موسوعة رشفات من دقائق شراب الوصل للشيخ عبد الحميد بابكر
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) التّاريخ : الثلاثاء 9 ربيع ثاني 1408 هـ = 1 ديسمبر 1987 معَدَد الأبيات : 26
1- عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْأَلُنِي *** أَلَسْتُ فِيهَا بِذِي عِلْمٍ ؟ أَقُولُ بَلَى
7- وَحَوْلَهَا - لاَ احْتِوَاءٌ - سَوَّرَتْ عَجَباً *** تَنَوُّعٌ فِي الْمَرَائِي يُشْبِهُ الْحُلَلَ
21- كَأَنَّهُمْ عَايَنُوا بَدْءاً لِخَاتِمِهِمْ *** فَطَابَقُوا - وَاهِمِينَ - النَّحْلَ وَالْعَسَلَ
26- فَيَا مُرِيدِي هُوَ التَّوْحِيدُ مَشْرَبُنَا *** وَغَايَةٌ فِي صُدُورٍ رَبُّهَا قَبِلَ
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 1: عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي *** أَلَسْتُ فِيهَا بِذِي عِلْمٍ ؟ أَقُولُ بَلَي
المعني:
عَنِ الْحُضَيْرَاتِ: عَنِ: الْحُضَيْرَاتِ: جمع الْحُضَيْرَة, بصيغة التصغير من الحَضرة, و الحضرة الحضور, و الغرض من التصغير تقليل العدد, أي: أنّها حضرات قليلة العدد لِمن فيها, و اكبر الحضرات الجمع و يليه جمع الجمع, و الْحُضَيْرَاتِ أكبر شأناً و أقل عدداً, يصفُها ب"حُضَيْرَاتِ الأَحِبَّةِ", و الأَحِبَّةُ عنده هُم الرؤساء و الأقطاب و الأكابر من الأولياء, بما فيهم الأنبياء و الرسل, قال رضي الله عنه:
يَجُوبُ حُضَيْرَاتِ الأَحِبَّةِ زَائِراً *** وَيَطْرُقُ أَبْواباً لَهَا اللَّهُ فَاتِحُ (5 ق 82)
و قال رضي الله عنه في (1-2 ق 83):
أَحَدِيَّةٌ وَالْوَاحِدِيَّةُ دُونَهَا *** مَا بَيْنَ قَابَيْ حَضْرَةِ التَّقْرِيبِ
تِلْكَ الْحُضَيْرَةُ يَا بُنَيَّ مِزَاجُهَا *** عِنْدِي وَهَذَا مَا أَسَرَّ حَبِيبِي
فِي التَّمْثَالِ: تَمْثال : مصدر مَثَّلَ, مَثَّلَ الشيءَ بالشيء : شبَّهه به وقدَّرَهُ على قدْره, في ضرب المثل بما يقرّب صورتها للمتلقي
تَسْألُنِي: خطاب للمريد, أي: أنتَ تَسْألُنِي, و سؤاله يأتي طاعة لأمر الشيخ سابقاً بأن يسأل, حيث قال رضي الله عنه:
وَاسْأَلْ مُرَادَكَ مِنْ صُنُوفْ عُلُومِنَا *** وَارجُ الْبَيَانَ الْحَقَّ بِالإِيقَانِ (4 ق 60)
أَلَسْتُ فِيهَا بِذِي عِلْمٍ ؟: أي أَلَسْتُ (أنا) فِيهَا بِذِي عِلْمٍ ؟: صاحب عِلمٍ فيها, أي: في الْحُضَيْرَاتِ
أَقُولُ بَلَي: أَقُولُ بَلَي أي أثبت علمي بها, و تستعمل بلي حيت يكون السؤال بالنفي, و هنا وجه الدقة في قوله بلي, إذ لو قال نعم لأثبت نفي العلم لأن السؤال بالنفي "ألستُ", و في قوله تعالي: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى) 172 الأعراف, قال سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنه, معلّقًا، (لو قالوا: "نَعَم" لكفروا), ووجه ذلك أنّ "نَعَم" لا تُغَيِّر من النفي والإثبات شيئًا, فلو أجابوا قائلين: "نَعَم"، لكان تأويل ذلك: "نعم لست ربّنا"، ولكان ذلك كفراً
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 2: فَاسْمَعْ لِتَمْثِيلِهَا إِنْ جَازَ قُلْ مَثَلاً *** وَحَاذِرِ الْقَيْدَ إِنِّي أَضْرِبُ الْمَثَلَ
المعني:
فَاسْمَعْ لِتَمْثِيلِهَا: فَاسْمَعْ: (أي: يا مُريدي), الفاء السببية, اسْمَعْ: عِ (فعل أمر من وَعي) ما أقول, لِتَمْثِيلِهَا: لتشبيهها, بمثال يُفهم, لتقريب الصورة
إِنْ جَازَ: إِنْ: شرطية بمعني إذا, جَازَ: يقع في الجائز من الأفعال, أي: إِنْ جَازَ تَمْثِيلُهَا, تشبيههُا
قُلْ مَثَلاً: قُلْ هذا للتشبيه
وَحَاذِرِ الْقَيْدَ: وَحَاذِرِ: تيقظ و ابتعد عن, الْقَيْدَ: القيد ضد الإطلاق أن تربط الشئ إلي مكان واحد لا يبتعد عنه, كما تقيد الناقة بالقيد, قال رضي الله عنه:
وَأَتَيْتُ بِالأَمْثَالِ ذَلِكَ رَحْمَةٌ *** فَلْيَنْتَهُوا وَلْتَحْذَرُوا مَثُلاَتِي (14 ق 26)
إِنِّي أَضْرِبُ الْمَثَلَ: إِنِّي: إنّ للتوكيد, مع يا المتكلم, أَضْرِبُ الْمَثَلَ: أضرب من الضرب و هو النوع, أي: أعطي مثالاً من نوع ما يقرّب المعني, و المَثَلُ جملةٌ من القول مُقْتطفةٌ من كلام، أَو مرسلةٌ بذاتها، تنقل ممن وردت فيه إِلى مُشَابِهِه دون تغيير, و في ذلك يقتدي - رضي الله عنه - بالقرآن الكريم, حيث قال جلّ من قائل: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) 26 البقرة, و قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
وَأَضْرِبُ أَمْثَالاً عَسَى الْقَومُ يَفْهَمُوا *** وَإِنَّ مَعَانِيهَا لَدَيَّ حَبِيسَتِي (210 ق 1)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 3: أَمَا تَرَي الشَّمْسَ إِنْ تُحْجَبْ أشِعَّتُهَا *** بِمَا يَكُنْ مُسْتَطَاعاً؟ وَاحْذَرِ الزَّلَلَ
المعني:
أَمَا تَرَي الشَّمْسَ: يضرب المَثل, رضي الله عنه, بالشَمس, أَمَا تَرَي (يا مُريدي), أما: استفهام تقريري, تَرَي الشَّمْسَ, تبصرها بعينك, و التشبيه بالشمس لأن منها الضياء و هو دليل الهداية و باعث الحياة, و القصائد دليل الهداية و باعث حياة الأرواح, قال رضي الله عنه:
فَذَاتِيَ شَمْسٌ لَوْ تَجَلَّتْ لأَحْرَقَتْ *** وَلكِنْ بِفَضْلِ اللَّهِ أضْحَتْ مُضِيئَتِي (24 ق 1)
إِنْ تُحْجَبْ أشِعَّتُهَا: إِنْ: شرطية بمعني إذا, تُحْجَبْ أشِعَّتُهَا: يوضع بينك بصرك و بينها حُجاب, ستر, يمنع أشعتها من الوصول إلي البصر, و التمثيل بالحجاب هنا, (الأبيات 3-4-5-6-7), يأتي حول أول الحضيرات و هي حضرة كنز العماء, الهويّة الإلهية, غيب الذّات
بِمَا يَكُنْ مُسْتَطَاعاً؟: بِمَا يَكُنْ مُسْتَطَاعاً رؤيته بالنسبة لك, و سيفصل ذلك علي حسب نوع الحجاب, في الأبيات التالية
وَاحْذَرِ الزَّلَلَ: وَاحْذَرِ: تيقظ و ابتعد عن, الزَّلَلَ: الوقوع و الانزلاق في الخطأ و الذَنْبٌ, قال تعالي: (فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) 209 البقرة
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 4: يَكُونُ مَا دُونَ ذَاكَ السّتْرِ ظُلْمتُهَا *** إِنْ شِئْتَ قُلْ ظُلمَاتٍ أَوْ فَقُلْ ظُلَلاَ
المعني:
يَكُونُ: يحدث
مَا دُونَ ذَاكَ السّتْرِ: مَا دُونَ: الذي أمام, ذَاكَ السّتْرِ: أي: الذي أمام ذاك الحجاب, الذي حجبت به أشعة الشمس
ظُلْمتُهَا: يكون ظُلمة, خلفه الشمس, و أمامه (ما تراه العين) ظُلْمةَ الشمس, و قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه في وصف تلك الحُضيرة (كنز العماء):
مَا عِنْدَهَا نُورٌ وَلَكِنْ ظُلْمَةٌ *** وَالْقَوْلُ فِيهَا عِلْمُهَا بِشُئونِهَا (2 ق 95)
إِنْ شِئْتَ: إن اخترت
قُلْ ظُلمَاتٍ: قُلْ: اعتبر أنها, ظُلمَاتٍ: جمع ظُلمة و الظُلمة خلاف الظّل, إذ الظلّ ما لم يقع عليه ضياء الشمس أصلاً, و الظُلمة ما كان يقع عليه الضياء ثم تركه, قال تعالي: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ) 17 البقرة,
أَوْ فَقُلْ ظُلَلاَ: أَوْ: حرف عطف للتخيير, فَقُلْ, ظُلَلاَ: جمع ظُلّة, و هي ما يتأتي من عارض يحجب ضوء الشمس عن العين كالغمام, قال تعالي: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ) 210 البقرة, و معني ذلك أنك لا تري غير الظلمة أو الظلة
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 5: فَلاَ ظُهُورَ لِنُورٍ أَوْ فَقُلْ أَبَداً *** عَنْ الْمَرَائِي احْتِجَابُ النُّورِ قَدْ كَمُلَ
المعني:
فَلاَ: فاء السببية, أي: بسبب الحجاب بين الشمس و البصر, لا النافية
ظُهُورَ لِنُورٍ: يُري ظُلمة فقط, لأن الحجاب حجب كل أشعة الشمس, و هذا شأن حضرة العماء, قال رضي الله عنه:
مَا عِنْدَهَا نُورٌ وَلَكِنْ ظُلْمَةٌ *** وَالْقَوْلُ فِيهَا عِلْمُهَا بِشُئونِهَا (2 ق 95)
أَوْ فَقُلْ أَبَداً: أَوْ: حرف إضراب, لوصف أدقّ, فَقُلْ أَبَداً: أَبَداً لاستمرار الاستحالة
عَنْ الْمَرَائِي: الْمَرَائِي مكان الرؤية أو النظر
احْتِجَابُ النُّورِ قَدْ كَمُلَ: احتجاب تام للرؤية, هذا تمثيل, بحجاب (أسود داكن كثيف) حجب كلّ أشعة نور الشمس
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 6: فَذَلِكَ النُّورُ مَكْنُونَاتُهُ كُنِزَتْ *** لَدَى الْعَمَاءِ الَّذي قَدْ كَانَ مُنْسَدِلاً
المعني:
فَذَلِكَ النُّورُ: فَذَلِكَ: الفاء تفسيرية, ذلك اسم إشارة للبعيد, إذ النور بعيد عن الرؤية (الإبصار), النُّورُ: إشارة إلي نور حقيقة كنز العماء, قال رضي الله عنه:
يَا نِعْمَ مَا طَلَعَ الْجَمَالُ مِنَ الْعَمَى *** نِعْمَ الظُّهُورُ وَجَلَّ مَنْ يَغْشَاهُ (1 ق 19)
مَكْنُونَاتُهُ: ما يخفيه
كُنِزَتْ لَدَى الْعَمَاءِ: كُنِزَتْ: خفيت, يُكنز الكنز يحفظ في خزانة, لَدَى: عند, الْعَمَاءِ: يريد بالعماء, إنعدام الرؤية, لا يُري شيئاً, و هي حضرة اللاتعيينة, قبل التعيين, قبل كل الحضرات, في الحديث عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال "كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء", و أشار إلي ذلك سيدي فخر الدين بقوله, رضي الله عنه:
( كَانَ رَبِّي ) وَذَاكَ قَوْلُ حَكِيمٍ *** ( فِي عَمَاءٍ ) نَعَمْ فَمَاذَا الْعَمَاءُ ؟ (19 ق 88)
الَّذي قَدْ كَانَ مُنْسَدِلاً: الَّذي قَدْ كَانَ: تأكيد حصول الستر, مُنْسَدِلاً: سَدَلَتِ السَّتَائِرَ: أرْخَتْهَا، أنْزَلَتْهَا, كان إشارة إلي أن ذلك العماء قد أزيح و كشف ما خلفه, لاحقاً, حضيرات متنوعة
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 7: وَحَوْلَهَا - لاَ احْتِوَاءٌ - سَوَّرَتْ عَجَباً *** تَنَوُّعٌ فِي الْمَرَائِي يُشْبِهُ الْحُلَلَ
المعني:
وَحَوْلَهَا - لاَ احْتِوَاءٌ -: الواو للاستئناف, حَوْلَهَا: يحيط بها, أي: حول حضرة كنز العماء, هُنا يصف الحضيرات الباقية, لاَ احْتِوَاءٌ, نفي الاحتواء: عكس الحول أن تحيط هي بالشئ, تحتويه, الضمير يعود علي حضرة كنز العماء
سَوَّرَتْ عَجَباً: سَوَّرَتْ: جعلت حوله سوراً, يحيط به, قال تعالي: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) 21 ص, عَجَباً: العَجَب الشئ غير المُعتاد, المُدهش, في حديث طويل لسيدنا عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه, قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة بالمدينة ، فقام علينا فقال: إني رأيت البارحة عَجَباً: رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه, ورأيت رجلا من أمتي .... الخ الحديث
تَنَوُّعٌ فِي الْمَرَائِي: تَنَوُّعٌ: كتلوّن, تظهر في أنواعٍ متعددة, فِي الْمَرَائِي: جمع مرأي: ما يُري, أي: المناظر, أي: أنواع متعددة من الْمَرَائِي أو المناظر
يُشْبِهُ الْحُلَلَ: يُشْبِهُ: تمثيل بالْحُلَل, الْحُلَلُ: الوشي والحبرة والخز والقز والقوهي والمروي والحرير و المزركش من الثياب, يعني تنوع المرائي متعدد أنواعه و ألوانه, لتعدد الحضيرات, و في وصف خاتمة الحضيرات, الأحمديّة, قال رضي الله عنه:
فَرْقُهَا وَاحِدٌ تَوَسَّطَ جَمْعاً *** بَلْ لَهُمْ حُلَّةٌ وَفِيهَا احْتِوَاءُ (5 ق 88)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 8: وَبَعْدَ هَذَا يَكُونُ الرَّتْقُ ذَا فُرُجٍ *** فَمَا الَّذِي كَانَ بَعْدَ الْفَتْقِ قَدْ حَصَلَ؟
المعني:
وَبَعْدَ هَذَا: أي: بعد تسوير العماء, كما في أشير البيت السابق
يَكُونُ الرَّتْقُ ذَا فُرُجٍ: يَكُونُ الرَّتْقُ: الرتق ضد الفتق, ما ينفذ خلاله شئ,و لذا يُقال: الرتق إلحام الفتق وإصلاحه, و قال تعالي: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) 30 الأنبياء, وفي معناها قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "الرتق الظلمة", ذَا فُرُجٍ: يَكُونُ ذَا فُرُجٍ أي: صار فيه بعد تسوير العماء صار به فُرُج, و هي جمع فُرجة, الفُرْجَةُ: شقٌّ بين شيئين، مسافة، ثُقْب. ثقوب, و هذه الثقوب تمثل مطالع الحضيرات المتعددة
فَمَا الَّذِي كَانَ بَعْدَ الْفَتْقِ قَدْ حَصَلَ؟ استفهام, لتأتي الإجابة عنه في البيت التالي
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 9: يُنَوّعُ النُّورُ مَا يَلْقَاهُ مِنْ فُرُجٍ *** فَيُبْصِرُ النَاظِرُونَ النُّورَ مُتَصِلاً
المعني:
يُنَوّعُ النُّورُ مَا يَلْقَاهُ مِنْ فُرُجٍ: يجعل النُّورُ – و هو يخترق الثقوب - نوعاّ مختلفاً لما لها, بحسب الثُقب, (حاشية: ربما يفهم ذلك من تحليل شعاع ضوء الشمس, حين يمر عبر مرشحات مختلفة الدرجات, و من ذلك ما يُري من قوس قزح لاختلاف التردد الخاص بكل لون, أو عبر المرشحات الزجاجية ... يمكن مطالعة الصورة المصاحبة)
فَيُبْصِرُ النَاظِرُونَ النُّورَ مُتَصِلاً: فَيُبْصِرُ: الفاء سببية, يُبْصِرُ: يري, النَاظِرُونَ: المشاهدون, النُّورَ مُتَصِلاً: مُتَصِلاً بعد أن كان محجوباً بالحجاب (الأسود) الذي يمثل كنز العماء, صار لكل حضيرة, ما يميزها عن الأخري
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 10: إِذَا تَرَحَّلَ مَا بَعْدَ الْحِجَابِ عَلَي *** وَمِيضِ نُورٍ غَدَا بَادٍ وَمَا أَفَلَ
المعني:
إِذَا: إِذَا شرطية, جوابها تقدم في البيت السابق:
يُنَوّعُ النُّورُ مَا يَلْقَاهُ مِنْ فُرُجٍ *** فَيُبْصِرُ النَاظِرُونَ النُّورَ مُتَصِلاً
تَرَحَّلَ: أي: (فَيُبْصِرُ النَاظِرُونَ النُّورَ مُتَصِلاً) إِذَا تَرَحَّلَ: أي: تَرَحَّلَ النُّورَ, تفرع الحضرات من الحضرة الأم, كنز العماء, تَرَحَّلَ: توشّي بألوان مختلفة, وفي الحديث: "حتى يبني الناس بيوتا يوشونها وشي المراحل يعني تلك الثياب – التي عليها التصاوير و الزخارف - ويقال لذلك العمل الترحيل", أي: تنّوع بألوان مختلفة بحسب ما يلقاه من فُرّجٍ (ثقوب)
مَا بَعْدَ الْحِجَابِ: مَا: هُوَ, بَعْدَ: ظرف مكان, الْحِجَابِ: حجاب الموجودات بعد كنز العماء
عَلَي وَمِيضِ نُورٍ: عَلَي: ظرفية بمعني فوق, وَمِيضِ نُورٍ: الوميض, هو البرق, لمعة, أي: أن الوسط نفسه نور و هذا معني ما جاء في الآية: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء) 15 النور, فهو نور النّور
غَدَا بَادٍ: غَدَا: من الغدو و هو وقت بداية سطوع الشمس, كناية عن وضوح التجلّي, بَادٍ: ظاهرٍ
وَمَا أَفَلَ: وَمَا: واو العطف, مع ما النافية, أَفَلَ: أفل أي غاب وأفلت الشمس تأفل غربت و إذا غابت فهي آفلة, الآية: (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) 78 الأنعام, وَمَا أَفَلَ: أي: النّور الذي يمثّل الحضيرة من الحضيرات المتعددة, و ذلك كناية عن ديمومية التجلّي في هذه الحضيرات, يقول سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه:
أَفَلتْ شُمُوسُ الأَوَّلِينَ وَشَمْسُنَا *** أَبَداً عَلَى فَلَكِ الْعُلَى لاَ تَغْرُبُ
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 11: لِذَا يَكُونُ لِمَنْ خَلْفَ الْحِجَابِ هُنَا *** تَنَوُّعٌ فِي الْمَرَائِي إِنْ عَجِبْتَ فَلاَ
المعني:
لِذَا: اللام للتعليل, ذَا: اسم إشارة للقريب, لهذا السبب, أن ينوّع النور ما يلقاه من فُرَجٍ, أي: تتنوع الحضيرات كل بحسب تجلّيها
يَكُونُ لِمَنْ خَلْفَ الْحِجَابِ: يَكُونُ: يحصل, لِمَنْ, خَلْفَ الْحِجَابِ: يستقبلون النور من الفُرَج, ثقوب الحجاب, أي: نور الحضيرات
هُنَا: اسم إشارة للمكان القريب, أي: لِمَنْ خَلْفَ الْحِجَابِ
تَنَوُّعٌ فِي الْمَرَائِي: الْمَرَائِي: المناظر, تَنَوُّعٌ فِي ما يرون, يشاهدون
إِنْ عَجِبْتَ فَلاَ: أي: إِنْ: شرطية, عَجِبْتَ, جواب الشرط, فَلاَ (أي: فَلاَ تَعْجِبْ), لا تندهش, من خارقة العادة
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 12: فَكُلُّ قَوْمٍ لَهُمْ إِدْرَاكُ وَاحِدَةٍ *** حُضَيْرَةٍ إِذْ تَجَلِّيهَا لَهُمْ وَصَلَ
المعني:
فَكُلُّ قَوْمٍ: الفاء تفسيرية, لما في البيت السابق, كُلُّ: حرف لاستيعاب أفراد العدد, قَوْمٍ: القوم لغة من جمعهم شأن واحد, فأهل كل حُضيرة يعتبروا قوم تلك الحٌضيرة
لَهُمْ إِدْرَاكُ وَاحِدَةٍ: لَهُمْ: يخصّهم, إِدْرَاكُ: نيل, الحصول علي, وَاحِدَةٍ: واحدةٍ من العدد
حُضَيْرَةٍ: أي: حُضَيْرَةٍ وَاحِدَةٍ
إِذْ تَجَليهَا: إِذْ: تُعرب بدل من حُضَيْرَةٍ, تَجَلِّيهَا: التجلي : هو ما ينكشف للقلوب و تُطالعه الأرواح من أنوار الغيوب الخاصة بالحضرة, أي: حضرة تظهر للعبد
لَهُمْ وَصَلَ: لَهُمْ: اللام حرف انتهاء لغاية مكانية, الضمير (هُم) يعود علي (قومٍ), وَصَلَ: لم يبق بينه و بينهم ما يفصلهم, و ذلك من باب الهبات الإلهية فهي تصل إلي المُريد أو السالك
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 13: وَفِي النِّهَايَةِ لاَ كَيْفٌ وَلاَ مَثَلٌ *** وَلاَ شَبِيهٌ وَيَا سُبْحَانَ مَنْ فَعَلَ
المعني:
وَفِي النِّهَايَةِ: بعد نهاية الوصف و التمثيل, لتقريب الصورة, و الإجابة علي (عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي)
لاَ كَيْفٌ وَلاَ مَثَلٌ وَلاَ شَبِيهٌ: لاَ كَيْفٌ: لا وصف لهيئة, وَلاَ مَثَلٌ: و لا مثلً يماثلها, وَلاَ شَبِيهٌ: تشبّه به, ذلك أن الأمر كلّه تقريب للصورة, و كما جاء في تشبيه أحوال الجنّة, كله لتقريب الصورة, روي سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"
وَيَا سُبْحَانَ مَنْ فَعَلَ: وَيَا: للمدح و التعجّب, سُبْحَانَ: تنزه, مَنْ فَعَلَ: الذي فعل, بقدرته, جلّ شأنه
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 14: بأَيِّ حَالٍ فَلاَ وَجْهٌ هُنَاكَ يُرَي *** لَكِنَّهُ النُّورُ إِذْ يُسْفِرْ كَسَا حُلَلاَ
المعني:
بأَيِّ حَالٍ: قط, أي: فَلاَ وَجْهٌ هُنَاكَ يُرَي قط, نفي مشدد
فَلاَ وَجْهٌ هُنَاكَ يُرَي: فَلاَ: الفاء استئنافية, لا: النافية, وَجْهٌ: وجه الحقّ تعالي, هُنَاكَ: في حضرة الحُضيرات (كلّها في مواطن القرب و التداني), فَلاَ وَجْهٌ هُنَاكَ يُرَي: من سبحات وجهه تعالي كما وصفها صلي الله عليه و سلم في الحديث, قال صلي الله عليه و سلم: "إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما أدرك بصره", و سيدي فخر الدين قال رضي الله عنه:
عُلُومُ الذَّتِ دُونَ السِّتْرِ وَهْمٌ *** لَهَا سُبُحَاتُ وَجْهٍ مُهْلِكَاتِ (1 ق 93)
و قال رضي الله عنه:
وَمَا السُّبُحَاتُ إِلاَّ مَحْضُ نُورٍ *** كَنَارٍ كَانَ مِنْهَا الْبَيِّنَاتُ (3 ق 93)
لَكِنَّهُ النُّورُ: لَكِنَّهُ النُّورُ: أي: يُري النُّور, في الحديث عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: "نُورٌ أنَّى أرَاه"
إِذْ يُسْفِرْ كَسَا حُلَلاَ: إِذْ: ظرفين بمعني حين, يُسْفِرْ: من السّفور الكشف و التجلّي و الظهور, كَسَا: ألبس, خلعَ خِلعة, حُلَلاَ: جمع حُلّة, كلّ حضرة لها حلّة خاصة من نور الحضرة, قال رضي الله عنه (في الحضرة الواحدية):
وَلَسْتُ نِدّاً لأَقْطَابٍ وَلاَ رُسُلٍ *** وَإِنَّما حُلَّةُ التَّوْحِيدِ حُلَّتُنَا (3 ق 35)
و قال رضي الله عنه (في الحضرة الأحديّة):
فَيَا حُلَّةَ الأَنْوَارِ يَا صِنْوَ حُلَّتِي *** لَقَدْ كَانَتِ الأَسْرَارُ عِقْداً بِجِيدِهَا (10 ق 80)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 15: وَذَلِكَ الْقَوْلُ قَدْ فَصَّلْتُ مُجْمَلَهُ *** وِقَايَةً مِنْ فُتُونٍ أَوْرَثَتْ جَدَلاَ
المعني:
وَذَلِكَ الْقَوْلُ: الواو استئنافية, ذَلِكَ: اسم إشارة للبعيد, الْقَوْلُ: ما جاء في الحديث "كان في عماء", و الذي أشار إليه سيدي فخر الدين بقوله, رضي الله عنه:
( كَانَ رَبِّي ) وَذَاكَ قَوْلُ حَكِيمٍ *** ( فِي عَمَاءٍ ) نَعَمْ فَمَاذَا الْعَمَاءُ ؟ (19 ق 88)
قَدْ فَصَّلْتُ مُجْمَلَهُ: قَدْ: للتأكيد, فَصَّلْتُ مُجْمَلَهُ: بيّنت تفاصليه, شرحته, و ضربت الأمثال فيه
وِقَايَةً مِنْ فُتُونٍ: وِقَايَةً: ستراً, مِنْ فُتُونٍ: الفُتون جمع فِتنة, و الفتنة في الذهب أن يُحمي فيخلص معدنه, و تعني نوع الابتلاء الذي يُراد منه خلوص العبد لله تعالي, قال تعالي في قصة سيدنا موسي عليه السلام: (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) 40 طه
أَوْرَثَتْ جَدَلاَ: أَوْرَثَتْ: تركت جَدَلاَ (متوارثاً) لا ينفك منه الناس جيلا بعد جيل, الجَدَل: المغالطة, قال تعالي: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) 54 الكهف
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 16: مُفَرَّقَاتٌ نُلَقّيهَا أَحِبَّتَنَا *** لِيَأْمَنُوا جَهْلَ خَوَّاضٍ إِذَا جَهِلَ
المعني:
مُفَرَّقَاتٌ: أي: الواحدة بعد الأخري, لتفصيل و بيان معني ذَلِكَ الْقَوْلُ المشار إليه في البيت السابق, و مُفَرَّقَاتٌ: يعني بها قصائد شراب الوصل, و هو اقتداء بمنهج القرآن الكريم, حيث قال تعالي: (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) 106 الإسراء
نُلَقّيهَا أَحِبَّتَنَا: نُلَقّيهَا: نُبلّغُها, قال تعالي: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) 6 النمل, أَحِبَّتَنَا: جمع حبيب أي: الذين نحبّهم, أي: أبناء الطريقة
لِيَأْمَنُوا: اللام للتعليل, يَأْمَنُوا: (أي: أَحِبَّتُنَا) لا يصيبهم أذي
جَهْلَ خَوَّاضٍ: جَهْلَ: عدم العلم, خَوَّاضٍ: من الخوض المشي في الماء, والخوض من الكلام ما فيه الكذب والباطل وقد خاض فيه, قال تعالي: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 68 الأنعام
إِذَا جَهِلَ: إِذَا: ظرفية, مثال: (إذا زلزلت الأرض زلزالها), أي: حين يجَهِلَ
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 17: فَمَا لَدَي قَوْسِهَا قَابٌ يُقَاسُ بِهِ *** فَكَيْفَ قَوْسَانِ أَوْ سَيْفٌ قَدْ انْتَصَلَ
المعني:
فَمَا لَدَي قَوْسِهَا: فَمَا: الفاء سببية, لَدَي: عند, قَوْسِهَا: الضمير راجع للقصائد, أي: كلمات القصائد, شبهها بالقوس, قال رضي الله عنه في (4-5 ق 26):
وَالْعَبْقَرِيُّ الْخُضْرُ مِنْ حَبَّاتِهَا *** مَنْظُومَةٌ يَا نِعْمَ مَنْظُومَاتِي
أَنْبَيْتُ فِيهَا عَنْ مَكَامِنِ خُصَّتِي *** تَرْمِي سَدِيدَاتٍ وَطَاشَ رُمَاتِي
قَابٌ يُقَاسُ بِهِ: القاب: مقبض القوس, في الآية: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) 9 النجم, قَابٌ يعني به مبني كلماتها, فَمَا لَدَي قَوْسِهَا قَابٌ يُقَاسُ بِهِ: أي: لا يوجد ما يُضاهي كلماتَها
فَكَيْفَ قَوْسَانِ: فَكَيْفَ: الفاء استئنافية (كيف) اسم استفهام عن الحال, أي فكيف يكون الأمر, قَوْسَانِ: جمعت بين المبني و المعني (قَوْسَانِ لكلٍ منهما مواصفات القوس الواحد), الظاهر و الباطن, أو الكلمات و المعاني, أي: فكيف تضاهي و يقاس بها و لا يوجد ما يضاهي كلماتها و لا ما يضاهي معانيها
أَوْ سَيْفٌ: أَوْ حرف عطف للتخيير, سَيْفٌ: حدّ معاني القصائد, قال رضي الله عنه:
مَا غَيْرُهَا نَظْمِي وَإِنَّ قُطُوفَهَا *** مَصْقُولَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الشَّفَرَاتِ (12 ق 26)
قَدْ انْتَصَلَ: النصل حديدة السيف ما لم يكن لها مقبض, انْتَصَلَ: نُزع نصله, فهو مهيئ للضرب به, و يعني بذلك بيانها الحقّ من الباطل, قال رضي الله عنه:
كَلِمَاتُ مَا يُتْلَى كَحَدِّ الْفَيْصَلِ *** هِيَ مِنْ عَطَاءِ الْمُنْعِمِ الْمُتَفَضّلِ (1 ق 38)
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 18: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي أَلُوذُ بِهِ *** إِلَهِيَ الْحَقُّ لاَ أَرْضَي بِهِ بَدَلاَ
المعني:
فَإِنْ تَوَلَّوْا: (يا مُريدي), فَإِنْ: الفاء استئنافية, إن: شرطية بمعني إذا, تَوَلَّوْا: أدبروا و تركوا, يعني أهل الجهل و الخوض
فَقُلْ حَسْبِي: فَقُلْ (يا مُريدي) كفايني إِلَهِيَ الْحَقُّ, الآية: (فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) 129 التوبة, و عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ : قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِي فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)"
أَلُوذُ بِهِ: ألجأ إليه, أَلُوذُ الملاذ, ألجأ إليه
إِلَهِيَ الْحَقُّ: جلّ و علا, الْحَقُّ الذي يدحض الباطل و يدمغه
لاَ أَرْضَي بِهِ بَدَلاَ: لا أقبل إلهاً غيره, قال تعالي: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) 50 الكهف
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 19: وَلاَ تَقُلْ بِاتّحَادٍ لاَ نَقُولُ بِهِ *** فَإِنَّمَا الْبَعْضُ قَدْ صَارُوا بِهِ نِحَلاَ
المعني:
وَلاَ تَقُلْ بِاتّحَادٍ: وَلاَ تَقُلْ بكذا (يا مُريدي), لا تعتقد كذا, بِاتّحَادٍ: الاتِّحاد هو عقيدة فلسفية تقول باتحاد العبد و الرّب, كما يتحد عنصران يكونان واحداً, قال رضي الله عنه في (1-2 ق 89):
فَأَمَّا عَنْ حُلُولٍ وَاتِّحَادٍ *** بِهِ يَرْمُونَنَا جَهْلاً عَيَانَا
تَنَزَّهَ ذُو الْجَلاَلِ وَذُو الْجَمَالِ *** وَنَزَّهَنَا وَطَهَّرَ مُبْتَدَانَا
لاَ نَقُولُ بِهِ: لا نعتقده, أي: نحن أهل الله و أولياؤه
فَإِنَّمَا الْبَعْضُ: فَإِنَّمَا: الفاء استئنافية, إِنَّما: إنّ للتوكيد, و ما المصدرية, تفيدان الحصر, الْبَعْضُ: الجزء, من الناس
قَدْ صَارُوا بِهِ نِحَلاَ: قَدْ: للتوكيد, صَارُوا: انتقلوا من مكان إلي مكان, أي: في اعتقادهم, بِهِ: بواسطته, نِحَلاَ: جمع نِحلة, من انتحلَ نِحلةً أي: دان بدين و مذهب, أي: صاروا بعقيدة الاتحاد, مذاهب, تفرقوا إلي مذاهب
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 20: تَعَلَّلَ الْبَعْضُ فِي التَّعْطِيلِ عِلَّتَهُمْ *** وَشَبَّهُوا - زَاعِمِينَ - الْعِلْمَ وَالْعَمَل
المعني:
تَعَلَّلَ الْبَعْضُ: تَعَلَّلَ: احتجّ و برّر, الْبَعْضُ: بعض الناس كما الناس دائماً فريقان, يعمي فريق الباطل منهم, قال رضي الله عنه:
الْبَعْض بِالْقُرْآنِ ضَلَّ وَمَا اهْتَدَى *** يَا خَيْبَةَ الْمَسْعَى بِطُولِ سُبَاتِهِ (15 ق 9)
و قال رضي الله عنه في (7-9 ق 38)
الْبَعْضُ أَمَّ السَّلْسَبِيلَ وَذَاقَهُ *** وَالْبَعْضُ عَطْشَى فِي سَحَابٍ مُثْقَلِ
وَالْبَعْضُ أَحْيَا اللَّهُ فِيهمْ عرْشَهُ *** والْبَعْضُ يَرْضَى بالدَّنِيِّ الأَسْفَلْ
وَالْبَعْضُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ قَلْباً لَهُ *** أَضْحَى يُحَاكِي مُدْبِراً فِي مُقْبِلِ
فِي التَّعْطِيلِ: التعطيل بمعنى التخلية والترك، كقوله تعالى: (وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ) 45 الحج، أي: مخلاة متروكة, والمراد بالتعطيل: إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات، سواء كان كلياً أو جزئياً، وسواء كان ذلك بتحريف أو بجحود، هذا كله يسمى تعطيلاً, فأهل العقيدة لا يعطلون أي اسم من أسماء الله، أو أي صفة من صفات الله, ولا يجحدونها، بل يقرون بها إقراراً كاملاً
عِلَّتَهُمْ: العِلّة الحُجَّةٌ و المُبرِّرٌ, مبرّرهم و حُجّتهم
وَشَبَّهُوا - زَاعِمِينَ - الْعِلْمَ وَالْعَمَل: وَشَبَّهُوا: الشبه والشبيه المثل وشبهه إياه وشبهه به مثَّله, وَشَبَّهُوا أي مثّلوا صفات الرّب بصفات العبد, زَاعِمِينَ: الزّعم القول الكَذِب, قال تعالي: (فَقَالُواْ هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) 136 الأنعام, زَاعِمِينَ - (جملة حالية) أي قالوا كذبا, الْعِلْمَ وَالْعَمَل: معضلة القدر و كون الانسان مخيّراً أم مسيّراً, فماثلوا بين ما كان في علم الله و بين ما يقع من الفعل, لقوله تعالي: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) 96 الصافات
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 21: كَأَنَّهُمْ عَايَنُوا بَدْءاً لِخَاتِمهِمْ *** فَطَابَقُوا - وَاهِمِينَ - النَّحْلَ وَالْعَسَلَ
المعني:
كَأَنَّهُمْ: الكاف للتشبيه, أنّ للتأكيد, الضمير (هُم) لجمع الغائب, أي: البعض, فرق الضلال, بنحلهم المختلفة, أي: يخيّل إليهم أنّهم
عَايَنُوا بَدْءاً لِخَاتِمهِمْ: عَايَنُوا: نظروا, بَدْءاً: بدأ الشيء: حدث وحصل, البداية: أول الأمر قبل كل شئ, لِخَاتِمهِمْ: خاتِم كل شيء وخاتمته : عاقبته وآخره, أي: أنّهم انتهوا من حيث بدأوا, من موطن الجّهل بالحقيقة, يعني أهل الضلال
فَطَابَقُوا: المطابقة المساواة, لم يفرقوا بين النحل و العسل (الكلمات و المعاني)
- وَاهِمِينَ -: الوهم الخيال و الظنّ, باتباع الخيال و الظنّ
النَّحْلَ وَالْعَسَلَ: قال تعالي: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) 68-69 النحل, و الإشارة هنا للكلمات بالنحل و للمعاني بالشراب (العسل) الذي يخرج من بطون الكلمات, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
كَمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ يَعْسُوبَةٍ *** فَوْقَ الْمَعَانِي تَمْلِكُ الأَحْكَامَ (15 ق 69)
و اليسعوبة, النحل, فَطَابَقُوا النَّحْلَ وَالْعَسَلَ: جعلوا الكلمات هي المعاني أي: أخذوا بظاهرها و لم يتدبّروا معانيهاو و إذا أخذت مثالاً: الاستواء فهموه بظاهر اللفظ,فضلّوا عن المعني
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 22: تَضَارَبَتْ عِنْدَهُمْ أَلْفَاظُهُمْ دَخَلاً *** فَخَالَطُوا بِالْخَلِيلِ الْخَلَّ والْخَلَلَ
المعني:
تَضَارَبَتْ عِنْدَهُمْ أَلْفَاظُهُمْ: تَضَارَبَتْ: اختلفت كلمتهم, عِنْدَهُمْ: في مذهبهم, أَلْفَاظُهُمْ: أقوالهم, قال تعالي: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) 18 ق
دَخَلاً: الدَّخَلُ العيب والغش والفساد, قال تعالي: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) 92 النحل, أي: اختلفت كلمتهم من فساد عقولهم و خداعهم
فَخَالَطُوا: الفاء سببية, خَالَطُوا: من خلط الشيء بالشيء يخلطه خلطا وخلطه فاختلط مزجه واختلطا وخالط الشيء مخالطة وخلاطا مازجه والخلط ما خالط الشيء كأخلاط الدواء ونحوه, يريد أهل النحل و المذاهب الفاسدة
بِالْخَلِيلِ الْخَلَّ والْخَلَلَ: الباء حرف لاصق, الْخَلِيلِ: من الخُلَّةُ : الصداقةُ والمحبَّة التي تخلَّلت القلب, الْخَلَّ: ما حَمُضَ من عصير العنب وغيره, والْخَلَلَ: الفسادُ والضَّعْفُ, أي: انّهم تلاعبوا بالألفاظ, لتشابهها فخلطوا معانيها و لم تعُد تميّز عندهم من بعضها
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 23: فَخَلِّ عَنْكَ انْتِحَالَ الْقَوْمِ نِحْلَتَهُمْ *** فإِنَّمَا الدِّينُ - إِنْ كَرهُوا - قَدْ اكْتَمَلَ
المعني:
فَخَلِّ عَنْكَ: فاترك
انْتِحَالَ الْقَوْمِ نِحْلَتَهُمْ: الْقَوْمِ من اجتمعوا علي شأن واحد كثر عددهم أو قل, انْتِحَالَ الْقَوْمِ نِحْلَتَهُمْ: ذهابهم مذهبهم
فإِنَّمَا: الفاء سببية, إنّما: تتكون من (إنّ) للتوكيد و (مَا) المصدرية, تفيد التأكيد و الحصر
الدِّينُ - إِنْ كَرهُوا - قَدْ اكْتَمَلَ: الدِّينُ: بكلّ مراتبه, - إِنْ كَرهُوا -: إن رفضوا و أبوا, قَدْ اكْتَمَلَ: قَدْ: للتوكيد, اكْتَمَلَ: تمّ فلم ينقصه شئ, و ذلك من قوله تعالي: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) 8 الصف
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 24: وَلاَ تَقُولَنَّ فِي التَّشْبِيهِ قَوْلَتَهُمْ *** وَكُنْ بِمَا جَاءَ عَنَّا الْعَيْنَ مُكْتَحِلاَ
المعني:
وَلاَ تَقُولَنَّ فِي التَّشْبِيهِ قَوْلَتَهُمْ: وَلاَ تَقُولَنَّ: (أي: يا مُريدي), و لا تعتقد, فِي التَّشْبِيهِ: التمثيل, لأنك سألت (عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي), قَوْلَتَهُمْ: اعتقادهم, لا تجسّم, لا تعطّل, لا تخلط, لا تعتقد بالحلول, لأنّ ما قلته لك للتمثيل, لتقريب الفهم
وَكُنْ بِمَا جَاءَ عَنَّا الْعَيْنَ مُكْتَحِلاَ: نعيد ترتيب العبارة للفهم: (وَكُنْ مُكْتَحِلاَ الْعَيْنَ بِمَا جَاءَ عَنَّا), و هي جملة محذوف اسم كان فيها, أي: وَكُنْ أنتَ مُكْتَحِلاَ الْعَيْنَ بِمَا جَاءَ عَنَّا: مُكْتَحِلاَ الْعَيْنَ: الكحل ما يكتحل به أي: يوضع في العين يشتفى به, بِمَا جَاءَ عَنَّا: علمُنا, الذي أتينا به, شراب الوصل
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 25: وَرَتِّلِ الآيَ فَالْقُرْآنُ مَلْجَأُنَا *** وَكُنْ عَنِ الزَّاعِمِينَ الدَّهْرَ مُشْتَغِلاَ
المعني:
وَرَتِّلِ الآيَ: (أي: يا مُريدي), الآيَ: جمع آيةُ, وَرَتِّلِ: الواو استئنافية, رَتِّلِ: (فعل أمر) من الرتل حسن تناسق الشيء ورتل الكلام أحسن تأليفه وأبانه وتمهل فيه والترتيل في القراءة الترسل فيها والتبيين من غير بغي, قال تعالي: (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) 4 المزمل, أي: ومع أخذك بكلامنا في شراب الوصل, رتّل آيات القرآن الكريم, اقرأها بتمهل و تبيّن معانيها, لا تقرأها قراءة عابرٍ
فَالْقُرْآنُ مَلْجَأُنَا: الفاء للتأكيد, الْقُرْآنُ مَلْجَأُنَا: نلجأ إليه نحتمي به, قال رضي الله عنه:
لاَ تُسَامِرْ يَا مُرِيدِي أَهْلَ خَوْضٍ *** إِنَّ فِي الْقُرْآنِ زَادَ السَّالِكِينَ (18 ق 62)
وَكُنْ عَنِ الزَّاعِمِينَ الدَّهْرَ مُشْتَغِلاَ: وَكُنْ: فعل أمر, وطّن نفسك علي عدم الاشتغال بهم, عَنِ الزَّاعِمِينَ: القائلين بالكذب و الضلال, الدَّهْرَ: ظرف زمان, أي: طول الدّهر, كلّ وقتك, مُشْتَغِلاَ: اشغل نفسك بغيره, تلهّي عنه
شرح شراب الوصل الْقَصِيدَة الثّانِيَة والتِّسْعُون : ( عَنِ الْحُضَيْرَاتِ فِي التَّمْثَالِ تَسْألُنِي ) – بيت رقم 26: فَيَا مُرِيدِي هُوَ التَّوْحِيدُ مَشْرَبُنَا *** وَغَايَةٌ فِي صُدُورٍ رَبُّهَا قَبِلَ
المعني:
فَيَا مُرِيدِي: الفاء استئنافية مع يا النداء, مريدي, ابن الطريقة, عرّفه رضي الله عنه بقوله:
وَلَسْتُ بِنَاءٍ عَنْ مُرِيدِيَ لَحْظَةً *** وَإِنَّ مُريدِي مَنْ أَرَادَ إِرَادَتِي (266 ق 1)
هُوَ التَّوْحِيدُ: هُوَ: أي: الذي يعصمنا من الزلل, و التفرّق مذاهبا, التَّوْحِيدُ: في كلّ مراتبه, توحيد الألوهية, توحيد الربوبية, توحيد الذّات, توحيد الصِفات, توحيد الأسماء, توحيد الأفعال, قال رضي الله عنه:
أَمَّا عَنِ التَّوْحِيدِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ *** خَتْمُ الْمَرَاتِبِ خَصَّةُ الإِنْسَانِ (15 ق 80)
و قال رضي الله عنه في (20-21 ق 62):
شَأْنَي التَّوْحِيدُ فِي بَطْنِ الْمَعَانِي *** لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ
نَكْرَعُ التَّوْحِيدَ إِمْدَاداً وَفَضْلاً *** وَالْخِلاَفَةُ إِنْ أَرَدْتَ الْحَقَّ فِينَا
مَشْرَبُنَا: نا المتكلم الجمع, بلسان أهل الجمع, الأولياء, أهل الله, أهل التصوف, المَشرَبُ الشئ الذي يُشرب, الشّراب و أكثر ما يُرمز له بالخمر, الشّراب في علم الحقائق هو تلقّي الأرواح للعلم و التجلّيات, قال رضي الله عنه في (13-17 ق 35):
شَرَابُ قَوْمِي عَظِيمٌ جَلَّ صَانِعُهُ *** وَفِي كُؤُوسِ الْخَفَا نَسْقِي أَحِبَّتَنَا
مُعَتَّقٌ مِنْ قَدِيمِ الْوَصْلِ مُتَّصِلٌ *** أَكُفُّهُ فِي سَخَاءٍ مِنْ حِمَايَتِنَا
فَلِلْتَجَلى شَرَابٌ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ *** وَكَفُّ بَأْسِ التَّجَلِي تِلْكَ صَنْعَتُنَا
فَيَشْرَبُ الْحِبُّ صَافِي الْعَذْبِ أَعْذَبِهِ *** وَسَلْسَبِيلُ الْعَطَايَا مِلْءُ حَانَتِنَا
وَيَكْرَعُ الْعِلْمَ سَهْلاً مِنْ مَنَابِعِهِ *** وَيَشْهَدُ الْعِلْمَ مَكْنُوزاً بِآيَتِنَا
وَغَايَةٌ فِي صُدُورٍ: وَغَايَةٌ: مُنتهي المقصد, فِي صُدُورٍ: الصدور هي مكان خزن العلوم و كنزها, قال تعالي: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) 49 العنكبوت, قال رضي الله عنه:
وَأُودِعَتْ فِي صُدُورٍ لِى خَزَائِنُهَا *** مَكَامِنُ أَهْلُهَا سَارُوا عَلى قَدَمِي (8 ق 40)
رَبُّهَا قَبِلَ: رَبُّهَا: من قام بأمرها في موطن الربوبية, التربية, أي: في الدنيا, قَبِلَ: رضيها في عباده, أي: رضي أهل تلك الصدور التي تحلّت بالتوحيد الأعلي
تعليقات: 0
إرسال تعليق