ وَلَاهَوَاً *** وَنُورٌ وَلَا نَارٌ وَرُوحٌ وَلَا جِسْمُ
تَقَدَّمَ كُلَّ الكَائِنَاتِ حَدِيثُهَا *** قَدِيَماً وَلَا شَكْلٌ هُنَاكَ وَلَا رَسْمُ
وَقَامَتْ بِها الأشْيَاءُ ثَمّ لحِكْمَة ٍ *** بِهَا احْتَجَبَتْ عَنْ كُلِّ مَنْ لَالَهُ فَهْمُ
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 18: الرُّسْلُ وَالتَّنْزِيلُ مِنْ آيَاتِهَا *** وَالدِّينُ وَالتَّمْكِينُ مِنْ مَخْزُوِنِهَا
المعني:
الرُّسْلُ: أصحاب الرسالات من الأنبياء
وَالتَّنْزِيلُ: ما ينزل من وحي السماء, قال تعالي: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) 1 الْفُرْقَان
مِنْ آيَاتِهَا: مِنْ: للبعضية, آيَاتِهَا: علاماتها الدّالة عليها, الضمير راجع لخضرة الهُويّة, قال تعالي في قصة سيدنا عيسي عليه السلام, الآية: (قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا) 21 مريم, و قال سيدي فحر الدين رضي الله عنه:
مَا كِتَابُ اللَّهِ إِلاَّ جَمْعُنَا *** إِنَّمَا الأَحْبَابُ آيَاتٌ بِهِ (1 ق 87)
وَالدِّينُ وَالتَّمْكِينُ مِنْ مَخْزُوِنِهَا: الواو للعطف, الدِّينُ: كل ما يتقرب به إلى الله عز وجل و يشمل مراتب الإسلام الإيمان والإحسان, وما لذلك من عقيدة و شمائل جاء ذكرها كحُسن الخُلق و وحدة الصّف, و حُسن المقصد ... الخ, وَالتَّمْكِينُ: التأييد و التّرسيخ للدين (للطريقة في هذا الزمان)
قال تعالي: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) 55 النور, مِنْ: حرف ابتداء لغاية مكانية, مَخْزُوِنِهَا: ما تخزنه, تخبئه, توسيع الأرزاق من مقتضيات التمكين
قال تعالي في قصة سيدنا يوسف عليه السلام, الآية: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ, إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) 55 يوسف, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
يَا مُرِيدِي رِضَايَ فِي ذِكْرِكَ اللَّهَ *** يَا مُرِيدِي خَزَائِنُ اللَّهِ عِنْدِي (5 ق 3)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 19: وَأَمَدَّتِ الْقَلَمَ الْجَلِيلَ مِدَادَهَا *** وَلَهَا التَّنَزُّلُ فِي غَيَاهِبِ نُونِهَا
المعني:
وَأَمَدَّتِ: الواو استئنافية, الفاعل ضمير مستتر تقديره (هِي يعود علي حضرة الهُويّة, أَمَدَّتِ: من مدّ الشئ إذا زاد فيه و كثّره, و المدد يكون من نوع الشئ, فكان مدد القلم من الحضرة هو المِداد الذي يكتب به, قال تعالي: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) 109 الكهف
الْقَلَمَ الْجَلِيلَ: الْقَلَمَ خلق الله تعالى الذي اتخذه كاتباً، و هو حضرة النبي صلي الله عليه و سلم في حضرة التعيين الأول, غيب الأحديّة, لقوله صلي الله عليه و سلم: أوّلُ ما خلق اللهُ نورَ نبيّك يا جابر" و في الحديث عن سيدنا عبد الله ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ رُفِعَ بُخَارُ الْمَاءِ، فَتَفَتَّقَتْ مِنْهُ السَّمَوَاتُ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ، فَتَحَرَّكَ النُّونُ فَمَادَتِ الأَرْضُ، فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّهَا لَتَفْخَرُ عَلَيْهَا "
و من هنا فالقلم هو غيب الأحديّة, أي: سيدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم في مرتبة التعيين الأول, أو الخلق الأول, ومرتبته القلم دون مرتبة ال (نون)، حيث النون هي المرتبة الأحمديّة, موطن غيب الذّات, و القلم مختّص بعلم التفصيل الذي أجمل علمه في ال (نون)، قال تعالي: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) 1 القلم, , الْجَلِيلَ: العظيم, صفته الجلال, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
إِنَّا بِجَمْعِ الْجَمْعِ كُنَّا عُصْبَةً *** وَإِمَامُ هَذَا الْجَمْعِ أَوَّلُ كَاتِبِ (1 ق 54)
مِدَادَهَا: إن أول شيء خلقه الله القلم ، ثم خلق " النون " وهي: الدواة, عن أبي هريرة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أول شيء خلقه الله القلم ، ثم خلق " النون " وهي : الدواة . ثم قال له : اكتب . قال وما أكتب ؟ قال : اكتب ما يكون - أو : ما هو كائن - من عمل ، أو رزق ، أو أثر ، أو أجل . فكتب ذلك إلى يوم القيامة "
وَلَهَا التَّنَزُّلُ: وَلَهَا: الواو للعطف, لَهَا: اللام للتخصيص, الضمير (هَا) يعود علي حضرة الهُويّة, وَلَهَا: أي: خُصّت ب... التَّنَزُّلُ: أن تتنزّل, من أعلي إلي درجة أدني
فِي غَيَاهِبِ نُونِهَا: فِي: ظرف يشير إلي الباطن من الأمر, غَيَاهِبِ: جمع غيهب و الغيهب هو شِدَّةُ سَوادِ الليل, أي: بطون غيب الهُويّة, نُونِهَا: أي (ن) التي تخصّ حضرة الهُويّة, و هي: ما جاء في الحديث الشريف – الدواة, و هي التي أجمل فيها (أي: النون), علم الخلق, في الحضرة الأحمديّة, و تُسمي وحدة الكون
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 20: الكَافُ وَالْقَافَاتُ كُلٌّ عِنْدَهَا *** وَالْبَاءُ وَالْيَاءَاتُ يَأْتَلِفُونَهَا
المعني:
الكَافُ: هي كاف الكون المرتبطة بالهوّية المتدلّية, و هي اعتبار الذات من حيث التعين والتعدد, و هو كاتب الحق المعبّره عنه في قوله الله تعالى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَق) 3 آل عمران
وَالْقَافَاتُ: هي أسرار الغيب الذّاتي (غيب الهويّة) و أولها (ق) المذكورة في الآية (ق * و القرآن المجيد) أي: قلب النبي صلي الله عليه و سلم, و قلب القرآن المشار إليه في الآية: (سلام قولا من ربّ رحيم) و هو يس, كما جاء في الحديث كذلك, و قلب قلب القرآن, طلاسم قلب النبي صلي الله عليه و سلم التي قرأها السادة الأقطاب, و هي: عند الإمام الرفاعي: (تنجنح حيصور توجّه حيث شئت فإنك منصور)
و عند الإمام الجيلاني: (حيصور نجيح و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل), و عند الإمام الشاذلي: (طهور بدعق محببه صوره محببه سقفاطيس سقاطيم), و زاد عليه السيد البدوي بعد سقاطيم (صيلصيم), و الإمام الدسوقي قال كلام الشاذلي نفسه لأن طريقتهم واحدة, و قلب قلب القلب, سر الطلاسم, قد قيل:
إذا كنت قرآناً فقلبك يسُ *** و إن كنت فرقاناً فمالك من قلبِ
كُلٌّ عِنْدَهَا: كُلٌّ: حرف استيعاب, عِنْدَهَا: أي: في حضرة الهُويّة, غيب الذّات
وَالْبَاءُ: الباء هي غيب الأحدية
وَالْيَاءَاتُ: هي الورثة المحمّديين
يَأْتَلِفُونَهَا: يَأْتَلِفُونَهَا: من إيلاف كلّ الحضرات في حضرة الهُويّة, لأنّ غيبها مجموع في الألف و هو أصل كلّ الكونو منه تنزّلت كلّ المراتب, فمعناه كلّهم مجمعون في حضرة الهو في كتاب الألف, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
يَا أَوَّلَ الْخَلْقِ فِي إِطْلاَقِهِ أَلِفاً *** بِهِ التَّآلُفُ يَا قَابَ الْهِدَايَاتِ (7 ق 71)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الْخَامِسَة والتِّسْعُون : ( كَيْفَ التَّجَلِّي وَالْهُوِيَّةُ بَلْقَعٌ ) – بيت رقم 21: الرَّتْقُ وَالْفَتْقُ اسْتِوَاءٌ عِنْدَهَا *** وَمَنَازِلُ التَّكْوِيرِ مِنْ عُرْجُونِهَا
المعني:
الرَّتْقُ وَالْفَتْقُ: الرَّتْقُ: الرَّتْقُ: لغةً: ضدّ الفَتْق و هو إِلحام الفَتْق وإِصلاحُه, و في اصطلاح أهل الحقيقة: الإجمال أو الجمع حالة تعدُد الواحد في الكثرة, وَالْفَتْقُ: لغةً: الشقّ, و اصطلاحاً: حالة ظهور الواحد في الكثرة, قال تعالي: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) 30 الأنبياء
اسْتِوَاءٌ عِنْدَهَا: الاستواء هو حالة البرزخيّة, و هو هنا اسْتِوَاءٌ الألوهيّة, فوق استواء العرش, قال تعالي: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ) 2 الرعد, عِنْدَهَا: في حضرتها أي: في حضرة الهُويّة
وَمَنَازِلُ التَّكْوِيرِ: وَمَنَازِلُ: المنازل هي المراتب أو الحضرات, التكوير لغةً: اللف و الجمع, و منه تكوير الليل و النهار, لفهما هذا تلو الآخر, قال تعالي: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) 5 الزمر, و يعني خواتم البدايات, جاء وصف ذلك في قوله رضي الله عنه في (1-5 ق 88):
مَا الْبَدَايَاتُ وَالْخَوَاتِمُ سَلْنِي *** أَوْ فَأَمْسِكْ فَكُلهُنَّ ابْتِدَاءُ
عِنْدَمَا كَانَ فِي الْبِدَايَةِ بَدْءٌ *** حِينَهَا كَانَ مَا يَكُونُ إِنِتهَاءُ
فَاسْتَوَى الْبَدْءُ وَالِنّهَايَةُ فِيهَا *** وَاسْتَويَ أَمْرُهَا وَذَا الإِسْتِوَاءُ
ذِي سَمَاءٌ بِهَا الْحَقَائِقُ تُطْوَى *** بَاؤُهَا يَاؤُهَا وَذَا الإِنْطِوَاءُ
فَرْقُهَا وَاحِدٌ تَوَسَّطَ جَمْعاً *** بَلْ لَهُمْ حُلَّةٌ وَفِيهَا احْتِوَاءُ
مِنْ عُرْجُونِهَا: مِنْ: حرف ابتداء لغاية مكانية, عُرْجُونِهَا: هو عُود الكِباسة. قال الأَزهري: العرجون العود من النخلة ما يحمل السبائط, أَصْفرُ عريض شبه الله به الهلالَ لما عاد دقيقاً, قال تعالي: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) 39 يس, و يعني عودة الهلال لمبدء نشأته صغيراً قبل أن ينزل منازل أخري فيكتمل لنهايته
تعليقات: 0
إرسال تعليق